الفتُور الرُّوحِى ج2

الفتور الذى بسماح من الله:-
أيوب البار كان يُعاتِب الله أحياناً قائِلاً [ إِليكَ أصرُخُ فَمَا تستجِيبُ لِي0 أقُومُ فَمَا تنتبِهُ إِليَّ0 تحوَّلتَ إِلَى جافٍ مِنْ نَحْوِي0 بِقُدرةِ يدَكَ تضطهِدُنِى0 حملتنِي أركبتنِي الرِّيحَ وَذويتنِي تَشَوُّهاً0 لأِنِّي أعلمُ أنَّكَ إِلَى الموتِ تُعِيدُنِي وَإِلَى بيتِ مِيعادِ كُلِّ حيٍّ ]( أى 30 : 20 – 23 ) ، وَكأنّ الله بِقُدره يدِهِ يضطهِدهُ ، أحياناً لِكى يُتّمِم الله خطة خلاص الإِنسان العجِيبة بِخطة تدبيره أنّهُ يجعل الإِنسان يجتاز خِبرات كثيرة وَصعبة وَمِنْ ضِمن هذِهِ الخِبرات خِبرة الفتُور بِسماح مِنهُ
وصف حالة الفتور بسماح من اللة:-
وصف صعب جِدّاً وَكما يقُول داوُد النبِى [ لأِنّ العدُوَّ قَدِ إِضطهد نَفْسِى سَحَقَ إِلَى الأرض حياتِى0 أجلسنِي فِى الظُلُماتِ مِثْلَ الموْتَى00 ] ( مز 143 : 3 ) ،النَفْسَ فِى الفتُور تجتاز هذِهِ الخِبرات الصعبة ، وَالله يسمح أنْ تجلِس النَفْسَ فِى الظُلُمات وَأمر إِختبار يمُر بِهِ الإِنسان أنْ يُجاهِد وَلاَ يشعُر بِثمر وَيُصَلِّى وَلاَ يفرح ، وَيحضر قُدّاسات وَليس لديهِ أىّ مشاعِر ، وَيخدِم وَلاَ يتعزّى وَيتحّول الله إِلَى جافٍ مِنْ ناحية الإِنسان إِختبار يجعل الإِنسان يمِل وَيضجر وَيشتكِى ، إِختبار مُر يُصِيب الإِرادة وَالمشاعِر ، الإِرادة هى إِنِّى أساساً لاَ أستطِيع الوقُوف أمامه ، وَإِنْ وقفت لِلصلاة أقِف بِمشاعِر بِها بلادة ، هل كُلّ هذا مُمكِنْ يكُون بِسماح مِنْ الله ؟ [ وَقَدْ أبْعدتَ عَنْ السلام نَفْسِي نسيتُ الخيرَ] ( مرا 3 : 17 ) ،أمر صعب أنّ الإِنسان يُحاوِل يلتمِس الخير مِنْ حياته الرُّوحيَّة وَالله لاَ يُعطِيهِ مِنها أىّ مسرَّة أوْ تعزية ، حتَّى أنّ القديس مارِإِسحق يقُول [ أنّ الإِنسان أحياناً يشعُر أنْ كلام الكِتاب مِثل الرُصاص لاَ يستطِيع أنْ يتفاعل معهُ ] ، وَيُقال لهُ لابُد أنْ تتفاعل مَعَْ الكِتاب وَهُوَ يسأل كيف ؟ يقرأ فِى الإِنجِيل وَيشعُر أنّهُ لاَ يعلم فِى أىّ إِصحاح كان يقرأ بل وَفِى أىّ سِفر هُوَ ؟ تجرُبة الفُتور بِسماح مِنْ الله تجرُبة صعبة على النَفْسَ لكِنْ لابُد أنْ نفهم أنَّها طرِيقة مِنْ طُرُق الله وَمرحلة هامة لازِمة لإِعداد النَفْسَ لأِنّ الله يُرِيد أنْ يُعِد النَفْسَ بِإِسلُوب أقوى وَيجعل حياتها الرُّوحيَّة لاَ تعتمِد على المُشّجِعات أوْ المسرّات أوْ تعتاد على الأخذ فقط دُون العطاء فيسمح لها بِالفتُور الله لاَ يُرِيد أنْ يربُط حياتك بِبراهِين حسيَّة ، أىّ إِذا لَمْ يفرّحك فِى الصلاة فإِنَّكَ سوف لاَ تُصَلِّى مرّة أُخرى ، هذا خطأ 000هذِهِ عِلاقة مشرُوطة ، الله لاَ يُرِيد هذِهِ العِلاقة ،لِذلِك يسمح بِالفتُور لأِنّ طرِيق المسيِح ضيقَّة وَكربة كما وصفها[ ما أضيق الباب وَأكرب الطرِيق000 ] ( مت 7 : 14 ) ، طرِيق ملآن صِعاب وَلكِنْ كما يقُول القدِيس أبو مقَّار [ الطرِيق ضيِّق لكِنْ المدِينة ملآنة سِرور ] الفتُور بِسماح مِنْ الله يجعل النَفْسَ لاَ تعرِف سببه وَتسأل لِماذا بِقُدره يدك تضطهِدنِى ؟ لِماذا أُرِيدك أنا وَأنت تضطهِدنِى ؟ الرفض يُمكِنْ أنْ يكُون مِنْ ناحيتِى أنا لكِنْ يأتِى مِنك فهذا صعب مبدأ فِى الحياة الرَّوحيَّة أنّ النِعمة يُمكِنْ أنْ تتخلّى عَنْ الإِنسان بِسماح مِنْ الله وَهذِهِ إِختبارات مُطّهِرة لِلنَفْسَ ، وَكما يقُول القدِيس مارِإِسحق [ إِذا وجدت فِى طرِيقك سلام دائِم فخف لأِنّ ذلِك معناه أنَّك سائِر بعِيد عَنْ السبِيل المُستقِيم التَّى وطأتها أقدام القدِيسين ذات التعب الكثير ] لابُد مِنْ آلام وَتجارُب وَضِيقات ، بعضٍ مِنها بِسببِى وَالبعض الآخر بِسماح مِنْ الله ، لِذلِك الفُتور الرُّوحِى الّذى بِسماح مِنْ الله يجعل الإِنسان غير مُتفاعِل مَعَْ الله وَغير فرِح وَتتحّول الحياة الرُّوحيَّة عِندهُ إِلَى وهم ، وَكأنّ الله غير موجُود وَيشعُر بِداخِلهُ بِتمرُّد ، وَيقُول لِنَفْسَه لَوَ كُنت مِثل أهل العالم كان أفضل لِى لكِنْ أنت يا الله أغلقت علىَّ الحياة وَأنت لاَ تفرّحنِى 0
أسباب الفتور الذى بسماح من الله:-
يُسّبِبهُ ثلاث صِفات لِلإِنسان وَبعض الأسالِيب مِنْ الله
أوَّلاً : صِفات الإِنسان :0
1/ النوعيَّة النَفْسَانيَّة العاطِفيَّة كثيرون يعِيشُون مَعَْ الله على المُستوى النَفْسِى وَالعاطِفِى وَهذا طرِيق قصِير لاَ يدوم ، وَرصِيد الحُب فِى الحياة الرُّوحيَّة إِذا إِعتمد على العاطِفة لَنْ يكفِيك أكثر مِنْ رُبع الطرِيق فقط ثُمّ ينتهِى ، لاَ نكتفِى بِالنَفْسَانيَّة وَالعاطِفيَّة وَهى أنّنا نُحِب الله جِدّاً هذا مُستوى لاَ يُكمِل الطرِيق منهج الكنِيسة منهج عمِيق رصِين ليس مُجرّد إِنفِعالات وقتيَّة أوْ مشاعِر عاطِفيَّة وَكلِمات بل تقُول لهُ [ أحِبُّك ياربُّ يا قُوّتِي ] ( مز 18 : 1 ) ، وَلِنرى مُخاطبة الكنِيسة لِلمسيِح ليس بِها عاطِفة عالية لأِنّ العاطِفة خادِعة لِنرى كلِمات التسبحة [ سبِّحوه مجِدّوه زِيدوه علواً إِلَى الأبد رحمتهُ ] ( الهُوس الثالِث ) ، وَلِنرى عِظات البروتوستانت نجِدها مُلتهِبة عاطِفة وَلكِنّها لاَ تدوم ، مِثل إِثنان فِى بِداية حياتهُما يهِيمان بِبعضِهِما وَلكِنْ العِشرة فِيما بعد هى التَّى تُنّمِى عِلاقتهِما بِبعضِهِما فيزداد حُبّهُما لِبعض ، بينما العاطِفة تكُون أقل لأِنّ العِلاقة أصبحت أعمق ممّا قبل لأِنّ رصِيد الخِبرة بينهُما يُعّبِر عَنْ المحبَّة أكثر مِنْ الكلام 0هكذا فِى عِلاقِتنا بِالله فِى مراحِلها الأولى تكُون عاطِفيَّة ، وَلكِنْ يُهّذِبها الله وَيجعلهالاَ تعتمِد على المسرَّات بل تنمو إِلَى مُستوى أعمق الله فِى البِداية يُزِيد النِعمة حتَّى يُحِبّهُ الإِنسان وَلكِنْ بعد ذلِك يُقلِّلُها لِتهذِيب النَفْسَ وَلِبُنيانها ، مِثل الأُم التَّى ترعى الرضِيع فِى البِداية ثُمّ تجعلهُ يعتمِد على نَفْسِهِ دُون أنْ تُقّلِل مِنْ مشاعِر حُبّها لهُ 0
2/ النَفْسَ المُدلّلة أحياناً نقُول لله أنا فقط وَنطلُب مِنهُ ثمن كُلّ شيء مُقدّماً وَإِلاّ نشعُر أنّهُ تاركنا ، وَلِنفرض أنّهُ سمح لنا بِتجرُبة فإِنَّنا نغضب مِنهُ وَنُخاصِمهُ لِفترة ، هذِهِ نِفُوسنا المُدلّلة التَّى لاَ تقبل التأدِيب أوْ التوبِيخ أوْ التخلِّى ، نَفْسَ لاَ تقبل العطاء بل الأخذ فقط ، لاَ تقبل إِلاّ أنْ تأخُذ ثمن لِعلاقتها مَعَْ الله فيُعطِيها مرّة وَإِثنين وَثلاث مرّات وَ000وَإِذا إِستمر معها بِهذا المنهج يشعُر أنّهُ سيفسِدها بِذلِك فيتخلّى عنها فترات لِتهذِيبها ،لَوَ أب فِى أحد الأيَّام لَمْ يُعطِ إِبنه شيء إِعتاد أنْ يُعطِيه لهُ فهل يقُول لهُ الإِبن أنت لست أبِى ؟ إِذا قال ذلِك يكُون إِبن مُدلّل ، لكِنْ الأب هُوَ الأب سواء أعطى أم لَمْ يُعطى ،أحياناً نكُون كما قال إِشعياء النبِى [000وَعلى الرُّكبتينِ تُدلّلُونَ ] ( أش 66 : 12 ) 0
3/ نِفُوس مُرائية أكثر الفِئات التَّى يرفُضها الله هى النِفُوس التَّى لها صُورة التقوى وَتُمارِس الأسرار بِروح عالية أمام النَّاس فقط ، أمَّا فِى المخدع فهى فاتِره وَتُنكِر التقوى التَّى تُظهِرها أمام النَّاس ، الله يُعرِّف هذِهِ النَفْسَ أخطائها مرّة وَإِثنين وَثلاث000وَلمّا تذُوق هذِهِ النَفْسَ نعمة الله فإِنّها تستغلّها لِمجدِها الذاتِى وَتُتاجِر بِمجد الله وَهذا ما قال عنهُ مُعلّمِنا بولس الرسُول " سرِقة الهياكِل " وَتُنسِب الأعمال الصالِحة لِنَفْسَهَا وَتحيا فِى رِياء ، الله يتخلّى عَنْ هذِهِ النَفْسَ وَيُدخِلها فِى مذلّة الفقر الرُّوحِى لِتعُود وَتبدأ مِنْ جدِيد 0
ثانياً : أسالِيب تهذِيب مِنْ الله :-
4/ تهذِيب النِفُوس الطموحة نَفْسَ تبدأ مَعَْ الله بِطموح عالِى جِدّاً وَتُرِيد إِرتقاء قامات عالية بِسُرعة ، تسرُّع عالِى جِدّاً ، فنجِد مثلاً إِنسان يقرأ عَنْ الصُوم فيعرِف عَنْ قدِيس يصُوم أسبُوع فيصُوم هُوَ أيَّام لِيقلِّد القدِيس ، يُرِيد مُماثلة القامات العالية وَهُوَ مازال فِى بِدايِة الطرِيق كما كان فِى أيَّام القدِيس يحنِس القصِير الّذى وجد راهِب يأكُل خُبز جاف وَأراد أنْ يجعلهُ ليِّن فبلّلهُ بِالماء فقالُوا لهُ نحنُ لاَ نأكُل المرق فِى البرَّيَّة لمّا تسمع بعض النِفُوس هذا الكلام فإِنّها تُرِيد مُماثلِة ذلِك[أنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أنْ يَرْتَئِيَ بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ] ( رو 12 : 3 ) ، نِفُوس مُتسرِّعة تُرِيد أكثر مِنْ قامتها وَلاَ تعرِف أىّ وصيَّة توافِقها وَتفعل أكثر ممّا تحتمِل وَما لاَ يوافِقها وَتطلُب المزِيد مِنْ المعرِفة مِثل إِنسان يفحص ضوء الشَّمس فيقترِب مِنهُ وَهُوَ بِدُون إِمكانيات تحمِل الضوء فيُصاب بِالنَّور نَفْسَه ، هكذا البعض ليس عِندهُمْ بصِيرة رُوحيَّة أوْ الخِبرة التَّى تجعلهُمْ يحتمِلُون فيعِيشُون فِى رِياء فيُنزِلهُمْ الله لِيبدأوا حيثُ المُبتدِئِين وَهذا ما نحنُ نُواجِههُ فِى حياتنا وَنُرِيد ما لاَ يوافِقنا مِنْ التصنُّع وَالنِعمة فيسمح لنا بِفتُور ، وَبدل ما ننشغِل بِالصعُود ننشغِل بِالحُزن على حالنا وَعلى فتورنا وَنبدأ نتحسّس البِداية مِنْ جدِيد وَهذا يجعلنا نكتسِب مذلّة وَإِتضاع ، وَهذا أكثر ضمان لِلوصُول مِنْ التسرُّع ،لِذلِك أحياناً أب الإِعتراف لاَ يُعطِى قانون صعب حتَّى لاَ نشعُر أنّنا أبر مِمَنَ حولنا ،وَكما يقُول الآباء [ بِمقدار إِتضاعك بِمقدار ما ينعم الرّبّ عليك بِالصبر فِى أحزانك ] 0
5/ فهم العِلاقة بِالله أحياناً فِى بِدايِة عِلاقِتنا بِالله نحيا معهُ فِى نشاط وَنمتلِىء تعزيَّات وَنختبِر سلام الله الّذى يفُوق كُلّ عقل وَنختبِر ثمره ، وَسِكُون الحواس وَنختبِر أعمال الفضِيلة وَالمحبَّة التَّى كُنَّا نسمع عنها، وَبعد فِترة يدخُل عدو الخير وَيجعل شعُورنا بِالجِهاد ذاتِى وَأنّنا أصحاب الفضل فِى ذلِك ، عِندئِذٍ يسحب الله مِنّا كُلّ إِمكانيات النِعمة ، فينزع الفرح بِالصلاة وَالنِعمة حتَّى نُدرِك عمل الله معنا وَنقُول [ لاَ بِأعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا000] ( تى 3 : 5 ) ، وَنشعُر أنّ أُبوّة الله العالية جِدّاً هى السبب ، وَأنّنا لاَ نُساوِى التُراب ، لكِنْ كُلّ هذا مِنْ الله ، وَهُنا يقُول لنا الله أنا قاصِد أنْ أُعلّمك ذلِك هذِهِ النِفُوس عِندما تجلِب المجد لِذاتها وَيسحب مِنها الله النِعمة تتمرّد وَتفقِد الثِقة وَمحبّتِها لله وَتشعُر أنَّها فقدت مركزها عِند الله ، هذِهِ النِفُوس لاَ تفهم أُبوّة الله وَالعِلاقة معهُ ، وَلابُد أنْ تشعُر وَتفهم أنّهُ ليس بِجِهادك بل بِنعمتِهِ [000أنتُمْ أيْضاً مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا إِنَّنا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ000] ( لو 17 : 10 )0
6/ تقوية الإِيمان نَفْسَ تخلّت عنها النِعمة وَهى ليست نَفْسَ عاطِفيَّة أوْ مُرائيَّة وَ لاَ مُدلّلة وَتفهم الله جيِّداً ، إِذاً لِماذا يسحب الله نعمتهُ مِنها ؟ لأِنّهُ يختبِر إِيمانها هل ستثبُت أم لاَ ؟ هل تقبل أنْ تعمل فِى كرمه مجاناً أم لاَ ؟ وَبعدما تشعُر النَفْسَ بِأُبوّة الله وَنعمتهُ تشعُر أنّها كَمْ مُهمله مِنْ الله وَكما قال القدِيس أُوغسطِينُوس أنّهُ فِى بِدايِة حياته مَعَْ الله كان يشعُر أنّهُ فِى الخلِيقة وحده مَعَْ الله ، وَلَمْ تستمِر الحياة هكذا معهُ وَلَمْ يترُك الطرِيق ، النِعمة تتخلّى لِلحظة أوْ فترات أوْ شهُور ، وَهُنا يظهر إِختبار إِيمانُنا هل سنثبُت أم نترُك الطرِيق أم نتذّمر 000؟ لَوَ أتت على حِيرة أوْ جفاف وَكما يقُول مُوسى النبِى [ 000أَمِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لَكُمْ مَاءً ] ( عدد 20 : 10 ) ، وَتأتِى عليك فترات إِكتِئاب ، إِذا ثبتَ على إِيمانك فإِنتظِر عطيَّة عظِيمة هذِهِ النَفْسَ تدخُل فِى ترقية لأِنّ ذلِك قمّة الإِختبارات المُطّهِرة لِلنَفْسَ ، وَكما يقُول فِى سِفر أرميا [ جَيِّدٌ أنْ ينتظِرَ الإِنسانُ وَيَتَوَقَّعَ بِسُكُوتٍ خَلاَصَ الرّبِّ ] ( مرا 3 : 26 ) ، [000 مِنْ محرس الصُبح إِلَى الليل 000 ] ( مزمور 129 مِنْ مزامِير صلاة النوم ) ،كثيرُون لاَ يحتمِلُون الإِنتظار ، وَعِندما يتأخر العرِيس يشعرُون بِملل وَيذهبُون ،فِى حِين أنّهُ يأتِى بغتةً ، فلنُصلِّى كى ينعم علينا الله بِالنِعمة مِثل المطر فتأتِى وقت ما يشاء الله وَليس بِحسب إِرادِتنا ، مِنْ حقّه أنْ يُعطِى وَمِنْ حقّه أنْ لاَ يُعطِى 0
علاج هذا الأمر :-
العِلاج هُوَ أنْ نقبل مِنْ الله كُلّ شيء وَنقُول لهُ[ مُبارك هُوَ الرّبّ الّذى قبلنِى وَلَوَ كأجِير عِندهُ ] ، ما أجمل أنْ نقِف أمامه بِدُون أُجره وَنقبل صِدق مواعِيده ، لأِنّ مواعِيده هى التَّى تضمن لنا الطرِيق ، وَلِنعلم أنّ كُلّ الطرِيق أحزان يُقال عَنْ السيِّد المسِيح نَفْسَه أنّهُ رجُل مُختبِر حُزن وَوجع ( أش 53 : 3 ) ،فلنقبل نحنُ كُلّ حرمان وَتأدِيب تحت إِقتناع كامِل أنّنا نستحِق هذا التأدِيب وَنقُول لهُ[ ليس لِى أنْ أنال كرامة البشر مادُمت مُصِرّ على أعمال البهائِم ] ، وَكما يقُول القدِيس مارِأفرآم[ المجدُ لَكَ يا مَنَ تحتملنِى ] ، أُشكُره أنّهُ سمح لَكَ أنْ تقِف أمامه صعب على السيِّد المسِيح أنّهُ يشعُر أنّنا نقِف أمامه لِنأخُذ فقط وَنعِيش معهُ بِنزعة إِستهلاكيَّة ، لِذلِك عِلاج الفُتور الثبات وَالشُكر أنّهُ مُتأنِّى علينا حتَّى الآن يُقال عَنْ القدِيس سيرافِيم ساروفيسكِى أنّ النِعمة فارقتهُ وَشعر بِتذمُّر أنّهُ مترُوك ،فترك مغارتهُ وَعاش على قمّة جبل ألف يوم حتَّى عادت لهُ النِعمة مرّة أُخرى ،أىّ بعد حوالِى ثلاث سنوات ، ماذا كان يفعل كُلّ هذِهِ المُدّة وَكأنّهُ كان يعمل مجاناً بِدُون مُقابِل؟؟!! لكِنّهُ كان يُوّفِر أُجرتهُ عِند صاحِب العمل النِفُوس التَّى تقبل أنْ تعمل مجاناً تُثبِت لله أنّها معهُ فيُعطِيها نِعم أعظم ،وَكما يقُول القدِيس يُوحنا الدرجِى لِتلامِيذهُ عِندما قالُوا لهُ أنّهُمْ أحياناً يشعرُون أنّهُمْ غير مقبُولُون أمام الله فِى الصلاة [ إفتح لنا ياسيِّد ذلِك الباب الّذى أغلقناهُ على أنفُسِنا بِإِرادتنا ، إِنْ فتح فَمِنْ جزِيل رحمتهُ وَإِنْ لَمْ يفتح فمُبارك الّذى أغلق بِعدلٍ ، إِنْ فتح فهذا حقّ وَإِنْ لَمْ يفتح فهذا حقّ ] ، وَكأنّك بِالفِعل لاَ تستحِق المثُول أمامه النَفْسَ التَّى تقبل وَتعِى خِطّة خلاص الله لها تعلم أنّ الله يعمل ما هُوَ خير لها ،إِثبت على ما تعلّمت وَلاَ تنتظِر مِنهُ كُلّ يوم ثمن لِجِهادك ، بل قِف وَأستمِر فِى الوقُوف وَقُل لهُ إِقبلنِى كأحَدِ أجْرَاكَ لأِنِّى أنا الّذى أضعت حياة البنِين بيدِى وَبِتعدىَّ فضل الله علينا عظِيم وَعطاءه سخِى لكِنْ أُطلبه وَكأنّهُ إِذا لَمْ يُعطِيك فَهُوَ لَمْ يُخطِىء ، وَكما قال أيوب [ 000تَسْتَذْنِبُنِي لِكي تَتَبَرَّرَ أنْتَ ] ( أى 40 : 8 ) ، فِى البِداية لكِنْ فِى نِهايِة التجرُبة قال لهُ [ بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سمَِِعْتُ عنكَ وَالآنَ رأتك عينِي ] ( أى 42 : 5 )النِفُوس التَّى تجتاز هذِهِ المرحلة تترقّى [ إِنْ قبلت هذِهِ الآلام إِعلم أنّ نَفْسَكَ قبلت درجة رُوحيَّة عالية قبولاً خفياً إِذْ يكُون لَكَ ذلِك علامة أنّ النِعمة إِزدادت لَكَ ] [ بِمقدار المِحن تكُون النِعمة ] عِندما يرتقِى الإِنسان مِنْ درجة إِلَى درجة فِى العمل فإِنّهُ فِى الخفاء يأخُذ كُلّ يوم خطوة فِى هذِهِ الترقية ، لِذلِك هُوَ يتقدّم بِطرِيقة غير ملحُوظة ، هكذا نحنُ لَوَ ثبتنا سننال نِعمة إِذا صمدت هذِهِ الفِترة ستنال ترقية ، لِذلِك لابُد أنْ تعِى خِطّة الله لِخلاصنا وَخيرنا وَنعلم بِأىّ طرِيقة يعمل معنا الله ، الله يُرِيد أنْ يفِيض علينا بِالنِعم لكِنْ نِفُوسنا لاَ تحتمِل معقُول إِنسان غنِى يأتِى بِطعام بِكميَّة كبيرة جِدّاً وَيقُول لأِبنِهِ كُله الآن !! لاَ00الغنِى يُعطِى بِقدر لِيحفظ إِبنه ، الله يُعطِينا بِقدر لِيحفظنا مِنْ أنفُسنا إِحذر أنْ تكُون مِنْ النوع الّذى تصعب عليه نَفْسَه لَوَ لَمْ يتعزّى ، أحياناً تكُون علامات الكبرياء أنْ لاَ تحتمِل النَفْسَ سِقوطها ، لابُد أنْ تعرِف أنَّك تحت الضعف حتَّى ترحم إِخوتك وَلاَ تحتقِر أحد ، إِثبت وَإِحفظ تواضُعك وَأقبل أنْ تعمل معهُ وَلَوَ مجاناً وَأشكُره أنّهُ سمح لَكَ أنّك تكُون إِبنه ، وَلتكُن طِلبتك دائِماً أنْ يقبلك فِى ملكُوته الله يُعطِينا أنْ يكُون الفُتور فِى حياتنا بِسماح مِنهُ وَليس مِنّا ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فِينا بِنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمِين