بالحق يحبونك

Large image

وَنَحْنُ فِي هذَا اليُوْم يُوْم عِيد الشُهَدَاء الَّذِي لَهُ أثَر عَمِيق فِي كِنِيسِتنَا حَتَّى أنَّهُ جَعَلَ رَأس كُلَّ الشُّهُور وَرَأس السَنَة وَبِدَايِة حَيَاة جَدِيدَة كَي يَكُون هُوَ القُوَّة الدَّافِعَة لِلحَيَاة الرُّوحِيَّة عَلَى مَدَار السَنَة .. وَكُلَّ سَنَة تَمُر نَتَذَكَّر آبَائنَا الشُّهَدَاء نَأخُذ شُحْنَة لِلسَنَة الجَدِيدَة .. وَمَهْمَا قَدَّمنَا لَهُمْ مِنْ تَكْرِيم فَنَحْنُ لاَ نَفِيهُمْ حَقَّهُمْ .. لكِنْ لِنَرْفَع عُيُونَنَا وَنَرَى أجمَل مَشْهَد وَأجمَل تَكْرِيم لَهُمْ فِي السَّمَاء إِعْتِرَاف لَهُمْ بِتَعَبهُمْ وَاعْتِرَاف وَتَكْرِيم لِجِرَاحِهِمْ وَعَذَابَاتِهِمْ .. لِذلِك سَنَتَكَلَّم فِي عِيد الشُّهَدَاء عَنْ نُقْطِتِين مُهِمِين هُمَا :-
1/ تَنَوُّع الشُّهَدَاء
2/ فَضَائِل الشُّهَدَاء
كَانْت فَضَائِلَهُمْ كَثِيرَة لِسَبَبِين :-
أ/ كَانَ عِنْدَهُمْ مَحَبَّة أمِينَة لله
ب/ كَانَ عِنْدَهُمْ تَعَلُّق شَدِيد بِالأبَدِيَّة

1/ تَنَوُّع الشُّهَدَاء:-
اليُوْم وَنَحْنُ مَعَهُمْ فِي مَوْكِبَهُمْ وَنَفْرَح بِهُمْ نَجِد بَيْنَهُمْ تَنَوُّع عَجِيب فَمِنْهُمْ الطِفل وَمِنْهُمْ الشِيخ وَالشَّاب وَالعَذْرَاء وَ لِئَلاَّ يَتَخَيَّل أحَد أنَّ الحَيَاة مَعَ الْمَسِيح قَاصِرَة عَلَى وَقْت مُعَيَّن أوْ مَرْحَلَة عُمْرِيَّة مُعَيَنَة .. فَقَد يَقُول إِنْسَان أنَا صَغِير عَنْ الحَيَاة مَعَ الْمَسِيح وَآخَر يَقُول قَدْ كَبَرْت عَلَى الحَيَاة الرُّوحِيَّة .. لاَ .. فَقَدْ نَجِد فِي الشُّهَدَاء مِنْ الرَضِيع مِثْل أطفَال بِيْت لَحم حَتَّى الشِيخ مِثْل القِدِيس بُولِيكَاربُوس الَّذِي كَانَ عُمره 86 عَام .. إِخْتِلاَف أعْمَار يُثْبِت لَنَا أنَّهُ فِي كُلَّ مَرْحَلَة عُمْرِيَّة حَيَاة مَعَ الله لأِنَّ كُلَّ وَقْت وَكُلَّ عُمر هُوْ مِلك لله وَلاَ تُقَلِّل مِنْ قِيمَة عُمرَك لأِنَّهُ لاَبُد أنَّ الله يَسْتَخْدِمه لِلشِهَادَة لَهُ .. الأُم دُولاَجِي كَانَ لَهَا أوْلاَد أطفَال " سُورَاس & هِرْمَان & شِنْطَاس & أبَا نُوفَا " ( 6 بَشَنْس ) ثُمَّ نَتَقَدَّم فِي الأعْمَار فَنَجِد فَتَيَات مِثْل بِيسْتِِيس وَهِلْبِيس وَأغَابِي اللاَتِي أعْمَارَهُنَّ 14 سَنَة وَ 11 سَنَة وَ 9 سَنَوَات ( 30 طُوبَة ) .. أيْضاً القِدِيس أبَانُوب كَانَ طِفل ( 24 أبِيب ) ثُمَّ نَجِد سِن الشَّبَاب مِثْل مَارِجِرجِس وَمَارِمِينَا وَأبُو سِيفِين وَسِن زَهو الشَّبَاب وَافْتِخَاره الَّذِي قَدْ نَقُول فِيهِ " لِنَحْيَا حَيَاتنَا وَنَتَمَتَّع بِهَا " .. القِدِيس أبُو سِيفِين وَالأمِير تَادرُس وَغَيْرَهُمْ كَانَا فِي سِن الجُنْدِيَّة الَّذِي فِيهِ قِمَّة نُضج الشَّبَاب الجَسَدِي وَالفِكْرِي وَكَمَا وَجَدْنَا إِخْتِلاَف أعْمَار سَنَجِد أيْضاً تَنَوُّع فِي الغِنَى فَمِنْهُمْ الغَنِي وَمِنْهُمْ الفَقِير وَمِنْهُمْ المُتَوَسِط .. مَارِجِرجِس كَانَ غَنِي جِدّاً وَكَانَ قَدْ رَتَّب حَيَاته أنْ يَحْيَا حَيَاة طَبِيعِيَّة فَقَدْ كَانَ سَيَرْتَبِط بِفَتَاة .. وَكَانَ أبوه قَدْ تَرَكَ لَهُ أموَال كَثِيرَة وَزَّعهَا عَلَى الفُقَرَاء .. هذَا مَا فَعَلَهُ الأنبَا أنْطُونيُوس لكِنَّهُ بَاعَ كُلَّ مَالَهُ وَبَعْدَهَا تَرَهَب أمَّا مَارِجِرجِس فَقَدْ بَاعَ كُلَّ مَالَهُ رَغم أنَّهُ كَانَ يَحْيَا حَيَاة طَبِيعِيَّة .. فَطَمْ نَفْسه عَنْ العَالم رَغم أنَّهُ فِي سِن زَهو الشَّبَاب الَّذِي فِيهِ الإِنْسَان لاَ يَشْبَع تَنَوُّع فِي البِيئَات .. أيْضاً مُخْتَلَف المُسْتَوَيَات فِي الشَكْل وَالجَمَال .. كَثِير مِنْ الشَهِيدَات كُنَّ عَلَى قَدر كَبِير مِنْ الجَمَال وَكَانَ جَمَالَهُنَّ سَبَب إِسْتِشهَادِهُنَّ .. أيْضاً تَنَوُّع فِي المَرَاكِز فَمِنْهُمْ الأُمَرَاء حَتَّى أنَّ الحُكَام كَانُوا يَتَرَدَدُون فِي تَعْذِيبَهُمْ لأِنَّهُمْ يَخْجَلُون مِنْ أنْ يُعَذِبُوا أُمَرَاء فَكَانُوا يَرُدُّوهُمْ لِبَعْض .. أيْضاً أرْسَلُوا خَادِم لِيَسْطُس إِبن أبَالِي أثنَاء تَعْذِيبه لِيَخْدِمَهُ لأِنَّهُ أمِير هُنَا تَنَوُّعَهُمْ يُعْلِن لَنَا أنْ لاَ نَتَخَيَّل أنَّهُ مَادَامَ لَنَا مَرْكَز أوْ جَاه أوْ مَال أنَّ ذلِك يُعْطِينَا كَرَامَة فِي عِين أنْفُسَنَا أكثَر مِمَّن حَوْلَنَا أوْ يَهِز نَظَرْنَا عَنْ الله .. الشُّهَدَاء كَانُوا ذِوِي مَرَاكِز وَأموَال وَلَمْ تَهتَز عُيُونَهُمْ عَنْ الله أيْضاً إِخْتِلاَف وَتَنَوُّع فِي العَذَابَات الَّتِي نَالَهَا الشُّهَدَاء بِشِدِّة آلاَمهَا .. كُلَّ مَا تَتَخَيَله وَكُلَّ مَا يُنَاسِبَك فِي سِنَّك وَشَخْصِيِتَك مَرَّ بِهِ الشُّهَدَاء لِذلِك تَنَوُّع الشُّهَدَاء يُعْلِن أنَّهُمْ مِثْلَنَا فِي ظُرُوفنَا وَأعْمَارنَا وَعَلَيْنَا أنْ نُبَارِك الله فِي كُلَّ وَقْت وَكُلَّ مَرْحَلَة وَنُحِبَّه مِنْ كُلَّ قُلُوبنَا .
2/ فَضَائِل الشُّهَدَاء:-
كَانْت فَضَائِلَهُمْ كَثِيرَة لِسَبَبِين:-
أ/ كَانَ عِنْدَهُمْ مَحَبَّة أمِينَة لله:-
الشَهِيد لَحْظِة إِسْتِشهَاده لَمْ تَكُن هِيَ لَحْظِة شِهَادَته لله بَلْ كَانَ شَهِيد لله قَبل أنْ يَسْتَشهِد .. كَانَ شَهِيد لله فِي مَخْدَعه وَحَيَاته الدَّاخِلِيَّة .. لاَ تَتَخَيَّل أنَّ الشَهِيد صَارَ شَهِيد فِي لَحْظَة .. لاَ .. كَانَ فِي تَعَبه يُصَلِّي وَيَحْيَا وَسَط عَثَرَات وَيَحْفَظ نَفْسه وَيَتَمَسَّك بِالبِر .. هذَا يَعْنِي أنَّهُ شَهِيد بِحَيَاته إِلَى أنْ شَهَدَ لله بِمُوته أي تَتوِيج لِشِهَادتَه لله فِي حَيَاته وَكَمَا يَقُول الكِتَاب { بَالحَقِّ يُحِبُّونَكَ }( نش 1 : 4 ) .. لِنَنْظُر إِلَى أجْسَادَهُمْ وَنَقُول لَهُمْ بِالحقِّ أحْبَبتُمُوه رُبَّمَا نَحْنُ نُحِب الله بِالكَلاَم وَالفَلْسَفَة لكِنْ الشُّهَدَاء عِنْدَمَا وُضِعُوا فِي مُفَاضَله بَيْنَ مَحَبِّة الله وَمَحَبِّة العَالم إِخْتَارُوا مَحَبِّة الله لأِنَّ مَحَبِّة الله عِنْدَمَا تَمْلُك عَلَى القَلْب تَسْتَقْطِبه وَيَجْرِي وَرَاءَهَا وَكُلَّ يُوْم يَأخُذ مَزِيد وَلاَ يَشْبَع { أرَادُوا أنْ يَسْتَقْطِبُوه وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا إِلَى أنْ إِسْتَقْطَبهُمْ هُوَ } .
 سِر وَرَاء الله إِلَى أنْ يَسْتَقْطِبَك فِي السَّمَاء لِذلِك يَقُول الإِنْجِيل " يُشْبِه مَلَكُوت السَّمَوَات إِنْسَان وَجَدَ كِنْز مُخَبَّأ فِي حَقْل فَمَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَالَهُ وَاشْتَرَى الحَقْل ( مت 13 : 44 ) .. الشَهِيد عَاشَ فِي حَقْل العَالم وَالكِنْز هُوَ مَحَبِّة الله فَخَبَّأ مَحَبِّة الله فِي قَلْبه .. مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَالَهُ وَاشْتَرَى الحَقْل بِالكِنْز .. مَحَبِّة الله تَحْتَاج مُتَابعَة وَثَبَات .. لاَ تَقِس نَفْسَك عَلَى مُسْتَوَى الكَلاَم أوْ مُسْتَوَى مَنْ حَوْلَك بَلْ قِس نَفْسَك عَلَى ثَلاَثَة مُسْتَوَيَات :-
1/ السَيِّد الْمَسِيح
2/ الوَصِيَّة
3/ الشُّهَدَاء
قِس نَفْسَك عَلَى السَيِّد الْمَسِيح وَالوَصِيَّة وَالشُّهَدَاء سَتَجِد نَفْسَك فَقِير فِي المَحَبَّة فَقُل لله " هَبْنِي أنْ أبدَأ " .. مَا مِنْ شَهِيد إِلاَّ وَتَعَرَّض لِلإِغْوَاء إِمَّ بِغِنَى أوْ فَتَاة أوْ مَنْصِب لكِنْ مُغْرِيَات العَالم كُلَّهَا كَانِت فِي عُيُونَهُمْ تَافِهَة لأِنَّ مَحَبِّة الله مَلَكَت .
ب/ كَانَ عِنْدَهُمْ تَعَلُّق شَدِيد بِالأبَدِيَّة:-
كَانُوا يَنْتَظِرُون حَيَاة أُخْرَى آجِلاً أم عَاجِلاً وَاشْتَاقُوا لَهَا .. القِدِيس بَاسِيليُوس هَدَّدُوه بِالمُوت فَقَالَ لَهُمْ { أنَا مُشْتَاق لِهَذِهِ اللَحْظَة لَيْتَكَ لاَ تَتَرَدَّد بَلْ عَجِّل بِالأمر } كَانَ يَتَمَنَّى هذِهِ اللَحْظَة .. أمَّا القِدِيس بُولِيكَاربُوس فَأرَادُوا أنْ يَحْرِقوه بِالنَّار فَرَبَطوه كَي لاَ يَهرَب مِنْ قُوَّة النَّار فَبَكَى وَقَالَ لَهُمْ { أُترُكُونِي أُحْرَق بِإِرَادتِي كَي أُقَدَّم لله ذَبِيحَة بِكَامِل إِرَادتِي وَلاَ أكُون كَمَنْ حُرِقَ بِدُون إِرَادته } لأِنَّهُ كَانَ يَعْلَم أنَّهَا لَحَظَات وَسَيَنْتَهِي الأمر وَهُوَ مُنْتَظِر المَجد الأبَدِي مَنْظَر فِي الأرْض شَنِيع إِنْسَان يُحْرَق أوْ تُقْطَع رَأسه لكِنْ هُنَاكَ مَنْظَر غِير مَرْئِي هُمْ رَأوه وَإِيمَانهُمْ بِهِ كَانَ قَوي فَاشْتَاقُوا لِلمَجد الأبَدِي هَلْ الأبَدِيَّة عَمَلِت فِيك حَتَّى أنَّ آلاَم العَالم تَصْغُر فِي عَيْنَيْكَ ؟ هذَا هُوَ الشَهِيد أنَّهُ مَهْمَا تَعَذَّب إِلاَّ أنَّ هُنَاكَ ثِقَل مَجْد أبَدِي ( 2كو 4 : 17 ) وَإِكْلِيلُه يَعْظُمْ وَقَسْوَة الحُكَّام لاَ تُرْهِبه بَلْ تُزِيده تَعَلُّق بِالأبَدِيَّة .. فَتَيَات رَقِيقَات تَمَسَّكْنَ بِالإِسْتِشهَاد رَغمْ ضَعْف طَبِيعَتَهُنَّ وَقَسْوِة العَذَابَات الرَهِيبَة هذِهِ هِيَ القِدِيسَة دِميَانَة الَّتِي بِحَسَب السِيرَة الأصْلِيَّة لَهَا ذُكِرَت عَذَابَاتَهَا الَّتِي كَانْت لاَ تُحْتَمَل إِلاَّ أنَّهَا وَهيَ فَتَاة رَقِيقَة تَحَمَلَتهَا فَهَا هِيَ تُضْرَب عَلَى رَأسَهَا حَتَّى يَخْرُج مَا بِهَا مِنْ سَوَائِل وَيُوضَع بَدَلاً مِنْهَا زِيْت مَغْلِي .. لأِنَّهَا أخَذَت قُوَّة مِنْ الأعَالِي الشَهِيد لَمْ يَحْتَمِل الألَمْ بِتَدْرِيب عَلَى ذلِك أوْ كَانَ يَأخُذ عِلاَج يٌفْقِده الوَعي كَي يَحْتَمِل بَلْ كَانْت قُوَّة إِلَهِيَّة جَعَلَته يَحْتَمِل الآلاَم .. لِذلِك لاَ تَسْتَكْبِر عَلَى نَفْسَك وَتَقُول أنَّكَ مُتْعَب فَلَنْ تُصَلِّي أوْ تَصُوم أوْ أنَّ كَرَامَتَك لاَ تَسْمَح لَكَ أنْ تُسَامِح الآخَر .. لاَ .. هذِهِ خَطَوَات بَسِيطَة مِنْ أجل أنْ تَنْمُو فِي طَرِيق الشِهَادَة لأِنَّ الشِهَادَة لَنْ تَنْمُو فِيكَ وَأنْتَ تَثُور فِيكَ الكَرَامَة أوْ لاَ تَقِف أمَام الله عَشَرة دَقَائِق فِي مَخْدَعَك .. الشِهَادَة تَبْدأ فِي المَخْدَع وَأنْتَ تَعْرِف أنَّ لَكَ أبَدِيَّة حَرْب عَدُو الخِير هِيَ أنْ يُنْسِيك أنَّ لَكَ الأبَدِيَّة وَيَجْعَلَك تَعِيش الزَّمَن وَيُخَيِّل لَك أنَّ الأبَدِيَّة خُرَافَات وَالزَّمَن وَاقِع .. لاَ .. العَكْس هُوَ الصَحِيح .. الآبَاء يُشَبِّهُون الحَيَاة الحَاضِرَة بِالظِّل وَالأبَدِيَّة بِالحَقَّ وَيَقُولُون { أعْطِنَا يَا الله ألاَّ نَرْتَكِنْ عَلَى الظِلَّ كَأنَّهُ حَقٌّ } أبَاؤُنَا بِالحَقِّ أحَبُّوه وَكَانْت الأبَدِيَّة فِي قُلُوبِهِمْ فَصَبِرُوا عَلَى الألَمْ وَعَاشُوا ضِيق الألَمْ الحَاضِر مِنْ أجل المَجْد العَتِيد أنْ يُسْتَعْلَن فِينَا ( رو 8 : 18 ) رَبِّنَا يِكَمِّل نَقَائِصنَا وَيِسْنِد كُلَّ ضَعْف فِينَا بِنِعْمِته لَهُ المَجد إِلَى الأبَد آمِين

عدد الزيارات 1612

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل