درجات فى الحياة الروحية

Large image

نقرأ في سفر حزقيال النبي الإصحاح " 47 " .. { ثم أرجعني إلى مدخل البيت وإذا بمياه تخرج من تحت عتبة البيت نحو المشرق لأن وجه البيت نحو المشرق .. والمياه نازلة من تحت جانب البيت الأيمن عن جنوب المذبح .. ثم أخرجني من طريق باب الشمال ودار بي في الطريق من خارجٍ إلى الباب الخارجي من الطريق الذي يتجه نحو المشرق وإذا بمياهٍ جاريةٍ من الجانب الأيمن .. وعند خروج الرجل نحو المشرق والخيط بيده قاس ألف ذراعٍ وعبَّرني في المياه والمياه إلى الكعبين .. ثم قاس ألفاً وعبَّرني في المياه والمياه إلى الركبتين .. ثم قاس ألفاً وعبَّرني والمياه إلى الحقوين .. ثم قاس ألفاً وإذا بنهرٍ لم أستطع عبوره لأن المياه طمت مياه سباحةٍ نهرٍ لا يُعبر } ( حز 47 : 1 – 5 ) في الحقيقة الكثير جداً يجاهد ولكن على أقل مستوى – مستوى الكعبين – .. الحياة الروحية بها مراحل من مجد إلى مجد .. بها تقدُّم .. متى أصل إلى مراحل أجمل في حياتي ؟ متى آخذ طعام البالغين ؟ لذلك يقول معلمنا بولس الرسول { إني سقيتكم لبناً لا طعاماً } ( 1كو 3 : 2 ) .. متى يعطيهم طعام البالغين ؟ مشكلة كبيرة إن ظن الإنسان أن الحياة مع الله مرحلة صغيرة فقط .. مشكلة أن نأخذ الأمور الروحية باستخفاف .. والموضوع يتلخص في كعبين .. ثم ركبتين .. ثم حقوين .. ثم فيض نهر لا يُعبر .. فما هي هذه المراحل ؟

المرحلة الأولى ← التغصب :-
أي أغصب نفسي على قانون روحي أسير عليه باستمرار .. فهل التغصب غير مقبول عند الله ؟ يجب أن تعرف أنه ينبغي أن تبدأ من الكعبين .. مثل الطفل الذي يغصبه أبواه على استذكار دروسه حتى لو كان هو غير محب للمذاكرة .. إذن هذا الفكر مقبول عند الله .. تعلَّم كيف تروض جسدك .. وتُعوِّد ذاتك .. وتُدرب نفسك على الوقوف وقفة مستقيمة .. وجسدك هذا يُروض .. كل هذا يأتي بالتغصب قيل عن رؤية شاهدتها راهبة في أحد الأديرة .. وهم في صلاة التسبحة .. جاءت الست العدرا ووزعت مصابيح على الراهبات .. وجدت الراهبة أن هناك مصابيح مُضيئة وأخرى غير مُضيئة .. فجرت الراهبة وراء الست العدرا وسألتها لمن المصابيح المُضيئة ؟ فقالت " للراهبات المُصليات باشتياق وحب " .. وأعطيت المصابيح الغير مُضيئة للراهبات اللواتي أتين بالغصب .. فسألت الراهبة الست العدرا وقالت ومن لم يأتوا ؟ فقالت لها الست العدرا " ليس لهم مصابيح " على الأقل قف حتى تأخذ مصباح غير منير .. ربما في يومٍ ما يُنار .. المهم أن يكون عندك المصباح .. التغصب معناها أن تقتني أقل درجة .. أحد القديسات وهي الأم سارة تقول { إن فعلت الفضيلة من أجل إرضاء نفسك أو من أجل إرضاء الناس سيأتي يوماً ما ستفعلها من أجل إرضاء الله }إستيقظ مبكراً لحضور قداس ( تغصُّب ) .. وأن يكون لديك وقفتين صلاة في اليوم ( تغصُّب ) .. أحد القديسين يقول { إن أردت أن تصلي عندما يسمح لك جسدك بالصلاة فإن عمرك كله لم يأتي فيه يوم لتصلي } إن بدأت أصلي وأتناول وأعترف وأقرأ في الكتاب المقدس وكل هذا بالتغصب تكون مثل الوعاء المُتسخ ولكن مرِيت عليه بالمياه .. ولكنه مازال هناك بعض الأشياء المُتسخة فندخل للمرحلة الجديدة .
المرحلة الثانية ← التدقيق :-
أي التساؤل كيف لم أستطِع قول الحقيقة دائماً ( كِذب ) ؟ كيف كنت غير قادر على الوقوف في الصلاة ؟ كيف أعاشر هؤلاء الأشرار ؟ كيف وكيف ؟؟ أبدأ في التدقيق .. الأمور التي كنت لا أراها خطايا بدأت أعرف إنها خطايا .. بدأت في الحزم .. وبدأت بالتدقيق .. لا كجهلاء بل كحكماء( أف 5 : 15) أكثر الأشياء التي تُفسد الحياة الروحية عدم التدقيق .. عندما تدخل في حضن الله والنعمة تكتشف لك تبدأ في التدقيق .. هنا تبدأ بجرد لكل الأفكار ( إدانة .. أفكار شريرة ) .. ضوء نعمة الله بدأت تتسلط على البقاع السوداء في حياتنا وتُطرح أمام الله المرحلتين السابقتين هما مرحلة الكعب .. تلامست مع نعمة الله .. جاء الماء على الكعبين وشعرت بالنعمة .. إجتاز بنعمة ربنا هذه المرحلة لأنها مهمة جداً .. فالعدو يضرب في هذه المرحلة جداً لأن فيها ستتقدم وتتشبع وتذوق ثم تطلب أكثر وأكثر .. كلنا مدعوين لمذاقة الحياة الروحية .. فنحن لا نرى الأبدية من بعيد مثل العهد القديم ولكن سندخلها .
المرحلة الثالثة ← التبكيت :-
هنا يبدأ عمل الروح القدس ويبدأ في تبكيتك ويقول لك .. أنت هيكل الله .. كلامك بطال .. كيف تصلي بفتور ؟ روح الله يُحرك ويقتدر وقوي وفعَّال .. تنكشف الخطايا .. فإن أكثر الأشياء التي يريد عدو الخير أن يُلهينا عنها أننا خطاة .. عندما تشعر أنك خاطئ تأكد أن هناك نعمة كبيرة دخلِت إليك .. إكتشف أمراض نفسك الحقيقية عندما تبكت نفسك على الخطية .. من لا يعرف خطاياه وأنه خاطئ ( يحب المال .. ليس له محبة .. مثل العشار ) فهو حتى الآن لم تلمِس المياه كعبيه التبكيت أن روح الله يعطيك علامات .. أي شر ستفعله ترك في حياتنا علامة .. الروح يترك فيها الشر بصمات .. كلٍ منا يحتاج أن يُوبخ ويُبكت على كثرة خطاياه وشروره .. عندما أعرف خطاياي تنكسر نفسي جداً وأرى من قلب صادق إني غير مستحق .. وأقولها من قلبي ومن أعماق مشاعري " الخطاة الذين أولهم أنا " ( 1تي 1 : 15) .
المرحلة الرابعة ← التواضع :-
عندما أُبكت وأُوبخ بعدها أعرف الإتضاع .. أعرف ضعفي .. وأعرف إني أهنت الله وتجاسرت عليه .. وكسرت الوصايا والمكتوب .. وأستحق كل عقوبة لولا مراحم الله .. من هنا أتضع جداً وأقول له" أين أظهر أنا الخاطئ " .. كل الكلام الذي يخرج من قلب متضع .. من غير قلب متضع لا مذاق لمعاني الكنيسة ولا حياة روحية لذلك تعلمنا الكنيسة كثرة السجود والخشوع والتوسل .. فإن كان قلبك منكسر تعرف الباب لمراحم الله لأن القلب المنكسر والمتواضع لا يُرذلهُ الله .. ويقول المزمور " إن الرب لم يُسر بساقي الرجل بل يُسر بخائفيه وراجين رحمته " ( مز 147 : 10) عندما تتضع النفس تُكثر من السجود أمام الله .. وعرفت قيمة خطاياها وبدأ المسيح يتعظم في حياتي لأنه فداني .. أشعر بآلام بصليبه لأني أنا أستحقها .. فأنا المجرم الخاطي وليس هو .. الكل خطاة ولكن من منا يشعر بخطاياه ؟! هو المبارك والمُذكى أمام الله .. القديس مار إسحق يقول { أن الذي يعرف خِزيه يعرف كيف يطلب النعمة .. من يقول " إرحمني " من قلب يصرخ يستحق معونة الله } لا أستطيع أن أصرخ إليه إلا إذا كنت أشعر إني في شدة .. والشدة هي أن العدو ارتفع عليَّ وأذلَّ في الأرض حياتي وأجلسني في الظلمات مثل الموتى .. صارت نفسي له مثل أرض بلا ماء( مز 143 : 3 – 6 ) .. مخلوق إلهي للخلود ولكني أرى نفسي للتراب .. الشهوة مسيطرة ومتحكمة في تصرفاتي .. وحب العالم مسيطر .. فإن حالتي الروحية تحتاج عناية مُركزة .. وهذا يحدث عندما أدرك مدى مرضي وطلبت الشفاء من يعترف وهو متضع تجد توبته أكيدة .. هناك سؤال يُطرح " ما الذي يجعلني أعترف وأخرج مُبرر .. أو يجعلني أعترف وأخرج مُدان " ؟ الإعتراف يتوقف على ثلاث أشياء هامين جداً :-
1) درجة إيمانك بغفران الخطية .. أي درجة إيمانك بفاعلية السر .. درجة إيمانك بسلطان الكهنوت في الحِل الذي حصل عليه من قِبَل روح الله .
2) درجة صدق توبتك .. تقول من فم الخطية ولا من مشاعرك وقلبك ووجدانك .. بتوبة أو بذِكر .. أين مشاعر التوبة ؟
3) مقدار محبتك لربنا .. لأن الذي يحب كثير يُغفر له كثير والذي يحب قليل يُغفر له قليل( لو 7 : 47 ) .. إني أهنته وأتيت لأعتذر له في كنيسته ( أي جسده .. بيته ) .. وعندما تخرج تشعر أنك أكثر من طائر .. الآباء القديسين يقولون أن الإعتراف هو مُعترف .. والتواضع يجعلك تدخل في مرحلة جديدة وجميلة .
المرحلة الخامسة ← التوبة :-
توبة بمعنى كلمة توبة .. أي طول حياتك على الأرض لا تنسى لحظة فكرِة التوبة .. أي التوبة على الخطايا السابقة وطلب الغفران حتى ونحن نعلم أن الله يسامح مثل ما رأيناه في داود النبي .. وموسى الأسود .. والقديس أغسطينوس .. لم يتُب لفترة وانتهى بل تاب طول أيامه على الأرض .. إن البركات تحصل عليها من خلال توبتك .. فالتوبة دينامو البركات وعطايا الله فتمسَّك بها .. فتجد أن الخطيئة التي اعترفت بها تُقدم عنها صرخات ودموع ومطانيات فتتضع أكثر وتوبتك تزداد صِدقاً إن مرحلة التغصُّب والتدقيق هما مرحلة الكعبين .. ومرحلة التبكيت هي مرحلة الركبتين .. أما التواضع والتوبة هما مرحلة الحقوين .. والآن ندخل في المرحلة الأخيرة مرحلة النهر وهي التمتع والتلذذ .
المرحلة السادسة ← التمتع والتلذذ :-
وهذه المرحلة ليس لها نهاية .. تشعر بلذة لا تُعادلها لذة في الأمور الروحية .. الإنجيل يجعلك تقول كيف غفلت عن هذا الكلام .. وكيف قضيت عمرك في أسفار لم تقرأ ؟ أريد أن أدرس وأقرأ وأفهم وأصلي حتى أفهم .. نحن الآن في بركات لأن الإنجيل قديماً كان مكتوب بخط اليد ويُباع للأثرياء ويُوضع في الكنائس حتى يتناولونه المؤمنون وتُوضع نسخة في الدير .. وكل راهب يحصل عليه بضعة ساعات فقط في اليوم .. والآن مع وجود الطباعة التي ظهرت من حوالي 120 سنة فكيف عاش الإنجيل قبلها ؟ والآباء القديسين كيف كان الوضع بالنسبة لهم ؟ تدخل في مرحلة لذة الوقوف أمام الله .. وعدم قياس الزمن .. وعدم الشعور بثِقل الجسد .. وينتهي القداس كأنه لحظة .. تنكشف لك آيات ومعاني ورموز وبدأت تقرأ وتدرس .. قيل عن أبونا بيشوي كامل أنه كان يقرأ في الإنجيل بالساعات لدرجة أنه كان ينسى كل الأشياء الأخرى .. وملأ الإنجيل بالكتابة مما جعله يذهب إلى إحدى المطابع وطلب منهم وضع ورقة فارغة بين كل ورقة من أوراق الإنجيل حتى يتسنى له كتابِة تأملاته إنك لم تستمر في مرحلة التغصب ولكنك تنتقل إلى مرحلة التمتع فيما بعد .. ستجد عطايا في إنتظارك .. المشكلة أن عدو الخير يُشعرنا أن العلاقة مع الله شئ ثقيل فيقول لك أنه مستحيل .. عندما تدخل إلى الداخل تجد هناك تمتع .. عطش .. إشتياق .. مراحل جديدة .. نهر لا يُعبر .. هنا يقول لنا معلمنا بولس الرسول { أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام } ( في 3 : 13) القديس لا يعرف كلمة " كفاية " ويرى أنه إلى الآن لم يبدأ .. فإن النهر بالنسبة له لم يُعبر .. كما ترى شئ على مرمى بصرك وعندما تتقدم إليه تجد الحياة الروحية كما هي .. غمر يُنادي غمر ( مز 42 : 7 ) .. نعمة تُنادي نعمة .. بركة تُنادي بركة إقرأ إصحاح في الكتاب المقدس وبعد شهر إقرأه مرة أخرى تجد به طعم جديد .. إحضر قداس تجد به طعم جديد عن قداس أمس .. به تمتع وعطايا وبركات وغِنى ينتظر أولاد الله .. حتى لو لم تكن في الدرجة الأولى .. عليك فقط أن تبدأ .. عليك أيضاً أن تعرف أن الذي في مرحلة التمتع يحتاج إلى التغصب والتدقيق والتبكيت والإتضاع والتوبة ولكن بِنِسَب .. وبما أن الله حنون ويعرف أنه صعب علينا مرحلة النهر الذي لا يُعبر .. ممكن يعطيك إياها قريباً حتى تشتاق .. عيِّنة ويعطيك إشتياقات الله يعطينا وينقلنا من مجد إلى مجد .. الله يكشف لنا أن الطريق مُفرح وجميل حتى لو كان به أتعاب ولكن الأتعاب بها تعزيات تفوق جداً الله يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته وبركته ولإلهنا المجد دائماً أبدياً آمين

عدد الزيارات 3025

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل