الكتب

عهد الصحراء

لطالما كانت البراري المصرية ذات جاذبية خاصة ؛ فسحر الصحراء الخلاب الممتزج بقوة السكون جعلت منها محط أنظار الكثيرين على مدى العصور . ولعل ظهور الحركة الرهبانية المدفوعة بقوة روح الله ، كانت بمثابة المغناطيس الذي جذب أنظار العالم إلى الصحراء ، لا كمكان للخلوة ولكن كمكان للحياة ومعاينة الله . والحديث عن البرية لا يمكن أن يستقيم دون تذكر كوكب البرية اللامع ، أنطونيوس ، الذي دشئن من البرية مذبحاً كبيرا لتقديم ذبائح حية مرضية أمام الله . وإن مجرد ذكريات أنطونيوس هي عون كبيرا ، هكذا أعلن القديس أثناسيوس في السيرة التي خطها بيده عن أنطونيوس الذي صار مثلاً يترجى مجاراته الكثيرون ، في سعيهم نحو المخلص . فحينما بدأت الحركة الرهبانية ، بدأت في قلب أنطونيوس ذلك الشاب الذي قرر أن يتبع المخلص ويحقق الوصية في ملئها مهما كلفه الثمن ، مستندا على وعد الرب بأن الذي يصبر إلى المنتهى ، فذاك يخلص . وببزوغ نجم أنطونيوس الروحي ، الذي رفعه الروح على المنارة ليستضئ بضيائه الجميع ، بدأ التساؤل وبدأ التفكير ف مدى صدق تلك الحياة ومدى إنجيلية تلك الحركة الوليدة

دواء الخلود الافخارستيا في فكر القديس اغناطيوس الانطاكي

لقد كانت حياة الآباء إفخارستية المنحى كما كان تعليمهم إفخاريستي الطـابع . الإفخارستيا كانت بمثابـة الغـذاء الملـهب لأرواحهـم ، والــذي كـان يـجـدد الـوعي الاسـخاطولوجي ( الأخـروي ) في قلـوبهم بشـكل دائـم . فالإفخارستيا عنـد الآبـاء كـانـت شـهادة اسـخاطولوجية بالدرجة الأولى ، تضرم شوقهم للأبدية وللقيا المخلص بعيدا عن عالم الموت والفناء ، وتدفعهم للكرازة والتعليم والشهادة ي ترقب للعناق الأبدي الذي في الثالوث . ولقـد كـان القديس اغناطيوس علـى وجـه الخصـوص يحمل قلبا موقدا من جذوة الأبدية الحاضرة في الإفخارستيا . ومـن يطـالع رسـائلة القليلة تمسئـه روح ناريـة تـسـمـو بـه فـوق الزمن والأرض والخليقة الأسيرة بين جدران المادة ، إلى عالم منقوش بفرح وسلام الروح . ولكن الإفخارستيا عند القديس اغناطيوس لم تكـن فقـط كشـفا اسخاطولوجيا ولكنها كـانـت سيـر الوحـدة الـتي تجتذب شعب الله ، في المسيح ، للترائي أمام الآب .

من مذكرات ملاك رواية

الأربعاء والجو شتاء . الهواء البارد يلفح البيوت كان يوم المتراصة جنبا إلى جنب وكأنها تستدفئ . دخل الملاك إلى الكنيسة باكرا جدا في صحبة آخرين . سجد أمام الهيكل وهو شارع جناحيه في هيئة المصلوب . أنشد التقديسات بنغمة عذبة خفيضة ، بعدها جلس في مؤخرة الكنيسة ليستطلع قلوب البشر أثناء القداس . القداس ، ما أروعها لحظات لا يدرك البشر أعماقها ، ولو انفتحت بصائرهم لبرهة ، على ذلك الحضور الإلهي الآسر المحاط بجوقات الملائكة ، لما احتملوا وهج المجد السمائي . بدأ توافد المصلين إلى الكنيسة ، كانوا يدخلون فرادى في هدوء يتماشى مع سكون الطبيعة النائمة على نغمات الليل ، ولم يكن الصباح قد ألقى بعد ، إشارته للضوء ، بالحركة فوق تلك البقعة من المسكونة .

قراءة في حياة الرب يسوع الجزء الاول

الحاجة إلى واحد إن كلمات المسيح هي لؤلؤة تلك السلسلة ؛ “ قراءة في حياة الرب يسوع ” ، والتي تبحث عن جمال ، قد يكون مختبئا عن أعين البعض ، في كلمات المخلص . كلماته روح وحياة .. دفقات من الدماء في عروق ، الإنسان الجديد .. ودفقات من النور في ضمائر ونفوس وأرواح من تركوا العتيق البالي بحثا عن التجدد في المعرفة والخبرة الروحية ، كل يوم ، على صورة الله الظاهر في الجسد ؛ الرب يسوع . کلمات تشكل مقياس الحياة الجديدة وتعيد بعث ذكرى البراءة الأولى لإنسان ما قبل السقوط . كلمات تميت وتحيي .. تجرح وتعصب .. ثقيد لتحرر .. كلماته نيران تشتعل في القلوب لتدفعهم للسير وإن كانت المسيرة على جمر نار الاضطهاد والضيقة . إن الكلمات هي نطق الحياة ؛ فكلمات المخلص هي منطوق حياته التي لم تقترب منها شهوة ولا خطيئة ولم تعبث بها غرائز الإنسان العتيق . إلى تلك الحالة كانت دعوة الرب . لم يلقها عبثا على أناس يحيون في العالم ، والعالم شبكة عنكبوتية كبيرة متداخلة .. متاهة من الطرق المتشابكة ، لا نهاية لها . كلماته تحمل من الأسرار الكثير والكثير .. حجاب يرق أو يتكثف بحسب العلاقة معه .. يرق حجاب الأسرار فيظهر الله للبصيرة في فيض نور الحضرة الإلهية .. نور ؛ نغماته فرح وسلام في الروح .. وحينما يستعلن الله تتحول مبهمات الكلمات إلى حقائق أبدية محققة لا يلمسها إلا الإنسان الجديد القائم في المسيح ، من موت الخطيئة . كلمات كان يلقيها على جموع على مختلف مشاربهم ؛ مختلفو الأعمار والمدارك ، ولكن كلمات الرب أشبه بقطعة من الصلصال يشكلها الروح لتناسب الأذهان على مختلف قدراتها .. كلماته كانت قوى الحرية الجديدة لمن تكبلت أذهانهم بقناعات حجرية مغلولة في أصفاد حديدية صدئة هي منطق العالم والحواس والحرف .. كلمات الرب يسوع تنزع النقاب عن وجوهنا الملثمة لنرى الحقيقة ، نرى ما يختبئ خلفه من ملامح إنساننا الداخلي . إنها افتضاح رقيق لزيفنا وازدواجيتنا حتى نبدأ في إماتة إنساننا العتيق بنصل الكلمة نفسها . لا تفتضحنا كلماته أمام الجموع ولكن فقط أمام نفوسنا ..

صديق نصف الليل

إن المثـل الذي سنتناوله يتمحور بالأساس حول الصلاة وما تتطلبه من لجاجة . والصلاة لا تقف هنا منفردة كفعل يتوجه به المصلّي الله ، ولكنها تستند بالأساس على شعور وحش صادق بأبوة الله . فالله ( الأب ) هو متلقي الصلاة وهو الذي يهب ـ في المقابل ـ كنزه الثمين ؛ أي الروح القدس . واللجاجة في الصلاة كما يشرحها لنا المثـل ليست تكرارا روتينيا للنداء أو لقرع الباب ، ولكنها شعور صادق بالاحتياج ؛ شعور من القلب يصدر . وقد يكون هذا الشعور صامت بدون كلمات ، وبالرغم من هذا يبقى القلب هو المعبر الأصدق عن الاحتياج البشري . فقد يصرخ القلب طالبا المعونة بينما يصمت الفم ، إلا إن عيني الله ترصدان حركة القلب ، وتستجيب .

رسالة القديس يعقوب

إن تلك السلسلة التي بين يديك " سلسلة الكرمة الحقيقية للدراسات الكتابية هي محاولة متواضعة للدخول إلى نصوص العهد الجديد وشرحها بشكل مبسط . ليست تفسيرا أكاديميا ولكنها إضاءات على النص وخلفياته . في محاولتنا هذه راعينا أن نضع أمام القارئ أدوات يمكنه من خلالها أن يدخل إلى أعماق جديدة في استيعاب النص الكتابي . سيجد القارئ الكلمات اليونانية المستخدمة مع معنى لكل كلمة ، كما أنه سيطالع شرحا مبسطا للمعنى الروحي للنص فضلاً عن بعض الخلفيات التي يمكن أن تكون عاملاً مساعدا في استيعاب الأجواء العامة أثناء كتابة النص . كما راعينا ألا يكون النص الكتابي بعيدًا أجواء الصلاة ؛ فالكلمة روح وحياة كما أعلن لنا الرب يسوع ، لذا كان من الضروري أن نضع بعض النصوص من الصلوات الليتورجية التي تستمد أصلها من النص أو تلقي بالضوء على ممارسة النص في إطار ليثورجي كنسي . كذلك أضفنا الخبرات الحية لآباء الكنيسة سواء الآباء المعلمين أو الآباء النساك حتى نرصد النص متحركا في حياة من ساروا وراء الربّ يسوع ومعرفة كيف طبقوه ومن ثم تغيرت حياتهم إذ صارت إنجيلاً حيا متأنسًا . وفي كل هذا لم نغفل الدراسات الحديثة في الشروحات ، فسيجد القارئ العديد من المقالات المترجمة لعلماء ودارسين لكلمة الله حتى يمكننا أن نكون على دراية بالمعنى من زوايا متعددة . نضع هذا العمل بين يدي الله متلمسين نعمته لتعمل في كل من يطالع السلسلة من أجل فهم أعمق للكلمة ولكن يبقى الأهم هو أن يكون هذا العمل من أجل حياة أكثر تعبيرا عن غنى الكلمة وقتها .

الأيقونة فلسفة الروح

وقفت امرأة أمام أيقونة والدة الإله . كانت سيدة مسنة تقية تذهب للكنيسة كل يوم بعد الغروب لملاقاة العذراء . كانت تتلو تسبحة العذراء وهي حاملة في يدها شمعة ، قائلة : السلام لك نسألك أيتها القديسة الممتلئة مجدا ، العذراء كل حين ، والدة الإله ، أم المسيح ، اصعدي صلواتنا إلى ابنك الحبيب ليغفر لنا خطايانا وبعد انتهاءها من تسبحة العذراء ، كانت تبث آلامها وأتعابها للعذراء كأم حنون وشفيعة قادرة ، فتشعر بسلام عميق يملأ جوانحها .. لم تعاين معجزات ولكنها كانت تمتلئ بسلام الله وتقبل حمل الصليب ، في خضوع ، إذ الصليب مطعم بحلاوة النعمة الإلهية . وإذ تخرج تسبح الله على لمسات الفرح الدافئ الذي ينطق به الذي جلبته العذراء لها من عند ابنها الحبيب الرب يسوع . “ ما ... مصدر الدفء الذي نستشعره في كنائسنا الأرثوذكسية ؟ سؤال قد يتبادر للذهن ، ولكي نجيب عليه علينا أن نخطو داخل الكنيسة بأعين فاحصة لتحليل مصادر الجمال الكنسي الذي هو عينه من مصادر الجمال الأرثوذكسي الأصيل . ومن بين جمالات الكنيسة التي تشع علينا من إطاراتها الخشبية ؛ الأيقونات .

نحو التوبة

الحياة اليوم أصبحت وادي من القلق . وإنسان اليوم أصبح قلقا أكثر من أي وقت مضى ، فالتمدن والتحول الذي طرأ على الحياة محولاً إياها إلى مجتمع استهلاكي قد غيّر من خصائص السلوك البشري بل وأثر بشكل مباشر على تفكيره وقراراته وقناعاته وأولوياته ، مما جعل الإنسان ممزقا بين ما يراه وما يريده . حتى إرادة الإنسان نفسها قد طالتها ثقافة المدنية والاستهلاك فأصبحت إرادة هشة مشوشة مغيبة متلقية ، وكل هذا قد آل في نهاية الأمر إلى التغرب الكياني الذي استوطن خرائب قلب الإنسان . حتى النهضة التي كانت تهدف إلى سعادة وراحة ورفاهية الإنسان أصبحت شوكة في كيانه لا يستطيع أن ينتزعها ، وذلك لأن النهضة أعادت توزيع الأدوار الكونية ، فجعلت من الإنسان مركزا للوجود ، عليه أن يحقق بنفسه الاستقرار للكون وللطبيعة ولذاته ، وهو ما يفوق قدراته ويتعدى اختصاصاته في هذه الحياة . فتنامى القلق الوجداني وتسلّل إلى الكيان وتحول إلى قلق كياني لا يهدأ ولا يتوقف ، يحاصر الإنسان ليل نهار ، يبعده عن هويته الذاتية ، ويعمي بصيرته عن معرفة دوره في الحياة والوجود . والقلق بحسب تعريف كيركجارد ( الفيلسوف الدانماركي ) هو [ التحديد الدقيق للخطيئة ] . فالقلق هو نتيجة تجذر للخطيئة في كياننا الإنساني وما يتبعه من تغرب الإنسان عن الله . فالخطيئة هي توثر إنساني ينشأ حينما ننحرف عن مسارنا ، ونشوه خلقتنا بالتحالف مع العالم والرضى بمدار الحياة الزمني والتمتع الوقتي بلذات الحواس المادية . وهذا التوتر يستمر طالما الإنسان قانع بمركزيته في الحياة رافضا تسليم دفة القيادة الله مرة أخرى . وهذا عينه ما وصفه القديس مكاريوس الكبير بأنه السقوط في [ فقر الخطيئة المرعب ] .

الشهادة في نصوص العهد الجديد وحياة الكنيسة الأولى

لم تكن معاناة الشهداء صرخات وأنات مجردة من العون الإلهي ، فلقد انفتحت بصائر الشهداء وهم في غمرة آلامهم ليعاينوا مجد الله ( أع 7 : 55 ) في لحظة مختطفة من خزائن الملكوت الذي يحوي أكاليل من نور لمن قبلوا موت الجسد من أجل حياة الروح في الثالوث . كان رجاء قلوبهم الذي لم يفتر ولم يهتز وسط نيران الاضطهاد المتأججة والمستعرة هو السكنى مع الثالوث في موضع المجد ومعاينة قدس الأقداس السمائي غير المصنوع بأيد بشرية . لقد قبلوا الآلام التي كانت تنهال عليهم بطريقة وحشية من مضطهديهم ، وكأنهم " خارج أجسادهم “ ( استشهاد بوليكاربوس ٢/٢ ) ، كانوا منجذبين بقوى عليا ولقوى عليا ، كانوا بالروح في حالة تتساقى عن حاجات الجسد وكأنه لم يعد بعد رابطا لهم وذلك لأن الرب كان حاضرا يخاطبهم " ( استشهد بوليكاربوس 2/2 ) ويطمأنهم أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن ( انظر رو 8 : 18 ) . لم يكن تحملهم للألم قدرة إنسانية غير اعتيادية ، ولكنه كان نعمة إلهية ملأتهم بالروح القدس فصاروا أرواحًا تتحرر أكثر من كونهم أجسادا تتألم . كانوا في حالة إصغاء للنعمة الإلهية ( استشهاد بوليكاربوس 3/3 ) متعلّمين أسرار الحياة الجديدة في تلك اللحظات .

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل