معك لا أريد شيئا على الارض

Large image

معلمنا داود النبي يقول { من لي في السماء ومعك لا أريد شيئاً في الأرض } ( مز 73 : 25 ) .. هناك صفة مشتركة بين القديسة دميانة والقديس العظيم الأنبا أنطونيوس .. فالإثنان إحتكروا مباهج العالم .. داسوا على غنى العالم .. القديسة دميانة كانت إبنة لوالي ومن أسرة ثرية جداً .. الأنبا أنطونيوس ورث " 300 " فدان من أجود أنواع الأراضي .. إلا إنهم ضحوا بالمال والمركز إن حياة الإنسان صراع بين السماء والأرض .. يريد أن يقتني ويملُك وتزداد ثروته .. هناك خطورة على الإنسان الذي يُستعبد لممتلكات الأرض .. تخيل إذا الأنبا أنطونيوس عاش في مفاوضة بين أن يعيش في صحراء جرداء أو يعيش في مُلك وغِنى وإمكانيات كثيرة فإن الطبع البشري سوف يجذبه لحياة التملك .. من هنا يجب أن ننظر لكل هذا كلون من ألوان الترفع والتعقل .. ليس معنى هذا أن نترك كل مالنا ولكن على الأقل لا نتعلق بأي شئ .. فإن التعلق بالأشياء يجلب الحزن .. فإن فكره .. وقلبه .. وعقله يرتبط بهذه الأشياء إذا بحثنا في الكتاب المقدس نجد كثير من الآيات التي تقول أن الإمتلاك يجلب الحزن .. في سفر التكوين إصحاح " 13" في قصة لوط .. { فرفع لوط عينيه ورأى كل دائرة الأردن ..... } ( تك 13 : 10 ) .. عندما إختار لوط لنفسه إختار سدوم وعمورة التي جلبت عليه خزي وعار .. فالإمتلاك جلب له الحزن .. في سفر يشوع إصحاح " 7 " عخان بن كرمي عندما رأى { رداءً شنعارياً نفيساً ومئتي شاقل فضة ولسان ذهب وزنه خمسون شاقلاً فاشتهيتها وأخذتها } ( يش 7 : 21 ) .. النتيجة هي موته وجاء بهزيمة لشعبه .. أحياناً الإمتلاك يصبح عبودية .. إيليا النبي عندما أراد أخاب الملك أن يأخذ أرض نابوت اليزرعيلي .. رجل فقير .. عندما رأى الملك الكرم إشتهاه وطلب من نابوت أن يأخذه منه رغم إنه ميراثه .. ولكن يقول الكتاب أن الملك { دخل بيته مكتئباً مغموماً من أجل الكلام الذي كلمه به نابوت اليزرعيلي قائلاً لا أعطيك ميراث آبائي .. واضجع على سريره وحوَّل وجهه ولم يأكل خبزاً }( 1مل 21 : 4 ) .. الملكية أثمرت حزن رغم إنه كان ملك ولديه الكثير .. يقول الحكيم { من يحب الفضة لا يشبع من الفضة ومن يحب الثروة لا يشبع من دخلٍ هذا أيضاً باطل } ( جا 5 : 10) جميل أن أقتني في حياتي بعض الأشياء .. ولكن الغير مستحب أن أكون عبد لها .. الوحيد الذي يشبع هو من إقتنى المسيح داخل قلبه .. أيضاً في قصة * حنانيا وسفيرة * وطمعهم بعد بيع الحقل جلب لهم الفضيحة والموت .. علينا أن نتعامل مع مغريات العالم بكل تعفف إن ربطنا في أرجل حمامة كثير من الذهب وطلبنا منها أن تطير فلا تستطيع الطيران .. فإنه يجب أن تتخلص من الحمل الذي يربطها إلى أسفل كي تستطيع أن ترتفع .. هكذا النفس كلما قلت إرتباطاتها بالأرض كلما كان إرتفاعها وسموها سهل .. الإرتباط بالأرضيات يُذهب العقل .. لهذا آبائنا القديسين كان من السهل عليهم أن يقدم حياته لأنه غير مرتبط بشئ على الأرض عدو الخير يستغل ضعف الإنسان .. فإن المخترعات كثيرة .. عدو الخير يتاجر بعدم قناعة الإنسان .. لذلك حذرنا بولس الرسول من هذه الأمور فيقول { تعلمت أن أكون مكتفياً بما أنا فيه .. أعرف أن أتضع وأعرف أيضاً أن أستفضل تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص }( في 4 : 11 – 12 ) .. جميل أن تكتفي بما لديك وتشكر .. وتقتني المسيح الجوهرة الغالية كثيرة الثمن .. معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى تلميذه تيموثاوس يقول { ستأتي أزمنة صعبة لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين مجدفين غير طائعين لوالديهم غير شاكرين دنسين بلا حنوٍ بلا رضىً } ( 2تي 3 : 1 – 3 ) النفس الشبعانة هي نفس فرحانة .. يقول بولس الرسول { وأما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة } ( 1تي 6 : 6 ) .. فإن ما حدث مع لوط حدث أيضاً مع أبينا إبراهيم ولكنه قال له خذ ما تريد لأننا نحن أخوان ( تك 13 : 8 ) .. رغم أن أبينا إبراهيم هو الأكبر – فهو عم لوط – وكان من الطبيعي أن يختار إبراهيم أولاً الأرض ولكنه تنازل له .. عندما دخل إبراهيم معركة طلب منه ملك المدينة أن يأخذ الثروات ويعطيه الناس ولكن أبونا إبراهيم قال له سأعطيك الناس والثروات .. { لا آخذن لا خيطاً ولا شراك نعلٍ ولا من كل ما هو لك } ( تك 14 : 23 ) سأل أحد القديسين ذات مرة وقال * ما هي أعظم معجزة قام بها الآباء الرسل ؟ * .. فجأته إجابات كثيرة .. ولكنه قال إجابة السؤال في النهاية بعد كل المحاولات والإجابات وهي أن الشعب اليهودي جاء بكل أمواله ووضعها تحت أقدام الرسل .. فهناك صلة وثيقة بين اليهود والملكية أو المال .. فإن اليهود يعبدوا المال والملكية .. إنكسار روح الله داخلهم .. من يعطي الهدوء والإطمئنان ؟ معرفة الله الإله الحقيقي .. { وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم }( أع 4 : 33 ) يروي لنا الكتاب قصة جميلة عن إليشع النبي والمرأة الشونمية .. خدمت هذه المرأة إليشع بكل حب لأنها رأت فيه قُدسية خاصة .. وقامت ببناء حجرة صغيرة في منزلها له واعتنت به وأطعمته وشرَّبته فإنها إمرأة كريمة ونقية ومُضحية .. وذات مرة سأل إليشع تلميذه جيحزي ماذا يفعل لهذه المرأة ؟ كيف يرد لها كل هذه الخدمات ؟ فسألها ماذا أصنع لكِ ؟ إليشع النبي بما أنه رجل الله .. رجل تقي فكان يلجأ إليه الملك ليسأله في بعض الأمور .. أيضاً رئيس الجيش قبل دخوله إلى المعركة يذهب ليسأل أيضاً هذا الرجل .. فسأل المرأة وقال لها { هل لكِ ما يتكلم به إلى الملك أو إلى رئيس الجيش .. فقالت إنما أنا ساكنة في وسط شعبي } ( 2مل 4 : 13) .. أي أن هذا يكفيني .. فإنها كانت مكتفية بما لديها فقط ولا تريد شئ ما أجمل كنيستنا في الصلاة وهي تقول { ليكون لنا الكفاف في كل شيءٍ كل حينٍ نزداد في كل عملٍ صالح } .. هل عندما نسمع الكاهن يقول هذا نوافق على ما قاله أم لدينا رأي آخر ؟ فعندما أخذنا الله في داخلنا أخذنا كل شئ وشعرنا أن هذه الدنيا صغيرة .. وأن لا يوجد من يُشبع ويُغني بعدك .. هذا هو أجمل إختبار على الأرض إذا طلبنا أن نقوم بهذا عملياً نقول لا تتعلق بأي شئ .. فإن أبسط الإمكانيات تعيِش الإنسان .. إكتفي بما عندك .. عندما تسأل نفسك عن إحتياجاتك الرئيسية فإنها بسيطة .. درب نفسك على العطاء .. عند زيارة أحد لك في بيتك إسأل نفسك ماذا يكون في بيتي يمكن أن أقدمه له كهدية ؟ علينا أن نُفك من الإرتباطات .. يسوع وهو الغني إفتقر لكي يُغنينا .. من يريد أن يعيش مع المسيح عليه أن لا يتمسك بشئ أبداً .. الآباء ينصحونا قائلين عندما تريد أن تنظر إلى غيرك أنظر لمن هو أعلى منك روحياً وأقل منك مالياً الآباء القديسين يحدثونا عن شئ يُسمى * بالفقر الإختياري * .. أي أن تتنازل عن كل شئ بإرادتك .. نحن لا نحتقر الملكية ولكن تمسكنا بما هو أفضل .. فإن أي احتياج داخل الإنسان هو علامة ضعف .. فإن القوي هو من يضبط نفسه .. أي احتياج علامة أنانية .. لا تعيش في عبودية الأشياء .. كلما تنازلت عن أشياء كلما أعلنت أن الله هو راعي نفسك وهو الذي يسد كل احتياجاتك .. إختبار ربنا ورعايته لينا هو أن نقول { معك لا أريد شيئاً في الأرض } الآباء القديسين ترى إن جاءهم أحد يسألهم في شئ فهي فرصة عظيمة لكي يقلل مقتنياته .. لا تنسى القديس أبو مقار وهو ذاهب إلى قلايته رأى جمل وعليه كل مقتنيات القديس وضعها لص على الجمل وذهب إلى داخل القلاية ليُحضر باقي المقتنيات .. فدخل أبو مقار وساعد هذا اللص في أخذ كل شئ ووضعها على الجمل .. وانصرف اللص وعندما جاء أبو مقار ليُغلق الباب إكتشف أن هناك كثير من الزيتون في وعاء فأخذ يجري وراء اللص ليعطي له هذا ربنا يسوع المسيح أخلى ذاته وأخذ شكل العبد كإنسان .. إفتقر من أجلنا .. فالمسيح هو غنانا .. فالآباء الرهبان في الأديرة ممنوع أن يمتلك أحد فيهم شئ .. كل شئ يُعطى لرئيس الدير لكي يُعيد توزيعها .. يحكي لنا سيدنا البابا عن أن كان هناك في دير السريان قديماً حجرة بها ملابس الرهبان .. وعندما يأتي إليه مشوار خارج الدير يدخل هذه الحجرة ويلبس منها ويذهب وعندما يأتي يدخل نفس الحجرة ويرتدي ثيابه السابقة ويترك ما بها من ملابس التي أخذها مرة أخرى .. يحكي سيدنا أن ذات مرة طلبه البابا كيرلس وهو مازال راهب في الدير .. فذهب إليه مرتدياً طاقية وليس عمة .. فقال له البابا كيرلس بمداعبته * أنت لا تعرف إنك في مقابلة مع البطرك ؟ * رد عليه سيدنا وقال له * حاللني يا سيدنا فإن العمة التي أرتديها أخذها أحد الآباء وذهب بها * .. فإنه يعرف أن كرامته ليست في ملبسه أو مظهره علينا أن نبحث في أنفسنا عن الشئ الذي يربطنا بالأرض لكي نُحل منه .. ونتخيل أنفسنا بدونها لكي لا تطلب أنفسنا الكثير والكثير .. علينا أن نقولا بدلاً من نريد ونريد .. نقول علينا أن نتخلى ونتخلى .. ربنا جعل آبائنا القديسين لا يريدون شئ .. ملأهم بغناه وإنه سيغنينا نحن أيضاً بمحبته وبركته وجواهره الغالية الثمينة ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين

عدد الزيارات 2742

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل