إِخْتِبَار إِرَادِة الله الصَّالِحَة

Large image

بِنِعْمِة رَبِّنَا أحِبْ أنْ أتْكَلِّمْ مَعَكُمْ اليُوْم فِي مَوْضُوع مُهِمْ وَهُوَ * إِخْتِبَار إِرَادِة الله الصَّالِحَة * مُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول يِكَلِّمْنَا عَنْ أنْ نَتَغَيَّر عَنْ شَكْلِنَا بِتَجْدِيد أذْهَانِنَا لِنَخْتَبِر إِرَادِة الله الكَامِلَة الصَّالِحَة المَرْضِيَّة ( رو 12 : 2 ) .. وَهذَا المَوْضُوع هُوَ مُهِمْ جِدّاً فِي حَيَاتْنَا الرُّوحِيَّة وَفِي سُلُوكِيَتْنَا وَيُوْجَد ثَلاَث أنْوَاع مِنْ السُلُوك :-

1- السُلُوك بِحَسَبْ إِرَادْتِي الخَاصَّة :-
وَهُوَ أنَّ الشَّخْص يَتْبَع هَوَاه وَفِكْرُه وَمَشُورْتُه الشَّخْصِيَّة .. وَيَتْبَع مُيُولُه وَأهْوَاؤه فَهُوَ يَفْعَل مَا يُرِيدُه وَلَمْ يَسْتَشِر أحَد .. فَهُوَ لَمْ يَسْلُك إِلاَّ بِحَسَبْ رَغْبِتُه وَشَهْوِتُه وَعَقْلُه وَمَا يَقْتَنِع بِهِ .. مِثْلَمَا قَالَ مُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول عَنْ أحَد تَلاَمِيذُه إِذْ قَالَ ﴿ دِيمَاس قَدْ تَرَكَنِي إِذْ أحَبَّ العَالَم الحَاضِر ﴾( 2تي 4 : 10) .. فَهَلْ مَجْد العَالَمْ أفْضَل مِنْ الحَيَاة مَعَ الْمَسِيح وَمَعَ بُولِس ؟!! فَهُوَ لَمْ يَسْتَشِروَلَمْ يُفَكِّر .. فَهذَا هُوَ السُلُوك بِحَسَبْ الإِرَادَة الخَاصَّة مُعَلِّمْنَا دَاوُد النَّبِي طِلِع عَلَى السَّطْح وَتَبَعْ إِرَادْتُه الخَاصَّة بِحَسَبْ مَعْرِفْتُه وَأهْوَاؤه وَطَلَبْ السَيِّدَة الَّتِي رَأهَا وَتَدَرَّج فِي الخَطِيَّة تَدَرُّج صَعْب .. وَلِذلِك مَا أخْطَر أنْ يَحْيَا الإِنْسَان بِفِكْرُة وَمَشُورَتُه الشَّخْصِيَّة .. وَأنْ يَفْعَل شِئ بِحِيث تَكُون كُل الفِكْرَة أسَاساً آتِيَة مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدُه الإِسْتِعْدَاد أنْ يِرَاجِع مَعَ أحَد هذَا الأمر .. فَمَثَلاً طَالِبْ فِي الثَّانَوِيَّة العَامَّة أرْسَل سَؤَال لِسَيِّدْنَا البَابَا يَقُول فِيهِ أنَّهُ قَرَّر أنْ يِهَاجِر لأُِستُرَالْيَا .. وَيَقُول أنَّهُ لاَبُدْ أنْ يَفْعَل ذلِك .. هذَا القَرَار صَعْب جِدّاً أنْ يُحَدِّد لَهُ خِطَّة بِحَسَبْ فِكْرُة وَرَأيُه هُوَ فَقَط وَيُقَدِّم لَنَا الكِتَاب مَثَل الغَنِي الغَبِي الَّذِي عَاش بِحَسَبْ هَوَاه وَمُيُولُه .. فِي النِّهَايَة قَالَ لَهُ الله﴿ يَا غَبِيُّ هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ .. فَهذِهِ الَّتِي أعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُون ﴾ ( لو 12 : 20 ) كُل هذَا يُوَضِح لَنَا السُلُوك بِحَسَبْ الإِرَادَة الخَاصَّة .. بِالطَبْع لاَبُدْ أنْ يَكُون لِيَّ إِرَادَة خَاصَّة وَلكِنْ يُوْجَد شَرْط وَهُوَ أنْ أكُون وَاضِعْهَا فِي يَدْ رَبِّنَا .. فَأضَعْ فِكْرِي وَمُيُولِي وَطُمُوحَاتِي فِي يَدْ الله .. فَفِي القُدَّاس الغِرِيغُورِي نَقُول ﴿ أُقَدِّمُ لَك يَا سَيِّدِي مَشُورَات حُرِّيَتِي ﴾ .. وَكَأنِّي أقُول * بَعْد إِذْنَك يَارَب أنَا سَأُعْطِيك هذِهِ الهِدِيَّة ألاَ وَهيَ " حُرِّيَتِي " .. أنَا سَلِّمْت لَك حُرِّيَتِي وَسَلِّمْت لَك قَرَارِي وَتَدْبِيرِي * .. وَتُوْجَد صَلاَة فِي الأجْبِيَة تَقُول ﴿ لاَ تَتْرُكْنِي وَمَشُورَة نَفْسِي ﴾ ( مِنْ صَلاَة * طَلَبْ مَشُورَة الله قَبْل الشُّرُوع فِي عَمَل * ) وَلِذلِك عَلَيَّ أنْ أجْتَهِد أنْ أحْمِي نَفْسِي مِنْ فِكْرِي الخَاص .. وَأنْ أُخْضِع فِكْرِي لِفِكْر الله وَمَشِيئْتِي لِمَشِيئْتُه .. فَلاَبُدْ أنْ يَكُون لِيَّ رَغْبَة وَمُيُول وَلكِنْ لاَبُدْ أنَّ كُل هذَا يَقُودُه الله .. مُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول يَقُول ﴿ أحْيَا لاَ أنَا بَل الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ ﴾ ( غل 2 : 20 ) .. فَرَبِّنَا هُوَ الَّذِي يَجْعَل فِيَّ القَرَار .. وَمُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول يَقُول عَنْ الإِنْسَان أنَّهُ ﴿ هُوَ لِمَوْلاَهُ ﴾ ( رو 14 : 4 ) .. رَبِّنَا إِشْتَرَانَا فَصِرْت عَبْدُه وَلاَ أفْعَل إِلاَّ مَشِيئْتُه .. وَلاَ أفْعَل مَشِيئِة غِيرُه .. وَاحِد مِنْ القِدِّيسِينْ يَقُول ﴿ أنْتَ عَبْد لِمَوْلاَك فَلاَ تُرْضِي غِيرُه وَلاَ تَفْعَل مَشِيئِة غِيرُه ﴾ .. فَلاَبُدْ أنَّ الإِنْسَان يَطْمَئِنْ بِأنَّهُ لاَ يَعِيش بِحَسَبْ فِكْرُة الخَاطِئ رَاجْعِي نَفْسِك .. هَلْ أنْتِ تَعِيشِي بِحَسَبْ فِكْرِك الخَاص فِي الحَيَاة ؟!! هَلْ أنْتَ بِتَنْدَفِعِي فِي الأُمور بِحَسَبْ مُيُولِك الخَاصَّة وَتَشْعُرِي إِنَّك صَح ؟!! أحَد القِدِّيسِينْ يَقُول ﴿ لاَ تَفْعَل شِئ إِلاَّ وَيَكُون لَك شَاهِد مِنْ الكِتَاب المُقَدَّس ﴾ .. بِمَعْنَى أنْ يَكُون الكِتَاب المُقَدَّس مِوَافْقَك عَلَى مَا تَفْعَلُه .. فَالإِنْسَان الَّذِي يَعِيش بِحَسَبْ إِرَادْتُه الشَّخْصِيَّة هُوَ يُحَاوِل أنْ يُقْنِع الَّذِي مَعَهُ بِإِرَادَتُه .. فَمَثَلاً إِنْسَانَة تُرِيدْ أنْ تَرْتَبِط بِشَخْص مُعَيَّن فَهْيَ تُحَاوِل أنْ تُقْنِع مَنْ حَوْلَهَا بِهذَا الشَّخْص .. إِنْسَانَة أُخْرَى تُرِيدْ أنْ تَذْهَب لِلدِير فَإِنَّهَا تُحَاوِل أنْ تُقْنِع مَنْ حَوْلَهَا بِذلِك .. وَلَوْ إِنْسَانَة قَالِتْ * أنَا إِنْ لَمْ أذْهَب لِلدِير سَأنْتَحِر * فَإِنَّ هذَا دَلِيل عَلَى إِنَّهَا لَمْ تَأخُذ هذَا القَرَار مِنْ رَبِّنَا .. وَلاَ تُؤمِنْ بِتَدْبِير رَبِّنَا .. أحْيَاناً كَثِيرَة بِنُعْطِي لِرَبِّنَا أوَامِر وَكَأنَّهَا صَلاَة .. فَيَجِبْ بَدَلاً مِنْ أنْ أقُول لَهُ إِفْعَل ذلِك .. أقُول لِرَبِّنَا * لِتَكُنْ مَشِيئَتَك .. دَبَّر يَارَب .. إِسْتِلِمْ إِرَادِتْنَا الخَاصَّة فِي يَدِيك * .
2- السُلُوك بِحَسَبْ إِرَادِة النَّاس :-
وَهيَ أخْطَر مِنْ السُلُوك بِحَسَبْ إِرَادِتْنَا الخَاصَّة .. فَبَعْض الأشْخَاص يَقُولُون * إِنْ كُل النَّاس بِتِفْعَل ذلِك * .. فَمِنْ المُمْكِنْ أنْ يَفْعَل شَخْص شَيْئاً مَا وَهُوَ غِير مُقْتَنِع بِذلِك وَلكِنْ يَفْعَلُه لأِنَّ كُل النَّاس بِتِفْعَل ذلِك .. إِنَّ شُيُوع الخَطَأ لاَ يُعْطِي تَصْرِيح لِلشَخْص بِأنْ يَفْعَلُه .. إِنَّ بَعْض مِنْ الأشْخَاص يَقُولُون * إِنْ النَّاس بِتِلْبِس كَذَا .. وَالنَّاس بِتَأكُل كَذَا .. وَبِتِذْهَب إِلَى كَذَا .. وَبِتِفْعَل كَذَا * .. وَلكِنْ السُلُوك بِحَسَبْ إِرَادِة النَّاس هُوَ خَطَأ كِبِير جِدّاً .. وَقَدْ يَتَشَبَّه الإِنْسَان بِأفْعَال بَعْض النَّاس عَنْ طَرِيق الضَغْط أوْ مِنْ بَاب المُجَامْلَة آخَاب المَلِك لَمْ تَكُنْ عِنْدُه الإِرَادَة لأِخْذ حَقْل نَابُوت اليَزْرَعِيلِي وَلكِنْ إِمْرَأتُه إِيزَابِل هِيَ الَّتِي ضَغَطَتْ عَلِيه فِي هذَا الأمر ( 1مل 21 : 1 – 16) .. وَهُنَا آخَاب المَلِك سَلَك بِحَسَبْ إِرَادِة النَّاس .. إِنَّ الَّذِي يَسْلُك بِحَسَبْ إِرَادِة النَّاس مُمْكِنْ أنْ يَهْتَز لآرَاء النَّاس لأِنَّهُ أسَاساً لَيْسَ لَهُ عُمْق فِي حَيَاتُه .. أبُونَا يَعْقُوب أبُو الآبَاء أخْضَعَتُه أُمُّه رِفْقَة لِفِكْرِتْهَا وَسَلَك بِحَسَبْ إِرَادِتْهَا رَغْم عَدَم إِقْتِنَاعُه ( تك 27 : 5 – 17) .. خَطَر أنْ يَفْعَل الإِنْسَان شِئ لَمْ يَقْتَنِع بِهِ وَيَفْعَلُه لِمُجَرَّد إِرْضَاء النَّاس أبُونَا إِبْرَاهِيم تَزَوَج بِهَاجِر وَكَانَ ذلِك بِإِرَادِة سَارَة وَهُوَ كَانْ غِير مُقْتَنِع بِذلِك .. وَعِنْدَمَا حَدَثِتْ مَشَاكِل رِجْعِت سَارَة تَقُول لأِبُونَا إِبْرَاهِيم ظُلْمِي عَلِيك .. إِنَّ هَاجِر إِحْتَقَرِتْنِي ( تك 16 : 4 – 5 ) .. وَكَانَ السَبَبْ فِي كُل هذَا الصِرَاع هُوَ ضَغْط أُمِّنَا سَارَة عَلَى أبُونَا إِبْرَاهِيم .. أحْيَاناً كَثِيرَة نَحْنُ بِنَعِيش بِحَسَبْ إِرَادِة النَّاس فَالقِدِيس أُوغُسْطِينُوس كَانَ يَفْعَل شُرُور كَثِرَة لِمُجَرَّد تَقْلِيد أصْدِقَاؤُه .. فَكَانَ يِسْرَق فَاكْهَة مِنْ الشَجَر وَهُوَ كَانْ عَنْدُه جِنِينَة بِهَا ثِمَار أجْوَد وَأجْمَل مِنْ الَّتِي كَانَ يَسْرَقْهَا .. وَالَّتِي كَانَ يَسْرَقْهَا كَانَ يَرْمِيهَا لِلحَيَوَانَات .. كَثِيراً مَا يَكُون الإِنْسَان عِنْدُه سُلُوكِيَات لِمُجَرَّد ضَغْط النَّاس عَلِيه .. فَمَثَلاً مُمْكِنْ إِنْ وَاحْدَة لاَ تُفَكِّر فِي الإِرْتِبَاط وَلكِنْ لأِنَّ صَدِيقَاتْهَا إِرْتَبَطُوا فَهيَ لاَبُدْ أنْ تَرْتَبِط مِثْلَهُمْ .. فَهَلْ لِمُجَرَّد إِنْ النَّاس بِيِفْعَلُوا ذلِك لاَبُدْ أنْ أفْعَل ذلِك أنَا أيْضاً ؟!! فَإِنَّ كُل إِنْسَان لَهُ خِطَّة مُعَيَّنَة عَنْد رَبِّنَا وَعَلَيَّ أنْ أفْعَل مَا يُنَاسِبْنِي وَلاَ أُدْخِل نَفْسِي فِي مُقَارَنَة مَعَ الآخَرِين .. فَالله خَلَق الإِنْسَان حُر وَعِنْدُه قُدْرَة عَلَى التَّمْيِيز .. وَكُل شَخْص لَهُ ظُرُوفُه الخَاصَّة وَلَهُ فِكْرُة الخَاص وَلَهُ إِهْتِمَامَاتُه .. فَلاَ يَجِبْ أنْ أكُون نُسْخَة مِنْ الَّذِينَ حَوْلِي يُوسِف الصِّدِّيق كَانَتْ تَلِح عَلِيه زَوْجَة فُوطِيفَار يَوْماً فَيَوْما لِيَفْعَل مَعَهَا الشَّر وَلَم تَتْرُكُه وَلكِنُّه رَفَض بِشِدَّة وَهَرَب وَقَالَ كَيْفَ أفْعَل هذَا الشَّر العَظِيم وَأُخْطِئ إِلَى الله ؟ ( تك 39 : 9 – 10) .. دَانِيَال النَّبِي وَضَعَ فِي قَلْبُه أنْ لاَ يَتَنَجَّس بِأطَايِب المَلِك وَلَمْ يَتَأثَّر بِضَغْط النَّاس عَلِيه ( دا 1 : 8 ) .. سُلَيْمَان الحَكِيم الَّذِي أعْطَاهُ الله حِكْمَة وَغِنَى وَمَجْد أكْثَر مِنْ كُل مُلُوك العَالَمْ .. مَا الَّذِي حَدَثَ لَهُ ؟ إِنَّ النِّسَاء أمَلْنَ قَلْبَهُ ( 1مل 11 : 4 ) .. وَعَاشَ بِحَسَبْ إِرَادِة النَّاس وَلِذلِك فِي سِفْر أشْعِيَاء يَقُول الرَّبَّ ﴿ يَا شَعْبِي مُرْشِدُوكَ مُضِلُّونَ ﴾ ( أش 3 : 12) .. فَلَوْ بَحَثْنَا فِي مَوْضُوع المَشُورَات فِي الكِتَاب المُقَدَّس فَإِنَّنَا سَنَجِد مَشُورَات تَبْنِي وَمَشُورَات تَهْدِم .. فَمَثَلاً غَمَّالاَئِيل قَالَ ﴿ تَنَحَّوْا عَنْ هؤُلاَءِ النَّاسِ وَاتْرُكُوهُمْ لأِنَّهُ إِنْ كَانَ هذَا الرَّأيُ أوْ هذَا العَمَلُ مِنَ النَّاسِ فَسَوْفَ يَنْتَقِضُ .. وَإِنْ كَانَ مِنَ الله فَلاَ تَقْدِرُونَ أنْ تَنْقُضُوهُ لِئَلاَّ تُوجَدُوا مُحَارِبِينَ للهِ أيْضاً ﴾ ( أع 5 : 38 – 39 ) .. فَهَلْ مِنْ مَعَايِيرَك الخَاصَّة أنَّ مِنْ أهَمْ الأُمور عِنْدَك هُوَ إِرَادِة النَّاس وَفِكْرُهُمْ وَنَظْرَتْهُمْ لَك ؟!وَهَلْ هِيَ الَّتِي تُحَدِّد مَصِير حَيَاتَك ؟!! فَقَدْ يُوْجَد إِنْسَان عِنْدُه أنَّ رَأي النَّاس عَنُّه هُوَ أهَمْ شِئ وَلكِنْ السَيِّد الْمَسِيح قَالَ ﴿ وَيْل لَكُمْ إِذَا قَالَ فِيكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ حَسَناً ﴾ ( لو 6 : 26 ) لاَبُدْ أنْ تَعْلَم أنَّهُ سَيَكُون هُنَاك نَاس ضِدَّك .. فَأنْتَ إِبْن الله وَلَكَ فِكْر مُعَيَّن وَهذَا لَنْ يَعْجِب نَاس كَثِيرِين .. وَلكِنْ لاَبُدْ أنْ تَعْلَم أنَّ كُل شِئ سَيَكُون لَهُ نَفَقَتُه .. وَأنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيع أنْ تُرْضِي كُل الأطْرَاف الَّذِينَ حَوْلَك .. ﴿ لَوْ كُنْتُمْ مِنَ العَالَم لَكَانَ العَالَم يُحِبُّ خَاصَّتَهُ .. وَلكِنْ لأِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ العَالَم بَلْ أنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ العَالَم لِذلِك يُبْغِضُكُمْ العَالَم ﴾ ( يو 15 : 19) .. فَالعَالَمْ لاَ يُحِبَّكُمْ .. فَهُوَ يُبْغِض أفْكَارَكُمْ وَشَكْلَكُمْ .. العَالَمْ مَوْضُوع مِنْ الشِّرِّير وَلِذلِك مِنْ المُؤكَد أنَّ مَشُورَاتِنَا وَأعْمَالْنَا لاَ تَتَفِق مَعَ العَالَمْ .. وَلِذلِك يُوحَنَّا الرَّسُول قَالَ ﴿ لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ بَل امْتَحِنُوا الأرْوَاحَ ﴾ ( 1يو 4 : 1)فَالَّذِي بُشِرْتُمْ بِهِ هُوَ مِنَ الله وَبِحَسَبْ إِرَادِة الله .
3- السُلُوك بِحَسَبْ إِرَادِة الله :-
أ/ التَّأنِّي :-
مُسْتَحِيل أنْ تَكُون إِرَادِة الله بِالإِنْدِفَاع .. أوْ بِدُون تَفْكِير عَمِيق .. أوْ بِدُون أنْ يَصِل الإِنْسَان إِلَى دَرَجَة كَامِلَة مِنْ الإِقْتِنَاع وَالإِرْتِيَاح .. وَهذَا يَحْتَاج إِلَى وَقْت .. عَلَى الأقَل لاَ يَكُون بِعَجَلَة أوْ رُعُونَة .. فَالسُلُوك بِحَسَبْ إِرَادِة الله يَحْتَاج إِلَى وَقْت وَنَجِد أنَّ إِرَادِة الله بِتِصْعَد .. وَنَشْعُر بِارْتِيَاح وَالإِرْتِيَاح يُعْطِي فَرَح وَيُعْطِي سَلاَم وَيُعْطِي مَسَرَّة وَشُكْر وَيُعْطِي إِنْدِفَاع فِي النِّهَايَة .. فَفِي البِدَايَة بَشْعُر بِقَبُول لِلفِكْرَة ثُمَّ إِرْتِيَاح ثُمَّ رَاحَة ثُمَّ إِنْدِفَاع .. وَبِهذَا أعْرِف أنَّ هذَا الأمر هُوَ مِنْ الله فَإِنْ لَمْ يُوْجَد القَبُول فِي البِدَايَة لاَ يُوْجَد الإِرْتِيَاح وَلاَ الرَّاحَة وَلاَ الفَرَح .. فَإِنْ أرَدْتِي أنْ تَعْرِفِي إِرَادِة الله تَأنِّي وَانْتَظِرِي وَرَاقِبِي نَفْسِك فَسَتَجِدِي أنَّ الفَرَح بِيَتَصَاعَد وَيَصِل إِلَى دَرَجِة مَعْرِفِة إِرَادِة الله .. فَإِنْ كُنْت بِعِيد عَنْ رَبِّنَا وَتُرِيدْ أنْ تِعْرَف إِرَادِة رَبِّنَا إِقْتَرِب مِنْهُ وَاخْضَع إِرَادْتَك لإِرَادْتُه ﴿ يُعَلِّم الوُدَعَاء طُرُقُه ﴾ ( مز 24 – مِنْ مَزَامِير بَاكِر ) .. فَالله لاَ يَتْرُك إِبْنُه يَحْتَار كَثِيراً فَلاَبُدْ أنْ أُفَكِّر .. وَأُفَكِّر فِي الأُمور جَيِّداً بِدُون تَهَوُر وَلاَ تَسَرُّع القِدِيس أبُو مَقَّار جَاءَ لَهُ فِكْر أنْ يَزُور مَجْمُوعَة مِنْ أوْلاَدُه السُّوَاح .. وَقَالَ لِرَبِّنَا * لَوْ سَمَحْت يَارَب لِي بِالسِيَاحَة فَإِنِّي أكُون مَعَهُمْ .. وَإِنْ لَمْ تُرِيدْ بِذلِك فَإِنِّي أُرِيدْ أنْ أفْتَقِدْهُمْ وَأفْتَقِد سَلاَمِتْهُمْ * .. ظَلَّ يَمْتَحِنْ هذَا الفِكْر لِمُدِّة سَنَتِين أوْ ثَلاَثَة لِيَعْرِف هَلْ هُوَ مِنْ الله أم لاَ ؟ .. إِلَى أنْ رَبِّنَا أعْطَاه رَاحَة وَخَرَج إِطْمَئَنْ عَلَى الآبَاء السُّوَاح وَكَشَفْ لَنَا عَجَائِب مِنْ حَيَاتْهُمْ .. فَلِكَي نَخْتَبِر أي مَوْضُوع لِنَعْرِف هَلْ هُوَ مِنْ الله أم لاَ عَلَيَّ أنْ أتَأنَّى وَأُفَكِّر بِعُمْق وَدِرَاسَة وَنَقُول لِلرَّبَّ * لِتَكُنْ مَشِيئَتَك * .
ب/ رُوح الصَّلاَة :-
مَعَ التَّأنِّي وَالدِّرَاسَة وَالتَّفْكِير لاَبُدْ أنْ يَسِير مَعَهُمْ بِخَطْ مُتَوَازِي رُوح الصَّلاَة .. صَلِّي وَأنْتَ تُفَكِّر .. وَفَكَّر وَأنْتَ تُصَلِّي .. قُلْ لِرَبِّنَا * أنَا يَارَب وَصَلْت لِذلِك وَلاَ أعْرِف هَلْ هذَا بِحَسَبْ إِرَادْتَك أم لاَ ؟!! .. فَأعْطِنِي عَلاَمَة لأِعْرِف إِرَادَتَك * .. وَأجْمَل عَلاَمَة وَأضْمَنْ عَلاَمَة هِيَ الإِحْسَاس بِالرَّاحَة وَالسَّلاَم وَالفَرَح فِي القَلْب وَالهَدُوء وَالإِطْمِئْنَان الكَامِل .. ﴿ أعْطَيْت سُرُوراً لِقَلْبِي أوْفَر مِنْ الَّذِينَ كَثُرَت حِنْطَتِهِمْ وَخَمْرِهِمْ ﴾ ( مز 4 : 7 ) .. فَعَلَيَّ أنْ أُصَلِّي وَأطْلُب مَشُورِة رَبِّنَا وَأقُول لَهُ﴿ رُوحَك القُدُّوس فَلْيَهْدِنِي إِلَى الإِسْتِقَامَة ﴾ ( مز 142 – مِنْ مَزَامِير بَاكِر ) .. * لِتَكُنْ مَشِيئَتَك * .. وَأقُولْهَا مِنْ عُمْق قَلْبِي فِعْلاً .. وَأحْضَر قُدَّاسَات وَأُقَدِّم طِلْبَات أثْنَاء رَفْع الحَمَل وَعِمَاد الحَمَل وَوَقْت القِسْمَة وَالتَنَاوُل .. وَبِذلِك سَأشْعُر إِنِّي بَأخُذ قَرَار مِنُّه وَبِرِضَاه .. وَأنَا بِذلِك لاَ أعِيش بِحَسَبْ رَأيِي الشَّخْصِي وَلاَ بِحَسَبْ إِرَادِة النَّاس وَلكِنْ ﴿ بِيَمِينَك تُرْشِدْنِي وَبِرَأيَك تُهْدِينِي ﴾( مز 73 : 23 – 24 ) .
ج/ أسْتَشِيرنَاس فِيهُمْ رُوح رَبِّنَا :-
أسْتَشِير نَاس حُكَمَاء وَلاَ أسْتَشِير نَاس لَهُمْ أغْرَاض شَخْصِيَّة أوْ خَالِيِينْ مِنْ رُوح الحِكْمَة .. عَلَيَّ أنْ أسْتَشِير نَاس مَمْلُوءِينْ حِكْمَة وَليَكُنْ أوِّلَهُمْ أب إِعْتِرَافِي .. مُمْكِنْ أسْتَشِير الأكْبَر مِنِّي مِثْل أُمِّي .. إِخْوَاتِي .. فِي سِفْر الأمْثَال يَقُول ﴿ طَرِيقُ الجَاهِل مُسْتَقِيم فِي عَيْنَيْهِ .. أمَّا سَامِعُ المَشُورَةِ فَهُوَ حَكِيم ﴾( أم 12 : 15) .. وَعِنْدَمَا أسْتَشِير أحَد فِي مَوْضُوع لاَ أُحَاوِل أنْ أدْفَعُه إِلَى رَأيِي .. فَمَثَلاً لَوْ وَاحْدَة مِتْقَدِّم لَهَا شَخْص لِلإِرْتِبَاط وَتُرِيدْ أنْ تَسْتَشِير مَنْ حَوْلَهَا .. فَلَوْ أخَذِت تَمْدَح فِيهِ جِدّاً فَإِنَّ مَنْ تَسْتَشِيرَهُمْ سَيَقُولُون لَهَا * مَبْرُوك * وَيُؤيِدُونَهَا .. وَلكِنْ إِنْ أرَادَت أنْ تَأخُذ مَشُورَتَهُمْ فِعْلاً فَعَلَيْهَا أنْ تُعْلِن المَوْضُوع بِطَرِيقَة مُجَرَّدَة .. وَتَقُل المَعْلُومَات بِدُون أنْ تَنْقِل إِنْطِبَاعْهَا الشَّخْصِي .. وَلاَ تُحَاوِل أنْ تُمْلِي إِرَادِتْهَا الشَّخْصِيَّة عَلَيْهُمْ أسْتَشِير إِنْسَاناً يُفَكِّر وَإِنْسَاناً مُصَلِّي .. وَعِنْدَمَا أسْتَشِير لاَ أكُون أنَا أسَاساً قَدْ وَصَلْت لِرَأي وَإِلاَّ سَأكُون بِذلِك أُرِيدْ أنْ أأخُذ خِتْم عَلَى رَأيِي .. وَالَّذِي يُحِبْ أنْ يَعِيش بِحَسَبْ إِرَادِة الله يَكُون عِنْدُه المَشُورَة .. أحَد القِدِّيسِينْ يَقُول بِقَدْر مَا يَكُون الإِنْسَان أمِين مَعَ مُشِيرُه فَإِنَّهُ بِذلِك بِيُلْقِي المَسْئُولِيَة عَلَى المُشِير .. وَأنَا عَلَيَّ أنْ أسْتَشِير نَاس لَهُمْ عِلاَقَة حِلْوَة مَعَ رَبِّنَا وَبِذلِك سَيَكُون عِنْدِي ثِقَة فِيهُمْ أنَّهُمْ فِيهُمْ رُوح رَبِّنَا .. وَأبْعِد عَنْ أي مَشُورَات أُخْرَى لأِنَّهُ بِذلِك بَدَلاً مِنْ أنْ أسْتَشِير طَبِيب أسْتَشِير مَرِيض .
د/ الكِتَاب المُقَدَّس :-
الكِتَاب المُقَدَّس لَهُ دُور هَام جِدّاً فِي المَشُورَة ﴿ سِرَاج لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُور لِسَبِيلِي ﴾( مز 119 : 105) فَعِنْدَمَا أتَحَيَّر فِي أمر وَأكُون مُتَضَايِق جِدّاً جِدّاً وَأقْرَأ فِي الكِتَاب المُقَدَّس أجِد أنَّ رَبِّنَا سَمَّعْنِي صُوتُه وَأعْطَانِي آيَة وَأعْطَانِي تَعْلِيم بِالرَّغْم مِنْ إِنِّي أكُون قَدْ سِمِعْت هذِهِ الآيَة كَثِيراً وَلكِنْ اليُوْم أشْعُر أنَّهَا مُخْتَلِفَة وَلَهَا تَأثِير قَوِي وَأنَّ الله يُؤيِدْنِي فِي هذَا الأمر وَشَعَرْت بِفَرْحَة وَتُوْجَد نَاس تُحِبْ كَمَنْهَج لِحَيَاتْهَا أنْ تَسْمَع صُوْت رَبِّنَا مِنْ قِرَاءَات الكِنِيسَة فَِالقِدِيس الأنْبَا هِدْرَا أُسْقُفْ أسْوَان يَقُولُوا عَنُّه أنَّهُ ذَهَبَ لِلكِنِيسَة وَسِمِع مِنْهَا مَا إِسْتَرَاحَ لَهُ قَلْبُه فَالكَلِمَة الَّتِي تُقَال فِي الكِنِيسَة لَهَا قُوَّتِهَا .. قُوِّة حَيَاة .. قُوِّة تَحْرِيك .. وَتُشْعِر الإِنْسَان أنَّ الله كَلَّمَهُ .. وَمَنْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَى المِحْرَاث لاَ يَنْظُر إِلَى الوَرَاء ( لو 9 : 62 ) .. كَلِمَة رَبِّنَا تَجْعَل كُل يُوم لَهُ فِكْر جِدِيد وَلَهُ قُوَّة مُتَجَدِّدَة .. فَلاَ تُخْرِجِي الإِنْجِيل مِنْ دَائِرَة حَيَاتِك العَمَلِيَّة .. فَلاَ تَجْعَلِي الإِنْجِيل عِبَارَة عَنْ قِصَص أوْ مَاضِي يُذْكَر فَقَطْ وَإِنَّمَا كُل يُوم تَسْتَنِدِي عَلَى آيَة وَتَشْعُرِي أنَّ الله قَدْ كَلَّمَكِ فِي قَلْبِك .. وَتَقُولِي أنَّ الله قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا .. وَتَقُولِي لله ﴿ أُذْكُر لِعَبْدَك كَلاَمَك الَّذِي جَعَلْتَنِي عَلَيْهِ أتَّكِل ﴾( مز 118 – قِطْعَة " 7 " ) جَمِيل جِدّاً أنْ أتَكِل عَلَى كَلاَم رَبِّنَا .. إِنْ إِتَّبَعْت مَشُورِة رَبِّنَا وَسَلَكْت بِحَسَبْ الأُمور السَّابِق ذِكْرَهَا فَإِنِّي سَأعِيش حَيَاة جَمِيلَة .. وَلكِنْ إِنْ فَعَلْتِ كُل هذِهِ الأُمور وَوَجَدْتِ صُعُوبَة فِي حَيَاتِك فَاعْلَمِي أنَّ هُنَاك إِرَادَة مِنْ هذَا الألَمْ .. وَأنَّ هذَا التَعَبْ وَالألَمْ بِحَسَبْ إِرَادِة الله وَلكِنْ لاَ تَعْلَمِيهَا الآنْ .. مَا أجْمَل الإِنْسَان الَّذِي لَمْ يَأخُذ خَطْوَة إِلاَّ بِإِذْن مِنْ رَبِّنَا لأِنَّهُ مَتَى حَدَثَتْ لَهُ مَتَاعِب فَإِنَّهُ يُعَاتِبْ رَبِّنَا وَيِتْخَانِق مَعَاه أحَد الآبَاء القِدِّيسِينْ كَانَ يَعِيش فِي البَرِّيَّة وَكَانَ يُوَاجِه حُرُوب كَثِيرَة جِدّاً لِدَرَجِة أنْ فَكَّر أنْ يَتْرُك هذَا الطَّرِيق .. فَوَقَفْ يِتْخَانِق مَعَ رَبِّنَا وَقَالَ لَهُ * أنْتَ يَارَب الَّذِي سَبَقْت وَدَفَعْتَنِي إِلَى هذَا الطَّرِيق فَكُنْ لِي مُبَارِكاً * .. فَأقُول لِرَبِّنَا إِنْ كُل الَّذِي حَدَث هُوَ مِنْ يَدَك .. فَالمَفْرُوض أنْ تَكُون لِي ضَامِناً لَهُ إِلَى النِّهَايَة .
هـ/ السُلُوك بِالرُّوح :-
الشَّخْص الَّذِي هَدَفُه وَاضِح أمَامُه لاَ نَخَاف عَلِيه فِي صُنْع قَرَارَاتُه .. لأِنَّهُ يَعِيش بِالرُّوح وَيَعِيش السَّمَاء وَهُوَ عَلَى الأرْض .. وَيُرْضِي رَبِّنَا .. وَهَدَفُه أنْ يَرْبَح المَلَكُوت .. وَلِذلِك مَادَام هَدَفِك وَاضِح أمَامِك فَلاَ تَخَافِي مِنْ أي قَرَار تَأخُذِينَهُ .. فَلاَ تَنْحَازِي لِلجَسَد وَلاَ لإِغْرَاءَات العِين وَتَعَظُّم المَعِيشَة لأِنَّ ذلِك سَيَضْمَن لَكِ أنَّ إِرَادَتِك تَسِير بِحَسَبْ إِرَادِة رَبِّنَا .. عِيشِي بِالرُّوح وَحَدِّدِي أهْدَافِك فَهَلْ أنْتِ تُرِيدِي أنْ تَذْهَبِي لِلسَّمَاء ؟ هَلْ تَعِيشِي عَلَى الأرْض فِي مَخَافِة الله ؟ هَلْ تُرِيدِي أنْ يَكُون لَكِ نَصِيب فِي السَّمَاء بِالطَّرِيقَة الَّتِي يَخْتَارْهَا لَكِ رَبِّنَا ؟ فَإِنْ كَانَ لَكِ أهْدَافِك الوَاضِحَة فَأنْتِ بِذلِك تَسِيرِي بِحَسَبْ إِرَادِة الله رَبِّنَا يِعَلِّمْنَا طَرِيقُه .. حَتَّى وَإِنْ كُنَّا قَدْ أخْطَأنَا فِي الطَّرِيق فَلَنَا وَعْد بِأنَّ الرَّبُّ صَالِح وَمُسْتَقِيم وَيُرْشِد الَّذِينَ يُخْطِئُونَ في الطَّرِيق رَبِّنَا يِكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيِسْنِد كُل ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه وَلإِلهْنَا المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين

عدد الزيارات 2073

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل