no person

الكتب (15)

السيرة الذاتية الأنبا غريغوريوس – الجزء الثالث no person

السيرة الذاتية الأنبا غريغوريوس – الجزء الثاني no person

السيرة الذاتية الأنبا غريغوريوس - الجزء الأول no person

القراءة الربانية no person

أحجار على رقعه الشطرنج - وليام كار no person

المعاني الخفية لحركات السياسيين no person

الشباب و الجنس - أ.سليمان نسيم no person

الحل الأمثل للضغوط - مارك.ر.ماكمين no person
المقالات (358)
22 مايو 2025
مشكلة الإخوة الطوال
الأخوة الطوال ويوحنا ذهبى الفم
تعليق: قبل أن نتكلم عن مشكلة الإخوة الطوال مع البابا ثاوفيلس لوحظ أن بابا الإسكندرية كانت من طباعه أن يسير بخطه محاولة وضع أتباعه فى مراكز الأسقفية بالعالم القديم فكان فى قبرص أسقف مصرى وفى أورشليم وفى خلقيدونية وكان يريد وضع القديس إيسيذوروس كبطريرك للقسطنطينية ولكنه أخفق فقد إختير ذهبى الفم، وقد تردد أنه خصاله أنه عنيف فى مقاومة خصومه يكيل لهم بمكيالين ولم يكن يهتم كثير بالعقيدة الإيمانية المسيحية فمثلاً إنحاز مع الرهبان أصحاب هرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism وقال لهم عندما رأيتكم كمن رأيت وجه الإله، ولم ينسحب الرهبان الهراطقة إلا بعد أن وعدهم بحرمان أوريجانوس وكتابات أوريجانوس بل وكل من يقرأ كتابات أوريجانوس (وهذا ما تم فعلاً فى عيد الفصح التالى)، فهل فعل هذا لأنهم كثيرى العدد، كما أنه لم يتضح هل إنحيازه لهم نتيجة خوفه منهم؟ أم لأنه إعتنق هذه الهرطقة؟ أم لأنه يريد إنتقاماً من خصومه فركب الموجة العالية حتى يصل إلى مرماه أم ماذا؟ أم كما يقول المؤرخين الغربيين أنه كان رجلاً عنيفاً غضوباً لا يرحم معارضيه وأطلقوا عليه أسم فرعون؟ أم أنه كان محباً للسلطة والشهرة هدم الهياكل الوثنية ليكون اسمه على كل لسان وهاجم الأوريجانية وكأنه هاجم هرطقة تهدد الكنيسة ليكون اسمه على كل لسان؟ لقد حاول الأغلبية من مؤرخى الكنيسة القبطية تجميل صورة هذا البطريرك ودفع الإتهامات عنه بإخفاء بعض الحقائق أو ذكر بعضها والرد على الإتهامات ولكنهم أخفقوا جميعا والبعض أظهرها غير واضحة وعندما سرد أحد الاباء الموقرين ما قالة المؤرخين وسئل عن هذا قال: لقد ذكرت الحقيقة إحقاقاً للحق!!
من هم الأخوة الطوال؟
نشأ الأخوة الطوال فى الفرما وأصبحوا من بين رهبان هناك، وكانوا أربعة أخوة إشتهروا بطول القامه وعرفوا فى التاريخ بأسم " الأخوة الطوال " وكان أكبرهم فى العمر أسمه الآباء أمونيوس (آمون) وأطلقوا عليه أسم باروتيس (أطلق عليه المؤرخين لقب باروتيس ومعنى هذا الإسم: صاحب الأذن الواحدة) أرسل ثيوفيلوس جنوداً ليجلبوا امونيوس بالقوة لرسامته أسقفاً. فلما رأى الجنود قادمين، أمسك بالسكين التي يستخدمها لتقشير الخضار وقطع إحدى أذنيه. فلم يعد يستوفي شروط الأسقف، وقال إذا أصر البابا تيموثاوس على رسامته فسيضطر إلى قطع لسانه فتركوه، وقد سافر أمونيوس مع البابا أثناسيوس الرسولى إلى رومية عام 341م والأخ الثانى أسمه ديسقوروس أقامه البابا ثاؤغيلس أسقفاً لواحة هرموليس " الأشمونين" أما الأخ الثالث وأسمه يوساب والرابع وأسمه أنتيموس أقامهما البابا قسيسين فى كنيسة الإسكندرية هؤلاء الإخوة اتسموا بالروحانية والنسك، وقاموا بالنضال ضد الأريوسية بعد نياحة البابا أثناسيوس. وكانوا على علاقة طيبة بالبابا تيموثاوس والبابا ثاوفيلس حتى سنة 400م، فقد أحبهم وأكرمهم كرامة زائدة، فرسم ديسقورس أسقفًا على هرموبوليس كما سام اثنين منهم يوساب و أنتيموس كاهنين بعد اعتذارهم عن السيامة كأساقفة. لقد أراد البابا أن يستبقيهم معه في الإسكندرية لمساندته في الرعاية لكنهم فضلوا سكنى البرية وكان من أكبر مناطق تجمع الرهبان المصريين فى عصر البابا ثائوفيلس 23 الأولى: منطقة نتريا ، الثانية: منطقة الإسقيط وتشمل أديرة وادى النطرون وبدأت أتعاب البابا ثائوفيلس 23 مرة اخرى
وفي البداية كان البابا محبًا لكتابات أوريجينوس، حتى أنه في سنة 399م إذ رأى الخلاف محتدمًا بين يوحنا أسقف أورشليم وهو من رهبان وادى النطرون وجيروم بسبب العلامة أوريجينوس حاول مصالحتهما، فشعر جيروم (القديس إيرونيموس) أن البابا ينحاز لأوريجينوس، فكتب إليه بعنف يقول: "إنك لا تعرف كيف يكون الجدل والمناقشة، لأنك تعيش مع رهبان يجلون قدرك ويرفعون مقامك ويجلون قدرك عند مقابلتهم إياك بل يحبونك ويظهروا لك إخلاصهم بولاء لأنك لم تظلمهم أو بالحرى لم تقسو عليهم فى شئ " ولكن فى الحقيقة لم ينقضى وقت حتى ظهر الخلاف بين رهبان مصر وإنحاز البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لرهبان الإسقيط وعامل رهبان نتريا قسوة .
العلاقة المميزة بين رهبان الإسقيط والبابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23
تقول مسز بتشر : " أن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 كان على وفاق ووئام تام مع جماعة الرهبان العديدين فى مصر خصوصاً مع رهبان وادى النطرون الذى هو أكبر الأديرة وأقرب لمدينة الإسكندرية وكانوا قد ساعدوه فى هدم الهياكل وتدميرها فمدح غيرة إيمانهم وكافأهم على ذلك بأن كان يختار من بينهم ليرسمهم لرتبة الأسقفية كلما كانت تسنح له الفرصة وكان من بين الذين أصبحوا أساقفة ديسقوروس أحد الإخوة طويلى القامة، وكان أسقفاً على هرموبوليس (المنيا)، أما شقيقاه يوساب وبوثيموس كان البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 طلب منهم أن يتركا دير وادى النطرون ورسمهما كاهنين فى كنيسة الإسكندرية "
هرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism
هرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism (الأنثروبومورفيزم): بسبب بدعة انتشرت بين بعض رهبان الإسقيط كان رأسها أفوديوس من بين النهرين مؤداها أن الإله ذو صورة بشرية وذو أعضاء جسمية ، وفي نفس السنة نشر البطريرك رسالة عيد الفصح السنوية، فاغتاظ أولئك الرهبان من عبارة وردت فيها وهى قوله: "إن الله روح لا يدركه الفهم، وليس هو مجرد إنسان يقع تحت الحد والحصر"، فهاجوا على البطريرك لما رأوه يخالفهم في الاعتقاد وترك وتصف المؤرخة مسز بتشر هياج رهبان الإسقيط فتقول: " وكان أساس هذا الفكر هو الراهب سيرابيون
رهبان الإسقيط يريدون الفتك بالبابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 فلما قرأ هؤلاء العميان هذه الرسالة حنقوا وهاجوا هياجاً لم يكن منتظراً من رهبان تركوا العالم وقاموا بجيش جرار، وتركوا وادى النطرون وساروا بعرض الصحراء إلى أن وصلوا القصر الذى كان يقيم فيه البابا فإحتشدوا حوله كالنمل وأخذوا يصيحون ويتوعدون ويتهددون البابا بالموت العاجل إن لم يسحب كلامه ويعدل عن رأيه فى رسالته الفصحية . أكثرهم قلاليلهم وجاءوا كجيشٍ جرارٍ إلى الإسكندرية وعزموا على الفتك بالبطريرك حالما يقع بصرهم عليه واحتشدوا حول داره وهم يتهددونه ويتوعدونه.
وإذ رأى أن قلوبهم مملوءة بالغيظ ولم يجد له عضدًا أسرع على مرتفع وصعد عليه وخاطبهم بعبارات رقيقة تهدئ الخواطر الهائجة ومن ذلك قوله لهم: "إنني إذا رأيت وجوهكم أشعر كأني أشاهد الله لأنكم على صورته ومثاله"، فسكن ثورتهم قليلاً، وفهم من عبارته أنه لا يخالفهم فى الإعتقاد وتستطرد مسز بتشر قائلة: " ولكن هذا هذا التملق لم يكن ليسكتهم أو يوقفهم عند حدهم بل صاح بعض زعمائهم طالبين من البطريرك أن يحرم أوريجانوس ويشجبه إنهم إعتبروا ان البدعة التى ذكرها البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 فى رسالته الفصحية حسب زعمهم وتفكيرهم قد إقتبسها البابا من آراء أوريجانوس وكتاباته أو أفكاره .. فلم ينصرفوا من أمام الدارالبطريركية إلا بعد أن وعدهم البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 بتنفيذ طلبهم بحرمان أوريجانوس " أما الأخوة الطوال فلم يرضهم تصرف البابا وإزدروا بتملقه، وعادوا راجعين إلى وادى النطرون دون أن يقابلوه ويفصحوا عن وجهة نظرهم ولكن الخلاف لم بنتهى فإضطر البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 أن يصالح هؤلاء الرهبان المتحفزين للثورة والفتك به وكان يخشاهم لأنه إستخدم بعضهم كأساقفة وفى المصالح الكنسية، وإستمر فى إختيار زعمائهم للمناصب الكنسية خوفاً من بطشهم وعنفهم حتى يبعدهم عن إثارة الرهبان ضده وعن مركز الثورة .
البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 يحرم أوريجانوس وكل من يقرأ كتبه
وكان رهبان الإسقيط يظنون أن العبارة التي أوردها عن الإله في رسالة عيد الفصح اقتبسها من مؤلفات أوريجينوس. لذلك طلبوا إليه بشدة أن يحرم أوريجينوس وكل من يطالع كتبه فوعدهم بذلك ثم انعكف حسب قول المؤرخين على مطالعة كتب أوريجينوس إذ لم يكن طالعها قبلاً فتبين من بعض ألفاظها ما يشعر بضلاله وفي أوائل السنة التالية شكل مجمعًا حرم أوريجينوس وندد بتعليمه في رسالة عيد الفصح بل وحرم كل من يقرأ كتاباته.
مشكلة الإخوة الطوال القامة
(تعليق: أمامنا فى كتب التاريخ مجموعتين من الرهبان رهبان الأسقيط الذى عرفنا عنهم أنهم يعتنقون فكر تجسيم الله، والمجموعة الثانية هم رهبان نتريا الذين إعتنقوا فكر أورجينوس وهو الفكر المجازى، وكان رهبان الإسقيط أكثر عدداً وقوة من رهبان نتريا، وكان من الواضح أن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23مال لفكر رهبان الإسقيط بعد أن كان ميالاً للفكر الأوريجانى وكانت مشكلة الإخوة الطوال القامة الأوريجينيين هى المشكلة الرئيسية التي شوهت صورة هذا البابا فى التاريخ) إذ درس البابا ثاوفيلس كتابات العلامة أوريجينوس واكتشف بعض الأخطاء اللاهوتية صار مقاومًا لكل ما هو أوريجيني ويقول الأنبا أيسذورس: " وظهر شقاق بين رهبان مصر بسبب مؤلفات أوريجانوس العلامة فكان: بعضهم يحرم القراءة فيها وهم رهبان الإسقيط .. والبعض الاخر يحل ذلك وهم رهبان جبل نتريا (الفرم) فذهبت سفارة (أى مجموعة منتدبة من رهبان الإسقيط) وألحت على البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 أن يحرم من يقرأ تلك المؤلفات ففعل برأيهم أى أنه حرم كل من يقرأ كتابات أوريجينوس
إيسودورس (إيزودورس - إيسيذورس) أمين الصندوق
يقول القس منسى: " أما ما ألهب الموقف بينهما (البابا والأخوة الطوال) فهو خلافه مع القديس إيسيذورس الذي مارس الحياة النسكية بنتريا وقد اتسم ببشاشة الوجه واللسان العذب فسامه البابا أثناسيوس كاهنًا . أحبه البابا ثاوفيلس جدًا حتى رشحه للبطريركية بالقسطنطينية عوض ذهبي الفم، لكن هذه الصداقة انقلبت إلى عداوة سافرة إذ عاد إلى نتريا يلتصق بالإخوة الطوال الذين يمثلون حزبًا أوريجينيًا مضادًا للبابا الذي في نظرهم قد ملأ الأنثروبوموفليت الإسقيطيين، واعتبر البابا هذا التجمع تحديًا له، ومارس الطرفان ضغوطًا شديدةً. "
تقول مسز بتشر: " وكان إيسودورس (إيزودورس) أمين صندوق كنائس الإسكندرية صديقاً حميماً البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 ودامت هذه الصداقة بينهما مدة من السنين، ولكن لأسباب ما تغير الحال وأصبحت الصداقة عداوة، وإستحكم الخلاف بين الإثنين، ولما كان إيسودورس يعتقد أن الإله روح، إتخذ البابا ثاؤفيلس إعتقاده لإيقاع به، بأن إنضم لأولئك الرهبان الهراطقة الذين كان ينفر منهم وحرضهم ضد إيسودورس . وقد ذكر البعض أسباب كثيرة قالوا أنها منشأ هذا الخلاف ولكن الذى يقرب إلى العقل (من المنطق) أن سبب الخلاف بينهما هو خلاف مالى يختص بالصندوق لأن الدراهم علة كل البلايا وسبب للخلاف والإنشقاقات فى هذا العالم، وكما قال الكتاب المال أصل لكل الشرور ويقول الأروام الملكيين" وأراد ثيوفيلوس أن يغتصب ثروة أرملة. ولكن كيف يبرر هذا الاغتصاب؟. فلجأ إلى مدير أبرشيته: الايكونومس ايزيدوروس. إلا أنه كان تقياً صالحاً فرفض أن يشاركه في هذه السرقة. فغضب وأصدر أمره بإلقاء القبض عليه وتعذيبه وتسليمه للقضاء. إذا كان الأسقف الإسكندري يتمتع بصلاحيات زمنية. ولإثبات التهمة كان الفرعون بحاجة إلى شهود. ولمّا كان مدير الأبرشية يتمتع بسمعة طيبة وصيت حسن، وجب إذن أن يكون الشهود أوفر فضيلة منه. ولا يتمتع بهذه الفضيلة إلا الأخوة الطوال. فاستدعاهم ثيوفيلوس وطلب منهم الشهادة. ولكنهم رفضوا بحزم. فأصدر أمره للجنود، فعذبوا الأخوة الطوال ثم قيدوهم بالحديد. وتولى ثيوفيلوس بنفسه ضربهم، بيديه. ثم راح يدوسهم برجليه. ثم اقتيدوا للسجن في سلاسل الحديد. وهزّ هذا المنظر الإسكندرية بأسرها. فلم يكن أمام ثيوفيلوس إلا أن يذيع خبر بأن الأخوة الطول أصحاب هرطقة. ولم تنجح الحيلة فأطلق سراحهم."وإضطر البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 أن ينحاز لمجموعة رهبان السقيط الذين ضد مبدأ أوريجانوس الصحيح وهؤلاء الرهبان الذين كانوا يعتقون بإنسانية الإله وحسب ما ذكرنا سابقاً أنه فى أوائل السنة التالية شكل هذا البطريرك مجمعاً حرم أوريجانوس وتعاليمه ومن يقرأ كتاباته وقد كان هذا الحرم لوعد وعده مسبقاً لرهبان الأسقيط قبل قراءة أو فحص كتبه .
نفى الرهبان ومقابلة البابا لوفد رهبانى يرأسة احد الإخوة الطوال
لم يكتف البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 بذلك بل أنه فى رسالة الفصح سنة 401 م كتب ضد أوريجانوس كلاماً مؤلماً وذكر منه غلطات وهفوات لم يكن لها وجود فى هذا الرجل النابغة ولكنها خرجت من مخيلة البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 وأخيراً حكم عليه بأنه هرطوقى مبتدع وبدأ الخلاف بين إيسودورس والبابا يتسع فإستعمل البابا القوة ضده وضد مؤيديه فإضطر إيسودورس فى نفس السنة أن يهرب من الإسكندرية ويقيم فى وادى النطرون مع جماعة الرهبان الموجودين فيه، فلم يكن أمام البابا إلا ان يصدر أمره إلى أساقفة الإبروشيات ورؤساء الديرة بنفى وطرد جميع الرهبان الذين يبجلون أوريجانوس ويتبنون أسلوبه المجازى فى تفسير الكتب المقدسة، او يرددون أقوال أوريجانوس وعندما وصل هذا الأمر الباباوى إلأسقف أمونيوس وهو أحد الأخوة الطوال القامة لم يسكت بل ذهب إلى الإسكندرية يرأس وفداً من الرهبان ليحتج ضد أعمال وأوامر البابا ويعترض على إتهامه لهم بأنهم مبتدعين لأنهم رفضوا قبول تفسير وفهم الكتاب المقدس بطريقة حرفية ناقصة كالرهبان الغبياء الذين كانوا يفسرون الكلمات التى تقال عن افله تفسيراً حرفياً وجعلوا الإله فى الشكل إنساناً وكان لما إنتشرت هذه الهرطقة وإعتنقها كثير من الرهبان الأغبياء الجهلة أن البابا ثاؤفيلس هابهم ومال لمذهبهم ولم يذكر المؤرخون أنه مال لمذهبهم إقتناعاً أم خوفاً أم لأن لهؤلاء الهراطقة من القوة بحيث إستغلها كمطرقة لضرب من لا يميل إليهم من الأساقفة والرهبان، ولكن فى كلا هذه الحالات كان يخالف ضميرة وإيمانه المسيحى، وقد جامل هؤلاء الهراطقة ضد الوفد الرهبانى المعتدل برئاسة الأنبا أمونيوس أسقفاً لواحة هرموليس " الأشمونين" أحد الأخوة الطوال الذى حاول غقناع البابا عن العدول عن حرمان أوريجانوس وكتاباته وكل من يقرأها وأن حعل الإله إنساناً مخالف للعقيدة المسيحية، وبالغم من أن أدلتهم وبراهينهم وحجتهم كانت أقوى من جهل هؤلاء الهراطقة، ولكن كان البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 ثائراً لا يريد أن يسمع لصوت العقل والإيمان فعامل الأنبا أمونيوس والوفد المرافق له معاملة غير كريمة وتقول مسز بتشر: حتى قيل أن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لطم الأنبا أمونيوس على فمع وإتهمه بأنه مبتدع لأنه رفض أن يحرم أوريجانوس ويحط من قدره، ومن الغريب أن خمسة من رهبان دير وادى النطرون الذين ليس لهم ذكر ولا شهره لجهلهم وغباوتهم أرادوا أن يصطلحوا مع البطريرك فطلبوا منه أن يصرح لهم بتلفيق تهم كاذبة ضد ثلاثة من مشاهير الرهبان وعظمائهم فوافق على طلبهم، وكانت النتيجة أن حكم البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 على هؤلاء العظماء بالحرمان ورجع وفد رهبان إلى وادى النطرون وهو فى يأس وقنوط وقلب حزين ومكسور ورضى أعضاؤه بالرجوع فقط حتى بدون إحراز نتيجة، ولكن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لم يرضى بوجود رهبان لهم فكر مختلف بل كان يسعى لإقلاق بالهم وراحتهم، وعندما سمع البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 بذلك أرسل منشوراً إلى رهبان الإسقيط يأمرهم أن يتجنبوا أولئك الرهبان وقطع (حرم) ديسقوروس أسقف (أرموبوليس) من شركته لأنه قبلهم وكان البابا قد تأكد من إزدياد سطوة الرهبان وتكاثر عددهم وقوتهم أن هذا من شأنه يقلص من سلطانه على الكنيسة، فإنحاز إلى الأغلبية ضد الأقلية، وجعل الخلاف ينمو بينهما ولم يقف بجانب الحق حتى أن جميع المؤرخين الأقباط المصريين قد أهملوا هذا الجانب من تصرف هذا البطريرك وكتبوه مبهما وكتبت مسز بتشر عن هذا البابا فقالت: " ولكن هذا البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لم يتخذ طريقاً لقطع شآفة هذا الداء (الهرطقة) ولم يأت عملاً يبرره (أى ما فعله) فى أعين الناقدين بل صار سيراً (أى تصرف بما) يستحق الأسف كل مدة رئاسته المشؤمة "
هجوم البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 بقوة مسلحة على الدير
عقد البابا مجمعًا بالإسكندرية حرم فيه آمون وأخويه الراهبين، وإنقضى زمن الخلاف والشقاق وعاد الرهبان إلى أديرتهم فى وادى النطرون ليمارسوا اعمالهم المعتادة مثل الأعمال اليدوية فكان بينهم الحائك والنساج وصانع الحلويات والطبيب وطالب العلم وكل أرباب الحرف والصنائع، وظلوا ساكتين فى صلواتهم التى يرفعونها يصلون فى كنيسة كبرى تحيط بها ثلاث نخلات ولم يحاولوا أن يتكلموا فيما حدث فخلاصهم هو أساس رهبنتهم أما ما ألهب الموقف بينهما فهو خلافه مع القديس إيسيذورس الذي مارس الحياة النسكية بنتريا وقد اتسم ببشاشة الوجه واللسان العذب فسامه البابا أثناسيوس كاهنًا وأقامه مسئولاً عن مستشفى بالإسكندرية. أحبه البابا ثاوفيلس جدًا حتى رشحه للبطريركية بالقسطنطينية عوض القديس ذهبي الفم، لكن هذه الصداقة انقلبت إلى عداوة سافرة إذ عاد إلى نتريا يلتصق بالإخوة الطوال الذين يمثلون حزبًا أوريجينيًا مضادًا للبابا الذي في نظرهم قد ملأ الأنثروبوموفليت الإسقيطيين، واعتبر البابا هذا التجمع تحديًا له، ومارس الطرفان ضغوطًا شديدةً ولكن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لم يروق له هذا السكون وجالت فى فكره الظنون فطلب من الوالى الرومانى أن يمده بقوة عسكرية يهاجم بها جماعة الرهبان الآمنين فتحركت القوة فى سرية تامة وتحت جنح الليل فأقلق هدوء الصحراء والبرية وسمع الرهبان بسنابك الخيول التى يمتطيها أفراد القوة العسكرية الرومانية ترنويسمع دويها فى الفضاء فوقع الرعب فى القلوب ويقول الملكيون (ألروم): " وثيوفيلوس البطريرك كان يقود بنفسه فرقاً من الجنود. فكان هذا الفرعون (يقصدون ثيوفيلوس) لا يتوارى عن إصدار الأوامر بالتعذيب. يل ويشترك في هذا العمل الوحشي. واهتم ببناء الكنائس كحجر ونسي واحتقر البشر. وابغض جميع الناس."فهاج الرهبان وزعروا لما بلغهم من أن البطريرك جاء ومعه قوة عسكرية مسلحة لكى يقبض على أتباع الفكر ألأوريجانى وساد القلق والخوف فى أنحاء الدير، وهرب ثلاثة من الأخوة الطوال إلى الإختباء فى بئر عميقة ولجأ رابعهم الأنبا ديسقوروس أسقف هرموليس " الأشمونين" وكمن فى ركن خفى من أركان الكنيسة ولكنه لم يلبث حتى عرف مكانه مجموعة من الأحباش المرافقين للبطريرك فأخرجوه من ملجأه بالكنيسة بقوة وعنف أما القوة العسكرية فظنوا أن هذا الدير إنما هو مدينة محصنة يجب الإستيلاء عليها قسراً وعنوة وكان قد طلب البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 منهم ألا يفعلوا ذلك لم يذعنوا لقوله بل هاجموا صوامع الرهبان ونهبوها وأضرموا فيها النيران ومات أحد الرهبان حرقاً كان فى إحداها كما أثبت ذلك شهود عدول وعندما لاح الفجر وبدأت تباشير الصباح فى الظهور تعب الجنود من هجومهم فكفوا وخاصة بعد إلحاح البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 عليهم بذلك فردوا السيوف إلى أغمادها ووقفوا جانباً لتنفيذ آوامره ثم دعى بعض من رهبانهم ليطرح عليهم ما وصل إليه ويعرض عليهم أفكاره بسلام ووئام بدلاً من الحرب والخصام، ثم قرأ على مسامعهم بعض نبذات من كتب أوريجاننوس وفلسفته الغامضة (نحن لا نعرف إعتقاد البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 وهل هى توافق النفسير المجازى الذى كان تسير عليه أفكار أوريجانوس أم مال للتفسير الحرفى وإعتنق هرطقة أن الإله فى الشكل والشعور إنساناً، وهل إذا كان يؤمن إيماناً صحيحا ما الذى يؤكد أن هذه كتابات أوريجانوس حيث قد مر سنين عديدة تخللتها الهرطقة الأريوسية فربما أدخلها الريوسيين ضمن كتابات أوريجانوس) ثم إستنتج البابا مما توهمه من بدع فى هذه القراءات والتى ود لو إقتنع الرهبان بصحة نسبتها إلى أوريجانوس، وحينئذ قال لهم: " فلهذا السبب حكم على حلفاء أوريجانوس وأتباعه (الذين إعتنقوا أفكاره) بالحرمان "، فلم يرضخ الرهبان لهذا الحكم بل جروا وأسرعوا إلى كنيستهم فى وادى النطرون وقفلوا أبوابها فى وجه الأساقفة ورؤساء الأديرة وأمسكوا فى ايديهم عصى من سعف النخل المغطى بالأشواك لكى يدافعوا عن أنفسهم ض أى إعتداء عليهم وننقل هنا ما كتبه الملكيين (الروم) حول هذا الموضوع " وفي يوم ذهب ثيوفيلوس إلى برية مصر مصطحباً جنود معه. وراح يحرقون المناسك. وخرج الرهبان مرعوبين. ولحق بهم الجند وباشروا بتقتيلهم. واستمرت المجزرة طيلة الليل. ونجا الأخوة الطول ومعهم ثلاثمائة راهب. هؤلاء فقط الذين نجوا من مذبحة ثيوفيلوس. والذين يقول فيهم الذهبي الفم: إن المناسك في برية مصر تلمع بفضيلة الرهبان أكثر من نجوم السماء وإن سكان هذه القلالي هم ملائكة في صورة بشر. فاتفقوا على أن يقطعوا الصحراء متفرقين على أن يلتقوا على الحدود الفلسطينية. وعاد ثيوفيلوس إلى الإسكندرية وأصدر حرم عليهم جميعاً، على كل الذين نجوا من رجاله القتلة."
هروب الإخوة الطوال والرهبان إلى الآراضى المقدسة
هرب أو نفى بالمعنى الصحيح أكثر من 300 راهب إتفقوا أن يتقابلوا فى أورشليم وكان قد رقد منهم الكثير في مجاهل الصحراء. جوع وعطش ومرضاً... فصلوا على أرواحهم ودخلوا الأراضى المقدسة أما الثلاثة الأخوة الطوال الذين إختباوا فى الدير وبعد هروب أخيهم الرابع أتفقوا مع الرهبان إلى الهروب إلى الأرض المقدسة بجانب أورشليم وكان في صحبتهم الأب إيسيذورس وجماعة من الرهبان بلغوا حوالي الثمانين، فوجدوا في قلب الأسقف الأورشليمي يوحنا الثانى المُعجب بأوريجينوس ملجأ لهم. وقضوا وقتا من الزمن فى سفح جبل جلبوع (جبل جلبوع الصورة المقابلة صورة حديثة: وهو جبل مكسوا بالأشجار) وكانوا يمارسون عملهم فى صناعة الأقفاص والأسبته من جريد النخل وهى الصناعة التى كان أغلب رهبان مصر يمارسونها، وما لبث أن تبعهم كثيراً من الرهبان الفارين من وطنهم، وكان لزيادة عددهم زيادة كبيرة فى هذه المنطقة أن أهل المنطقة من المسيحيين كانوا يرمقونهم بعين الإحتقار لعلمهم أن باباهم ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 قد حرمهم ونفاهم ولكن بعض أساقفة الشام أظهر نحوهم حناناً وإشفاقاً، فأرسل البابا ثاؤفيلس لهم رسائل ووبخهم ورجاهم ألا يجلسوا مع هؤلاء الرهبان لئلا يعد عملهم سيئه، وكان ثاؤفيلس البطريرك قد بعث رسالة مجمعية إلى 17 أسقفًا بفلسطين و15 أسقفًا بقبرص يعلن فيه أخطاء أتباع أوريجينوس اللاهوتية، هذه الرسالة أثارت أتباع أوريجينوس بينما رطبت قلب القديس جيروم وأيضًا القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص إلا أن أسقف أورشليم لم يستطع أن يبقيهم في أورشليم. فلم يبقَ لهم إلا القديس الذهبي الفم فالتجأوا إلى القسطنطينية. وكان عدد الذين دخلوا القسطنطينية 50 فقط من هؤلاء الثلمائة راهب الذين نفاهم ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 .
تعليق: إستند البابا فى الخلاف مع الإخوة الطوال إلى علاقاته السياسية مع الأمبراطور والحاشية كما إستند إلى علاقاته الوثيقة بالأساقفة وإستخدم مركزة كاسقف المدينة العظمى الأسكندرية فى ترجيح كفته، كما إستند إلى وجود العديد من الأساقفة المصريين فى أبروشيات بالعالم القديم منهم: الأسقف الأورشليمي يوحنا الثانى، القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص، سيرينوس أسقف مكدونية المصرى وقام البابا ثاؤفيلس بإرسال رسائل مجمعية إلى اساقفة العالم القديم فى ذلك الوقت وأوعز إلى القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص أن يعقد مجمعاً على غرار مجمع المصرى وبحرم أوريجانوس ويرفق رسالته بقرارات المجمع أى أن قرار حرمان أوريجانوس كان مقرراً قبل عقد المجمع فى قبرص
الإخوة الطوال وخمسين راهباً يرفعون شكواهم لذهبى الفم
ومن الواضح أن يوحنا أسقف أورشليم قبل الأخوة الطوال وباقى الرهبان الذين هربوا من بطش البابا ثاؤفيلس البطريرك، وعندما وصلته الرسالة من البابا كان موقفه حرجاً، فتحرك حوالى خمسين (تذكر كتب بعض المؤرخين أن الذى وصل إلى أورشليم 80 راهباً من حوالى 300 راهباً كانوا فى نتريا) من هؤلاء الرهبان عندما ضاق بهم الحال ورفعوا دعواهم إلى يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية والذى يعد بحسب المجمع الكنسى الأخير أعلى فى المنزلة من البابا المصرى وفى أواخر سنة 401 م مثل أولئك الرهبان السياح امام يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية بعد أن أضناهم التعب من طول السفر ومراره موقفهم وعظم بلائهم، فلما رآهم يوحنا ذهبى الفم فاضت عيناه بالدموع الغزيرة رثاء لحالهم وتوجع لآلامهم وما لاقوه من باباهم، وقال لهم: " ماذا أفعل لكم وبأى طريقة يمكن بها أن أخفف ما حدث لكم، فطلبوا منه أن ينصفهم من بطريركهم الذى قسى عليهم وإعتدى عليهم ومات منهم فى الحريق الذى أشعله الجنود ومات منهم فى الطريق كثيرين ووقف من هؤلاء الرهبان وخاطب ذهبى الفم قائلاً: " إذا كنت تراعى خاطره ولا تعمل على مساندتنا فسنضطر حينئذ أن نرفع دعوانا إلى الإمبراطور نفسه وكل الذى نطلبه منك أن تسترضى البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 حتى يسمح لنا بالعودة إلى أوطاننا (يفهم من هذه العبارة أن البابا نفاهم) فإننا لن نفعل أى شئ ضده ولم نرتكب معصية حتى يستمطر غضب الإله علينا) وكان الذهبي الفم متتبع لأخبار الأخوة الطوال منذ زمن بعيد ومعجباً بهم، فوعدهم البطريرك يوحنا ذهبى الفم أن سيبذل كل جهده فى مساعدتهم وكانت شروطه: ألا يقدموا شكواهم إلى الإمبراطور (السلطة المدنية)، ولا أن يحدثوا هياجاً وإضطراباً فى المدينة ثم ختم كلامه بقوله: " حيث أننى كتبت لأخى ثاؤفيلس البطريرك فى هذا الأمر فعليكم الصبر حتى يحضر يرد بالجواب" وكان الذهبي الفم يعلم بأمر حرم ثيوفيلوس لهم. فناقشهم في اللاهوت والعقيدة ليتأكد إذا كانوا في الهرطقة أم لا. ولم يلاحظ أي أثر للهرطقة في روحانيتهم. فقال للأخوة الطوال: "أنا أخذ قضيتكم على عاتقي. فإما أن يحلكم مجمع آخر ينعقد لهذه الغاية، وإما أن يرفع أسقفكم بتلقاء إرادته الحرم عنكم. اعتمدوا علي". فسمح لهم أن ينزلوا في بيت قريب من إحدى الكنائس وسمح لهم بالصلاة مع سائر المؤمنين ولكنه منعهم عن الإشتراك في ممارسة الأسرار المقدسة، حتى يحل الحرم عنهم.
وقد اظهر يوحنا ذهبى الفم لهم العطف واللطف أسكنهم فى مخادع كنيسة القيامة، وكان فى ذلك الوقت يبحث الأمر ويستشير مع مجموعة من الإكليروس الإسكندريين كانوا قد أرسلوا إلى ديوان الإمبراطور لطلبات خاصة بوظائفهم، وأدلى هؤلاء القسوس برأيهم: أن رفع هذه الدعوى إلى بطريرك القسطنطينية لا ينتج عنه نتائج حسنة ولا يأتى بالفائدة المرجوة، ثم طلبوا من البطريرك ألا يتسرع ويقبل هؤلاء الرهبان على مائدة العشاء الربان (قبولهم فى الشركة) لئلا يغضب هذا البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23، ولكنه إذا أراد أن يظهر الشفقة والعطف فليظهرها بطرق أخرى مختلفه ولكن ليست بطريقة المناولة " فكتب إلى ثيوفيلوس يناشده برابط "المحبة الأخوية الجامعة" أن يصفح عن الأخوة الطوال، وقال له أنه تأكد من عقيدتهم ولا يوجد فيها ما يخالف الإيمان القويم. وقال له بشجاعة أن الحرم الذي أنزله ظالم. وأنه سيدعو مجمعاً مقدساً يعيد الحق لنصابه. إذا رفض ثيوفيلوس أن يفك الحرم.
السحر تهمة جديدة ضد الرهبان المنفيين
وقبل يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية نصيحة كهنة الإسكندرية وكتب إلى ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 خطاباً يرجوه أن يجد السلام والهدوء طريقة لكنيسة الأسكندرية، وعندما وصل الخطاب إلى ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية وعرف أن الإخوة الطوال والرهبان المنفيين ذهبوا إلى القسطنطينية فعل نالفعل الذى فعله مع أساقفة الشام حيث أرسل رسالة لوم وتوبيخ شديدة اللهجة إلى ذهبى الفم وطلب منه عمد الإختلاط مع هؤلاء الرهبان، ولكنه لم يكتفى بذلك هذه المرة بل إتهمهم بتهمة جديدة هى أنهم ليسوا فقط أهل بدعة وهرطقة وخلاف بل أنهم سحرة يخاطبون الجن ويستخدمون الشياطين بأعمالهم، وأثرت هذه التهمة الفضيعة على أهل القسطنطينية ضد هؤلاء الرهبان المساكين الذين لم يجدوا لهم نصيراً ولم يقبلهم احد فكانوا يزجرونهم ويستهزأون بهم عندما يسيرون فى طرق مدينة القسطنطينية، وحزن أكثر الرهبان هناك لإتهامهم بهذه التهمة التى يعرفون أنها سيئة النتائج فلذلك ترجوا بعض الوسطاء لكى يترجوا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 للصفح والمغفرة، ولكن الأربعة الطوال لم يهمهم هذه التهمة الملفقة وإزدروا بها وإحتقروا من قال بإتهامهم بها وأعدوا تهمة قانونية ضد بطريركهم ورفعوها لبطريرك القسطنطينية فكتب يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية مرة أخرى ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية، وأظهر أسفه الشديد من أن خصومه إتبعوا نفس أسلوبه الذى إتبعه معهم، وقال: "أنه طلب منهم مراراً مغادرة القسطنطينية ولكنهم لم يقبلوا طلبه" فأجابه ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية بخطاب مملوءاً من الغضب والحنق قال فيه: " إذا لم تعرف الدستور (القوانين) الذى وضعه المجمع النيقاوى بعدم تداخل أسقف أو بطريرك فى المسائل التى لا تنحصر ضمن دائرة سلطته فأرجوك أن تطلع على هذه القوانين وتدرسها حتى لا تتعب نفسك من التعرض لى، وتكف عن الوقوف ضدى والجدال معى، أما إذا قضى على الزمان بالمحاكمة فسوف يحاكمنى أساقفة مصر، فلا أنت ولا غيرك ممن هم بعيدون عنا يقتضى لوصولنا إليهم أو لوصولهم إلينا سفر 75 يوماً كاملة يحاكموننا "فقرأ يوحنا ذهبى الفم هذا الخطاب ورضى بما فيه ووافق عليه، وذهب ليقنع الإخوة الطوال والرهبان الذين معهم على فض هذه المشكلة بالتراضى، وعدم رفع الدعاوى التى لا يأتى من ورائها إلا زيادة الحقد والبغضاء فى النفوس ولكن هؤلاء الرهبان المنفيين وومعهم الإخوة الطوال لم يرضخوا لطلب ذهبى الفم وإستأنفوا قضيتهم إلى الأمبراطورة إيدوكسيا وتوسلوا إليها أن تأمر بسماع دعواهم فمازالت تتحايل على زوجها أركاديوس إمبراطور الشرق حتى جعلته يصدر أمراً بإستدعاء ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية إلى القسطنطينية حتى يمكن لبطريرك القسطنطينية يوحنا ذهبى الفم أن يفحص مشكلة الإخوة الطوال والإتهامات المتبادلة بينهما بنفسه ويبت فيها ويحكم حكماً فاصلاً فى هذه المشكلة ولكن يقول المؤرخون الملكيين (الروم) أن الإمبراطورة هى التى تدخلت فى موضوع الإخوة الطوال كما يلى أن: " افدوكسيا أظهرت نوعاً من الشفقة عليهم وأجبرتهم على إمضاء عريضة يطلبون فيها حمايتها. فوافقوا بعد أن تعهدت الأمبراطورة التي تعهدت لهم بدعوة مجمع إلى الانعقاد ليمنحهم العفو ويرفع الحرم عنهم. وهنا انسحب الذهبي الفم، لأن القضايا الكنسية ليس من حق أحد خارج الكنيسة أن يعالجها. وليس من حق افدوكسيا أن تدعو إلى مجمع وأن تقرر إذا كان الحرم عادلاً أم لا. إلا أن الامبراطورة أرادت بهذه العملية أن تظهر أن الذهبي الفم مقصراً في حمايتهم. إذ أن الشعب دائماً إلى جانب المظلومين." وبالنسبة للوضع القانونى لمسألة مناقشة يوحنا ذهبى الفم مشكلة الإخوة الطوال والحكم فيها تقول المؤرخة مسز بتشر: ومعروف أن هذا العمل يعد تعدى على حقوق ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية وإستعلاء على مكانته وسحب لسلطته لأنه بصفته بابا الإسكندرية كان مساويا فى الدرجة والمكانة ليوحنا ذهبى الفم، كما أن الأمة المصرية يعتبرون بطريركهم ملكاً متوجاً يعادل مكانة الإمبراطور أركاديوس ولما صدر الأمر إلى ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية بالذهاب إلى القسطنطينية لم يرفض الطلب رفضاً باتاً ولكنه لم يذهب بل تأخر فترة من الزمن إلى أن رفعت الدعوى ضده غيابياً ونوقشت الإتهامات فى مجمع وفتحت الجلسة بفحص الإتهامات الموجهة ضد رهبان وادى النطرون، فإتضح عدم صحتها ثم انتهى المجمع بسجن الخمسة رهبان الذين أرسلهم ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية ليشتكوا ضد رهبان وادى النطرون، وظلوا فى السجن إلى أن توفى بعضهم،وكان ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية قد ارسل خطاباً إلى أبيفانيوس أسقف سلاميس يرجوه فيه الذهاب إلى القسطنطينية وعرض قرار المجمع الإقليمى الخاص بحرم أوريجانوس والحكم عليه كهرطوقى على يوحنا ذهبى الفم ليصدق عليه (أى يوافق على حرم أوريجانوس ويوقع على الحرم الذى أصدرة المجمع المحلى / الإقليمى لمصر) ولكن بطريرط القسطنطينية رفض ذلك قائلاً: " هذه المسألة يجب أن تعرض على مجمع عام فهو يحكم فيها حسب القانون " وكان القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس فى بساطته الزائدة متحمسا لكل ما يقوله البابا المصرى وسافر إلى القسطنطينية بناء على طلبه وكان قد ناهز 85 من عمره ليفند الاراء الأوريجانية ويقاوم رهبان نتريا الذين حملوا فى رأية الهرطقة الأوريجانية، ويقاومون البابا المصرى
تعليق: بدأ هذا الخلاف المصرى المصرى بين رهبان نتريا بزعامة الأخوة الطوال بسبب تحيز البابا ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية للرهبان هرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism (الأنثروبومورفيزم) ووعوده لهم التى نفذها حرفياً وزج بذهبى الفم فى هذا الخلاف المصرى المصرى وكان البابا المصرى أداه فى يد الإمبراطورة كما سيقرأ القارئ فيما بعد.
وللحديث بقية
المزيد
15 مايو 2025
بدعة مرقيون - مركيون
كانت الغنوسية قد أصبحت أكثر الحركات الفلسفية الدينية انتشاراً وأوسعها ميداناً. وكانت تعاليم مدرستها السامرية قد تسرّبت إلى مصر وعشَّشت فيها. يذكر كلسوس أن هذا النوع من الغنوسية شاع في مصر في بعض ما كتب فيه. واوريجنس نفسه درس هذه الفلسفة في الاسكندرية على أحد رجالها السوريين بولس الأنطاكي وأثر الغنوسية ما يزال ملموساً إلى اليوم عن طريق ما وصلنا من صفحات الأدب القبطي وفي بعض أوراق البردي والأناجيل الأبوكريفية. على أعظم ما جاءت به قرائح رجال هذه المدرسة مربوط بأسماء اسكندريين ثلاثة صنفوا فيما يظهر في القرن الثاني في عصر أدريانوس الامبراطور وبعده بقليل. وهؤلاء الثلاثة هم: فالنتينوس وفاسيليذس وكربوكراتس. وقد فصّل ايريناوس القديس مذهب فالنتينوس من باب الرد عليه كما تكلم عن فاسيليذس وآرائه وعن كربوكراتس وملائكته. ومما نقله عن كربوكراتس وعن رأيه في المسيح المخلص أنه قال: أن يسوع كان ابن يوسف من صلبه وأنه تمكن بواسطة التقمص وبما اختبره في "دوره" الأول وبما أوتي من مقدرة من فوق أن يسيطر على حكام هذا العالم وأن يعود إلى الله الآب. وأضاف أنه بمقدور جميع الناس أن يفعلوا ما فعله المسيح إن هم سلكوا سلوكه وتذرعوا بأساليبه ولم يقتصر نشاط هذه القوة الدينية الفلسفية على سورية ومصر ولكنه انساب نحو الشمال حتى شاطئ البحر الأسود. فقام في سينوب ابن اسقف يعظ ويبشر بمسيحية غنوسية ويعمل لها بكل ما أوتي من مقدرة ونشاط. وهذا الشخص هو مركيون الذي نزع إلى الدين والفلسفة بعد أن أثرى في التجارة البحرية. وقال مركيون بعنوسية مسيحية فغضب عليه والده وقطعه من شركة الكنيسة. فخرج من سينوب وطاف آسية الصغرى مبشراً باستحالة التوفيق بين التوراة والإنجيل موجباً التخير بين محبة المسيح التي لا نهاية لها وصلاحه السامي وبين عدالة إله اسرائيل القاسية. مبيناً ان إله اليهود إله الخليقة والناموس لا يمكن أن يكون هو نفسه غله الرحمة بل دونه مرتبة. "والمخلص" في نظره كان مظهراً من مظاهر الإله الحقيقي الصالح وقد خلّص البشر بإظهاره حقيقة الإله الصالح الذي جاء من عنده وبالصليب. ولما لم يكن له أي صلة بإله الخليقة فإنه لم يكن بشراً ولم يولد ولم ينم ولكن شبه لهم في كنيس كفرناحوم أولاً في السنة الخامسة عشرة لحكم طيباريوس قيصر، ثم في سائر الجليل واليهودية والسامرة وقال مركيون بخلاص البعض لا الكل وأوجب الزهد الشديد في المأكل والمشرب ونهى عن الزواج وسمح بمعمودية المتزوجين بعد موافقتهم على الافتراق ولم يلجأ مركيون إلى النبوءات ليؤيد صحة مذهبة ولم يحاول أن يربط عقيدته بنصوص التوراة ولم يعتمد سوى عشر رسائل لبولس الرسول وإنجيل لوقا بعد أن اقتطع منه ما لا يوافق عقيدته. وقال بأن الرسل الأطهار لم يفموا الإنجيل فهماً تاماً لأنهم اعتبروا المسيح رسول الإله الخالق فاصطفى يسوع بولس ليصحح التعاليم. وقال عما جاء في رسائل بولس من إشارات إلى الإله الخالق أنها دست دساً. ومن هنا قول ترتيليانوس أن مركيون قرض الأناجيل فاستحق اللقب "جرذ البونط". وأضاف أتباعه فيما بعد إلى إنجيل لوقا ورسائل بولس رسالة مركيون في التناقض بين التوراة والإنجيل Antitheses فكان لهم كتاب مقدس خاص شاع استعماله في جميع كنائسهم واحتدم الجدل بين مركيون والقديس بوليكاريوس فاعتبره هذا "أول خلق الشيطان". وذهب مركيون إلى رومة حوالي سنة 140 وكتم غنوسيته ونفح كنيسة رومة بهبة جليلة وعكف على "قرض" إنجيل لوقا ورسائل بولس وعلى تصنيف كتابه في التوراة والإنجيل. ولما تم له ذلك كشف عن وجهه الحقيقي ودعا إلى آرائه فالتف حوله عدد من المسيحيين فطردته الكنيسة واطرحت هبته. واغتنم القديس بوليكاريوس فرصة وجوده في ورمة سنة 154 فأنقذ من الضلال عدداً من الذين اتبعوا مركيون ويقال أن مركيون ندم وارتضى بما اشترطته الكنيسة عليه ولكنه توفي قبل أن يفعل. ومن المرجح أن يكون قد مات قبل سنة 160 كما يرى العلامة الألماني هرنك إن تحدي مركيون أجبر الكنيسة، وفقاً لرأي بعض البحاثة، على وضع لائحة بالكتب المقدسة المقبولة لديها والتي يمكن اعتبارها مرجعاً لحياتها وتعاليمها. و السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل كان وضع قانون العهد الجديد لولا الضغط الخارجي؟ سؤال مثيل يمكن أيضاً طرحه حول عقيدة الثالوث التي جاءت كرد على الأريوسيين. من المؤكد أنه لم يكن هناك دور للتأثير الخارجي في تحديد قانونية سفر من الأسفار. والتزمت الكنيسة بكتبها التي كانت قد قبلتها دائماً. وبعملها هذا حددت الكنيسة الأساس الذي بموجبه تحدد قانونية أسفار الكتاب المقدس. وكما أجابت الكنيسة عن السؤال حول هوية يسوع، كذلك عبرت عن إيمانها في عقيدة الثالوث. وأنها لم تبتدع إيماناً جديداً بل أعطت صيغة وتعبيراً ذاتياً عما كانت تعتقد به نتيجة الإعلان الإلهي.
إن السلطة الرسولية المنوطة بالأناجيل سبقت قانونيته، إذ أن الكنيسة لم تعط الأناجيل سلطة بل اعترفت فقط بسلطتها الذاتية. عوامل عدة ساهمت في تكوين العهد الجديد، ولكن العامل الأكثر أهمية هو إلهام الروح القدس. والروح الذي ألهم الإنجيليين في كتابة أناجيلهم هو نفسه الذي ألهم الكنيسة في قبول هذه الأسفار. لم يستطع مركيون، وهو يعارض تقليد الكنيسة، أن يميز بين الأسفار الملهمة والأسفار غير الملهمة. والملهم (theopneustos) هو "الموصى به من الله" (2تيمو3: 16) الذي لا يرتكز على إدراك بشري بل على عمل الله. فسلطة الأناجيل وأي جزء من العهد الجديد، ليست في الكتب نفسه، ولا ترتكز على سلطة الكنيسة التي فيها وجدت، بل تأتي من المسيح الذي تشهد له الأناجيل الملهمة من الروح وتعلنه في حياة الكنيسة.
لم تقبل الكنيسة قانون مركيون ليس فقط لأنه ناقص بل لأن جامعه هو غنوسي سعى إلى تحوير النص لكي يعكس الصورة التي يرغبها هو عن يسوع. واعتمدت الكنيسة في حربها ضد مركيون الأناجيل الأربعة كي تظل صورة يسوع غير مشوهة.
مرقيون
من فلاسفة الغنوسية الفليسوف مرقيون
مرقيون
كان مرقيون السينوبي 140 – 160م، هو ابن أسقف سينوب في إقليم البنطس (على شاطئ البحر الأسود) تأثر بالأفكار الغنوصية بعد أن أصبح غنياً فحرمه والده من الكنيسة، فخرج من سينوب وطاف آسيا الصغرى حتى روما التي منح كنيستها هدية مادية قيمة، ونشر تعاليمه وتجمع حوله الكثير من الأتباع فكانت كنيسته الغنوصية أكثر عدداً من جميع الكنائس الغنوصية السورية، وكان معاصرًا لباسيليدس. وبحسب طرطليانوس فقد بدأ مرقيون مسيرته كمسيحي أرثوذكسي – أيًّا ما كان معنى ذلك في تلك المرحلة الأولى من بَسْط العقيدة المسيحية – لكنه سرعان ما صاغ مذهبًا مميزًا وجذريًّا أدَّى إلى إلقاء الحرمان عليه من قبل كنيسة روما في تموز 144 م، وهو التاريخ التقليدي لتأسيس الكنيسة المرقيونية (طرطليانوس، ضد مرقيون، 1.1؛ راجع: كورت رودلف، الغنوص، 1984، ص 314) جاء إلى رومة حوالي السنة 140 معلّم غنوصي أصلة من البنطس واسمه مرقيون. فعلّم نظامًا ثنائيًّا يعارض فيه العهدان الواحدُ الآخر. رذل مرقيون كلَّ أسفار العهد القديم واعتبرها من عمل العقل الخلاّق الشرّير ولم يحتفظ من العهد الجديد إلاّ بإنجيل لوقا بعد أن شوّهه، وبقسم من رسائل القدّيس بولس. حُرم سنة 144 وناقضه يوستينوس، ولكنّه ربح تبّاعًا كثيرين سيحاربهم ترتليانس بعد نصف قرن في كتابه "ضد مرقيون" (دوِّن في نسخة أولى سنة 200، وثانية سنة 207، وثالثة سنة 211). هذا الكتاب هو المرجع الأساسيّ للتعرّف إلى "النقائض" التي نشرها المعلّم الهرطوقي . أمّا ردّة الفعل على هذه المحاولة فكانت إجبار الأساقفة والمعلّمين المسيحيّين على وضع لائحة كاملة بكتبهم المقدّسة وإبعاد الأسفار المنحولة والمشبوهة وتعليم مرقيون أنيق البساطة: "الإله الذي تعلنه الشريعة والأنبياء ليس أبا سيدنا يسوع المسيح. فإله [العهد القديم] معروف، ولكن الثاني [أبا يسوع المسيح] مجهول. الأول عَدْل، بينما الثاني خيِّر." (إيريناوس، 1.27.1) لقد اعتقد مرقيون بأن هذا الكوسموس الذي نعيش فيه يشهد على وجود إله قاسٍ ومشرِّع، بل وحاقد ومنتقم أحيانًا. إن هذا الرأي ناتج عن قراءة محض حرفية للعهد القديم، الذي يحوي فعلاً العديد من المقاطع التي تصف الإله بعبارات لا تفضي إلى الألوهية – أو على الأقل لا تفضي إلى فكرة الإله التي كانت شائعة في العصر الهلينستي. بناءً عليه، فقد أعلن مرقيون، على غرار بولس (في الرسالة إلى الرومانيين 1: 20)، أن الإله يُعرَف عِبْرَ خلقه. غير أن مرقيون، على خلاف بولس، لم يعتبر أن هذا "الوحي الطبيعي" دليل على فرادة الله وخيره، بل على العكس تمامًا، اعتقد أنه عَرَفَ إله هذا العالم حقَّ معرفته، وأن هذا الإله ليس جديرًا بما يطلبه من إخلاص وطاعة. ولذا فقد رفض مرقيون تعاليم الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية في عصره القائلة بأن يهوه هو أبو الكنيسة؛ ومن خلال استئصال جريء لما سمَّاه "المدسوسات اليهودية" في إنجيل لوقا وعَشر رسائل بولسية، طرح مفهومه عن "الإله الغريب" وفعله الخلاصي، ورسَّخ أول دستور للأسفار المعتمَدة في الكنيسة "المسيحية" (جوناس، ص 145-146) لم يكن مرقيون فيلسوفًا بالمعنى الذي قُيِّضَ لهذا المصطلح أن يؤدِّيه فيما بعد. فهو لم يبسط قط، على حدِّ ما نستطيع أن نستخلص من الآثار الباقية، نظرية منهجية ميتافيزيقية أو كوسمولوجية أو أنثروبولوجية، على غرار ما ذهب إليه باسيليدس أو فالنتينوس (الذي سنناقشه لاحقًا)، ولم يُبرِزه التاريخُ كشاهد على معتقداته (وهذه هي النقطة الأهم). فعلى خلاف غالبية الغنوصيين، الذين صاغوا نوعًا من السلالة الإلهية (أسطورة صوفيا، على سبيل المثال) لتعليل وجود الفساد والنزاع في العالم، طرح مرقيون في بساطة وجود إلهين متناقضين لا يقبلان الاختزال: الإله التوراتي، والإله المجهول أو "الغريب"، الذي هو أبو المسيح. وبحسب مرقيون، فإن الإله الذي يحكم هذا العالم هو كائن حريص على الحفاظ على استقلاليته وقدرته، حتى على حساب الكائنات (البشرية) التي خلقها. الإله "الغريب"، الذي هو الخير الأسمى، هو "إله الانبثاث": إذ إنه ينبث في هذا العالم من الخارج لكي يتبنَّى مجَّانًا أولئك البشر المرثيَّ لحالهم، الباقين تحت نفوذ الإله الأدنى بوصفهم أبناءه. وهذا الفعل هو، بحسب مرقيون، أصل تجسُّد المسيح وعلَّته وعلى الرغم من غياب قاعدة فلسفية أو ثيولوجية لهذه الصياغة البسيطة نوعًا ما، فإن فكرة مرقيون تعبِّر، على كلِّ حال، في شكل خام ومباشر نوعًا ما، عن حقيقة أساسية للوجود الإنساني: أنَّ رغبات العقل لا مقايسة بينها وبين طبيعة الوجود المادي (راجع: إيريناوس، 27.1: 2-3). مع ذلك، إذا تابعنا حجَّة مرقيون حتى نتيجتها المنطقية (وربما "ضد المنطقية")، لاكتشفنا تعبيرًا وجوديًّا (وليس فلسفة) عن الشعور الأوليِّ ب"الهَجْر" Geworfenheit. وهذا التعبير يقوم على التعارض الحاذق – لكن الممض – بين "محبة الحكمة" philosophia وبين "الحكمة التامَّة" pl?rosophia. نحن وحدنا في عالم لا يُسلِس ذاتَه لبحثِنا عن حقيقة لا تتبدَّل، ولذلك فإننا نُصادِق الحكمة، باعتبار أن ذلك الطريق أو الأسلوب هو الذي يمكِّننا من بلوغ هذه الحقيقة المحدوسة. وبحسب مرقيون، لن يتمَّ العثورُ على هذه الحقيقة في هذا العالم: فكل ما يمكن العثور عليه هو الرغبة في تلك الحقيقة، التي تنشأ بين البشر. غير أن هذه الرغبة، بما أنها، من جانب البشر، لا تنتج سوى فلسفات متنوعة ما من واحدة منها قادرة على ادِّعاء الحقيقة المطلقة، خَلُصَ مرقيون إلى أن الكائنات (البشرية) العارفة في هذا العالم لا تطيق أكثر من ظلٍّ من ظلال الحكمة. إذ إنه عن طريق إرشاد إله غريب ومحض خيِّر ونعمته يمكن للإنسانية أن ترتقي إلى مستوى الحكمة التامة pl?rosophia (راجع: الرسالة إلى القولوسيين 2: 2 وما بعدها). وعلاوة على ذلك، فقد قام مرقيون، عوضًا عن محاولة اكتشاف الارتباط التاريخي بين وحي المسيح وتعاليم العهد القديم، بمجرَّد رفض الثاني لصالح الأول، اعتقادًا منه بأن الإنجيل وحده (وقد تدبَّر مرقيون تحريره بنفسه) يدلنا على الحكمة التامة (إيريناوس، 27.1: 2-3؛ طرطليانوس، ضد مرقيون، 3.4).
وفي حين أن مفكرين مسيحيين آخرين من ذلك العصر قد اشتغلوا على التفسير المجازي للعهد القديم بغية التوفيق بينه وبين تعاليم العهد الجديد، أجاز مرقيون للعهد الجديد – وإنْ في نسخته الشخصية منه – مخاطبتَه كصوت مرجعيٍّ فريد، فصاغ مذهبه وفقًا لذلك. وهذا المذهب لم يشدد على غربة البشر الجذرية عن هذا العالم الذي اتَّفق لهم أن يولدوا فيه وحسب، بل كذلك على افتقارهم إلى أية علاقة نَسَبية مع الإله الذي ضحَّى بابنه لافتدائهم – بعبارة أخرى، صوَّر مرقيون البشريةَ كسلالة مُشرَّدة، من دون أيِّ وطن حقيقي أصلاً (راجع: جيوفاني فيلورامو، تاريخ الغنوصية، 1992، ص 164). والأمل في البحث عن وطن مفقود، أو أمل العودة إلى وطن طُرِدْنا منه، كان غائبًا عن مذهب مرقيون. فمثله كمثل بيكو ديلاميراندولا، أعلن مرقيون أن طبيعة البشرية هي طبيعة وسيط أبدًا، واقف وقوفًا غير مستقر بين السماء والأرض (قارن: بيكو ديلاميراندولا، خطبة في كرامة الإنسان، 3). غير أن مرقيون، خلافًا لبيكو، دعا إلى عَزْل جذري للبشرية – "قطيعة" – تصحو فيها الإنسانيةُ على ممكناتها التامة (إن لم نقل الفطرية) استمر وجود أتباع مرقيون حتى القرن الرابع وهناك من يقول حتى القرن السادس.
بدعة مرقس (مرقيون)
4 - ويذكر أيضاً أنه علاوة على هؤلاء الأشخاص الهراطقة فى ذلك العصر كان يوجد شخص آخر أسمه مرقس برع فى السحر، وقد وصف يوسابيوس تصرفاتهم الدنسة وأسرارهم الكريهه فى الكلمات التالية:
5 - " والبعض منهم يعدون أريكة للزواج، ويمارسون بعض الطقوس الرمزية، ويستعملون بعش التعبيرات الموجهة إلى المبتدأين فى ممارستهم، ويقولون ان الزواج الذى يجرونه روحى على مثال الزيجات العلوية، والبعض يأخذونهم إلى المياة، ويرددون الكلمات التالية عند تعميدهم: إلى أسم أب المجهول إلى الحق أم كل الأشياء، إلى من أستقر على يسوع.. ويكرر غيرهم أسماء عبرانية لكى يزيدوا فى بلبلة المبتدئين "
6 - وحدث أن مات هيجينوس فى نهاية السنة الرابعة من أسقفيته خلفه بيوس فى إدارة كنيسة روما، وفى السكندرية عين مرقس راعياً بعد أن ظل أومانيوس فى مركزه 13 سنة، ومات مرقس بعد أن ظل على كرسى ألسكندرية 10 سنوات، خلفه كالاوتيانوس فى كنيسة الإسكندرية.
7 - وفى روما مات بيوس فى السنة الخامسة عشرة من أسقفيته ، فتولى أنيسيتوس قيادة المسيحين هناك، ويقرر هيجيسبوس أنه هو نفسه كان فى روما فى ذلك الوقت، وانه ظل هناك حتى أسقفية اليوثيروس.
8 - وفى تلك الأيام أشتهر يوستينوس بصفة خاصة، وإذ أنه أتخذ صورة فيلسوف بشر بالكلمة الإلهية وناضل عن الإيمان بكتاباته، وكتب أيضاً كتاباً مؤلفاً ضد مركيون ذكر فيه أن هذا الأخير كان حياً وقت أن كتب مؤلفة.
9 - وفيه قال الاتى:
" وهناك شخص يدعى مركيون البنطى لا يزال إلى الان يعلم أتباعه أن هنالك إلهاً آخر أعظم من الخالق، وبمساعة الشياطين أقنع الكثيرين من كل جنس البشر لينطقوا بالتجاديف، وينكروا أن الخالق هذا الكون هو أب المسيح ويعترفوا أن هنالك آخر أعظم منه وهو الخالق، وكل اللذين تبعوهم يطلقون على أنفسهم مسيحيين كما قلنا، كما يدعى أسم الفلسفة على الفلاسفة ولو لم تكن لديهم تعاليم مشتركة "
10 - ويضيف إلى ما سبق ما يأتى: " وقد كتبنا أيضاً مؤلفاً ضد كل الهرطقات التى وجدت، ونحن مستعدين أن نقدمه إليك إن أردت الإطلاع عليه "
11 - وقد نجح جداً يوستينوس هذا فى نضالة ضد اليونانيين، ووجه أحاديث متضمنة إحتجاجاً ودفاعاً عن إيماننا إلى الإمبراطور أنطونيوس الملقب بيوس، وإلى مجلس الأعيان الرومانى، لأنه كان يعيش فى روما، وفى دفاعة بين فى الكلمات التالية شخصيته ومن أين كان:
الكتاب الخامس ليوسابيوس القيصرى الفصل الثالث عشر
رودو يصف بدعة مركيون
1 - فى ذلك الوقت كتب رودو، وهو من أهل آسيا، وتعلم كما يقول على يد تاتيان الذى سبق أن ذكرناه عدة كتب أحدهما ضد هرطقة مركيون . ويقول أن هذه البدعة كانت تنقسم فى عصره إلى أربعة آراء مختلفة، ولدى التحدث عمن سببوا الإنقسام وفند بكل دقة الأباطيل التى أخترعها كل منهم.
2 - وأسمع ما يقول:
ولذلك أيضاً أختلفوا فيما بين أنفسهم، معتنقين آراء متناقضة، لأن أبلس، وهو واحد من الشيعة (طائفة مركيون) إفتخر بنفسه بسبب طريقة حياته وسنة، ونادى بمبدأ واحد ولكنه قال أن النبوات هى من روح مضاد، وقد دفعه إلى هذا الإعتقاد فتاة تدعى فيلومينا كان بها روح نجس.
3 - " ولكن غيره، ومن بينهم بوتينوس وباسيليكوس، أعتقدوا بمبدأين كما أعتقد مركيون نفسه ربان السفينة.
4 - وهؤلاء تبعوا ذئب بنطس، وسلكوا مثله بطياشة غير قادرين على تفهم حقيقة الأمور، ونادوا بمبدأين بدون تقديم أىة دليل، وإنحدر غيرهم إلى هوة ضلالة أشر، فلم يكتفوا بطبيعتين بل نادوا بثلاث، من بين هؤلاء سينيروس، وهو قائدهم ورئيسهم، كما يقول المدافعون عن تعليمه "
5 - ويقول نفس المؤلف أنه دخل فى مناقشة مع أبلس و ويروى ما يأتى:
" لأنه لما دخل ابلس، الطاعن فى السن، فى مناقشة معنا دحر فى أمور كبيرة تحدث عنها باطلاً، ومن ثم قال أيضاً أنه ليس ضرورياً على الإطلاق مناقضة المرء فى عقيدته، بل لكل واحد أن يتمسك بما يعتقده، وأكد بأن الذين يثقون فى المصلوب ينالون الخلاص إن عملوا أعمالاً صالحة، ولكنه كما قدمنا كانت عقيدته نحو الإله غامضة جداً، لأنه تحدث عن مبدأ واحد حسب تعليمنا "
6 - وبعد أن تحدث بالتفصيل عن رأيه هو أضاف قائلاً: " لما قلت له: أخبرنى كيف تعرف هذا؟ أو كيف تؤكد أنه يوجد مبدأ واحد؟ أجاب النبوات ناقضت نفسها بنفسها لأنها لم تذكر الحق، فهى غير متفقة وكاذبة، وتناقض نفسها، ولكنه قال أنه لا يعرف كيف يوجد مبدأ واحد، وإنما هو مقتنع بهذا.
7 - ولما ناشدته بأن يقول الحق حلف بأن هذا ما هو فعله لما قال: بأنه لا يعرف كيف يوجد إله واحد غير مولود، وإنما هذا هو ما يعتقده، عندئذ ضحكت ووبخته، لأنه بالرغم من إدعائه أنه معلم لم يعرف كيف يثبت ما يعلمه!!! "
8 - وفى نفس الكتاب يعترف الكاتب، موجهاً حديثه إلى كالستيو، أنه تعلم فى روما على يد تلتيان ويقول أن تاتيان أعد كتاباً عن " المعضلات " ووعد أن يفسر فيها الأجزاء الغامضة فى الأسفار الإلهية، وقد وعد رودو نفسه بأن يقدم هو فى كتاب حلوله لمعضلات تاتيان، ولا يزال يوجد له أيضاً تفسير عن أيام الخلقة الستة.
9 - على أن أبلس هذا كتب أشياء كثيرة، بطريقة سافلة، عن ناموس موسى، مجدفاً على الأقوال الإلهية فى كثير من مؤلفاته، ويبدو أنه كان غيور جداً على هدمها ودحضها. هذا ما يتعلق بهؤلاء
المزيد
08 مايو 2025
بدعة مرقس إبن قنبر والإعتراض على البخور
بدأت أحداث مرقس ابن قنبر مع البابا يوحنا البطريرك 72 حينما أعترض البعض على إستعمال البخور فى الكنائس بإحراق اللبان فى المبخرة، وقالوا أن البخور لم يكن يستعمل فى الكنيسة فى الثلاثة أجيال الأولى فى العصر المسيحى إنما كان عادة وثنية وأستعمله المسيحيين فى القرن الرابع لأنه يطرد الأرواح الكريهه نتيجه لضبق الكنائس وإزدحامها، كما أن هناك آية من العهد القديم قالها داود النبى هى: فلتصعد صلاتى كالبخور قدامك يارب.. إذا الصلاة وليست البخور ولم تكن الأجيال الأولى تعلق اهمية كبيرة على البخور ولكن بدءاً من الجيل السادس صار الأقباط يقدسونه ويباركونه، وبتكرار طواف الكاهن أعتقد الناس ان البخور ملازم للصلاة وأنه يحمل إعترافهم إلى عرش الرب، وزاد الإعتقاد فى البخور فى القرن الثانى عشر ووصل الأمر أن العامة كانوا يستغنون عن الإعتراف أمام الكاهن ويحرقون اللبان (البخور) فى منازلهم ويجثون أمام المبخرة ويتوسل توسلات شديدة معترفاً بخطاياه بخشوع وتقوى وهو يعتقد أن البخور سيحمل توبته إلى السماء ويستنزل رحمه الرب إليه، وجرت العادة أن البخور أعتبره الناس حاملاً للأعتراف ووسيلة لجلب الغفران
كتب أبى صالح الأرمنى ألأحداث التى حدثت مع مرقص بن قنبر بإسهاب شيق ص 30 – 43
وهذا ملخص لتاريخه
كان مرقص أبن قنبر كاهنا بالصعيد رسمه أسقف دمياط وكان خطيباً فصيحاً مؤثراً فيخلب الألباب بقوة بيان حجته وكان يحث الشعب على وجوب الإعتراف السرى ونوال الحل من الكاهن ولكنه جاهر بأنه لا مقدرة للبخور على العتق من الخطايا، وتقول بتشر ا. ل. بتشر كتاب تاريخ الامه القبطيه وكنيستها تاليف ا0ل0بتشر تعريب اسكندر تادرس طبعة 1900 ج3 ص 99: " ولما كان الإعتراف لدى المبخرة جائز بأمر بطريركى كان جهاد بن قنبر عبثاً، فضلاً عن كونه أثار سخط الأساقفة والعلماء فإتحدوا عليه وطلبوا إلى البطريرك أن يحرمه.. فتمهل البابا يوحنا الخامس فى حرمه لأنه لم يراه مخطئاً وإنما أوقع عليه تأديباً بصفته سئ الأخلاق " وذلك لأنه بلغ البطريرك أن مرقص أبن قنبر ترك زوجته وهجرها وأنتظم فى سلك الرهبنة ربما لكونه طمع فى الحصول على درجة الأسقفية نتيجه لخطبه ومكانته بين الناس وشهرته، وفكر فى أن زوجته ستكون حجر عثرة فلما علم البابا أيقن بصحة الشكاوى المقدمة ضده فحرمه وقطعه من شركة الكنيسة ولكن بن قنبر لم يكترس بهذا الحرم وواصل التعليم والوعظ والتبشير بمعتقده فإلتف حوله جمع كثير لدرجه أنهم خافوا من وقوع إنشقاق فى الكنيسة ولم تكن عاده الإعتراف أمام المباخر هى التى كان يقومها ابن قنبر ولكنه قاوم عادة الختان التى كانت جارية بين القباط بدعوى أنها من بقايا تقاليد اليهود، وأنتهت هذه المرحلة من حباته أن ابن قنبر صار له وقار كبير لدى اهل الصعيد وتناقلت الألسنه أسمه فأصبح مشهوراً ومات البابا يوحنا فى هذه الظروف الحرجة وجلس مكانه البابا مرقص أبن زرعة فكتب إليه اساقفة الصعيد بشأن مرقص بن قنبر بأنه ما زال عاكفاً على عقد الإجتماعات وتحريض الشعب على وجوب التيقظ الدينى ورفض الخرافات التى دخلته، فإستدعاه البابا ولامه ووبخه على ذلك السلوك وبين له خطئه فتأثر من نصائحه وسجد له ووعده بالكف عن ذلك، فحله البابا من حرم البابا السابق، وأعاده إلى وظيفه الكهنوت ولكنه لما رجع إلى مكانه ووظيفته الكهنوتية إزداد إقبال الناس فلم يكن المعارضين فقط ولكن من داخل الكنيسة وأبتهجوا برجوعه وأظهروا ولائهم له وتعضيدهم، فوقع ابن قنبر بين نارين إما أن ينقاد لمشورة البابا ويخسر تهليل الناس له ومكانته بينهم أو يبشر بإعتقاده ويخالف طاعته وعهده مع البابا بعدم إثارة الناس فيخسر مكانته ووظيفته فى الكنيسة، فرجحت كفة ذاته عن طاعته فإستمر كالعادة فاقبلت إليه الجماهير تحمل الهدايا والمحاصيل والنقود، وكفوا عن تقديم العشور والتقدمات لخدمات للكنائس ومعيشة الخدام فلما رأى البابا ما كان خاف من إستفحال الأمر فعقد مجمعاً مؤلفاً من 60 اسقفاً وأقر الجميع حرمه، فحرم وجرد من رتبه الكهنوت ولجأ مرقص ابن قنبر إلى الحكومة الإسلامية كما كان يفعله كل خارج عن النظام الكنسى وقال انه لم يعظ بشئ ضد القوانين الكنسية وطلب النظر فى دعواه بحضور الحكام المسلمين، فكانت فرصة من الحكام المسلمين للتدخل وإشباع فضولهم بسماع الخلافات المسيحية، ولكن البابا مرقس ابن زرعه والأساقفة رفضوا تدخل الحكومة الإسلامية رفضاً باتاً بدعوى أن تلك المسألة دينية محضة ولكن رضى البابا مرقص بن زرعه بتحكيم ميخائيل بطريرك انطاكية فقام البطريرك الأنطاكى بفحص الخلاف وأصدر رايه بأن يقلل البطريرك من أهميه افعتراف السمعى، وأن لا يلجأ مرقص أبن قنبر إلى التهويل والمبالغه فى خطبه فكانت هذه القرارات مؤشراً بفتور العلاقة قليلاً بين بطريركية مصر وانطاكية أما مرقص بن قنبر لما رأى أن بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية لم ينصفه لم ينتظر أن يأتيه الحكم بالقطع والحرم من الكنيسة ولكنه أتخذ خطوه اخرى ضد الكنيسة وهى أنه ذهب مع عدد غفير من أتباعه وأنضم إلى الكنيسة الملكية اليونانية التى لم تكن لها قوة نافذه فى مصر كما كانوا قله عددية، وكان بطاركة الكنيسة الملكية يقضون معظم عمرهم فى القسطنطينية ورجع ابن قنبر إلى نفسه وندم على فعلته وعاد يتوسل إلى البابا مرقس ابن زرعه فقبله فى حضن الكنيسة مرة أخرى وحله من الحرم الذى أوقعه عليه ولكنه عندما رجع أنفض من حوله الكثيرين بعضهم كانوا مع الكنيسة اليونانية وحتى الذى رجع منهم إلى الكنيسة القبطية لم يعد يبجله لتردده وعرف الجميع ان عدم إخلاصه لكنيسته فى حد ذاته ليس من الإيمان، فسقطت صورة البطوله فى عين الأقباط، ورغم أنه مصلح إلا أنه لم يتمسك بمعتقده ولم يصبر مرقص أبن قنبر على هذه النكسة الأدبية فرجع مرة اخرى إلى الكنيسة الملكية اليونانية وعاد ليرفع راية العصيان ولكنه لم يلبث طويلاً حتى تاب ورجع وذهب نادماً مرة اخرى إلى البطريرك مرقس ابن زرعه فلم يقبله فى هذه المره لأنه ترك الكنيسة ثلاث مرات فوقع المسكين فى ظلمة دامسة ويأس عظيم
المزيد
01 مايو 2025
بدعة كيرينثوس
كان يهودياً منتصراً، تحكم بحمة المصريين، قدم إلى اورشليم فى زمان الرسل، وأقم فيه بعض الوقت ثو انتقل إلى قيصرية لسطين فأنطاكيه وعلم فيها وحط رحاله أخيراً فى أفسس التى كانت حقل خدمة يوحنا الرسول . وقد علم كيرنيثوس أن العالم لم يخلقه الله، بل قوة خارجه عن الأله الأعلى وأن إلهاً آخر الذى هو اله اليهود، أعطى الشرائع والناموس وظهر أيضاً في القرن الأول كان يهودياً من مصر جاء إلى أورشليم في أيام الرسل و ثم انتقل إلى قيصرية فلسطين ومن ثم أنطاكية وعلّم فيها ومما دوّنه القديس ايريناوس عنه أنه أزعج يوحنا الحبيب بتعاليمه وضلاله. وأسماه القديس يوحنا ب "عدو الحق" وقال أيضاً القديس ايريناوس عنه أنه حفظ يوم السبت والاختتان وغيرها من فروض الناموس وادعى بأن السيد المسيح هو ابن يوسف ومريم وأن ملاكاً من الملائكة خلق الكون وآخر الذي هو الله إله اليهود أعطى الشرائع والناموس وأن شيئاً من الروح القدس المنبثق من الإله الأعلى حلّ على يسوع عند اعتماده في نهر الأردن فرافقه حتى الصلب وأضاف القديس هيبوليتوس أن كيرينثوس نفى قيامة المسيح بعد الصلب وجعلها مع قيامة "جميع الأتقياء"
كورنثيوس هو يهودى تعلم الفلسفة بالأسكندرية وبدأ فى نشر بدعته سنة 73 م - وقد أنشأ ديانة جديدة أثناء حياة يوحنا الرسول ألفها بخلط تعاليم السيد المسيح ومبادئة السامية مع تعاليم الكنوسسيين ويقول القس منسى يوحنا : " تعاليم الكنوسسيين بنيت على خرافات البليروما (أى العالم العلى) والأيون (أى الأشخاص السماوية الخالدة بنو الأرواح) ودميورج (أى خالق العالم الذى يختلف عن الإله الأعظم) ولكنه أظهر مبادئة بصورة لا ينفر منها اليهود فعلم أن الذى سن الشريعة اليهودية هو خالق العالم وهو ذو مناقب حميدة وصفات شريفة مكتسبة من الإله الحق، ولكن هذه الفضائل لم تلبث أن تدنست فأراد الله أن يلاشى سلطان مشترع اليهود بواسطة أيون مقدس أسمه المسيح.
ويسوع هو رجل يهودى كامل وقدوس وأبن بالطبيعة ليوسف ومريم، فهذا حل فيه المسيح بنزوله عليه على هيئة حمامة عند عماده من يوحنا فى نهر الأردن.
وعندما أتحد المسيح بيسوع قاوم إله اليهود (خالق العالم) بشجاعة وعندما رأى إله اليهود مقاومة المسيح يسوع فقام بتحريض أتباعه اليهود فقبضوا عليه ليصلبوه، فلما رأى المسيح أنهم قبضوا على يسوع طار إلى السماء وترك يسوع وحده يصلب.
ولهذا أوصى كورنثيوس أتباعه بإحترام الإله الأعظم أبى المسيح وبإحترام المسيح، وأمرهم بعدم إتباع شريعة اليهود ورفض مبادئ الناموس الموسوى، وأوصاهم بالسير على نظام المسيح معلماً إياهم بأنه سيعود ثانية ويتحد بالإنسان يسوع الذى حل فيه قبلاً ويملك مع تابعيه على فلسطين ألف سنة، ثم وعدهم بقيامة أجسادهم وتمتعها بأفراح سامية فى مدة ملك المسيح ألف سنة وبعد ذلك يدومون فى حياة سعيدة فى العالم السماوى.
ويقول يوسابيوس القيصرى: " كيرنثوس زعيم الهراطقة
1 - وقد أعلمنا أنه فى هذا الوقت ظهر شخص يدعى كيرنثوس مبتدع شيعة أخرى، وقد كتب كايوس الذى سبق أن أقتبسنا كلماته (ك2 ف 6و 7) فى المساجلة المنسوبة إليه ما يلى عن هذا الرجل:
2 - ويقدم أمامنا كيرنثوس أيضاً - بواسطة الرؤى التى يدعى أن رسولاً عظيماً كتبها - أموراً عجيبة يدعى زوراً أنها أعلنت إليه بواسطة الملائكة، ثم يقول أنه عند قيامة الأموات سوف يقوم ملكوت المسيح على الأرض، وأن الجسد المقيم فى أورشليم سوف يخضع ثانية للرغبات والشهوات، وإذ كان عدو للأسفار الإلهية فقد أكد - بقصد تضليل البشر - أنه ستكون هناك فترة ألف سنة (رؤ 20: 4) لحفلات الزواج "
3 - أما ديونيسوس الذى كان أسقفاً لأيبروشية الأسكندرية فى أيامنا، فإنه فى الكتاب الثانى من مؤلفه عن "المواعيد " حيث يتحدث عن رؤيا يوحنا بأمور أستقاها من التقليد، يذكر نفس هذا الرجل فى الكلمات ألآتية (راجع ك7 ف 40) "
4 - " ويقال أن كيرنثوس مؤسس الشيعة المسماة بأسمه (الكيرنثيون) إذ أراد أن يعطى قوة لشيعته صدرها بأسمه وكانت التعاليم التى نادى بها تتلخص فيما يلى: أن ملكوت المسيح سيكون مملكة أرضية.
5 - " ولأنه هو نفسه كان منغمساً فى الملذات الجسدية، وشهوانياً جداً بطبيعته، توهم أن الملكوت سوف ينحصر فى تلك الأمور التى أحبها، أى فى شهوة البطن وشهوة الجسد والشهوة الجنسية، أو بتعبير آخر فى الأكل والشرب والتزوج، والولائم والذبائح وذبح الضحايا، وتحت ستارها ظن أنه يستطيع الإنغماس فى شهواته بباعث أفضل " هذه كلمات ديونيسيوس "
6 - على أن إيرناوس، فى الكتاب الأول من مؤلفه " ضد الهرطقات " يصف تعاليم أخرى أشد قبحاً لنفس الرجل، وفى الكتاب الثالث يذكر رواية تستحق أن تدون هنا، فيقول، والحجة فى ذلك بوليكاربوس: أن الرسول يوحنا دخل مرة حماماً ليستحم، ولكنه لما علم أن كيرنثوس كان داخل الحمام قفز فازعاً وخرج مسرعاً، لأنه لم يطق البقاء معه تحت سقف واحد، ونصح مرافقيه للأقتداء به قائلاً: " لنهرب لئلا يسقط الحمام، لأن كيرنثوس عدو الحق موجود بداخلة "
المزيد
24 أبريل 2025
بدعة فالنتينوس
فالنتينوس الهرطوقى
1- أتى فالنتينوس إلى روما فى عهد هيجينوس، وإزداد قوة (أى أنتشر فكره) فى عهد بيوس، وظل حتى أنيسيتوس (1) ودخل الكنيسة ايضاً كردون (2) سلف مركيون، فى عهد هيجينوس تاسع اسقف، وأعترف، وأستمر هكذا، يعلم فى السرحينا، وكان يعترف جهراً حيناً، وفى بعض الأحيان كان يوشى به بسبب تعاليمه الفاسدة فينسحب من إجتماعات الأخوة، هذا ما هو مكتوب فى الكتاب الثالث من المؤلف " ضد الهرطقات "
بدعة كردون وبدعة مركيون البنطى
2 - وفى الكتاب الأول ذكر الاتى عن كردون: " أما كردون الذى استمد شيعته من أتباع سيمون، واتى إلى روما فى عهد هيجينوس، تاسع أسقف منذ عهد الرسل، فقد نادى بأن الرب افله الذى أعلنه الناموس والأنبياء ليس أبا ربنا يسوع المسيح، لأن الأول معروف، والأخير غير معروف، الأول عادل، والأخير صالح (3)، أما مركيون البنطى فقد خلف كرودون فوسع تعاليمه ونطق بتجاديف مزرية "
3 - ويكشف إيريناوس فى دقة عن هاوية ضلالة فالنتينوف فيما يتعلق بالمادة ويعلن خبثه وخداعه السرى والخفى كالحية الكامنة فى وكرها .
فلاسفة الغنوسية - الفليسوف فالنتينوس
فالنتينوس والمدرسة الفالنتينية
صرف المعلِّم والفيلسوف المسيحي العظيم فالنتينوس (حوالى 100-175 م) سنوات تأهيله في الإسكندرية، حيث اتصل أغلب الظن بباسيليدس. وقد غادر بعد ذلك إلى روما، حيث باشر سيرتَه في التعليم العام، الذي كان من النجاح بحيث أُتيحَتْ له فرصةٌ جدية لانتخابه أسقفًا لروما. على أنه خسر الانتخابات، وخسرت الغنوصيةُ بذلك فرصةً أن تصير مرادفة للمسيحية، وبالتالي دينًا عالميًّا. لكن هذا لا يعني أن فالنتينوس فشل في التأثير على تطور اللاهوت المسيحي – إذ إنه أثَّر قطعًا، كما سنرى أدناه. فعِبْرَ فالنتينوس، ربما أكثر من أيِّ مفكر مسيحيٍّ آخر معاصرٍ له، صار للفلسفة الأفلاطونية، والأناقة البلاغية، ولمعرفة تأويلية عميقة بالكتاب المقدس، أن تتسلل معًا إلى عالَم اللاهوت المسيحي. وقد بقي إنجاز فالنتينوس بلا نظير مدة حوالى قرن، حتى ظهور أوريجينس الذي لا يضاهى على الساحة. ومع ذلك، قد لا يجانب الصوابَ قولُنا بأن أوريجينس ما كان ل"يحدث" لولا المثال الذي ضربه فالنتينوس.
لم تبدأ كوسمولوجيا فالنتينوس بوحدة، بل بثنوية أولية – زوجين – عبارة عن كيانين يُدعيان "اللاموصوف" و"الصمت". ومن هذين الكائنين الأصليين ولد زوجان ثانيان: "الوالد" و"الحقيقة". وعن هذه الكينونات تتولد أخيرًا رباعيةٌ هي "الكلمة" logos و"الحياة" z?? و"الإنسان" anthropos و"الكنيسة" ekkl?sia. ويشير فالنتينوس إلى هذا الفريق الإلهي ب"الثُمانية الأولى" (إيريناوس، 1.11.1)؛ وهذه الثُمانية تمخَّضت عن كائنات أخرى عديدة، منها واحد تمرَّد أو "عصى"، كما يخبرنا إيريناوس، وبذلك أطلق الدراما الإلهي الذي أنتج الكوسموس في المآل. وبحسب إيريناوس، الذي كَتَبَ بعد موت فالنتينوس بخمس سنوات فقط، والذي في رسالته ضد الزندقات حفظ الخطوطَ العريضة لكوسمولوجيا فالنتينوس، فإن الكيان المسؤول عن مباشرة الدراما يُشار إليه بوصفه "الأم"، التي ربما المقصود منها هي صوفيا (الحكمة)؛ ومن هذه "الأم" نشأ كلٌّ من الهيولى المادية hul? والمخلِّص، "المسيح". وقد وُصِفَ عالمُ المادة ك"ظل"، مولود من "الأم"، باعَد المسيحُ بين نفسه وبينه و"سارع صاعدًا إلى الملأ" (إيريناوس، 1.11.1؛ قارن: بويماندرس، 5). وعند هذه النقطة قامت "الأم" بولادة "طفل" آخر، "الباري" d?miourgos المسؤول عن خلق الكوسموس. وفي الرواية التي حفظها إيريناوس، لا يَرِدُ شيءٌ عن أيِّ دراما كوني تقع وفقه "الشراراتُ الإلهية" في شراك أجسام من لحم من خلال خطط الديميورغوس. إلا أنه يُفترَض أن فالنتينوس شَرَحَ أنثروبولوجيا شبيهة بأنثروبولوجيا أسطورة صوفيا الكلاسيكية (كما وردتْ، مثلاً، في كتاب يوحنا المنحول؛ راجع أيضًا: أقانيم الرؤساء ورؤيا آدم)، ولاسيما أن مدرسته، كما مثَّل لها تمثيلاً بالغ الأهمية تلميذُه اللامع بطليموس (انظر أدناه)، آلت إلى بَسْطِ أسطورة أنثروبولوجية غاية في التعقيد، لا بدَّ أنها تفرَّعتْ عن النموذج الأبسط الذي قدَّمه فالنتينوس نفسه. وتنتهي الرواية التي حفظها إيريناوس بوصفٍ لعقيدة مشوشة نوعًا ما عن مسيح سماويٍّ وأرضي، وبمقطع وجيز عن دور الروح القدس (إيريناوس، 1.11.1)، منه يخرج المرءُ بفكرة أن فالنتينوس كان يراود عقيدة بدائية للثالوث. وبالفعل، فبحسب لاهوتيِّ القرن الرابع ماركيلوس الأنقري، كان فالنتينوس "أول مَن استنبط مفهوم ثلاثة كيانات (أقانيم) في كتابه في الطبائع الثلاث" (فالنتينوس، مقطع ب، ليتون). كان فالنتينوس قطعًا هو المسيحي الأصرح بين الفلاسفة الغنوصيين في زمانه لقد رأينا كيف تخلَّل فكرَ باسيليدس ميلٌ رواقي، وكيف شعر مرقيون بالحاجة إلى تجاوُز الكتاب المقدس ليطرح إلهًا فاديًا "غريبًا". أما فالنتينوس، من ناحية أخرى، فيبدو أنه اطَّلع، كما يتبيَّن من آرائه، على الكتب والتفاسير اليهودية والمسيحية بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية على الفلسفة "الوثنية"، وبخاصة الأفلاطونية. ويظهر هذا كأشد ما يكون في روايته الخاصة للمفهوم الثيولوجي المألوف عن "الاصطفاء" أو "التقدير المسبَّق"، الذي يَرِدُ فيه (على غرار بولس في الرسالة إلى الرومانيين 8: 29) أن الله اصطفى أفرادًا معينين، قبل بدء الأزمنة، للخلاص. وقد كَتَبَ فالنتينوس في نصٍّ يبدو وكأنه بقية من موعظة (فالنتينوس، مقطع و):
منذ البدء، وأنتم ["المصطفَوْن" أو المسيحيون الغنوصيون] خالدون، وأنتم أبناء الحياة الأبدية. تنشدون رَصْدَ الموت لأنفسكم بحيث يمكن لكم أن تنفقوه وتستنفدوه، وبحيث يموت الموتُ فيكم ومن خلالكم. إذ عندما تُعدِمون العالم من غير أن تفنوا أنتم، فأنتم السادة على الخلق وعلى كلِّ فساد هذا يبدو وكأنه ردُّ فالنتينوس على معضلة ديمومة الخلاص: بما أن صوفيا أو "الأم" الإلهية – وهي فَرْدٌ من الملأ الأعلى – قد سقطت في الضلال، كيف يمكن لنا التأكد من أننا لن نقترف الغلط نفسه أو غلطًا مماثلاً بعد أن نبلغ الامتلاء؟ فبإعلانه أن دورَ "المصطفى" (أو المسيحي الغنوصي) ومهمَّتَه هي استنفاد الموت و"إعدام" العالم، يوضح فالنتينوس موقفه الذي مفاده أن تلك النفوس المختارة نفوس مشارِكة في خلاص العالم، إلى جانب المسيح، الذي كان أول مَن حمل الخطيئة والفساد المتأصِّلين في العالم المادي (راجع: إيريناوس، 1.11.1؛ وليتون، ص 240). لذا، بما أن "أجرة الخطيئة هي الموت" (الرسالة إلى الرومانيين 6: 23)، فإن أيَّ كائن قادرٍ على تحطيم الموت لا بدَّ أن يكون معصومًا من الخطيئة. ففي نظر فالنتينوس، إذن، أن الفرد المقدَّر له أن يخلص مقدَّر له أيضًا نوعٌ من الخلافة الإلهية تتضمن دورًا فاعلاً في التاريخ، وليس مجرد راحة مع الله، أو حتى حياة غبطة من الخلق المحب، كما ذهب باسيليدس. طالب فالنتينوس مستمعيه – على غرار بولس – بالاعتراف بمخلوقيَّتهم؛ إلا أنهم – خلافًا لبولس – اعترفوا بخالقهم بوصفه "الوالد اللاموصوف"، وليس كإله الكتب المقدسة اليهودية. وبعد فالنتينوس، أضحت مهمةُ التأويل المسيحي إثباتَ الاستمرارية بين العهدين القديم والجديد. وفي هذا الصدد، كما وفي الروحانية العامة لتعاليمه – ناهيك عن عقيدته البدائية في التثليث – كان لفالنتينوس وَقْعٌ لا يُجارى على تطور المسيحية.
د. منظومة بطليموس
وصف إيريناوس بطليموس Ptolemaeus (حوالى 140 م) ب"بزهرة مدرسة فالنتينوس" (ليتون، ص 276). لكننا لا نعرف شيئًا يُذكَر عن حياة بطليموس ما عدا الكتابين اللذين وصلانا: الأسطورة الفالنتينية الفلسفية المفصَّلة التي حفظها إيريناوس، والرسالة إلى فلورا، من وضع فالنتينوس، التي حفظها القديس أبيفانيوس حرفيًّا. نقع في الكتاب الأول على منظومة فالنتينوس، مفصَّلة تفصيلاً كبيرًا على يد بطليموس، التي تحتوي على أسطورة أنثروبولوجية مركَّبة تتمركز حول آلام صوفيا. كما نقع أيضًا، في كلٍّ من الأسطورة والرسالة، على محاولة بطليموس للتوفيق بين الكتب اليهودية وبين تعاليم الغنوصية والتأويل المجازي للعهد الجديد، في صورة غير مسبوقة بين الغنوصيين قبلئذٍ.
في النظام البطليموسي يَرِدُ في صراحة أن سبب سقوط صوفيا هو رغبتها في معرفة الآب الفائق الوصف. وبما أن سبب توليد الآب للأيونات (الذين صوفيا آخرهم) كان "رفعهم جميعًا إلى مرتبة الفكر" (إيريناوس، 1.2.1)، لم يكن مسموحًا لأيٍّ من الأيونات أن يبلغ معرفة تامة بالآب. لقد كانت الغاية من الملأ الأعلى أن يوجد كتعبير حيٍّ، جمعيٍّ، عن السعة العقلية للآب؛ فإذا قُيِّضَ لأيِّ كائن مفرد ضمن الملأ الأعلى أن يصل إلى الآب لتوقفت الحياة برمَّتها. تقوم هذه الفكرة على موقف إيجابي بالدرجة الأولى تجاه الكون، بمعنى أن الوجود، مفهومًا ككفاح، ليس من أجل نهاية مستكينة، بل من أجل مستوى متزايد أبدًا من البصيرة الخلاقة أو "التكوينية". والهدف، من هذه الوجهة، هو الإبداع من خلال الحكمة، وليس مجرد الوصول إليها كغرض أو كغاية في حدِّ ذاتها. ومثل هذا الوجود لا يتَّسم بالرغبة في غرض ما، بل بالحري في القدرة على الإمعان في الانخراط الخلاق والتكويني مع "الظرف" (= الوضعية المعيَّنة أو الميدان الفردي) الخاص بالمرء. عندما رغبتْ صوفيا في معرفة الآب، فإن ما كانت ترغب فيه إذ ذاك، في المقام الأول، هو تلاشيها لصالح فنائها الخاص فيما جعل وجودها ممكنًا في الأصل. وهذا يعادل رفض هبة الآب، بمعنى هبة الوجود والحياة الفرديين. لهذا السبب لم يُسمَح لصوفيا بمعرفة الآب، بل رُدَّتْ إلى "الحد" horos الفاصل بين الملأ الأعلى وبين "السعة اللاموصوفة" للآب (إيريناوس، 1.2.1).
أما ما تبقَّى من رواية بطليموس فيتعلق بإنتاج الكوسموس المادي اعتبارًا من "آلام" صوفيا المُأقْنَمَة وفاعلية المخلِّص (يسوع المسيح) في ترتيب هذه الآلام الشواشية أصلاً في تراتبية منتظمة من الموجودات (إيريناوس، 5.4.1 وما بعدها، وقارن: الرسالة إلى القولوسيين 1: 16). إن ثلاثة صفوف من الكائنات البشرية تنوجد من خلال هذا الترتيب: "المادي" hulikos و"النفساني" psukhikos و"الروحاني" pneumatikos. البشر "الماديون" هم أولئك الذين لم يبلغوا الحياة العقلية، وبالتالي لا يعقدون آمالهم إلا على ما هو هالك – ولا أمل في الخلاص لهؤلاء. "النفسانيون" هم أولئك الذين ليس لديهم إلا تصور نصف متشكِّل عن الإله الحقيقي، وعليهم، بالتالي، أن يحيوا حياة منذورةً للأعمال المقدسة والثبات على الإيمان؛ وبحسب بطليموس، هؤلاء هم المسيحيون "العاديون". وأخيرًا، هناك البشر "الروحانيون"، الغنوصيون، الذين لا يحتاجون إلى الإيمان لأنهم على معرفة فعلية (غنوص) بالحقيقة العقلية، وبذلك هم ناجون بالطبيعة (إيريناوس، 2.6.1، 4.6.1).
يقوم المفهوم الفالنتيني البطليموسي للخلاص على فكرة أن الكوسموس هو التجلِّي العياني أو الأقْنَمَة لرغبة صوفيا في معرفة الآب و"الآلام" التي نجمتْ عن فشلها. إن تاريخ الخلاص للكائنات البشرية له، إذن، صفة التجلِّي الخارجي للسيرورة المثلَّثة لافتداء صوفيا نفسها: الاعتراف بآلامها؛ "رجوعها" epistroph? تاليًا؛ وأخيرًا، فعل توليدها الروحي، الذي انبثقتْ منه الإنسانيةُ الغنوصية (راجع: إيريناوس، 1.5.1). الخلاص، إذن، في شكله النهائي، يجب أن يتضمن نوعًا من الخلق الروحي من قِبَل الغنوصيين الذين يبلغون الملأ الأعلى. غير أن على البشر "النفسانيين"، المكوَّنين جزئيًّا من مادة قابلة للفساد وجزئيًّا من ماهية روحية، أن يظلوا مكتفين بوجود بسيط مريح مع "صانع" الكوسموس، بما أنه لا يمكن لعنصر ماديٍّ أن يدخل الملأ الأعلى (إيريناوس، 1.7.1).
في رسالته إلى فلورا (في أبيفانيوس، 1.3.33-10.7.33)، التي هي محاولة لهداية امرأة مسيحية "عادية" إلى مذهبه المسيحي الفالنتيني، صاغ بطليموس صياغة واضحة مذهبَه في العلاقة بين إله الكتب المقدسة العبرية، الذي هو "عَدْل" وحسب، وبين الآب اللاموصوف، الذي هو الخير الأسمى. وعوضًا عن مجرَّد إعلان أن هذين الإلهين غير متَّصلين، كما فعل مرقيون، بَسَطَ بطليموس قراءة مركَّبة، مجازية، للكتب المقدسة اليهودية فيما يتصل بالعهد الجديد بغية ترسيخ سلالة تربط الملأ الأعلى، صوفيا و"آلامها"، الديميورغوس، والنشاط الخلاصي ليسوع المسيح بعضها ببعض. إن مدى عمل بطليموس ودقَّته، والأثر الذي خلَّفه على المسيحية الأرثوذكسية الناشئة، يؤهِّله لكي يكون واحدًا من أهم اللاهوتيين المسيحيين الأوائل، الأرثوذكسيين الروَّاد منهم و"الزنادقة".
المزيد
10 أبريل 2025
بدعة ضد العذراء
عداء العذراء مريم
أو ضد لقب عذراء
أولا: العداء للعذراء مريم أو ضد لقب عذراء Antidicomarianites
أنكرت هذه البدعة دوام بتوليتها بعد ميلاد المسيح "opponents of Mary" وكانت منتشرة فى العربية ومن الظاهر أنها كانت ضد العقيدة المريمية التى تؤله السيدة العذراء مريم وظهرت هذه العقيدة وقويت فى الفترة بين 200 م إلى 400 م وإستمرت بقوة فى بعض المناطق التى منها الجزيرة العربية وما حولها إلى القرن السادس الميلادى وقد أنقسم تصور الناس للسيدة العذراء مريم إلى عدة أقسام وطبيعى تسمى هرطقات التى منها:
1 - الأبيونيين Ebionites أعتقدوا أن السيد المسيح ليس إلا أبن ليوسف من مريم، إلا أن هذا التصور قد وجد معارضة شديدة من خارج هذه الجماعة وفى داخلها أيضاً حيث أنقسمت هذه الطائفة إلى عدة طوائف كل منها له معتقدة ولكن يطلق عليها أسماً واحداً وهو الأبيونيين الذى يعنى (طوبى للمساكين)
2 - العداء للعذراء مريم أو ضد لقب عذراء Antidicomarianites وكانت هناك عقيدة أن السيد المسيح ولد من العذراء مريم بواسطة الروح القدس وبعد ذلك عاشر يوسف النجار السيدة العذراء مريم معاشرة الأزواج وقد أنكرت هذه الطائفة اللقب الذى أطلق على مريم فى الفكر الأرثوذكسى والفكر الكاثوليكى وهو العذراء دائمة البتولية ever-Virgin Mary وقد ظهر هذا الفكر مبكراً فى البدعة الترتليانية Tertullian وقد ذكرت فى الأصل (Homilia in Lucam, III, 940)، وأيد هذا الفكر إريانوس وإيدوسيوس وإينوميوس Arians, Eudocius and Eunomius, ونشروه وعلموا به وأنتشرت هذه العقيدة فى الجزيرة العربية وما حولها حتى نهاية القرن الرابع. تحددت قام القديس إبيفانوس St. Epiphanius بالرد عليهم فى خطابات شيقة أعطتنا فكرة تاريخيه عن هذه الجماعة وفكرهم والتى أثبت أن عقيدتهم فاسدة وكاذبه راجع (St. Epiphanius, Contra H?res., lxxviii, 1033 sqq.). وقد بنوا عقيدتهم على أن هناك نصاً فى الكتاب المقدس أن أخوة يسوع يطلبونه، فى حين أن الكتاب المقدس ذكر أسم اخوه على أقرباء وليس أخوه فى عدة أيات سابقة كما أن التقاليد الموروثة حتى هذا اليوم فى الشرق الأوسط تطلق على أى شخص من العائلة أسم أخ، وحتى المسيحيين فى الشرق ينادون بعضهم بعضا بالقول أحنا ولاد معمودة واحدة أى رحم واحد أى إحنا إخوات فى المسيح يسوع.
المزيد