تتضمن الحث على عدم سماع مشورات الشيطان وفي القيامة والمجازاة مرتبة علة قة له تعالى من يصنع مشيئة الله هو أخى وأختى وأمى "( مر ٣ : ٢٢-٣٥ )
قد سمعتهم ايها الاحباء أن السيد له المجد لما قالوا له " هوذا أمك وأخوتك خارجا يطلبونك فأجابهم قائلا من أمى واخوتى ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال ها أمي وإخوتي لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختى وأمى "إذن يجب علينا حتما أن نطيع الله ونسلك حسب مشيئته فلا نغتر بمواعيد الشيطان الكاذبة التي لا يقصد أن يعطيها لنا بل ليعدمنا ما هو أعظم كثيرا بجنوحنل اليه ويدبر على الاضرار بنا حيلة المختلفة فيحسن لنا إمتلاك الأموال من الخطف لنعدم ملكوت العدل ويحرصنا على أن نكنز أموالنا في الأرض لنسلب المكنوز في السماء ويجب لنا الغنى الزائل لنفتقر من الغنى الدائم وإن لم يمكنه أن يضيع علينا الآخرة بغنى الدنيا قاتلنا بالفقر وهكذا قاتل أيوب ( لأنه لما لم يقدر أن يقهره في حال غناه اراد أن يقهره بالفقر )إلا من استطاع أن يكون فى غناه عفيفا غير متنعم ولا متعظم مشاركا فى الانتفاع به المحتاجين فانه يحتمل الفقر بشهامة تامة ومن لم يشغف بغناه ولا حصله بكد وشره كثير من حرام وحلال وثبت ضابطا له مانعا لغيره من الإنتفاع له ولا استأثر بالتنعم والتبذخ فيه والصلف به ولم يتلهف على فقده وهذه كانت حالة أيوب ولما قدر الشيطان أن يسلبه أمواله لم يتمكن من أن يسلبه حبه الله لكن صار سببا في ظهور حبه ولما رأى انغلابه فيما جاهده به بادر إلى سلاحه القديم الذي اعتاد النجاح به إلا وهى المرأة فجعلها تندب مصائبه وتظهر الاشفاق عليه وتتصنع في خلاصه وتشير عليخه بتلك المشورة المهلكة له بالحقيقة إلا أن أيوب السعيد قد عرف خدعة عدوه اللدود وأصمت المتكلمة بحكمته فسبيلنا أن لا نقبل مشورة الشيطان ولو جاءتنا على لسان امرأة أو ولد أو والد أو أخ أو قريب أو صاحب فإنه يختفى لصيدنا ويهجس لنا ما يوافق شهواننا ليصطادنا والله تعالى المحب لنا يؤدبنا لما فيه خيرنا ويأمرنا بما يخلصنا ويظهر ذلك عنه بالفعل والقول فقد قال الرسول " الذى يحبه الرب يؤدبه " فينبغي لنـــــا أن نتوجع ونرتاع كثيرا إذا اخطأنا وثبتنا في الخطأ ولم ينلنا تأديب حذرا من أن تجتمع جرائمنا فنعاقب عليها عقابا صارما فإنه تعالى إينما يمهلنا على جرائمنا مرة بعد أخرى لنرجع فإذا لم نقلع عنها أدبنا عن جملة ما تقدم منها وقد ظهر هذا في فرعون فإنه تعالى وامهله عدة مرات فلما ثبت عصيانه ولم يقلع عن طغيانه عاقبة أخيرا عقابا مرا ونبوخذ نصر أدى في آخر عمره ما استحق عن كل جرائمه السابقة والغنى لما لم يقابل في الدنيا عن شروره قبل مجازاته في الآخرة صار أشد الناس فقرا إلا ان اناسا لا فهم لهم قد يتوهمون عدم المجازاة اخيرا فيالعظم غباوتهم إذ لا يقيسون ليفهموا الا يرون كيف يوصى من حضرته الوفاة على من كانت له عليه خدمة ؟ أفما يشاهدون الملك كيف ينعم على خواصه والسيد كيف يخص لجوده وإكرامه عبده الملازم خدمته المحافظ عليها الخادم له حسب غرضه ؟ وكل واحد من الناس يكافئ من يحبه ومن يطيعه ومن يخدمه بحسب قدرته أفيكون الله وحده الصالح الجواد المقتدر وحده لا يكافئ محبيه والعاملين بحسب مراده والمحتملين الآلام من أجله مثل تلاميذه والمستشهدين على اسمه والمتعبدين عمرهم كله لما يقربهم منه تعالى ؟ حاشا فإن قيل فمن جاء من الناس من هناك وعرفنا بما هو حاصل قلت لو جاءنا إنسان لكذب فى ما يقوله لجواز ميله إلى غرضه ولو لم يكن حقا أو تفخيمه في ما يصفه أو نسيانه أو جهله لأن هذه كلها وأمثالها تعرض للأنسان فأما وقد جاءنا يسوع العالم بكل شئ الصادق وحده الذي لا يعرض له نقض ووصف لنا ان تلك المجازاة دائمة ولا توصف بقول لإرتفاعها عن الوصف فما بقى غلا التصديق بذلك والعمل بمقتضاه وأخبرنا أنه قد أعد النعيم لمن يطيعونه والجحيم لمن يخالفونه ولو أزمع أمه ليحاكمنا ويجازينا كل واحد بحسب عمله لما طالبنا في هذه الدنيا بالواجب له علينا ولكى نصدق بالمحاكمة والمجازاة لم يطالب كل واحد في هذه الدنيا بما يجب عليه بل قدم بمعاقبة البعض عن بعض جرائمهم ليحصل التصديق بالمجازاة وبسياسته تعالى للعالم وليظهر كذب من قال إن العالم مهمل ولو كان تعالى يهمل أعمالنا بأسرها فلا يسوسها ههنا ولا يجازى عنها هناك لما عاقب في هذه الدنيا أقواما وأحسن إلى آخرين وها نحن نراه مشرقا شمسه منبتا أرضه ضابطا بحره مصرفا براياه بما شرعه لطبائعها من أجل خدمتنا وإذا كان الله قد اهتم بما أوجده لمنفعتنا وخدمتنا فهل يهمل الإهتمام بنا لاسيما في شدائدنا ؟ وإذا كان قد أكرم طبيعتنا بإستخدام طبائع جميع الحيوانات الأخرى لها فهل يتركنا بعد انقضاء عمرنا معدومين مثل البهائم مطروحين مع الجماد والنبات ونحن الذين قد أوجدنا الله على صورته وساسنا بشريعته وجاد علينا بأن وصلنا بذاته كلا لابد من قيامة أجسادنا ومقابلتنا مقابلة عادلة عن جميع أفكارنا وآمالنا واقوالنا وأعمالنا فسبيلنا اذن ان نتوسل اليه تعالى ليوفقنا جميعا ويعبننا على ما يرضيه قبل الوقوف في مجلس القضاء الرهيب بنعمة وتحنن ربنا يسوع المسيح الممجد مع ابيه والروح القدس دائما آمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد