نحو التوبة

Large image

الحياة اليوم أصبحت وادي من القلق . وإنسان اليوم أصبح قلقا أكثر من أي وقت مضى ، فالتمدن والتحول الذي طرأ على الحياة محولاً إياها إلى مجتمع استهلاكي قد غيّر من خصائص السلوك البشري بل وأثر بشكل مباشر على تفكيره وقراراته وقناعاته وأولوياته ، مما جعل الإنسان ممزقا بين ما يراه وما يريده . حتى إرادة الإنسان نفسها قد طالتها ثقافة المدنية والاستهلاك فأصبحت إرادة هشة مشوشة مغيبة متلقية ، وكل هذا قد آل في نهاية الأمر إلى التغرب الكياني الذي استوطن خرائب قلب الإنسان . حتى النهضة التي كانت تهدف إلى سعادة وراحة ورفاهية الإنسان أصبحت شوكة في كيانه لا يستطيع أن ينتزعها ، وذلك لأن النهضة أعادت توزيع الأدوار الكونية ، فجعلت من الإنسان مركزا للوجود ، عليه أن يحقق بنفسه الاستقرار للكون وللطبيعة ولذاته ، وهو ما يفوق قدراته ويتعدى اختصاصاته في هذه الحياة . فتنامى القلق الوجداني وتسلّل إلى الكيان وتحول إلى قلق كياني لا يهدأ ولا يتوقف ، يحاصر الإنسان ليل نهار ، يبعده عن هويته الذاتية ، ويعمي بصيرته عن معرفة دوره في الحياة والوجود . والقلق بحسب تعريف كيركجارد ( الفيلسوف الدانماركي ) هو [ التحديد الدقيق للخطيئة ] . فالقلق هو نتيجة تجذر للخطيئة في كياننا الإنساني وما يتبعه من تغرب الإنسان عن الله . فالخطيئة هي توثر إنساني ينشأ حينما ننحرف عن مسارنا ، ونشوه خلقتنا بالتحالف مع العالم والرضى بمدار الحياة الزمني والتمتع الوقتي بلذات الحواس المادية . وهذا التوتر يستمر طالما الإنسان قانع بمركزيته في الحياة رافضا تسليم دفة القيادة الله مرة أخرى . وهذا عينه ما وصفه القديس مكاريوس الكبير بأنه السقوط في [ فقر الخطيئة المرعب ] .

عدد الزيارات 710
عدد مرات التحميل 422
تحميل

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل