حبك أطيب من الخمر

في سفر نشيد الأنشاد لسليمان الحكيم نقرأ .. { نشيد الأنشاد الذي لسليمان .. ليُقبلني بقُبلات فمه لأن حبك أطيب من الخمر .. لرائحة أدهانك الطيبة اسمك دُهن مُهراق .. لذلك أحبتك العذارى .. اجذبني وراءك فنجري .. أدخلني الملك إلى حجاله .. نبتهج ونفرح بك .. نذكر حبك أكثر من الخمر .. بالحق يُحبونك } ( نش 1 : 1 – 4 ) .. أيضاً { قد سبيتِ قلبي يا أُختي العروس قد سبيتِ قلبي بإحدى عينيكِ بقلادةٍ واحدةٍ من عُنقك .. ما أحسن حُبك يا أُختي العروس كم محبتك أطيب من الخمر وكم رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب .. شفتاكِ يا عروس تقطُران شهداً .. تحت لسانِك عسل ولبن ورائحة ثيابك كرائحة لُبنان .. أُختي العروس جنة مُغلقة عين مُقفلة ينبوع مختوم .. أغراسك فردوس رمان مع أثمارٍ نفيسةٍ فاغيةٍ وناردينِ } ( نش 4 : 9 – 13) إن سفر النشيد من أروع أناشيد الحب الإلهي في الكتاب المقدس .. أيضاً هذا السفر به عبارات وإيحاءات بالنسبة للبعض غير نقية وسبب هجوم من البعض .. ويحدث هجوم من كثيرين بسبب هذا السفر للرد على أن هناك عبارات فيها غَزَل أو عثرة .. نقول أن هذا السفر يجب أن يُقرأ بروح صلاة وتأمل والنفس تتجاوب مع الله لدرجة أن تصل إلى هذه الدرجة من العشق الإلهي .. وكما يُقال أن سفر الأمثال يُمثل حديقة القصر .. وسفر الجامعة يُمثل داخل القصر .. وسفر النشيد يُمثل الحجرة الخاصة داخل القصر .. خصوصية الحب الإلهي في أسمى وأرقى وأعمق صورة هذا السفر لا يُفهم إلا بالروح ووجهة نظر روحية نقية .. هو مناجاة رائعة بين النفس والله .. أو بين المسيح وكنيسته .. أو بين الله وخليقته .. كنيسة المسيح هي عروسه التي اقتناها بدمه .. إنها علاقة العشق بين الله والنفس البشرية .. هذه الجمل ترسم لوحة رائعة لطوباوية المجد الإلهي تُمجد بها الله وتعرف مقدار كرامتك عند ربنا .
الدليل :-
لا يستطيع عاشق أن يقول لحبيبته إن عنقك مثل برج داود .. وأنتِ مُرهبة كجيش .. وأنفك كبرج لُبنان .. حبيبي كأرز لُبنان .. إحساسنا بأن ربنا عريس نفوسنا إحساس مهم جداً يريد الكتاب المقدس أن يأصَّله فينا .. الله خطبنا لنفسه .. عندما نريد أن نعلِّي من شأن إنسان نقول له أنت عروس المسيح .. أنت غالي .. مِلك للمسيح .. معلمنا بولس الرسول يقول لنا { خطبتكم لرجل واحد لأُقدم عذراء عفيفة للمسيح } ( 2كو 11 : 2 ) .. وظيفة الروح القدس أن يخطبنا للمسيح .. مثل قصة أبونا إبراهيم عندما أرسل أليعازر الدمشقي ليرى عروس لإسحق وأتى برفقة لتتزوج من إسحق ( تك 24 : 1 – 33 ) .. هذا هو عمل الروح القدس في النفس كل من ذاق محبة الله كل ما ذاق هذا العشق .. فنركز الأن على آيات في السفر فيها محبة الله للنفس ومحبة النفس لله .. علاقة جميلة جداً .. فقد جرت العادة في الكتاب المقدس أن تكون النفس عروس المسيح أو الكنيسة عروس المسيح لذلك نرى يسوع المسيح في العهد الجديد ذكر بكل وضوح مَثَل العذارى { خمس منهن حكيمات وخمس جاهلات } ( مت 25 : 2 ) .. ولقَّب نفسه أنه العريس .. أيضاً ذكر الكتاب المقدس في قصة اليهود عندما سألوا السيد المسيح لماذا لم يصوم تلاميذك ؟ فقال لهم هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا ما دام العريس معهم ؟ ( مر 2 : 18 – 20 ) .. لقب عريس وعروس يتكرر في الكتاب المقدس بعض ملامح المحبة هذه في سفر النشيد .. أن سليمان هذا عاش في ملذات ومباهج العالم بأقصى حدودها واكتشف أن كل هذه الأمور تفنى ولا تبقى .. هنا نستطيع أن نقول أنه تكلم عن محبة ربنا عندما عاش ملذات العالم ووجد فيها فراغ وعدم إرتواء وعرف الحب الحقيقي فدخل فيك من البداية ليُظهر لك هذا الحب الحقيقي " يُقبلني بقُبلات فمه " .. أي ينبغي أن أشعر بإلهي أو عريسي يُقبلني .. أشعر بمشاعر العاطفة التي تجعلني أحس أنه يحتضني لدرجة القبلة .. تخيل أن يسوع يُقبِلك .. فالقديس أوغسطينوس كان يشعر بهذه القبلات .. كان يقول له إني أشعر إني مُدلل وأجلس عند قدميك وإنك يا الله ليس لديك غيري يشعر أنه محبوب جداً لدى الله .. يقول له { أنت يا الله تحتضن وجودي برعايتك .. أنت تسهر عليَّ وكأنك نسيت الخليقة كلها .. أنت تهبني عطاياك وكأني وحدي موضوع حبك .. ليتني أُحبك كما أنت أحببتني } " لأن حبك أطيب من الخمر " .. أي أن الإنسان يسكر بخمر الروح .. الخمر في الكتاب المقدس يرمُز إلى الفرح الروحي والنشوة الروحية .. لذلك ربنا يسوع المسيح عمل معجزة تحويل الماء إلى خمر ويأتي بالخمر الجيد وقبله الخمر الدون ( يو 2 : 1 – 11) نحن نظلم أنفسنا جداً عندما نُخرج أنفسنا من دائرة الحب الإلهي وأننا لسنا موضوع محبة ربنا .. وأن الله ضدنا .. وإني موضع دينونة ولستُ موضع محبته ربنا يسوع المسيح في العهد الجديد عندما قالوا له أنت مُحب للعشارين والخطاة والزُناة ( لو 7 : 34 ) قال لهم ثلاث أمثال .. أولاً الخروف الضال ( معهُ 100 ضاع واحد ) .. ثانياً الدِرهم المفقود ( إمرأة لديها عشرة وضاع واحد ) .. ثالثاً الإبن الضال ( واحد = واحد ) .. إن راعي الخراف والمرأة وأيضاً الأب في الإبن الضال ترقبوا عودة من ضاع .. فما بالنا نحن بالله الذي لا يتخلى عن من ضاع .. { وقع على عُنقه وقبَّلهُ } ( لو 15 : 20 ) .. { قبلني بقُبلات فمه } إن وقفت وقفِة صلاة بصدق ستشعر بقبلة روحية .. إذا تقدمت للتناول وأنت تعرف أنك خاطئ ولا تستحق وأهنت إلهك وغُسِلت أثناء القداس وتقدمت للتناول ستشعر بالحب الذي هو أطيب من الخمر .. هذا ما حاول سليمان الحكيم أن يُعلِّمه لنا الحب الأطيب من الخمر أنت موضوع حب الله واهتمامه وسعادته وفرحه .. لا تستهين بهذا الحب وتُبادل هذا الحب بقساوة .. الله إنتظرنا .. ينتظر رجوعنا له كما حدث مع الأب وهو ينتظر ابنه .. إنه كان يعرف أنه سيعود ( قصة الابن الضال ) .. ربنا يسوع يريد أن يُقبِّل آثار الجراحات التي فينا مثلما سمعنا عن قصة الابن الضال أن الأب وقع على عنقه وقبَّله ( قبَّل جراحات عنقه ) .. يريد أن يُقبِّل ما أحدثته الخطية من تلف ولهذا يقول له { لرائحة أدهانك الطيبة اسمك دُهن مُهراق } .. الطِيب في الكتاب المقدس يُستخدم في أقصى درجات العجز عن التعبير .. مثل المرأة الخاطئة التي أرادت أن تُعبِّر عن محبة تعجز عن التعبير فسكبت قارورة الطِيب على رأسه .. عندما يعجز الفم وتعجز الأعمال عن التعبير لمحبة الله هنا يُسكب الطِيب ما هو الطِيب الذي تسكبه لله ؟ هو أعمالك الحسنة ومحبتك له .. لذلك يقول سليمان { نبتهج ونفرح بك نذكر حبك أكثر من الخمر } .. تعال نتعرف على وجهة نظر ربنا في عروسه وفينا نحن .. وكما يقول بولس الرسول { أعلم أنه ليس ساكن فيَّ أي في جسدي شيء صالح } ( رو 7 : 18) أي لا يوجد بداخلي شئ صالح .. أعرف نفسي وأعرف أنه ليس هناك جيد القديس مارأفرآم يقول { ويل لي فإن الخطية لم تترك فيَّ عضواً سليماً ولا حاسة بلا فساد } .. تصور وجهة نظر ربنا في هذا الشخص السيئ من تكون وماذا يقول عنه ؟ يقول العريس { ما أجمل خديكِ } ( نش 1 : 10) .. { لقد شبهتكِ يا حبيبتي بفرسٍ في مركبات فرعون }( نش 1 : 9 ) .. أنتِ قوية يا حبيبتي ( أنا قوية ) .. أقوى جيش في ذاك العصر هو جيش فرعون .. يُشبِّه العريس عروسه بالقوة التي في فَرَس فرعون .. يرى الله أننا بكل ما فينا جميل .. المدح هنا هو مدح للنفس البشرية وليست غَزَل في أعضاء بشرية { عُنُقُكِ كبرج داود المبني للأسلحة .. ألف مجنٍ عُلِّقَ عليهِ } ( نش 4 : 4 ) .. من أعراف الحرب قديماً عندما يغلب الجيش أعداؤه يأتي بالأسرى ويلِف بهم في المدينة وبعدها يصعد المنتصر إلى أعلى البرج ومعه الأسرى ويقضي عليهم .. ثم يكتب إسمه بدم الأسرى على التُرس الخاص به ويُعلِّقه على برج المدينة .. " برج داود " هذه هي الكنيسة أو النفس البشرية .. " وأتراس الجبابرة " هم المجاهدين الذين انتصروا في الحرب وأسماءهم منقوشة بيد جهادهم وبدم أعدائهم وفخرهم بهزيمة الشياطين والإنتصار عليهم .. الكنيسة بها مجن كثير .. أنطونيوس .. أثناسيوس .. أبو مقار .. مارجرجس .. كل هؤلاء حاربوا الشياطين وجاهدوا حتى انتصروا .. لذلك يجب علينا أن نأخذ المعنى بطريقة روحية .. كما يقول معلمنا بولس { قارنين الروحيات بالروحيات } ( 1كو 2 : 13) { ها أنتِ جميلة يا حبيبتي .. ها أنتِ جميلة .. عيناكِ حمامتان } ( نش 1 : 15) .. الحمام معروف بالوداعة .. البساطة .. الطهارة .. الله يصف النفس البشرية الزائغة بالشرور والملوثة بهذه الصفات لا يوجد أكرم من النفس البشرية عند الله ولا يوجد أجمل من صوتها ولا أروع من توبتها .. أحد الأباء القديسين يقول { أنت يا الله ليس عندك خسارة إلا هلاكنا } .. النفس البشرية محبوبة جداً لدى الله وممدوحة جداً عند الله بلعام في سفر العدد عندما أتى به بالاق ليلعن الشعب إلا أن بلعام لم يلعن الشعب ولكنه قال { لم يُبصر إثماً في يعقوب .. ولا رأى تعباً في إسرائيل } ( عد 23 : 21 ) .. نحن أيضاً عند الله أبرار قديسين رغم إننا كلنا آثام وخطايا .. فأنت قديس بالمسيح وبار به هو وحده .. يجب أن تعرف مكانتك عنده حتى لا يطمع فيك العدو .. يريد العدو أن يقنعك دائماً أنه ليس لنا أي استحقاق ولا توبة ولا رجاء .. قل للعدو " أنك ابن نجاة ولستَ من أبناء الهلاك " الأباء القديسين يقولوا { خير طريق للتوبة أن تبدِّل عشق بعشق } .. لا يوجد أجمل من توبة الحب .. هناك توبة على مستوى ضميرك .. وهناك توبة على مستوى أخلاق .. وأيضاً هناك توبة حب .. من يشعر بحب ربنا إن سقط يقوم سريعاً .. إرجع سريعاً بأسهل كلمة " أخطأت .. سامحني .. اللهم إرحمني أنا الخاطئ " { كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين } ( نش 2 : 3 ) .. شجر الوعر غير منتظم .. شكله قبيح وقصير ونباته ردئ الرائحة وبهِ شوك .. أما شجر التفاح مستقيم ورائحته حلوة وطريقته منتظمة .. تخيل حبيبي كشجر التفاح وأما كل ما في العالم من مباهج هو شجر الوعر { تحت ظلهِ اشتهيت أن أجلس وثمرتهُ حُلوة لحلقي } ( نش 2 : 3 ) .. إجلس تحت هذه الشجرة الجميلة .. فالشجرة في الكتاب المقدس ترمُز للصليب .. أي اشتهيت الجلوس تحت صليبه وعندما جلست وأردت أن آكُل فأكلت من ثمار هذه الشجرة الجميلة التي أجلس تحتها ( شجرة التفاح ) { شماله تحت رأسي ويمينهُ تُعانقني } ( نش 2 : 6 ) .. جربت إحساس التدفئة من الله ؟ الله يُدفِئك .. مثل ما قيلَ في سفر أشعياء { على الأيدي تُحملون وعلى الرُكبتينِ تُدللون } ( أش 66 : 12) .. فنحن نمتلك خير كثير في بيت أبينا وعطية الله نحونا .. الله يريد أن يُعلن غايته فيك ونِفْسه أن تتمتع بعطاياه .. أصعب شئ أن يكون شعور الآب هكذا والابن لا يشعر ولا يحس بكل هذا الحب { أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقول ألاَّ تُيقظن ولا تُنبهن الحبيب حتى يشاء }( نش 2 : 7 ) .. أي حذاري أن يُنبه الحبيب ولا أريد أن أحداً يقطع الخلوة به حتى لا يُنهي الحديث .. فمعظم صلواتنا ومعظم قراءاتنا في الإنجيل نحن الذين نُنهي الحديث .. الله لا يريد أن يُنهي الحديث معك إلى أن تشاء أنت .. تخيل أنك تجلس مع من هو أعظم منكَ شأناً وأنت الذي تُحدد النهاية .. تخيل في كل صلواتنا الكونترول معنا نحن يُقال عن أحد تلاميذ الأنبا شنودة رئيس المتوحدين أن القديس أعطاه تدريب أن يقرأ في الكتاب المقدس في الليلة كل الأنبياء الصغار .. وهو يقرأ قرأ الأول والثاني والثالث والرابع ثم غلبه النوم فنام .. فذهب دانيال النبي إلى الأنبا شنودة وقال له إيقظ تلميذك لأنه يربطني معاه أنا وباقي الأنبياء الذين لم يقرأهم تلميذك .. فإن الأنبياء تحضر معنا قراءة الإنجيل ونحن نتركهم .. فقيل عن القديس يوحنا فم الذهب أنه كان دائماً يقرأ في رسائل بولس ويعشق رسالة رومية فكان دائماً يجلس معه القديس بولس الرسول { ينبغي أن يُصلى كل حينٍ ولا يُمل } ( لو 18 : 1 ) .. إكسر حاجز الملل .. جاهد وحاول أن لا تقطع الصلاة وانظر الخير الذي ينتظرك بعد كسر حاجز الملل { كلك جميل يا حبيبتي ليس فيكِ عيبة } ( نش 4 : 7 ) .. تخيل ربنا يقول لك أنك بلا عيب .. إنتبه هذه شهادة ربنا لك ولكن ليس شهادتك لنفسك لأن القديسين تقول { من شهد لنفسه أنه بلا عيب فإنه يحوي جميع العيوب } { قد سبيتِ قلبي يا أُختي العروس قد سبيتِ قلبي بإحدى عينيكِ بقلادةٍ واحدةٍ من عُنقكِ }( نش 4 : 9 ) .. هل معقول أن تكون النفس البشرية قد سبيت قلب الله ؟ هل أنا محبوب لهذه الدرجة ؟ أحد القديسين يقول { أن الله يأمر ملائكته أن تصمُت ليسمع أصوات تسابيحنا } لهذا نقول له { إحسبنا مع القوات السمائية } .. الله يُسر جداً ليسمع صوت تسبيحك .. يُسر جداً أن يرى فيك يد مرفوعة وتوبتك { بقلادةٍ واحدةٍ من عُنقكِ } .. يقول أن العنق رمز للإرادة الروحية .. { أُختي العروس }( نش 4 : 12) .. هذه العروس لا تعرف غيري .. فإنها جنة وجنة مُغلقة لا يدخلها غرباء ولا لصوص .. { عين مُقفلة } .. مثل عين الماء المُقفلة حتى لا يأخذ منها إلا أهل المكان عطايا الله لك وحدك ومِلكك .. كل جزء فيك يخصه .. فإننا موضع محبته .. لذلك نقول { إقتنينا لك يا الله مُخلصنا لأننا لا نعرف آخر سواك } .. العالم لم يفرحني .. جربت كثيراً فلا يوجد أكثر من محبتك ولا أجمل منك كتفاح بين شجر الوعر .. عرفت يا الله إني موضوع محبتك .. بشغف وأنا أريد أن أبادلك نفس الشغف .. حب بحب .. وأكتشف مكانتي عندك .. أكلمك بلغة الحب .. فأنت مدعو أن تُكمل سفر النشيد لكي تكتشف جمال محبة ربنا لك ومكانتك عنده وقيمتك الحقيقية الله يفرحنا لكي نكتشف نصيبنا ويكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين