المقالات
18 أغسطس 2018
ماذا يقول القديس يوحنا ذهبى الفم عن السيدة العذراء
يعطي القديس يوحنا ذهبى الفم العذراء مريم كرامه أكثر من الشاروبيم والسيرافيم لانها حوت شمس البر وولدت الله الكلمة المتجسد ( قد حوت العذراء عوض الشمس شمس العدل الغير مرسوم ولا تسل هنا كيف صار هذا وكيف أمكن أن يصير الآن حيث يريد الله فهناك لا يراعى ترتيب الطبيعة اذ هو اله يصير انسانا ومع ذلك لا يسقط من اللاهوت الذى كان له ولا صار انسانا بفقده اللاهوت ولا من انسان صار الها ينمو متتابع بل الكلمة الكائن صار لحما) يقول القديس يوحنا ان ابن الله قد صار انسانا لكي يصيرنا ابناء لله بالتبني والايمان (ان كان ابن الله قد صار ابنا للعذراء فلا تشك يا ابن ادم انك تصير ابنا لله، ولد بالجسد لكي تولد انت ثانية حسب الروح ولد من امرأة لكي تصير انت ابنا لله، إن كان ابن الله قد صار ابن لداود، فلا تشك يا ابن آدم أنك تصير ابنا لله. إن كان الله قد نزل أعماقا كهذه، فأنه لم يفعل هذا باطلا، أنما ليرفعنا للأعالي. ولد بالجسد لكي تولد أنت ثانية حسب الروح. ولد من امرأة لكي تصير أنت ابنا لله)ويقر القديس يوحنا ذهبى الفم بمحدودية العقل البشرى فى فهم اسرار التجسد والتي نفهمها بالروح القدس المعطى لنا من الله (حقا إننا نجهل الكثير على سبيل المثال: كيف يوجد غير المحدود في الأحشاء؟ كيف يحمل بذاك الذي يحوي كل شئ، و يولد من امرأة؟ كيف تلد العذراء و تستمر عذراء؟)إنه سر الله الامحدود بحبه.
المزيد
20 فبراير 2019
عظة قداس اليوم الثالث من صوم نينوى
" إذا كان المساء قلتم صحو لأن السماء مجمرة . وفى الصباح اليوم شتاء . لأن السماء محمرة بعبوسة . يامراؤون تعرفون أن تميزوا وجه السماء أما علامات الأزمنة فلا تستطعون "( مت 15 : 32 – 39 و 16 : 1 – 4 )إذا كنا الآن فى عمرنا هذا نبالغ فى اختيار الامور النافعة والمطاعم اللذيذة والرتب العالية والاوقات المعينة على تتابع هوائنا . حتى آل بنا الحرص والاجتهاد إلى النظر فى سير الكواكب وتمييز الأيام ومواقع حدود الكائنات وعمل ما لا ينبغى فما بالنا لا نفعل ذلك فى الاهتمام بالباقيات وما بالنا لا نوفى ديوننا . ونتخلص من غرمائنا قبل أن يحكم علينا الولاة والحكام ؟ وإذا كان ربنا قد ضرب لنا أمثالا بالذين يقصدون الخلاص والذين يهملون ذواتهم ونحن لا نرعوى . فبماذا يكون حالنا ؟ولنفرض الآن أن المخلصين والمهملين يشبهون رجلين تاجرين . سافرا إلى احدى البلاد لإبتياع بعض الأشياء للتجارة . وحينما بلغا سالمين إلى المدينة افترقا عن بعضهما فمضى كل منهما إلى حيث اراد . فالاول منهما شمر عن ساعد العزم والجد . وقام على قدم الاجتهاد . وأخذ يجول فى الأسواق . ويتفقد أماكن التجارة . ويسأل السماسرة وأهل الخبرة بتلك البلاد عن البضاعة النافعة والمتاجر الرابحة . مجتهداً فى الإبتياع ليلا ونهاراً . لا ينظر إلى لذة ولا إلى شهوة . إلى أن اكمل كل ما يحتاج اليه . ثم استراح اخيراً . أما الآخر فإنه عندما وصل إلى المدينة أخذ يسأل عما فيها من البساتين والحمامات والخمر واللهو وأماكن اجتماع المضحكين والحسان من النساء . وظل يقضى الأوقات هكذا : ساعة فى الحمام . وساعة فى البستان . وساعة فى الأكل والشرب . وساعة فى الضحك مع المهرجين وكل ما رأى رفيقه الآخر مجتهداً مفتشاً على أصناف البضائع يخاطبه معنفاً ل على الانهماك فى التعب والإعراض عن اللذات . وهو لا يلتفت اليه واستمر هكذا إلى ان حان الأجل المفروض للتجار . فضرب البوق للرحيل . وأقبل رجال المملكة وحراس المدينة لإخراج الغرباء من مدينتهم حسب إعادة أهل تلك البلاد وعندما سمع ذلك التاجر اللبيب الحازم الرأى صوت بوق السفر نهض فرحاً مسروراً بسرعة العودة إلى الاوطان بما حصل عليه من أصناف البضائع النفسية وللوقت اكترى الدواب والرجال وسافر سالماً غانماً وأما بذلك التاجر الخائب . فانه عندما سمع صوت الرحيل تيقظ من غفلات الجهل ونوم الكسل . وأقبل على ذاته بالبكاء والندم مع الاسف الشديد . وهو يسترحم فلا يجد راحماً . ويستعطف فلا يجد متعطفاً . حيث أصبح بين التجار فقيراً خائباً . إذ لا مال له ولا زاد ولا متاجر . وهو مقبل على البرارى المخيفة والطرقات الهائلة . وخليق بمثل هذا أن يموت جوعاً ويهلك خوفاً وجزعاً وإذا كان مثلنا هذا مطابقاً لهذا الامر بعينه . فما بالنا نوجد فى البلاد الغريبة غافلين مهملين متوانين فى تحصيل متاجرنا . معرضين عن طلب خلاصنا ؟ . وكيف يجوز فى عقولنا أن نضيع أموالنا مجاناً فى البلاد الغريبة ونرجع إلى أوطاننا خائبين ؟ . وكيف يحسن عندنا أن نشتغل بالمآكل والمشارب والملاذ الزائلة مع علمنا بأننا راحلون ومحاسبون ومعاقبون على أعمالنا .فسبيلنا إذن أن نجتهد فى إصلاح أعمالنا . ونبادر إلى الخلاص من أعدائنا . ونستعد بسرعة الرجوع إلى أوصاننا . لنفرح ببضائعنا وأموالنا ونأخذ أرباح تجارتنا فى ملكوت ربنا يسوع المسيح . الذى له المجد الدائم إلى الأبد . آمين .
من عظات القديس يوحنا ذهبى الفم
المزيد
19 فبراير 2019
عظة قداس اليوم الثانى من صوم نينوى
" قم أذهب إلى نينوى ... وناد عليها بالمناداة التى أنا مكلمك بها "
" كما كان يونان آيه لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل "( يونان 3 : 2 ولو 11 : 29 - 36 ) يا لعظم هذا الصوت العظيم المهول القائل : " يا يونان بن أمتاى قم أذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامى " اسمعوا أيها الأحباء هذا القول فما أعظمه ! وهذا التخويف ما أفزعه : وهذا الإرهاب ما أشده وأرهبه على قلوب الخائفين من عقوبة الله افتحوا قلوبكم وأسماعكم . وميزوا بعقولكم معانى الكتب الإلهية وأقوال الله على ألسن أنبيائه ورسله . فان يونان النبى لما تحقق رحمة إلهنا قام ليهرب إلى ترشيش من وجه الرب . فنزل إلى يافا و وجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش فدفع أجرتها ونزل فيها فأرسل الرب ريحاً شديدة إلى البحر . فحدث نوء عظيم حتى كادت السفينة تنكسر . فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد إلى الهه . وطرحوا الأمتعة إلى البحر ليخففوا عنهم . وأخيراً طرحوا يونان النبى أيضاً فوقف البحر عن هيجانه . وقد ابتلعه حوت عظيم وكان فى جوفه ثلاثة أيام وثلاث ليال . وقد تم هذا الأمر هكذا بتدبير الله ليكون من جملة نبواته عن السيد المسيح وكونه يقيم فى بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال . ثم يقول الكتاب وينزل إلى الجحيم ( 1 صم 2 : 6 واف 4 : 9 ) . ليخلص من كان معتقلا بخطية آدم فانظروا إلى مراحم إلهنا . ما أكثرها ! لأنه تجسد وتألم ومات وقبر ثم قام . كل ذلك لفرط عنايته بنا فيجب علينا إذن أن نكون سامعين لأقواله . ذاكرين لأفعاله وطالبين مراحمه فى كل حين . لأنه كريم ورحيم . ويغضب إذا كنا لا نطلب منه الرحمة . فإنه يمنح خيراته لمن يطلبها . وقد قال : " إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب " ( يو 7 : 37 ) . ومَن هو جاهلى فليمل إلى هنا " ( أم 9 : 4 ) . فيا لهذه الرحمة ما أعظمها ! صلى يونان النبى من بطن الحوت إلى الرب إلهه وقال : " دعوت الرب من ضيقى فاستجابنى . صرخت من جوف الهاوية فسمع صوتى " ( يون 2 : 1 – 8 ) إن يونان هذا وهو نبى ومقبول الدعاء لانه منتخب من رب السموات والارض لما نظر نفسه فى بطن الحوت خاف جداً وتضرع إلى الرب فخلصه . فكيف يكون حالنا إذن نحن الخطاة المرتكبون للآثام ؟ وكم يجب علينا من تقديم الطلب والدعاء والتضرع إلى رب الأرباب لعله يخلصنا من خطايانا الفعلية ويرحمنا ويتراءف علينا ولما كان السيد له المجد قد قال : " إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون " ( لو 13 : 2 – 5 ) . فقد أورد مثل شجرة التين . وكون رب الكرم أراد قطعها لانها لم تثمر مدة ثلاث سنين . فقال له الكرام اتركها هذه السنة أيضاً حتى أنقب حولها وأضع زبلا . فإن صنعت ثمراً وإلا ففيما بعد تقطعها " ( لو 13 : 6 – 9 ) فإن قلت وماذا يعنى بهذا المثل ؟ أجبتك : أنه يعنى بشجرة التين مجمع الخطاة . وبالأثمار الأعمال الصالحة . وبالكرام المسيح أو خلفاءه . وبرب الكرم الله الآب . وبالثلاث سنين مدة حياة الأنسان الأرضية . وهى : زمن الشباب . والرجولية والشيخوخة فلنتأمل إيها الأحباء فى هذا القول بعين العقل والتمييز . ولنعلم أن الرب يضرب لنا الأمثال لنفهمها . ويذكرنا بالاقوال لنسمعها . فيجب أن تكون لنا ثمرة الإيمان الصحيح . لنكون بين أشجاره الصالحة التى فى حقله العقلى . الذين هم المؤمنون باسمه العاملون بوصاياه فسبيلنا أيها الأعزاء أن نفهم هذه المعانى بالعقل الرجيح والنظر الصحيح . لتحسن طريقنا بين يديه . ونسلك السيل المستقيمة . لنفوز بمراحم الهنا . ونكون معه فى ملكوته الأبدية . خالدين فى نعمه السرمدية . بتحنن ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح . الذى له المجد والقدرة والعظمة والسلطان . الآن وكل آوان . وإلى الأبد آمين .
من عظات القديس يوحنا ذهبى الفم
المزيد
21 فبراير 2019
عظة انجيل قداس يوم الخميس فطر صوم نينوى
" لا تجعلوا بيت أبى بيت تجارة "( يو 2 : 12 - 25 )
إن سيدنا له المجد بعد نهاية عرس قانا الجليل رجع مع أمه واخوته وتلاميذه إلى كفرناحوم . وكان فصح اليهود قريباً فصعد إلى أورشليم . فوجد فى الهيكل الذين كان يبيعون بقراً وغنما وحماماً والصيارف جلوساً ، فصنع سوطاً من حبال وطر الجميع من الهيكل .. وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم . وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا . " لا تجعلوا بيت أبى بيت تجارة " ( يو 2 : 16 ) إن السيد له المجد قد طرد الباعة من الهيكل مرتين . الأولى فى بدء كرازته ( يو 2 : 11 – 17 ) والثانية قبل آلامه ( مت 21 : 12 ) . وقد تم المكتوب فى سفر المزامير : " غيرة بيتك أكلتنى " ( مز 69 : 9 ) . باحتدام السيد وإزالته ما يهين إسم الله ويضر بكرامته فى بيته إن كل ما فعله السيد له المجد وكل ما قاله وكتب عنه . إنما كان لتعليمنا وهو نفسه القائل : " تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب " ( مت 11 : 29 ) فماذا يعلمنا الله فى هذا الفصل ؟ يعلمنا أن نجعل بيته الذى هو الكنيسة محل احترامنا واكرامنا وخضوعنا . أى اننا ندخل لتأدية واجبات العبادة بالاحترام والادب والخضوع . ونخرج أيضاً كذلك . قال الجامعة : " احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله فالاستماع أقرب من تقديم ذبيحة الجهال لانهم لا يبالون بفعل الشر " ( جا 5 : 1 ) . والسيد نفسه يدعو الكنيسة " بيت الصلاة " ( مت 21 : 12 ) . فهل تعلمنا أن حضورنا إلى الكنيسة إنما هو لأجل الصلاة فقط . وليس للجلوس والمسامرات وانتقاد هذا واستحسان ذاك ثم الضحك والاستهزاء بالآخرين ؟إذا كنا تعلمنا وعرفنا ذلك فلماذا لا نقف فى الكنيسة بخوف ورعدة نادمين على خطايانا شاكرين الرب لقبوله توبتا ؟ ولماذا نراك أيها الحبيب تتكلم أمام هيكل الله وتضحك لاقل سبب !أيها الأنسان . تأمل وانظر فى جانب من أنت قائم . ومع من أنت مزمع أن تصلى وتسبح الله ؟ أنت قائم بقرب القدسات الالهية الموفرة . ومزمع أن تصلى وتسبح الله مع الكروبيم والسرافيم وبقية الملائكة ورؤساء الملائكة فإذا افتكرت مع من انت واقف . ومع من أنت مشترك فى الصلاة والترتيل . فهذا يكفيك للإنتباه والإدراك لترفع عقلك كله إلى السماء وقت الصلوات والقداسات وتخضع بهامتك أمام خالقك أما اذا اصررت على عدم وقوفك فى الكنيسة وقت الصلوات والقداسات بخوف ورعدة . وإضاعة وقت العبادة فى الضحك على الغير وانتقادهم . وذم الآخرين أو استحسانهم . وبالأجمال يكون وجودك فى بيت الله بغير وقار . فلاشك أن الله يعاملك بالغضب والانتقام السريع مع عدم غفران خطاياك . وبالاقتصاص منك يوم الدين العظيم . أو لعلك تظن ان الله يتغاضى عن ذنوبك وآثامك عندما يخاطبك على لسان انبيائه ورسله !! إنى أعلمك مقدار هذه الخطية وعظم تهاونك الحاصل بسببها . فاسمع ما أقول لك . إذا اتفق حضورك بمجلس أحد الشرفاء وخاطبك فيما هو مفيد لحياتك وأخبرك عن الازمنة السالفة وما جرى لاهلها من الحوادث النافعة أو الضارة . فهل كان فى امكانك أن تتجاسر وتعرض عن سماع كلامه وتلتفت إلى مخاطبة عبيده ؟ . إنك لو فعلت مثل هذا فكم من القباحة وقلة الأدب يظهر فعلك ؟ . فمن هنا اذن تفهم كم من التهاون والاحتقار تجاسرت بفعلك هذا على البارئ وليس هذا فقط بل أنى اعجب كثيراً بوجود أناس منكم يكونون داخل الكنيسة ثم يتركونها قبل انتهاء القداس الالهى . ويزيد عجبى جداً من عدم حضورك البعض الكنيسة طوال السنة . وهم لا يعترفون ولا يتناولون إلا إذا صادفتهم مصيبة أو حلت بهم ضيقة كثيرون من الناس يتناولون الأسرار الالهية فى السنة مرة واحدة . وآخرون مراراً عديدة . فلمن من هؤلاء يجب المدح والتطويب ؟ هل للذين يتناولن مرة واحدة أم للذين يتناولون مرراً . أم للذين لا يتناولون إلا عند وقوع الشدة أنا اقول أن المدح والتطويب لا يخص هؤلاء ولا اولئك ولا الآخرين . وإنما يخص الذين يتناولون الاسرار المقدسة بضمير نقى وقلب طاهر . أولئك الذين يحيون حياة بريئة من اللوم . الذين لا يوجد فيهم شئ من الحقد والحسد . السالكون طريق السلام . فهؤلاء لهم فى كل عيد سيدى وفى كل زمان أن يتناولوا القربان المقدس وأما اولئك فغير مستحقين التناول حتى ولا مرة واحدة أن أكلت يا هذا من مائدة روحية . واستحققت لعشاء ملوكى . فهل يجوز لك بعد ذلك أن تترك ذاتك أيضاً فى الخسائس والنجاسات ؟ ما بالك تدهن جسدك بالاطياب العطرة ثم تعود تلطخه بالنتانة والحمأة ؟فى كل عام تنتقى وتتناول . ولكن قبل أن يمر عليك قليل من الزمن تعود إلى شرورك الاولى وعاداتك السيئة . قل لى يا هذا . أن كنت مريضاً بمرض مزمن وشفيت منه فإن أهملت ذاتك وتركتها تسقط راجعة إلى ذلك المرض . أما تكون قد اضعت كل تعبك السالف باطلا ؟ . وإذا كنت متى وجدت فى فمك شيئاً من النتن والرائحة الكريهة بسبب مرض ما . فلا يمكنك أن تستعمل حتى المأكولات المعتاد عليها . فكيف يمكنك أن تتجاسر على تناول الأسرار ونفسك مفعمة من نتانة الخطية ونجاستها ؟ ولاى عفو تكون حينئذ مستحقاً ؟ انك لا تستحق عفواً لان بولس الرسول يقول : " من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً فى جسد الرب ودمه . ولكن ليمتحن الانسان نفسه هكذا يأكل الخبز ويشرب من الكأس لان الذى يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب " ( 1 كو 11 : 27 – 29 ) فسبيلنا اذن ايها الاحباء أن نواظب على بيت الله بكل ادب وخوف وتقوى عاملين بكل الوصايا مادام لنا وقت لنرضى الله تعالى بأعمالنا حتى نكون مستأهلين لسماع ذلك الصوت الفرح القائل : " تعالوا يا مباركى ابى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم " ( مت 25 : 34 ) . له المجد إلى الابد آمين .
من عظات القديس يوحنا ذهبى الفم
المزيد
06 يناير 2020
مقتطفات من ميمر يوحنا ذهبي الفم علي ميلاد ربنا يسوع المسيح
الجميع يعيدون إذ يرون الإله في الأرض -المرتفع- تنازل رأفة منه، والهابط ارتفع إذ أحب الله البشر، اليوم تشبهت بيت لحم بالسماء وإن كان اليهود يجحدون الميلاد العجيب ولقد تقوًل الكتبة مضادو الناموس وكان هيرودس الملك يطلب المولود لا ليكرمه بل ليقتله الملوك قد تعجبوا كيف ينزل ملك السماء إلي الأرض وليس في معيته ملائكة ولا رؤساء أو قوات فقد سلك طريقًا غريبًا لم يسلطه غيره تناول اللبن كالطفل من ثدي أمه العذراء، جاءه الأطفال، نعم جاءوا إلي الذي صار طفلًا ليجري منطق التسبيح علي أفواه الأطفال والرضع.. جاء الآدميون إلي ذلك الذي صار إنسانًا وأبرأ آدم من مصائبه جاء الرعاة إلي الراعي الصالح الذي بذل نفسه عن غنمه، جاء الكهنة إلي رئيس الكهنة علي طقس ملكي صادق جاء الصيادون إلي رئيس الحياة ليجعل صيادي السمك صيادين للناس جاء العشارون إلي الذي صًير العشار كارزًا بالإنجيل جاء الخاطئات إلي الذي كانت قدماه تبللهما الزانية وبدموعها غسلتهما، جاء كل الخطاة إلي حمل الله الذي يرفع خطايا العالم فإذًا الكل في عيد وأنا أيضًا أريد أن أحتفل بالعيد وأفرح فرحًا وأتهلل مبتهجًا بلا ضرب طنبور ولا نفخ مزمار هو فرحى وزينتي ورجائي وهو أملي وهو خلاصي فمن أجل ذلك أبتهج لكي بقوته أقوي وأقول مع الملائكة المجد لله في الأعالي، ومع الرعاة أٌول وعلي الأرض السلام وفي الناس المسرة.
مثل إنسان ولد من العذراء وبقيت عذراء بعد ولادتها بم أنطق وبماذا أعبر يا للأعجوبة العظيمة أن المولود وحيد قبل الدهور الذي بلا جسد لا يُحس ولا يفتش جاء في الجسد لأن الناس إنما يصدقون ما يرون ويسمعون عنه، وما لا يرونه لا يصدقونه، فمن أجل ذلك أحتمل المسيح سيدنا أن يُنظَر إليه بالجسد ليؤمن جحود الذين لا يؤمنون به ويولد من عذراء غير عارفة بالأمر لأنها كانت إناء طاهرًا وبسيطًا لا تعرف إلا ما سمعته من جبرائيل الملاك إذ سألته أنىَ يكون لي هذا وأنا لا أعرف رجلًا، فأجابها الملاك وقال لهاالروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك والذي يولد منك قدوس إبن العلي يدعى أما كيف كان معها وبعد قليل ولدته فكما أن الصانع الحاذق إذا صب فضة نقية جيدة عمل منها إناءً جيدًا كذلك المسيح وجد العذراء طاهرة الجسد والنفس واتخذها هيكلًا هكذا شاء ولم يأنف من الطبيعة لأنها خلقة يديه، وإن هذا لمجد عظيم إذ عرف الناس الخالق بِمَ أنطق أو بِمَ أُعبر، عتيق الأيام صار اليوم طفلًا -الذي علي العرش في العلو يوضع اليوم في مذود، العالي الذي لا يُجس ولا يفتش يقلب اليوم بيد البشر، الذي يفك أغلال الخطايا اليوم يشد بالأقماط حقًا أنه يريد أن يبدل الهوان بالكرامة ويلبس المجد من لا مجد له من أجل ذلك جاء في الجسد.. يأخذ جسدي ويعطيني من روحه، فهو يعطى ويأخذ ليكسبني كنوز الحياة (أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له فلنسبحه ونمجده ونزيده علوًا إلي الأبد [الإبصلمودية]) أقدم جسدي هذا ليطهره ويعطيني روحه لكيما يخلصني لقد تحقق ما قيل عنه، أن العذراء ستحبل ما كتب كان لجماعة اليهود، أما الاقتناء فللكنيسة تلك الجماعة أخذت اللوحين أما الكنيسة فقد اقتنت الجوهر، تلك الجماعة صنعت الصوف أما هي فقد لبست السندس، يهودية ولدته وأمم كثيرة قبلته، نشأ في تلك الجماعة وقبلته الكنيسة وقطفت الثمرة فتلك الجماعة غصن الكرمة ولنا عنقود الحق هي عصرت العنقود فشربت الأم كأس الشراب، زرعت حبة القمح وحصدت الأمم من أجل الإيمان السنبل وقطفت الثمر مخشية الله وقد بقيت أشواك الكفر عنداليهود يا لهذا الميلاد العجيب، ليس كمثل البشر كان مولده لكن الإله صار بشرًا الأزلي أتى من العذراء إن الذي خلق آدم أولًا من أرض عذراء خلقه من غير امرأة، ثم خلق المرأة كما شاء، كذلك العذراء ولدته ولا تعرف رجلًا كما قال الكتاب هو إنسان ومن يعرفه، وللنساء دورهن بعد آدم، فآدم من غير امرأة خلق الله له امرأة، وجاءت العذراء وولدته لتفي عن حواء الدين الذي لزمها من آدم. جاءت حواء من غير امرأة، فلا يفتخر آدم بمدح عظيم أن حواء كانت له بدونها. العذراء ولدته لكي تكون الطبيعة شريكة فقد أخذ الله من آدم ضلعًا ولم ينقص من جنبه شيئًا ومن العذراء ولد ولم تفك بتوليتها وكما أن آدم كان تامًا وكاملًا بعد أخذ الضلع منه، كذلك العذراء بقيت صحيحة لم يُبن له من غيرها هيكل، كما أنه ليس من غير جسدها تجسد إن الإنسان إذا خدع صار إناء للشيطان، من أجل ذلك اتخذه المسيح هيكلًا وظهر إنسانًا كاملًا بلا خطية لينقذ الإنسان من ولاية إبليس، ويفك أغلال الخطية وإذ صار إنسانًا لم يولد مثل ميلاد الإنسان ولكن الإله صار إنسانًا، ولأنه لو ولد كالبشر لظن كثير من الناس أنه باطل أما وقد ولد من عذراء ومن بعد ولادته حفظ العذراء فإن ميلاده عجيب غريب وهذه هي الأمانة العظيمة لكيما يخلصني من ذنوبي وله المجد دائمًا أبديًا آمين.
المقدس يوسف حبيب
عن كتاب أفراح عيد الميلاد المجيد
المزيد
10 أغسطس 2019
في والدة الإله والقديسين
والدة الإله
مع العلم أن عذراوية مريم كانت سرا مخفيا عن الشيطان مثل أمر صلبه.وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. فسر ذهبي الفم يوحنا هذه الآية وقال: "استخدم هنا كلمة "حتى" لكي لا تشك وتظن أنه عرفها بعد ذلك أنما ليخبرك أن العذراء كانت هكذا قبل الميلاد ولم يمسها رجل قط ربما يقال لماذا استخدم كلمة "حتى" لأن الكتاب أعتاد أن يستعمل هذا التعبير دون الإشارة إلى أزمنة محددة. فبالنسبة للفلك قيل أن الغراب لم يرجع حتى جفت الأرض مع أنه لم يرجع قط.."
القديسون
"عمل الله هو إعطاء النعمة وعمل الانسان هو تقريب الإيمان"طوبى لكواكب المسكونة، لأنّ غرفتهم نقية خالية من كل ضجة، ونفسهم مُصفّاة من كل هوى، ومتحرّرة من كل مرض. وهي رقيقة، خفيفة، وأنقى بكثير من هواء عليل. أما العمل عندهم فهو ما كان لآدم في البدء قبل الخطيئة، يوم كان متسربلاً المجد ويكلّم الله بدالّة، مقيماً في ذلك المكان المفعم غبطة.إذا فتح الناسك فاه، شملك بالطيب الذكي، فإنّ أفواه الرهبان القديسين((ينابيع عسل جارية)) تفيض بالمياه النقية "إنّ محبّة القدّيسين لا تنقص بموتهم، ولا تنتهي بخروجهم من هذا العالم، بل إنّهم، بعد موتهم، يكونون أعظم قدرة (على الشفاعة) منهم وهم أحياء" "بالموت لا تتغرب أجساد القديسين عن النعمة التي كانوا يحيون بها، بل تزداد بها"
طالما أنّ عشقك لايزال حاراً، فاتّجه صوب الملائكة وزدْه حرارة، فإنّ الكلام الذي لدينا يعجز عن إيقادك كما تشعلك رؤية الأمور الحاصلة
هلموا إلى برية مصر لتروها أفضل من كل فردوس! ريوات الطغمات الملائكية في شكل بشري… لقد تهدم طغيان الشيطان وأشرق ملكوت المسيح ببهائه!…السماء بكل خوارسها ليست في بهاء برية مصر الممتلئة من قلالي النساك.
"إن المخادع الأول (الشيطان) لم يجرؤ أن ينظر قبر بابيلا. هذه هي قوة القديسين الذين وهم أحياء لم تحتمل الشياطين ظّلهم ولاثيابهم وهم أموات ترتجف حتَّى من قبورهم".
في الخطاب على كورنثوس الثانية: "ان عظام القديسين تخضع تعذيبات الأبالسة وتزدريها وتحلّ المكبّلين بقيودها القاسية... أن الغبار والعظام والرماد هي تعذيب الكائنات الخفية".
فلا تنظرن إلى جسد الشهيد العاري والفاقد العمل النفساني والملقى أمامك بل إلى أن فيه تستقر قوة أخرى أعظم من النفس ذاتها وهي نعمة الروح القدس التي تحقق لنا بفعلها العجائبي حقيقة القيامة. لأنه إذا كان الله قد أولى الموتى والأجساد المتحوّلة غبارًا مثل هذه القوة التي لا يملكها أحد من الأحياء فبالأحرى أن يعطيهم يوم القيامة حياة أفضل وأهنأ من السابقة" (خطابه بخصوص الشهيد بابيلا).
في تقريظة للقديس اغناطيوس الحامل الاله: "ليست أجساد القديسين وحدها ملأى نعمة بل ونفوسهم ذاتها أيضًا لأنه إذا كان في زمن أليشع قد تمّ شيء من هذا القبيل، إذ مسّ الميت النبي انحل من قيود الموت وعاد إلى الحياة. فبالأحرى الآن النعمة أغزر وفعل الروح القدس أخصب؟ فمن يمسّ نعش (القديسين) ذاته عن ايمان لا بدّ وأن يجتذب منه منفعة كبرى. ولذلك أبقى الله لنا ذخائر القديسين رغبة منه أن يقودها إلى تلك الغيرة التي كانت فيهم ويمنحنا ميناء وتطبيبًا حقيقيًا ضد الشر المحيط بنا من جميع الجهات".
في القديس لوقيانوس: :"تُرك القديس طويلا دون أن يُحضَر إليه أي طعام... وأُنهك بشتى الاستجوابات التي أُخضع لها... وحين كان يُسأل "من أين أنت... ما هي مهنتك... من هم أقرباؤك...؟" كان يجاوب "أنا مسيحي"، لأنه كان يعرف جيدا انه بالإيمان يغلب لا بالبلاغة، وان الدرب الأكيد ليس ان يعرف المرء لغة الكلام بل لغة المحبة... بهذا الجواب "أنا مسيحي" أكمل لوقيانوس سعيه حائزا على إكليل الظفر..."
في ايليا النبي: أريد أن أتكلم عن ايليا، هذا الرجل الذي رُفع الى أعالي السماوات بسبب غيرته على الرب. هذا الذي قال له آخاب الملك: "انت مُقْلقُ اسرائيل"، فأجابه ايليا: "لم أُقلق اسرائيل انا، بل انت وبيت ابيك". الا ان هذا لما سمع إيزابيل امرأة آخاب تقول: "كذا تفعل الآلهة بي وكذا إن لم أجعل نفسك في مثل الساعة من غدٍ كنفس واحد من الكهنة الذين قتلتهم"، هرب مبتعداً عن المكان مسافة اربعين يوما مشياً. كلمة سمعها من امرأة فهرب بسببها. تصرّف ايليا في كل أعماله تصرُّف عتوٍَّ وقساوة. فلما كان بمعزل عن الخطيئة ظهر متجبّرا الى أقصى حدود التجبّر. الا ان الله سمح بعثاره وهيأه تلك التهيئة حتى يجعل الرحمة التي أُنعم عليه بها ألطف جانب في معاملته للقريب... بعد اربعين يوما وافاه الله، وأقبل السيد على عبده إذ كان الله مملوءا من الرحمة والعطف. فسأله الله: "ما بالك ههنا يا ايليا؟". فكأن الله يقول له: "انك هربت، فأين الثقة بي؟ تلك حالةٌ تعلمك أن لاتثق بنفسك...". أجابه ايليا وكأنه الآن غيَّر أفكاره السابقة، قال: "ايها الرب انهم قد نبذوا عهدك وقوَّضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف، وبقيت انا وحدي، وقد طلبوا نفسي ليأخذوها". فقال له الله: "كلا لم يكن هذا سبب هربك، ولستَ وحدك يا ايليا لم تسجد لدى بعل، بل قد أبقيتُ في اسرائيل سبعة آلاف ركبة لم تجثُ للبعل". لامه الله على هربه، وليس على هربه فقط، بل على أن كلمة امرأة أنزلت به مثل ذلك الخوف. لقد اراد الله أن يجرّب ايليا ليُفهمه بأن الاعمال التي قام بها لا يجب أن ينسبها الى نفسه بل الى قدرة الله. ايليا الذي كان يغلق السماء تارةً فلا تمطر، وتارةً يُهبِط النار من السماء على مذبح المحرقة، سمح الله بأن يسقط سقطة صغيرة، لكي يرتدي من بعدها ثوب المحبة...
في القديس بابيلا أسقف أنطاكية: "هل هناك إنسان في العالم كان يمكن لبابيلا أن يخشاه، بعدما وقف في وجه الإمبراطور بمثل هذا السلطان؟ لقد لقّن الملوك، بذلك، درسا أن لا يحاولوا بسط سلطانهم إلى أبعد من القدر المسموح به من الله، كما أعطى رجال الكنيسة مثلاً كيف ينبغي أن يستعملوا السلطان المعطى لهم".
في القديس ملاتيوس العظيم رئيس أساقفة أنطاكية: ان مجرد التطلع اليه كان يبعث الفرح في النفس ويحرك الفضيلة
في الشهيدة ذروسيذا: "حيث لاينفع ذهب ولاغنى هناك تفيد بقايا القديسين .لأن الذهب لايشفي من مرض ولاينجي من موت ولكن عظام القديسين تفعل الاثنين"
القديس يوحنا الذهبي الفم
المزيد
01 مارس 2020
الأحد الأول للصوم الكبير أحد الكنوز
(عظة على إنجيل متى19:6ـ33)” لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ ” (مت19:6)وبعد أن أخرج السيد المسيح من نفوسنا مرض التفاخر والعُجب، نراه يبدأ في الوقت المناسب حديثه عن الفقر الاختياري. إذ أنه لا يوجد شئ يشجّع المرء على محبة المال أكثر من حب المجد الباطل.وفيما سبق اكتفى الربُّ بأن يوصينا أن نصنع الرحمة. أما هنا فبيّن لنا كيف تكون هذه الرحمة، بقوله: ” لا تكنزوا لكم كنوزًا“، وذلك لأنه لم يكن ممكنًا في بداية حديثه أن يُركَز الكلام كله دفعة واحدة حول ازدراء الثروات وذلك بسبب طغيان حب المال. لذا نراه يُجزّئ الحديث إلى مقاطع صغيرة، ويقدّمه قطرة قطرة للنفوس كي يصبح كلامه مقبولاً، لهذا فقد قال في البداية ” طوبى للرحماء” (مت7:5). وبعد هذا ” كن مراضيًا لخصمك” (مت25:5)، ثم أضاف: ” من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك اترك له الرداء أيضًا” (مت40:5).وهنا ما هو أعظم بكثير، إذ لا يُفترض وجود خصم أو طرف آخر، بل إنه يريد أن يعلّمنا ازدراء الثروات نفسها ويوضّح لنا أنه يَسِنّ هذه الشرائع لا من أجل الذين ينالون الصدقة بل من أجل الذين يعطون الصدقة. وفي هذا الموقف أيضًا لم يَقُل السيّد كل ما أراد، بل تكلّم بلطف لأن الوقت لم يكن قد حان، وهو هنا يفحص الأفكار فقط، متخذًا موقف الناصح أكثر منه موقف المُشرّع من جهة أقواله حول هذا الموضوع وبعد أن قال ” لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض” أضاف” حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ ” (19:6) حيث إنه يلمّح إلى الأمور التي يخافون منها بالأكثر، إذ يقول: ” مما تخاف؟ هل تخاف أن تنفد أموالك إن أنت تصدّقت بها؟ لا، إعط صدقة وتأكد أن أموالك لن تنفد، بل ستزداد بشكل عظيم حقًا، لأن الخيرات السماوية ستُضاف إليها. لقد شدَّ انتباههم بقوله لهم إن كنزهم لن يُنفق بل سيبقى هكذا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى جَذَبَ انتباههم إلى أمر آخر، إذ أنه لم يقل فقط: ” سيحفظ كنزكم إن تصدقتم”، بل هدّد بالشيء المعاكس أيضًا، وهو أنه سيَفَنى إن لم تتصدقوا… وكيف؟ أسيَفنَى السوسُ الذهَب؟ بالطبع لا، لكنهم اللصوص. وهل صار الجميع ضحايا للسرقة؟ إن لم يكن الجميع فعلى الأقل الأكثرّية منهم. ولهذا فإننا نجد الربّ، وكما قلت سابقًا قد طرح أمرًا آخرً بقوله: ” لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا” (مت21:6). حتى ولو لم يحدث أي من هذه الأشياء، فإنك ستتعّرض لأذى ليس بالقليل لأنك قد وضَعَتَ كل اهتمامك في الأشياء السفلّية، وصرت عبدًا بعد أن كنت حُرًا، ولأنك نحيّت جانبًا الأمور السماوية، وأصبحت غير قادر على أن تدرك أي شئ منها، وصار كل تفكيرك يدور حول المال والربا والقروض والأرباح والأمور التجارية الخسيسة، فهل هناك ضياع أكثر من هذا؟
إن شخصًا كهذا يكون أسوأ من أي عبد ـ إذ أنه تخلّى عن أهم شئ، أي عن سمو الإنسان وحريته فمهما تحدّث معك أي شخص فأنت عاجز عن سماع الأمور التي تهم خلاصك، إذ أن ذهنك كله منحصر في التفكير في المال، ومُقيد بواسطة طغيان الثروة، مثل كلب مربوط بسلسلة قوية إلى قبر، تنبح على كل من يقترب منك، وبغير توقف تحرس ثروات غيرك. أيوجد حماقة أكبر من هذه؟ولأن حديثه هذا كان أعلى من مستوى سامعيه، ولم يكن من السهل لكثيرين أن يروا من أول نظرة أين تكمن العلّة، وبالتالي لم تكن الفائدة واضحة، لكن كانت الحاجة إلى مستوى روحي يَقدْر على التمييّز، ومع أن هذا كان واضحًا من حديثه عندما قال” حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك“، إلاّ أنه أوضحه أكثر عندما وجّه الحديث لا عن الأشياء المعقولة، بل عن الأشياء المحسوسة بقوله إن: ” سراج الجسد هو العين” (22:6)، ومعنى قوله هذا هو ما يلي لا تدفن الذهب أو أي شئ من هذا القبيل في الأرض، لأنك ستكنز هذا كله، ثم يمتد إليه العث والصدأ وأيادي اللصوص، وحتى إن لم تتعّرض كنوزك لمثل هذه الأضرار، فإنك لن تنجو من استعباد قلبك واستمالته إلى كل ما هو أرضّي، إذ ” حيث يكون كنزك يكون قلبك أيضًا“. أما إن وضعت كنزك في السماء، فإنك لن تجنى هذا الثمر فقط الذي هو الحصول على المكافآت عن هذه الأمور، بل ستكون قد نُلت مجازاتك هنا على الأرض وستأخذ أجرك معك إلى هناك لأنك وضعت اهتماماتك فيما هو في السماء، لأنه من الواضح إنه حيث يكون كنزك سيكون هناك اهتمامك أيضًا لكن إن كان هذا الكلام غامضًا بالنسبة لك فاسمع ما يلي:
” سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ ” (22:6ـ23)إن السيد يوّجه الحديث نحو الأمور التي هي في متناول حواسنا بصورة أكبر فيقول: إن كنت لا تعلم مقدار الضرر الذي يصيب (الذهن) فتعلّم من أمور الجسد، إذ مثلما العين بالنسبة للجسد هكذا الذهن بالنسبة للنفس تمامًا، فبالتأكيد إنك لن تفضّل التحلّي بالذهب وارتداء الملابس الحريرّية عن أن تكون عيناك سليمّتين، إذ تحسب أن سلامة عينيك هو أمر أكبر أهمية من كل أمر آخر. إذ عندما تكون العينان ضريرتين تضعف معظم طاقة الأعضاء الأخرى. هكذا أيضًا عندما يُفسَد الذهن ستمتلئ حياتك بشرور لا تحصى. وكما أنه في اهتمامنا بالجسم نهدف إلى جعل عيوننا صحيحة، هكذا أيضًا في نفوسنا، يجب أن يكون اهتمامنا بأن يكون الذهن صحيحًا. فإن شوّهنا الذهن، الذي ينير على بقية الأعضاء، فكيف سنرى بشكل أوضح؟ فكما أن الذي يدّمر النبع يجفّف النهر أيضًا، هكذا الذي يُطفئ الذهن (الفهم)، فإنه يُخزِى كل أعماله في هذه الحياة، لهذا يقول السيد: ” إن كان النور الذي فيك ظلامًا فالظلام كم يكون“إن الله قد أعطانا الفهم كيّ نطرد كل جهل ولنحكم بالصواب على الأمور، وعندما نعمل بهذا الفهم كنوع من السلاح والنور ضد كل ما هو خطر أو ضار، يمكننا أن نبقى سالمين، لكننا نبذّر هذه النعمة في أمور عديمة النفع ونافلة إن من يوجد في مكان مظلم، لا يستطيع أن يتحرك منه إلاّ إن سطعت الشمس. أما من لديه مشكلة في نظره فإنه لن ينظر حتى وإن أشرقت الشمس. هذا ما يحدث بالضبط لِمْنَ نتكلّم عنهم هنا. فإنهم لا يدركون ولا حتى شمس البّر الذي أشرق عليهم ويدعوهم، إذ أن الغِنَى قد أعمى أبصارهم، ولأجل هذا فهم يكونون في ظلام مضاعف: الأول ظلام في داخلهم، والثاني ظلام بسبب عدم اتباع وصيّة المعلّم فلنتبع نحن المعلّم بكل حرص، حتى نستطيع أن نجد النور الحقيقي مرّة أخرى.
سبب العَمَى:-
وكيف يمكن أن نبصر مرّة أخرى؟، هذا ممكن عندما تعرف كيف صرت أعمى. وكيف صرت أعمى؟ بالتأكيد بسبب شهواتك الباطلة. لأنه كما أن هناك سوائل تؤذى العين، هكذا شهوة المال فإنها تؤذى النظر مسببة عتامة كثيفة له. غير أن هذه العتامة يمكن أن تنقشع إن نحن قَبلنا شعاع تعاليم المسيح، إن نحن سمعنا وصاياه وكلماته القائلة: ” لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض“. وربما يتساءل شخص قائلاً: وأي شئ سأربح من السماع في الوقت الذي تتملكّني فيه الشهوة؟
تأثير كلام الله:-
إن سماع كلمة الله باستمرار قادر على إزالة الشهوة. أما إن كنت تُصّر على أن تسيطر عليك هذه الشهوة، فإعرف إن الأمر ليس هو مجرّد شهوة. فما هي هذه الشهوة التي تجعلك في عبودية ثقيلة، تئن تحت نير ثقيل ومحاصر كما في سجن، تعيش في ظلام مملوء بالاضطراب، تحتفظ بالأموال للآخرين وباستمرار، من أجل أعدائك؟ مع أي شهوة تتفق كل هذه الأمور؟ ألاّ يناسب هذه الأمور أن نبتعد عنها ونهرب منها؟ أي شهوة هذه التي تجعلك أن تترك كنوزك بين اللصوص؟ إن كنت ترغب في أموالك بالحقيقة فيجب أن تحفظها في مكان آمن. لأن ما تفعله الآن لا يدّل على إنسان يرغب في حفظ المال، لكن يدّل على حالة الاستعباد والضياع والقلق المستمر التي تسيطر عليه فإن دلّك شخص على مكان غير مطروق هنا على الأرض وآمن، وإن ذهب بك إلى الصحراء وأعطى لك وعودًا بحماية أموالك، فإنك لا تترّدد ولا تتحفظ، بل تُظهر ثقة في كلامه وتنقل أموالك حيث يرشدك. أما إن وعدك الله وليس إنسان بنفس هذه الوعود واقترح عليك لا الصحراء بل السماء مكانًا لحفظ كنوزك، فإنك لا تفعل الشيء نفسه ولا تُظهر ثقة بوعوده أو تَتَبع كلامه. وحتى وإن كانت كنوزك محفوظة تمامًا هنا على الأرض، فإنك لن تقدر أن تتحرّر من حمل الهموم بسببها، وحتى وإن كنت لن تفقدها فإنك لن تُعتَق من القلق خوفًا من فقدها. أما إن كان كنزك في السماء فإنك لن تعاني شيئًا من هذا بالمرّة، بل وأكثر من هذا فإنك ستربح لأنك لن تخفي ذهبك بل إنك تزرعه. حيث إنه لن يصير كنزًا فقط بل بذرة أيضًا وأكثر من الاثنين معًا لأن البذرة لن تبقى دائمًا، أما إن كان كنزك في السماء فإنه سيبقى دائمًا، وبينما الذهب لا يثمر، فإن كنزك هذا الذي في السماء سيعطيك ثمرًا لا يفنى. وإن حاولت أن تتعلّل بطول الزمن الذي ستحصل بعده على المكافأة، فإني أستطيع أن أبيّن لك أنك تربح الكثير هنا في حياتك على الأرض وخلاف ذلك فإني سأحاول أن أبيّن لك أن كثير مما تفعله في حياتك هنا على الأرض يكون بدون فائدة على الإطلاق إنك تتعب كثيرًا وتعمل أشياء عديدة في هذه الحياة، غير أنك لن تتمتع أنت نفسك بها. وإن وجّه إليك أحد اللوم على هذا، فإنك تجيب بأنك تفعل هذا لأولادك ولأحفادك ظانًا أنك بهذا قد أُعِّطَيَت تبريرات لعمل المزيد من هذه الأفعال. فعندما تبني القصور وأنت في شيخوخة عارمة وغالبًا ما تنتهي أعوامك قبل أن تسكن فيها. وعندما تزرع أشجارًا تعطى ثمارًا بعد سنوات عديدة، وعندما تشتري أراضي وعقارات بالتقسيط وتحوز ملكيتها بعد مدد طويلة، وعندما تفعل أشياء أخرى مماثلة ولا تتمتع بها، فهل تفعل ذلك لنفسك أم للآخرين؟أفليس إذن من الحماقة أن لا تتضايق بالمرّة هنا بسبب تأخر نهاية الأزمنة في الوقت الذي ستخسر فيه مكافآت بسبب هذا التأخير؟
الوقت قريب:-
وغير هذا فإن نهاية الأزمنة ليست ببعيدة أطلاقًا، والوقت قريب جدًا ولا نعرف، فربما في جيلنا هذا تكون نهاية الأزمنة ويأتي ذلك اليوم المخوف حيث الدينونة الرهيبة. إن علامات كثيرة قد تحققّت، والإنجيل بُشر به في كل المسكونة، والحروب والزلازل والمجاعات قد وقعت، والمسافات لم تعد بعد بعيدة. ألاّ تشاهد العلامات؟ هذه هي العلامة الكبرى أن الناس في زمن نوح لم يأخذوا بالتحذيرات بالفناء وبينما هم يمزحون ويأكلون ويفعلون كل ما اعتادوا عليه، فعندئذٍ فاجأهم العقاب الرهيب. وحدث نفس هذا الأمر مع أهل سدوم. فبينما كانوا يعيشون في حياة اللهو غير متوقعين شيئًا بالمرّة، أصابتهم الصواعق التي وقعت عليهم. فلنضع هذه الأمور إذن أمام أعيننا ونوجّه نفوسنا للاستعداد للرحيل من هنا. لأنه وحتى إن لم يكن قد جاء موعد رحيلنا جميعًا معًا، فإن نهاية كل واحد فينا هي قريبة، شيخًا كان أم شابًا. وعندما نرحل لن نستطيع أن نشترى لا زيتًا أو حتى نطلب سماحًا من الآخرين. ولن يستطيع إبراهيم أو نوح أو أيوب أو دانيال أن يشفع فينا وفي الوقت المُتاح لنا فلنعد أنفسنا لتلك المدينة السمائية، ولنجمع لأنفسنا زيتًا وفيرًا ولنكنز كل ما نملك في السماء، حتى نتمتع بها في الوقت المناسب وعندما نحتاج إليها، بالنعمة ومحبة البشر التي لربنا يسوع المسيح الذي له القدرة والمجد الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور. آمين.
لا تقدرون أن تخدموا الله والمال:-
” لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ ” (24:6) ألاّ ترون أن السيّد يبعدنا قليلاً قليلاً عن الأمور المادية، وبالتفصيل يحدّثنا عن وصيّة الفقر الاختياري والنصرة على طغيان شهوة المال؟ لأنه لم يكتفِ بما سبق أن قاله، رغم أنه هام وليس بالقليل، بل أضاف أمورًا أخرى. لأنه أي شئ أفظع من الأمور التي ذُكرت الآن انتبهوا إذن بأي طريقة يوضّح السيّد ما سوف نربحه وكيف يبيّن الخسارة التي تعود علينا لو لم نفعل ما يوصينا به. لأنه يقول لنا إن الثروة لن تؤذيكم في هذا فقط، بل إنها سوف تكون سبب مهاجمة اللصوص لكم، وإنها سوف تجعل ذهنكم معتمًا إلى أقصى درجة، وتبعدكم عن خدمة الله، جاعلة إياكم أسرى الثروات. وفي الحالتين هي تؤذيكم، بدفعكم لتكونوا عبيدًا للأشياء التي يُفترض أن يكون لكم أنتم سلطانًا عليها، ومن ناحية أخرى، بإقصائكم عن خدمة الله الذي يجب أن تخدموه أكثر من أي أحد آخر. لأنه كما كان قد أوضح هناك أن الضرر هو مُضاعف وذلك عندما يضع إنسان كنزه هنا على الأرض حيث يفسده السوس ولا يضعه في السماء حيث يضمن حفظه. هكذا هنا يذكر أن الخسارة هي مزدوجة حيث إنه يتحدث عن الأشياء التي تجعلنا عبيدًا للشياطين. ولكن السيد لا يتحدّث عن هذه الأمور مباشرة بل بطريقة بسيطة عندما يقول: ” لا يقدر أحد أن يخدم سيدين” ويقصد أن السيدّين الاثنين يفرضان أمورًا كلُّ عكس الآخر، إذا لو لم يكن الحال هكذا لما كانا اثنين بل سيدًا واحدًا. كما كان ” لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة” (أع32:4)، وبالرغم من أنهم كانوا أشخاصًا عديدين إلاّ أن اتفاقهم في الرأي جعلهم وكأنهم شخص واحد. وبعد ذلك شرح هذا قائلاً إنه لن يخدمه بل إنه سيبغضه ويحتقره. وذلك ” لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر“. ويبدو أن في هذا القول تكرار، لكن الواقع هو أنه قصد أن يقول إن التغييّر إلى الأفضل هو ممكن، وذلك لئلا تقول: لقد صرت عبدًا وانتهى الأمر، لقد وقعت تحت طغيان الثروة. هو يريد إذن أن يقول إن تغييّر الحال ممكن ومن المستطاع أن يغيّر المرء ذاته من الحالة الأولى إلى الثانية والعكس وبعد أن تكلّم بصورة عامة على هذا النحو كي يقنع السامع وليقيّم ما قد سمعه، وكي يحكم وفقًا لطبيعة الأمور، يكشف السيّد أمرًا جديدًا بقوله: ” لا تقدروا أن تخدموا الله والمال“. لنرتعد عندما ندرك ماذا فعلنا حتى يقول السيّد المسيح هذا ويضع ما هو من ذهب في نفس مقام الله. ولكن إن كان هذا يصدمنا، فإن حدوثه في أفعالنا وفي تفضيلنا لطغيان الذهب على خوف الله هو أمر يصدم أكثر بكثير ماذا إذن؟ ألم يكن هذا الأمر ممكنًا بين الأقدّمين؟ على الإطلاق. قد يقول المرء ” كيف إذن تقدّم إبراهيم وأيوب في هذه الفضيلة؟ لا تقل لي عن الذين هم أغنياء، وإنما عن الذين كانوا مستعبدين للثروات. لأن أيوب كان غنيًا ومع ذلك لم يكن يخدم المال، وإنما كان يملكه ويتحكم فيه، لقد كان أيوب سيّدًا لا عبدًا. وكأنه كان وكيلاً على أموال شخص آخر. وهكذا كان يملك كل تلك الأشياء ولم يكن يشتهي أموال الآخرين، بل حتى أمواله كان يهبها لمن كانوا في احتياج وعوز. والأمر الأهم بالطبع، أنه لم يكن يفرح بما يملك كما عبّر هو عن ذلك بقوله: “… إن كنت قد فرحت إذ كثرت ثروتي” (أي25:31). لهذا لم يحزن عندما ضاعت. لكن الذين هم أغنياء الآن ليسوا كما كان أيوب. بل بالحرى هم في حالة أسوأ من أي عبد يدفع الجزية لمستبد قاسٍ. لأن ذهنهم مثل قلعة على حافة المدينة قد احتلها حب المال وشهوته. ومن هناك يرسل لهم كل يوم بأوامر تخالف القوانين ولا يوجد مَنْ يَعصى هذه الأوامر لا تكونوا مفرطى الحذق، لا، لأن الله صرّح مرّة واحدة وإلى الأبد وأعلن أنه أمر مستحيل أن تخدم الواحد وتوافق الآخر. فالواحد يأمرك بأن تأخذ ما ليس لك، والآخر يدعوك بأن تعطى حتى الذي تملكه. فالواحد يأمرك أن تكون عفيفًا، والآخر أن ترتكب الزنى. الواحد يوصيك أن تضبط معدتك، والآخر أن تكون ثملاً مترفًا. الواحد أن تكون مهتمًا بالأمور الحاضرة والآخر ينصحك باحتقارها. الواحد يجعلك تُعجب بالرخام والجدران والمباني الفخمة والآخر يعطيك ألاّ تهتم بهذه الأمور، بل بحياة التقوى. فكيف يتفق السيّدان؟ وفي هذه الحالة فإنه يدعو الشيطان “ربًا”، ليس بسبب أنه ربّ بالطبيعة، لكن بسبب تعاسة الذين يحنون أنفسهم لنيره. وبنفس هذه الطريقة فإنه يدعو البطن “إلهًا” (في19:3)، لا بسبب سلطته، بل بسبب حماقة الذين يُستعبدون له. وهذا الأمر هو أشر من أي عقاب وقادر على معاقبة كل من يقع في شراكة حتى قبل الجحيم وبعد أن يبيّن السيّد للكل الفائدة التي يحصل عليها المرء من احتقار الثروات، تحدّث عن الطريقة التي يستطيع بها الإنسان أن يحفظ ثروته وأن يكتسب إمكانية العمل بهذه الوصية، لأن أفضل التشريع لا يتعلّق بفرض ما هو مناسب، بل يجعله ممكنًا على حد سواء، لهذا أضاف قائلاً:
لا تهتموا:-
” لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ بِمَا تَأْكُلُونَ ” (25:6) ولكي لا يتعجّبوا ويتساءلوا قائلين: ” كيف نستطيع أن نحيا إن طرحنا عنا كل شئ؟”. وأمام هذا التناقض الظاهري فإن السيّد أعطى إجابة مناسبة، فلو قال في البداية ” لا تهتموا “، لبدا الكلام بالتأكيد صعبًا، لكن بعد أن أظهر الضرر الناتج عن اشتهاء المال، فإن نصيحته صارت سهلة القبول ويقول السيد: ” لذلك أقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون“، فما معنى قوله ” لذلك “، يعنى الخسارة غير الموصوفة التى تصيب منْ يكون له هذا الاهتمام الزائد، لأن الخسارة التي تلحق به ليست هي فقط في ثرواته، بل بالأكثر في أهم شئ في حياة الإنسان وهو خلاصه، حيث إن هذه الأمور تبعده عن الله الذي خلقه والذي يهتم به والذي يحبه وهذا هو معنى قوله ” لذلك أقول لكم لا تهتموا “ وهو لا يأمرنا فقط بأن ننبذ كل ما لنا، بل أيضًا ألاّ نهتم حتى بطعامنا الضروري قائلاً: ” لا تهتموا لأنفسكم بما تأكلون“، لا لأن النفس تحتاج إلى طعام لكونها غير جسدانية، إذ أنها رغم احتياجها للطعام فمع ذلك لا يمكنها أن تبقى في الجسد ما لم يُقات الجسد. وبعدما قال هذا، أوضحه بما يجري في حياتنا وأيضًا بأمثال قائلاً ” أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ (النفس) أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ ”(25:6) فالذي يمنح ما هو أعظم كيف لا يمنح ما هو أقل؟ فالذي خلق الجسد الذي يُقات كيف لا يمنح الطعام؟ ولهذا لم يتحدّث السيّد بصورة مجرّدة قائلاً: ” لا تهتموا بما تأكلون وبما تشربون“، إنما تحدّث عن “الجسد” و”النفس”، لأنه بصدد أن يدلّك على ما يقوله بالإشارة إليهما على سبيل المقارنة. فالنفس هي عطيّة وهبة من الله، مرةً، وهي تبقى كما هي، أما الجسد فإنه ينمو كل يوم. لهذا فهو يشير إلى هذين الأمرين، خلود النفس وضعف الجسد، عندما يضيف قائلاً: “ من منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدًا” (27:6)، وبما أن النفس لا تنال زيادة فإنه يتحدّث عن الجسد فقط، وأن الطعام ليس هو الذي ينمي الجسد بل عناية الله وهذا الأمر يُظهره بولس الرسول بقوله: ” إذن ليس الغارس شيئًا ولا الساقي بل الله الذي يُنمّي” (1كو7:3). وبهذه الطريقة وبأمثلة أخرى مما يدور حولنا، يحثنا السيّد المسيح وينصحنا بقوله:
انظروا إلى طيور السماء:-
” اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا ” (26:6) وحتى لا يقول أحدهم: ” نحن نفعل حسنًا بالاهتمام”، فإنه يوضّح لهم خطأهم سواء بالحديث عن النفس والجسد، أو بالإشارة إلى طيور السماء، لأنه يقول إن كان الله يهتّم كل هذا الاهتمام بالطيور الصغيرة، فكيف لا يُظهر اهتمامًا بالإنسان نفسه؟. ورغم أن مَثَلْ طيور السماء الذي أشار إليه السيّد له أهمية في إيضاح محبة الربَ وعنايته بالبشر، إلاّ أن بعض عديَمّي التقوى يمكن أن يصل عدم فهمهم إلى درجة كبيرة، فيهاجمون هذا المثل ويقولون: إنه ليس من اللائق الإشارة إلى الأمور التي تحدث في الطبيعة للحض على السلوك المستقيم أو على حياة التقوى، ولأن المَثَلّ يشير إلى أعمال تعملها الطيور بطبيعتها وللرّد على هؤلاء نقول: إنه وحتى إن كانت هذه الأمور هي في عالم الطبيعة فإنه يمكننا نحن أيضًا أن نفعل مِثلها باختيارنا، إذ لم يقل السيد المسيح: انظروا كيف تطير الطيور فهذا أمر مستحيل على الإنسان، بل إنه قال: انظروا كيف تقتات بدون اهتمام وهو نوع من الأمور التي يسهل علينا تحقيقها إن شئنا. فلو أشار السيّد المسيح إلى موسى وإيليا ويوحنا وآخرين مثلهم ممن لم يهتموا كيف يقتاتوا، لكان ممكنًا القول: ” لم نعد بعد مثلهم”، لكنه يتجاوزهم صامتًا الآن ويورد مثلاً بطيور السماء ليقطع كل عذر محاكيًا في هذا الموضوع العهد القديم أيضًا، حيث يورد أمثلة من حياة النحلة والنملة (انظر أم6:6)، والسلحفاة والسنونة (انظر إر7:8)، وعندما نستطيع نحن أن نفعل أمورنا باختيارنا، وهي في نفس الوقت أمور تفعلها الطيور بطبيعتها، فإن هذا لا يكون دليلاً عظيمًا على كرامتنا. فإن كان هو يعتني بالكائنات التي يسود عليها، فكيف لا يعتني بالإنسان نفسه وهو سيدها. ولهذا قال:” انظروا طيور السماء” لأن هذا القول هو غير مقبول، ولكنه قال إن الطيور: ” لا تزرع ولا تحصد“. قد يُقال: ماذا إذن؟ هل يجب ألاّ نزرع؟ لم يقل السيد إنه يجب ألاّ نزرع، بل ” يجب ألاّ نهتم “، ولم يقل إنه يجب ألاّ نعمل، بل ألاّ ننشغل كلّية بالاهتمامات، لأنه أوصانا أيضًا أن نقتات وأن لا نهتم هذا ما قاله داود أيضًا من قَبِل ” تفتح يدك فيمتلئ كل حي سرورًا ” (مز16:145) وفي موضع آخر يقول: ” المعطى للبهائم طعامها ولفراخ الغربان التي تصرخ” (مز9:147) وقد يتساءل أحد: من هم الذين لم يهتموا؟ ألم تسمع كم من الأبرار قد أوردت أسمائهم؟ ألاّ ترى معهم يعقوب راحلاً من بيت أبيه مُعدمًا من كل الأشياء؟ ألاّ تسمعه يصلي قائلاً: ” إن كان الله معي … وأعطاني خبزًا لآكل وثيابًا لألبس” (تك20:28)؟ وصلاته هذه تعكس لا اهتمامه، بل إيمانه بالله، الأمر الذي نراه واضحًا أيضًا في حياة الرسل الذين تركوا كل شئ ولم يهتموا، وفي ” الثلاثة آلاف” و”الخمسة الآلاف” (انظر أع4:4، 41:2) ولكن إن كنتم لا تحتملون أن تسمعوا أقوالاً أكثر كي تحرروا أنفسكم من هذه القيود الثقيلة، فاطرحوا عنكم الاهتمام إذ أن الاهتمام هو في الواقع حماقة كبيرة. فالسيّد يقول: ” من منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدًا؟” (27:6) من الواضح إنه لا اجتهادنا وإنما عناية الله هي التي تفعل كل شئ حتى عندما نبدو أننا نحن الفاعلون. فلو تخلّى الله عنا، فلا عناية ولا اهتمام ولا تعب ولا أي شئ آخر سينفع، لأن كل الأشياء سوف تزول فلا تفترض إذًا أن وصاياه مستحيلة التنفيذ، لأنه يوجد العديدون ممن ينفذون وصاياه بشكل صحيح. وليس من المُستغرب ألاّ تعرفوا عنهم شيئًا. فإن إيليا أيضًا قد افترض أنه كان وحيدًا. لكنه سمع ” أبَقْيَتَ … سبعة آلاف” (1مل18:19). وبالتالي فإنه واضح أنه يوجد الآن الكثيرون الذين يعيشون كما كان الرسل يعيشون وكما كان الثلاثة آلاف والخمسة آلاف يتصرّفون. وإن كنا لا نصدق، فهذا ليس معناه أنه لا يوجد مَنْ يفعل الصلاح، بل لأننا نخاف أن نفعل هذا. تمامًا مثل الذي يسكر فإنه لا يقدر أن يصدّق بسهولة إنه يوجد مَنْ لا يشرب حتى الماء قط، الأمر الذي يمارسه الكثيرون من الرهبان عندنا. ومثل الذي له علاقات جنسّية عديدة لا يستطيع أن يصدّق أنه يمكن أن يكون للمرء حياة عذراوية. والذي ينهب أموال الآخرين يتوقع دائمًا أن يسرق آخر أمواله بسهولة هكذا من يسرفون في الاهتمام بدقائق الأمور لا يصدقون أنه من الممكن للمرء أن لا يهتم وبالتالي فهم لن يقبلوا نصيحة السيّد الرب بألاّ يهتموا. أما إنه يوجد كثيرون قد نجحوا في هذا، فهذا يمكن إدراكه من خلال النظر لسلوك مَنْ يعيشون حياة التقوى في وسطنا أما أنتم فيكفي أن تتعَلّموا أن لا تكونوا محبّي المال، وأن الصدقة هي أمر حسن وأنه يجب أن تعطوا الآخرين مما لكم. لأنكم يا أحبائي، إن نجحتم في هذا فإنكم سريعًا ستتقدّمون في فضيلة عدم الاهتمام. وبداية كل شئ أن نترك عنا الترف الزائد ونتمسّك بالاعتدال ولنتعلّم بصفة عامة كيف نعتني فقط بما هو ضروري لنا. لأن الطوباوي يوحنا عندما كان يتكلّم مع العشارين والجنود أوصاهم بأن يكتفوا بعلائفهم (انظر لو12:3ـ14). وذلك لأنه أراد أن يقودهم إلى الحكمة العالية. ولأنهم لم يكونوا مستعدين لهذا، فإنه أوصاهم بأمور أصعب من هذه لما انتبهوا إلى فعل هذه ولم يقدروا أن يطبقوا الوصية تمامًا. ولهذا عينه لن أطلب منكم ما هو أرفع من هذا لأني في الواقع أعرف جيدًا أن أمر الفقر الاختياري هو حمل لن تنؤوا بحمله الآن وبالتالي فلننشغل الآن بهذه الأمور البسيطة وهي ستُعطِى لنا تعزية ليست بقليلة. وعلى الرغم من أن الفقر الاختياري هو أمر يمارسه بعض الوثنيين وإن كان ليس من أجل هدف مناسب. غير أني سأكون سعيدًا إن أنتم قدّمتم صدقتكم بوفرة إذ أننا هكذا سنصل إلى تنفيذ وصية الرب بعدم الاهتمام سريعًا. وإن لم نفعل هذا فأي رحمة ومغفرة سنكون مستحقين نحن الذين أخذنا وصيّة بأن نكون أفضل من الناموسيين ونسبق فلاسفة اليونانيين؟ لأنه ماذا نستطيع أن نقول عندما يجب أن نكون كالملائكة وأبناء الله ونحن لا نتصرف حتى كبشر؟ لأنه عندما ينهب المرء ويصير نهمًا فإنه يعكس لا خصائص البشر، بل خصائص الحيوانات المفترسة. غير أن ما تفعله الوحوش هو من طبيعتها، أما نحن فرغم أننا قد كُرّمنا بموهبة العقل، فإننا نفعل ما لا يناسب طبيعتنا، وعلى هذا فأي مغفرة نستحق؟فطالما فهمنا تلك الحكمة العالية التي أمامنا فلنجاهد لنَصلْ إلى قمة الصالحات التي أتمنى أن نصل إليها جميعًا بالنعمة ومحبة البشر التي لربنا وإلهنا يسوع المسيح الذي له المجد والإكرام والعزة إلى الأبد . آمين.
” وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِاللِّبَاسِ؟ تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ. وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا ” (28:6ـ29)وبعد أن تكلّم السيّد عن الطعام الضروري وعن وجوب حتى عدم الاهتمام من أجله، ينتقل إلى ما هو أسهل، لأن اللباس أقل أهمية من الطعام. ولأي سبب لم يتخذ هنا مثلاً من حياة الطيور ولا أشار إلى الطاووس والأوز والخراف؟ لأنه أراد الإشارة إلى أن هناك أشياء بالرغم من تفاهتها إلاّ أنها تتميّز بنوع من الجمال، ولهذا فإنه بعد أن ذَكَرَ الزنابق، لم يسمها زنابق بل ” عشب الحقل” (31:6)، ولم يكن راضيًا حتى بهذا الاسم، بل أضاف وصفًا لحالتها يدّل بالأكثر على ضعفها وتفاهتها بقوله: ” الذي يوجد اليوم” (30:6)، ولم يقل “الذي يوجد غدًا” بل ذكر كلامًا يبرز تفاهة هذا الشيء بالأكثر بقوله إنه ” يُطرح في التنور” ولم يقل مجرّد تعبير ” يُلبسه “، بل ” يُلبسه .. هكذا” (30:6)، أي على أحسن وجه أرأيتم كيف يُكثر السيّد من إعطاء التشبيهات الضخمة دائمًا ويعضّد كلامة بالتأكيدات. إنه يفعل ذلك كي يردهم إلى صوابهم؛ لهذا أضاف قائلاً: ” أفليس بالحرى يلبسكم أنتم” (30:6). وفي هذا القول تأكيد قوي، لأن كلمة “أنتم” لا تليق إلاّ بالقيمة الكبيرة لجنسنا، وعلى الاهتمام به، كما لو كان قد قال لهم:” أنتم، الذين منحكم الله نَفْسًا، الذين خلق الله لكم جسدًا، الذين من أجلكم خلق كل الأشياء المنظورة، الذين من أجلكم أرسل الأنبياء وأعطى الناموس، وصنع تلك الخيرات التي لا تُحصى، الذين من أجلكم أعطى ابنه الوحيد ومن خلاله نُلْتُم الهبات غير المُحصاة. وبعدما أعطى لهم البراهين الكافية على عناية الله وبخّهم قائلاً: ” يا قليلي الإيمان” لأن ذلك الذي ينصح الآخرين، لا يقدم النصيحة فقط بل يوبخ أيضًا، كي ينبه الناس بالأكثر حتى يؤمنوا بقّوة كلامه بكلام الرب هذا نتعلّمه، ليس فقط ألاّ نهتم، بل ألاّ ننبهر بفخامة الملابس، لأن زنابق الحقل تتمتّع بألوان أفخم منها ومع ذلك فهي تتساوى مع عُشب الحقل. ولماذا تفتخر أنت بأشياء يفوقها في الجمال عشب الحقل الذي لا قيمة له، والذي يُحرق بالنار؟وانظروا كيف يوضّح منذ البداية على أن الأمر سهل، ويرشدهم إلى عدم الاهتمام باستخدام الأضداد أيضًا وبواسطة الأمور التي كانوا خائفين منها، لأنه بعدما قال ” تأملوا زنابق الحقل” أضاف إنها ” إنها لا تتعب“، وذلك رغبه منه في عتقنا من التعب. فالتعب لا يكمن في عدم الاهتمام بل في الاهتمام بهذه الأشياء وكما في قوله ” لا تزرع“، فليس الزرع هو ما أراد أن نتخلّص منه، بل الاهتمام المُقلق. هكذا أيضًا في القول ” لا تتعب ولا تغزل” فإنه لا يُنهي عن العمل بل عن الاهتمام (أي عن حمل الهموم) جمال زنابق الحقل لا يفوق مَلِبسَ سليمان مرّة واحدة ولا مرتين، بل ” طوال فترة حكمه”. ولم يقل إن سليمان كان يلبس أفضل من أحدها أو شابهت ملابسه زنبقًا آخر بل قال إنه لم يكن يلبس” كواحدة منها ” لأنه كما أنه هناك اختلاف كبير بين الحقيقة والزّيف، هكذا أيضًا هناك اختلاف كبير بين جمال زنابق الحقل وملابس سليمان إذن، إن كان مَلِبس سليمان أقل منها، مع أنه كان أكثر مجدًا من كل ملوك عصره، فمتى ستقدر أن تتفوّق، أو بالحرى أن تقترب ولو لدرجة صغيرة من جمال مثل هذا بعد هذا يعلّمنا السيد ألاّ نسعى على الإطلاق إلى مثل هذا النوع من الجمال، لأنه يجدر بنا أن نلاحظ نهاية هذه الزنابق، فبعد نضارتها وجمالها ” تُطرح … في التنور“. فإن كان الله قد أظهر عناية عظيمة جدًا بتلك الأشياء التافهة، وذات الاستعمال البسيط، فكيف سيتخلّى عنكم، أنتم الأهم من كل المخلوقات الحيّة؟ ولماذا إذًا خلقها هكذا جميلة جدًا؟ لكي يُظهر حكمته وعظمة قوّته، وحتى يُعرف مجده عن طريق كل الأشياء. فليس فقط ” السموات تحدث بمجد الله“(مز1:19)، بل الأرض أيضًا، وهذا ما أعلنه داود قائلاً: سبحي الرب.. الشجر المثمر وكل الأرز” (مز7:148). فالبعض منها بثمارها والبعض بضخامتها والبعض بجمالها يرسلون إليه التسبيح، أي إلي الذي خلقها. وهناك أيضًا علامة على عظمة حكمته الفائقة، عندما يغدق الله جمالاً عظيمًا كهذا على الأشياء التافهة جدًا، إذ أنه لا يوجد أتفه من الشيء الذي يوجد يومًا واحدًا وغدًا لا يكون فإن كان الله قد أعطى للعشب هذا الجمال الذي لا يحتاج إليه (لأنه ما فائدة الجمال طالما ستأكله النيران؟) فكيف لا يعطيكم ما تحتاجون إليه؟. إن كان قد زيّن بسخاء ما هو أتفه من كل الأشياء وإن كان قد فعل هذا لا للضرورة بل من أجل جُودِهِ، فكم بالحرى جدًا أن يكرّمكم وأنتم أفضل كل المخلوقات، بأمور هي ضرورية لكم؟وبعد أن بيّن السيد كيف أن عناية الله عظيمة جدًا، وكان يَلَزمْ بعد ذلك أن يوبخهم، إلاّ أنه كان رحيمًا معهم بقوله إنهم قليلي الإيمان ولم يقل عديمي الإيمان” فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ، يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ ” (مت30:6)بالتأكيد إن الرّب (يسوع) نفسه يصنع كل هذه الأشياء إذ أن” كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان” (يو3:1). غير أنه في البداية لا يذكر شيئًا عن نفسه، لأنه كان كافيًا في البداية أن يبيّن سلطانه الكامل بقوله في كل وصية من وصاياه: ” سمعتم أنه قيل للقدماء.. وأما أنا فأقول لكم” (مت21:5). فلا تتعجبوا إذن عندما يحجب المسيح ذكر نفسه في الأمثلة التالية، أو عندما يذكر شيئًا قليلاً عن نفسه، إذ أن في البداية كان هدفه أن يجعل كلامه مقبولاً من الجميع، وبكل ما يقوله يُظهِر أن له فكر واحد مع الآب وأنه يعمل باتفاق مع مشيئته، وهذا ما نراه في حديثه هنا أيضًا فمن خلال كلمات كثيرة جدًا قالها السيّد لم يكف عن إظهار الآب لنا مشيرًا إلى حكمته وعنايته الإلهية واهتمامه الحنون بكل الأشياء الصغيرة والعظيمة معًا. لأنه حينما تكلّم عن أورشليم مانحًا إياها اسم ” مدينة الملك العظيم” (مت35:5)، وعندما ذكر السماء لَقبّهَا بـ ” كرسي الله ” (مت34:5). وعندما كان يتحدّث عن تدبير الآب في العالم، عزا إليه كل الأشياء قائلاً: ” إنه يُشرق شمسه.. ويُمطر..” (مت45:5). وفي الصلاة (الربانية) علّمنا أن نقول إن له ” المُلك والقوة والمجد” (مت13:6)، وهنا عن عناية الآب يقول إنه: ” يكسو عُشب الحقل“، وفي الصلاة (الربانية) أيضًا لا يدعو المسيح، الآب بأنه أباه هو بل أباهم، حتى أنه عندما يخبرهم بما نالوه من كرامة فإنهم يخجلون من أنفسهم، وعندما يناديه أباه هو، لا يتضايقون منه فإن كان من واجب المرء ألاّ يهتم بالأشياء البسيطة أو حتى الضرورية. فأي عذر يكون للذين يهتمون بالأشياء الفاخرة؟ وكيف يكون هناك عذر للذين يسهرون لكي ينهبوا أموال غيرهم؟” فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. ” (31:6ـ32)أرأيتم كيف أخجلهم أكثر وأظهر لهم أنه لم يأمر بعمل مرهق أو ثقيل الحمل؟ تمامًا فإنه عندما سبق أن قال لهم ” إن أحببتم الذين يحبونكم” (مت46:5ـ47)، فإنه كان يحثّهم ويشجّعهم على فعل ما هو أفضل وأعظم ممّا تفعله الأمم. هكذا هنا أيضًا في هذه الآية يورد ذكر “الأمم” ليوبخنا وليدّل على أن ما يطلبه منا هو واجب ضروري علينا. والسيّد لم يكتفِ بتوبيخهم فقط، بل إنه بعدما جعلهم يشعرون بالخجل الشديد فإنه أخذ يشجعهم بكلمات أخرى قائلاً: ” لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها” (مت32:6). ولم يقل ” الله يعلم ” بل ” أباكم .. يعلم“، كي ينشئ فيهم رجاءً أكبر. فإن كان هو أبًا، وأبًا كهذا، فلن يقدر أن يتغاضى عن احتياجات أولاده وهم في مِحَنْ الشرور وهو يري أنه حتى البشر العاديون لكونهم آباء، لا يحتملون أن يفعلوا هكذا وبعد ذلك أضاف حجة أخرى قائلاً: ” إنكم تحتاجون إلى هذه” (32:6). ومعنى قوله الآتي: إن كنت تهتم بهذه الأشياء بحجة أنها ضرورية، فأنا أقول لك عكس ذلك، بمعنى أنه لهذا السبب نفسه يجب ألاّ تهتم، لأنها ضرورية. إذ أنه أي نوع من الآباء هو ذلك الأب الذي يمكنه أن يتغافل عن تلبية حاجات أولاده الضرورية؟ أقول إنه لهذا السبب عينه فإن الله سيمنحكم بلا ريب أكثر من هذا بكثير، حيث إنه هو خالق طبيعتنا البشرّية ويعلم بالضبط احتياجاتها أكثر منكم، ولأجل هدف معين وضع أن تكون لها مثل هذه الاحتياجات. لهذا لن يمنع الله نفسه عن أن يعطيها فيما أراد لها، أولاً هو لن يخضعهم لعَوَزْ عظيم هكذا، وثانيًا فهو يسد أي احتياج ضروري لها فلا نهتم إذن، لأننا لن نربح شيئًا بالاهتمام سوى أننا سوف نعذب أنفسنا بالأكثر. لأن الله سوف يعطينا ما نحتاج عندما نهتم وعندما لا نهتم على حد سواء، وسوف تكون عطيّته أكثر عندما لا نهتم لأنه ماذا ستربح من اهتمامك سوى العقاب الشديد لنفسك؟ إذ أنك عندما تُدعى إلى مائدة غنيّة فإنك لا تهتم بتوفر الطعام للمائدة، ولا عندما تذهب إلى النبع لتستقى تهتم بوجود المياه في النبع فلَندَع نحن أيضًا عنّا هذه الهموم، فإن عطايا الربّ لنا هي أغنى من هذه الموائد وأوفر من كل الينابيع.
اطلبوا أولاً ملكوت الله:-
” لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ ” (33:6)هكذا عندما اعَتَقَ النفس من الاهتمام، ذكر عندئذٍ السماء أيضًا، حقًا قد أتي السيّد ليحررّنا من الأمور العتيقة وليدعونا إلى موطن أعظم إنه يفعل كل الأشياء ليعتقنا من الأمور غير الضرورية، ومن انجذابنا نحو الأمور الأرضيّة، لهذا السبب ذكر الأمميّن قائلاً: ” إن هذه كلها تطلبها الأمم” (32:6)، الذين يتعبون من أجل الحياة الحاضرة فقط، والذين لا يبالون بالنعم العتيدة وليس لديهم فكرة عن الأمور السماوية. أما بالنسبة لكم، فليست هذه الأمور الحاضرة هي الأشياء الرئيسية لكن أشياء أخرى، لأننا لم نُخلق لنأكل ونشرب ونلبس، بل لكي نرضي الله ونبلغ الخيرات العتيدة، لهذا فكما أن الأشياء التي هنا على الأرض هي ثانوية بالنسبة لنا، هكذا أيضًا اجعلوها ثانوية في صلواتنا، لهذا قال السيد: ” اطلبوا أولاً ملكوت الله وهذه كلها تُزاد لكم“ ولم يقل ” تُعطى ” بل ” تُزاد” كي تتعلّموا أنه مهما عَظُمَت العطايا التي نأخذها هنا الآن فإنها لا تُقارن بما سوف نأخذ من خيرات عتيدة. لهذا فهو ينصحنا بألاّ نطلب هذه الأمور الحاضرة بل العتيدة، وليكن لنا الإيمان بأن هذه ستُزاد إلى تلك. وبالتالي أطُلبْ الأمور العتيدة وستحصلون أيضًا على الأمور الحاضرة.. لا تطلبوا الأشياء المنظورة، إذ إنه حتمًا ستحصلوا عليها أيضًا قد يُقال: ” ألم يأمرنا بأن نسأل من أجل الخبز “، لا ، فقد أضاف “اليومي”، وإلى هذا أضاف “اليوم”، هذا الأمر يستخدمه هنا في هذه الآية إذ أنه لم يقل ” لا تهتموا ” بل ” لا تهتموا للغد” (34:6)، وهو بهذا يعتق نفوسنا من الاهتمام بالأمور غير الضرورية ووجّه أنظارنا إلى أن نطلب الأمور العتيدة، لا كأن الله محتاج أن نذكّره بل لكي نتعلّم أنه بمعونة الربّ نَصِلْ إلى ما تصبوا إليه نفوسنا من صالحات وأن نعتاد على الصلاة من أجل الحصول عليها دائمًا.
القديس يوحنا ذهبي الفم
المزيد
18 فبراير 2019
انجيل قداس يوم الاثنين أول صوم نينوى
تتضمن الحث على التوبة . مرتبة على قوله تعالى ثانية ليونان النبى " قم أذهب إلى نينوى ... "وعلى قوله أيضاً بفصل الإنجيل " رجال نينوى سيقومون فى الدين هذا الجيل ويدينونه لأنهم تابوا بمناداة يونان "( يونان 1 : 1 – 16 ومت 7 : 6 – 12 ) يا لعظم هذا الصوت العظيم المهول القائل : " يا يونان بن أمتاى قم أذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامى " اسمعوا أيها الأحباء هذا القول فما أعظمه ! وهذا التخويف ما أفزعه : وهذا الإرهاب ما أشده وأرهبه على قلوب الخائفين من عقوبة الله افتحوا قلوبكم وأسماعكم . وميزوا بعقولكم معانى الكتب الإلهية وأقوال الله على ألسن أنبيائه ورسله . فان يونان النبى لما تحقق رحمة إلهنا قام ليهرب إلى ترشيش من وجه الرب . فنزل إلى يافا و وجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش فدفع أجرتها ونزل فيها فأرسل الرب ريحاً شديدة إلى البحر . فحدث نوء عظيم حتى كادت السفينة تنكسر . فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد إلى الهه . وطرحوا الأمتعة إلى البحر ليخففوا عنهم . وأخيراً طرحوا يونان النبى أيضاً فوقف البحر عن هيجانه . وقد ابتلعه حوت عظيم وكان فى جوفه ثلاثة أيام وثلاث ليال . وقد تم هذا الأمر هكذا بتدبير الله ليكون من جملة نبواته عن السيد المسيح وكونه يقيم فى بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال . ثم يقول الكتاب وينزل إلى الجحيم ( 1 صم 2 : 6 واف 4 : 9 ) . ليخلص من كان معتقلا بخطية آدم فانظروا إلى مراحم إلهنا . ما أكثرها ! لأنه تجسد وتألم ومات وقبر ثم قام . كل ذلك لفرط عنايته بنا فيجب علينا إذن أن نكون سامعين لأقواله . ذاكرين لأفعاله وطالبين مراحمه فى كل حين . لأنه كريم ورحيم . ويغضب إذا كنا لا نطلب منه الرحمة . فإنه يمنح خيراته لمن يطلبها . وقد قال : " إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب " ( يو 7 : 37 ) . ومَن هو جاهلى فليمل إلى هنا " ( أم 9 : 4 ) . فيا لهذه الرحمة ما أعظمها ! صلى يونان النبى من بطن الحوت إلى الرب إلهه وقال : " دعوت الرب من ضيقى فاستجابنى . صرخت من جوف الهاوية فسمع صوتى " ( يون 2 : 1 – 8 ) إن يونان هذا وهو نبى ومقبول الدعاء لانه منتخب من رب السموات والارض لما نظر نفسه فى بطن الحوت خاف جداً وتضرع إلى الرب فخلصه . فكيف يكون حالنا إذن نحن الخطاة المرتكبون للآثام ؟ وكم يجب علينا من تقديم الطلب والدعاء والتضرع إلى رب الأرباب لعله يخلصنا من خطايانا الفعلية ويرحمنا ويتراءف علينا ولما كان السيد له المجد قد قال : " إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون " ( لو 13 : 2 – 5 ) . فقد أورد مثل شجرة التين . وكون رب الكرم أراد قطعها لانها لم تثمر مدة ثلاث سنين . فقال له الكرام اتركها هذه السنة أيضاً حتى أنقب حولها وأضع زبلا . فإن صنعت ثمراً وإلا ففيما بعد تقطعها " ( لو 13 : 6 – 9 ) فإن قلت وماذا يعنى بهذا المثل ؟ أجبتك : أنه يعنى بشجرة التين مجمع الخطاة . وبالأثمار الأعمال الصالحة . وبالكرام المسيح أو خلفاءه . وبرب الكرم الله الآب . وبالثلاث سنين مدة حياة الأنسان الأرضية . وهى : زمن الشباب . والرجولية والشيخوخة فلنتأمل إيها الأحباء فى هذا القول بعين العقل والتمييز . ولنعلم أن الرب يضرب لنا الأمثال لنفهمها . ويذكرنا بالاقوال لنسمعها . فيجب أن تكون لنا ثمرة الإيمان الصحيح . لنكون بين أشجاره الصالحة التى فى حقله العقلى . الذين هم المؤمنون باسمه العاملون بوصاياه فسبيلنا أيها الأعزاء أن نفهم هذه المعانى بالعقل الرجيح والنظر الصحيح . لتحسن طريقنا بين يديه . ونسلك السيل المستقيمة . لنفوز بمراحم الهنا . ونكون معه فى ملكوته الأبدية . خالدين فى نعمه السرمدية . بتحنن ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح . الذى له المجد والقدرة والعظمة والسلطان . الآن وكل آوان . وإلى الأبد آمين .
من عظات القديس يوحنا ذهبى الفم
المزيد
31 ديسمبر 2019
بدء العام الجديد
كثيراً ما يرافق لقاء العام الجديد عند المسيحيين كفر وإلحاد وإفراط وعدم اعتدال. أما الكفر والإلحاد فلأن الكثيرين من المسيحيين يتفاءلون ظانين أنه إذا مضى عليهم اليوم الأول من السنة وهم مسرورون، فالعام كله سيمضي كذلك. وأما الإفراط وعدم الاعتدال، فلأن الجميع رجالاً ونساءً يحتسون الخمر حتى الصباح فهذا السلوك لا يتفق مع حكمة الروح المسيحي اذا اتبعناه، أو سمحنا للآخرين أن يتبعوه. ألم نسمع قول القديس بولس الرسول: "فإنكم تحفظون أياماً وشهوراً وأوقاتاً وسنين فأنا أخاف عليكم أن أكون قد تعبت فيكم عبثاً" (غلاطية 10:4-11). ومن جهة أخرى، ليس من المعقول أن يُبنى على يوم واحد صُرف بسرور، الشيء نفسه طوال العام كله إذن لا يجوز لنا مراقبة الأيام وأن نحب بعضاً منها وننفر من غيرها. بل علينا أن نعلم جيداً أنه لا شر إلا من الخطيئة ولا خير إلا من أعمال البر. السرور لا يكون بالسكر بل بالصلوات الروحية، وليس بالخمر والملاهي بل بالوعظ والإرشاد. فالسكر يحدث الهياج، والإرشاد يهدئ الاضطراب. الأول يظلم العقل والثاني ينير الظلام. الأول يسبب أحزاناً لم تكن في البال والثاني يبددها مهما كانت على المسيحي ألاّ يحتفل بشهور محددة، ولا يأول يوم من الشهر، ولا بأيام الآحاد فقط، بل عليه أن يصرف أيام حياته كافةً في احتفال دائم. ما هي الحفلات التي تناسب المسيحي؟ لنسمع ما علمه رسول المسيح: "فلنعيّد إذاً لا بالخمير العتيق ولا بخمير السوء والخبث بل بفطير الخلوص والحق"(كورنثوس الأولى 8:5). إذاً إن كان ضميرك نقياً فاحتفالك يدوم لأنك تتعزى بالنعم الآتية. وإن كنت مثقلاً بالخطايا الكثيرة، فالحفلات لا تكون لك أحسن من المآتم، ولا نفع لك من يومك السعيد، إن كانت نفسك معذبة بتأنيب ضميرك. فإن كنت تريد النفع لنفسك من اليوم الأول من الشهر فاعمل هكذا. وإذا بلغت اليوم الأخير من السنة فاشكر الإله السماوي الذي أوصلك إلى نهاية العام. اتضع بقلبك، واعدد أيام حياتك، وقل لنفسك: الأيام تمر وتذهب، والأعوام سوف تنتهي، وقد مضى القسم الأكبر من حياتي فما الذي فعلته من أعمال البر؟ كيف أترك هذه الحياة دون أن أتزود شيئاً من أعمال الحق؟ينبغي لنا أن نفكر بحكمة في أول الشهر. يجب أن نذكر الكلمات السابقة عن تداول الأعوام. لنفكر في اليوم الآتي حتى لا يقال عنا كما قال نبي الله عن اليهود: "فأفني أيامهم كنفس وسنيهم كالفجاءة" (مزمور 33:77). إن مراقبة الأيام عمل مغاير لروح الحكمة المسيحية وتضليل وثني. إنك قُبلت مع الأجناد السماوية وأصبحت مع جماعة الملائكة حيث لا يبدل نور النهار بظلام اليل بل هناك نهار دائم لا يزول، ليس لك هناك ما يتفق مع هذه الدنيا، كشروق الشمس وغروبها، وتبدل الأيام لكن إذا صرفت حياتك بالبر والصلاح فاللل يكون عندك نهاراً، وعكس ذلك يكون الذين يصرفون حيتهم بالكفر وعدم الاعتدال، فيتحهل نهارهم إلى ليل داجٍ لأن نفوسهم أظلمت. فلنتجنب الأعمال التي لا تأتي بنفع، لأن الرسول المملوء حكمة يأمرنا أن نعمل حسب قول الرب: "إن أكلتم أو شربتم أو عملتم شيئاً فاعملوا كل شيء لمجد الله" (كورنثوس الأولى 31:10). لنهتم بالأعمال لا بالأقوال. ولنمجد بلا فتور المسيح الرب الذي يليق به مع الآب الأزلي والروح الكلي قدسه كل مجد وإكرام وسجود، الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين.آمين.
المزيد