الصمت المقدس

{ وَأمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا } ( لو 2 : 19) كَلِمَات العَذْرَاء مَرْيَم كَانِت قَلِيلَة وَلكِنْ كَانِت أفْكَار قَلْبَهَا كَثِيرَة وَعَاليَة .. الصَمْت أنوَاع كَثِيرَة مِنْهَا الصَمْت المُقَدَّس .. قَدْ يَكُون إِنْسَان صَامِت لكِنْ دَاخِلُه بُغْضَة أوْ أفْكَار شِرِّيرَة أوْ العَذْرَاء كَانَ صَمْتَهَا مُقَدَّس تَصْمُت وَتَحْفَظ الأُمُور فِي قَلْبِهَا لَوْ حَسَبنَا كَلِمَات العَذْرَاء طَوَال حَيَاتهَا مُنْذُ وَقْت البِشَارَة وَحَتَّى صُعُود جَسَدَهَا سَنَجِدهَا قَلِيلَة جِدّاً وَمَعْدُودَة وَعِنْدَمَا كَانِت تُرِيد أنْ تُعَبِّر عَنْ أمر كَبِير تُعَبِّر عَنْهُ بِكَلِمَات قَلِيلَة .. { لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ }( يو 2 : 3 ) فِي عُرْس قَانَا الجَلِيل .. وَعِنْدَمَا ظَلَّ فِي الهِيكَل يُنَاقِش الشُّيُوخ وَتَغَيَّب عَنْ العَذْرَاء وَيُوسِف النَّجَار وَكَانَا يَبْحَثَان عَنْهُ قَالَت لَهُ { هُوَذَا أبُوكَ وَأنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ } ( لو 2 : 48 ) .. رُبَّمَا حَضَرِت مَوَاقِف كَثِيرَة فِي حَيَاة يَسُوع لكِنَّهَا لَمْ تَتَكَلَّم .. حَتَّى بَعْد صُعُود الْمَسِيح لَمْ تَتَزَعَمْ الأُمُور بَلْ يَذْكُر الكِتَاب أنَّهَا كَانِت مَصْدَر بَرَكَة لِلتَلاَمِيذ لكِنْ لَمْ يُذْكَر لَهَا كَلِمَات قَالِتهَا
خطورة الكلام :-
كُلُّنَا نَعْلَم أنَّهُ يُمْكِن لِكَلِمَات قَلِيلَة أنْ تُسَبِّب كَارِثَة أوْ تِقَلِّب أوْجَاع كَثِيرَة .. الكِتَاب يَقُول{ لأِنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ } ( مت 12 : 37 ) .. وَيَقُول عَنْ اللِسَان أنَّهُ عُضْو صَغِير جِدّاً ( يع 3 : 5 ) لكِنَّهُ يُحِرِّك الجَسَد كُلَّه كَالدَّفَّة الصَغِيرَة الَّتِي تُدِير السَفِينَة ( يع 3 : 4 ) .. أحْيَاناً إِنْسَان يَصْنَع سَلاَم بِكَلِمَة وَأحْيَاناً إِنْسَان يَصْنَع حَرْب بِكَلِمَة لِذلِك يَقُول الكِتَاب { لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحاً لِلْبُنْيَانِ } ( أف 4 : 29 ) يَحْكِي بُسْتَان الرُّهبَان عَنْ جَمَاعَة مِنْ الرُّهبَان كَانُوا مُسَافِرِين فِي سَفِينَة وَكَانَ مَعَهُمْ فِي نَفْس السَفِينَة يَجْلِس شِيخ صَامِت أمَّا هُمْ فَكَانُوا يَتَحَدَّثُون فِي كُلَّ الأُمُور وَلَمَّا وَصَلُوا الدِير الَّذِي أرَادُوا زِيَارته إِكْتَشَفُوا أنَّ هذَا الشِيخ هُوَ رَئِيس الدِير وَسَألوه كَلِمَة مَنْفَعَة فَقَالَ لَهُمْ{ أنْتُمْ مِثْل بُيُوت بِلاَ أبوَاب .. سَفِينَة بِلاَ رُبَّان .. فَرَس بِلاَ لِجَام } أي فُرْصَة لِلحَدِيث أنْتُمْ لَمْ تَترُكُوهَا بَلْ تَحَدَّثتُمْ فِي كُلَّ شِئ .. أنْتُمْ كَثِيرِي الكَلاَم وَقَدْ سَمِعْت مِنْكُمْ أحَادِيث عَجِيبَة قَدْ يَتَكَلَّم إِنْسَان بِلاَ أي مُرَاجعَة .. لاَ .. كُلَّ كَلِمَة بَطَّالَة سَنَأخُذ عَنْهَا حِسَاب( مت 12 : 36 ) .. كَثرِة الكَلاَم تَجْلِب أخْطَاء حَتَّى أنَّ الآبَاء يَقُولُون قَاعِدَة صَعْبَة وَهيَ { أسهَل عَلِيك أنْ تَصْمُت مِنْ أنْ تَتَكَلَّم وَلاَ تُخْطِئ } .. مَادُمت كَثِير الكَلاَم فَأنْتَ سَتُخْطِئ لاَ مَحَال فَالأفضَل أنْ تَصْمُت وَالقِدِيس أرْسَانيُوس يَقُول { كَثِيراً مَا تَكَلَّمت فَنَدِمت أمَّا عَنْ الصَمت فَلَمْ أندَم قَط } .. الكَلاَم يَحْتَاج مُرَاجعَة وَضَبْط .. قُلْ { ضَع يَارْبَّ حَافِظاً لِفَمِي ،وَبَاباً حَصِيناً لِشَفَتَيَّ } ( مز 140 مِنْ مَزَامِير النُّوم ) .. فَكَّر فِي كَلاَمَك قَبْل أنْ تَقُوله يَقُول الآبَاء أنَّ أي طَعَام تَأكُله تَمْضُغه أوَّلاً قَبْل أنْ يَصِل إِلَى المِعدَة كَذلِك كَلاَمَك أُمْضُغه فِي عَقْلك أوَّلاً قَبْل أنْ يَخْرُج مِنْ فَمِكَ .. إِجعَل عَقْلك غُرْفِة تَحَكُّم لِتَتَحَكَّم فِي كَلاَمَك قَبْل أنْ تَنْطِق بِهِ حَتَّى لاَ تَنْطِق بِكَلِمَة هَدَّامه .. السَيِّدَة العَذْرَاء كَانِت صَامِتَة رَغم أنَّهَا كَانِت تَعْرِف الكَثِير وَهيَ قَادِرَة أنْ تَجْعَل نَفْسَهَا مِحور حَدِيث وَتَعْرِف كَيْفَ تَتَكَلَّم وَتَقُود حِوَار لكِنَّهَا رَغم ذلِك فَضَّلِت الصَمْت إِعْرَف أنَّهُ بِكَلِمَة وَاحِدة تَبْنِي مَجْمُوعَة وَبِكَلِمَة تَهدِم .. فِي أيَّام جَدْعُون فِي عَصْر القُضَاة قَامِت حَرْب وَدَخَلِت الأسْبَاط كُلَّهَا الحَرْب لأِنَّهَا كَانِت تَسْتَدْعِي بَعْضَهَا فِي الحُرُوب .. لكِنْ لَمْ يَسْتَدْعُوا سِبط أفْرَايِم مَعَهُمْ هذِهِ المَرَّة فَغَضَبَ سِبط أفْرَايِم مِنْ جَدْعُون وَعَاتَبُوه لأِنَّهُ إِعْتَبَرهُمْ ضُعَفَاء وَغِير مَوجُودِين .. جَدْعُون حَل الأمر بِكَلِمَات جَمِيلَة قَالَ لَهُمْ { ألَيْسَ خُصَاصَةُ أَفْرَايِمَ خَيْراً مِنْ قَِطَافِ أَبِيعَزَرَ }( قض 8 : 2 ) .. " خُصَاصَة " هِيَّ " بَوَاقِي العِنَب " بَيْنَمَا " القِطَاف " هُوَ " العِنَب النَاضِج " أي أنْتُمْ أفضَل مِنْ أَبِيعَزَرَنَحْنُ تَركنَاكُمْ لأمرٍ أفضَل .. كَلِمَات قَلِيلَة جَعَلَتهُمْ يَمْتَلِئُونَ سَلاَم قَدْ تَقُول كَلِمَة لإِنْسَان تُدَمِره .. قَدْ يَخْسَر إِنْسَان أخَاه بِكَلِمَة وَقَدْ يَكْسَب إِنْسَان عَدُوه كَصَدِيق بِكَلِمَة أيْضاً .
الصمت المقدس:-
كَيْفَ نَصْمُت صَمْت مُقَدَّس ؟ لاَبُد أنْ تَعْرِف أنَّهُ صَمْت ضَبْط وَحُب وَشَفَقَة وَحِكمَة العَذْرَاء لَمْ تَكُنْ صَامِتَة وَفِكرَهَا شَارِد بَلْ كَانَتْ صَامِتَة لأِنَّهَا مَشْغُولَة وَنَفْسَهَا مَرْفُوعَة .. قَدْ نَرَى إِثنَان صَامِتَان أحَدُهُمَا صَمْته مُقَدَّس وَالآخَر صَمْته غِير مُقَدَّس .. إِقتَنِي الصَمْت مِنْ العَذْرَاء وَأثنَاء صَمْتَك كَلِّم الله وَكَمَا يَقُول أحد الآبَاء { سَأقِف أمَامك صَامِتاً وَلكِنْ صَمْتِي يُحَدِّثك } .. أحْيَاناً تَعْجَز الكَلِمَات عَنْ التَعْبِير لِذلِك يَتَحَدَّث الصَمْت .. العَذْرَاء كَانَ صَمْتَهَا يَتَحَدَّث وَيُسَّبِح تَعَلَّم فَضِيلَة الصَمْت .. إِعْرَف خُطُورِة الكَلاَم وَسَتَصْمُت .. يَقُول الآبَاء { أنَّ السُّكُوت يُسَّكِن خَطَايَا عَظِيمَة } .. الإِنْسَان الكَثِير الكَلاَم تَعْرِف أنَّهُ فَارِغ دَاخِلِياً مِنْ الله المُمْتَلِئ مِنْ الله كَلِمَاته قَلِيلَة وَيُعَبِّر بِأقل الكَلِمَات .. صَمْت مَشْغُول بِأمر أهم .. العَذْرَاء أيَّامهَا مُقَدَّسَة لاَ تَترُكهَا تَمُر دُونَ أنْ تَتَعَلَّم فَضِيلَة .. لاَ تَجْعَله صُوم رُوتِينِي بَلْ تَعَلَّم مِنْهَا فَضِيلَة .. تَكَلَّم مَعَ العَذْرَاء وَتَشَّفَع بِهَا وَأطْلُب مِنْهَا أنْ تُعَلِّمك كَيْفَ تَصْمُت وَتَحْفَظ جَمِيع الأُمُور فِي قَلْبك مَا هِيَ جَمِيع الأُمُور الَّتِي إِحْتَفَظِت بِهَا العَذْرَاء فِي قَلْبِهَا ؟ " جَمِيع الأُمُور " كَلِمَة كَبِيرَة هِيَ تَدَابِير الخَلاَص وَمُعْجِزَات رَبَّ المَجد وَ كُلَّ هذَا يَعْمَل دَاخِلَك لِذلِك كَانَ عَقْلَهَا مُمْتَلِئ .. إِمْلأ عَقْلَك بِالله فَتَصْمُت وَتُصْبِح رَزِين .. صَمْت مُقَدَّس لَيْسَ صَمْت فَقَط لِمُجَرَّد الصَمْت بَلْ صَمْت بِقَلْب مَرْفُوع وَنَفْس مَشْغُولَة وَأفْكَار مُقَدَّسَة تَجُول دَاخِل قَلْبك لِذلِك جَيِّد أنْ يَتَمَسَّك الإِنْسَان بِفَضِيلَة الصَمْت المُقَدَّس .. { يَجْلِسُ وَحْدَهُ وَيَسْكُتُ } ( مرا 3 : 28 ) أحْيَاناً لاَ نَصْمُت فِي عِلاَقِتنَا مَعَ الله وَبِالتَالِي لاَ نَتْرُك لَهُ فُرْصَة لِيُحَدِّثنَا وَنَسْمَع صَوتَهُ كَي تَسْمَع لاَبُد أنْ تَصْمُت حَتَّى أنَّ الآبَاء يُعَلِّمُونَا أنَّهُ حَتَّى أثنَاء الصَّلاَة لاَبُد مِنْ فَتَرَات صَمْت كَي نَسْمَع صُوت الله .. أُترُك لَهُ فُرْصَة لِيُحَدِّثك .. لأِنَّهُ لَوْ تَحَدَّث إِنْسَان مَعَ آخَر دُونَ أنْ يَتْرُك لَهُ فُرْصَة لِلرَد فَإِنَّ الآخَر يُسْتَهلَك مِنْهُ وَلاَ يَسْتَطِيع أنْ يُبَادِله الحَدِيث .. أُصْمُت كَي تَتْرُك لله فُرْصَة يُحَدِّثَك وَتَسْمَع صَوْته .
كيف نقتنى فصيلة الصمت المقدس :-
1/ إِشْتَاق إِلَيْهَا وَاعْرَف ضَرُورِتهَا كَي تَقْتَنِي أي فَضِيلَة لاَبُد أنْ تَشْتَاق إِليْهَا وَتَعْرِف ضَرُورِتهَا .. كَي تَقْتَنِي المَحَبَّة .. الطَّهَارَة .. الصَمْت المُقَدَّس .. الوَدَاعَة .. إِشْتَاق إِليْهَا وَاعْرِف ضَرُورِتهَا .. يَقُول مَارِ إِسْحَاق { حِب السُّكُوت يَا أخِي لأِنَّ فِي السُّكُوت نَرَى الله وَخَارِج السُّكُوت لاَ تَرَى إِلاَّ مَا هُوَ خَارِج عَنْ نَفْسَك وَخَارِج عَنْ الله } .. إِذاً فِي السُّكُوت تَرَى الله .. هَلْ تُرِيد أنْ تَقْتَنِي الصَمْت المُقَدَّس ؟ إِشْتَاق إِليه وَاعْرَف ضَرُورَته .
2/ لاَبُد أنْ تَكُون مُمْتَلِئ سِر فِي طَرِيق الإِمْتِلاَء .. كُلَّمَا إِمْتَلأت كُلَّمَا قَلَّ كَلاَمك .. وَكُلَّمَا إِزْدَادَ فَرَاغك الدَّاخِلِي كُلَّمَا كَثُرَ كَلاَمك .. الصَمْت هُوَ وَسِيلَة التَعْبِير عَنْ الإِمْتِلاَء .. الإِنْسَان الَّذِي يَحْفَظ جَمِيع الأُمُور وَيَتَفَكَّر بِهَا فِي قَلْبه هُوَ إِنْسَان مُمْتَلِئ يُحْكَى عَنْ القِدِيس يِحْنِس القَصِير أنَّ تَلاَمِيذه فِي أحد الأيَّام كَانُوا يَتَحَدَّثُون إِليهِ لكِنَّه لَمْ يَنْتَبِه لَهُمْ فَسَألوه لِمَاذَا لَمْ يُجِيبهُمْ ؟ قَالَ لأِنِّي مُتَحَيِّر فِي طَبِيعَة خِدْمِة الشَّارُوبِيم وَطَبِيعَة خِدْمِة السِيرَافِيم وَمَا الفَرْق بَيْنَهُمَا وَأيُّهُمَا أهَمْ أمَام العَرْش الإِلَهِي ؟ هذَا يَحْفَظ جَمِيع الأُمُور مُتَفَكِّر بِهَا فِي قَلْبه فَكَيْفَ يَتْرُك هذَا الإِمْتِلاَء لِيَتَحَدَّث مَعَ بَشَر ؟ هذَا مُرْتَفِع جِدّاً فَيَرَى أُمور كَثِيرَة تَافِهة لأِنَّهُ مَشْغُول بِالأعلَى يُحْكَى عَنْهُ أيْضاً أنَّهُ كَانَ يَعْمَل فِي الخُوص عَمَل يَدَيهِ وَيَبِيع وَبِثَمَنه يَأتِي بِطَعَام لِلغُرَبَاء وَيَتَصَدَّق بِمَا يَفِيض .. فَأتَى إِليْهِ الجَمَّال الَّذِي يَشْتَرِي مِنْهُ القُفَف وَسَألَهُ فِي أحَد المَرَّات عَنْ قَدْر مَا صَنْع هذَا الأُسبُوع ؟ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ أنْ يُحْضِر مَا صَنَعَهُ فَدَخَلَ القِدِيس يِحْنِس قَلاَّيته وَنَسَى مَا طَلَبَهُ الجَمَّال فَطَرَقَ الجَمَّال بَابَهُ وَخَرَجَ لَهُ القِدِيس وَسَألَهُ الجَمَّال القُفَف فَعَادَ وَدَخَلَ قَلاَّيته وَنَسَى سؤال الجَمَّال وَغَابَ فِي الدَّاخِل .. فَعَادَ الجَمَّال وَطَرَقَ البَاب مَرَّة أُخْرَى .. وَهكَذَا عِدَّة مَرَّات وَالقِدِيس يِحْنِس يَنْسَى طَلَب الجَمَّال وَفِي نِهَايِة الأمر لأِنَّ عَقْله مَشْغُول بِالإِلَهِيَات لِذلِك يَنْسَى طَلَب الجَمَّال ظَلَّ يُذَكِّر نَفْسه فَكَانَ يَقُول لِنَفْسه " يَارْبَّ ذّكَّرنِي بِالقُفَف لِلجَمَّال " .. هذَا القِدِيس لَيْسَ فِي ذِهْنه مِسَاحَة فَارِغَة لِيُهدِرهَا فِيمَا لاَ يُفِيد .. لاَ يُمْكِن لإِنْسَان غِير مُمْتَلِئ أنْ يَصْمُت المُمْتَلِئ يُحْسِن الصَمْت وَيَعْرِف كَيْفَ يَتَعَلَّم الصَمْت لأِنَّ عِنْده مَا يَشْغِله وَيُشْبِعه وَيُفَرِّح قَلْبه وَمَا أجمَل قَول سِفر الجَامِعَة { لأِنَّ الله مُلْهِيهِ بِفَرَحِ قَلْبِهِ } ( جا 5 : 20 ) .. كَيْفَ نَتَعَلَّم الصَمْت ؟ لاَبُد أنْ تَتَفَكَّر فِي آيَات .. سِيَر قِدِيسِين .. أجْزَاء مِنْ الكِتَاب .. أُمُور تَرْفَعَك لِفُوق فَيَصِير كَلاَمك صَالِح لِلبُنيَان وَالمَحَبَّة وَالخِدمَة فَتُصبِح كَلِمَاتك دَوَاء مُشْفِي مُفْرِح يَبْنِي يُوجَد إِنْسَان يُنْتَظَر حَدِيثه وَآخَر يَتَجَنَّبُون حَدِيثه .. هُنَاك مَنْ يَشْتَاق لِسَمَاع إِنْسَان وَهُنَاك مَنْ يَتَجَنَب إِنْسَان لأِنَّ كَلِمَاته لاَذِعَة تُعَبِّر عَنْ نَفْس فَارِغَة .. لاَ تَشْتَرِك فِي أي حَدِيث لأِنَّكَ لَوْ عَدَدت الخَطَايَا الَّتِي يَقْع فِيهَا اللِسَان سَتَجِدهَا كَثيرَة وَخَطِرة .. كِذب .. قَسَمْ .. شِتِيمَة .. إِدَانَة .. كَلاَم قَبِيح .. كُلَّ هذَا أسَاسه اللِسَان فِي حِين أنَّ التَّسْبِيح .. المُبَارَكة .. الصَّلاَة .. أسَاسه أيْضاً اللِسَان قُلْ قَلْبِي وَلِسَانِي يُسَّبِحَان الله لاَبُد أنْ تَكُون مُشَبَّع بِالأُمُور الإِلَهِيَّة وَالرُّوحِيَّة عِنْدَئِذٍ يَكُون الصَمْت المُقَدَّس مِيل طَبِيعِي فِيك .. إِقْضِي يُوم مَعَ الْمَسِيح وَسَتَجِد شَهِيَتك قَلِيلَة جِدّاً لِلكَلاَم لَيْسَ لأِنَّكَ لاَ تُحِب النَّاس بَلْ لأِنَّكَ أدْرَكت حَقِيقَة مُهِمَّة وَهيَ أنَّ المُنْشَغِل بِالله لاَ يَجِد مَكَان لِحَدِيث بَشَر .. صَمْت مُقَدَّس .. السَيِّدَة العَذْرَاء كَانَ صَمْتَهَا مُقَدَّس { وَأمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا } الله يَمْلأنَا بِكُلَّ صَلاَح حَتَّى نَتَمَتَّع بِهِ فِي صَمْت مُقَدَّس وَإِنْ تَكَلَّمنَا فَلِلبُنيَان رَبِّنَا يِكَمِّل نَقَائِصنَا وَيِسْنِد كُلَّ ضَعْف فِينَا بِنِعْمِته لَهُ المَجد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين