فضيلة الافراز والتمييز

Large image

في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس الإصحاح الثاني عدد 11 – 16 يتحدث فيها عن ميزان جميع الفضائل وهي فضيلة الإفراز والتمييز .. وهنا نبدأ بمفهوم الإفراز .. الإفراز هو إختيار ما يُناسب من الكلام والمواقف والأعمال وكل ما يُعرض عليَّ .. الإفراز هو التدقيق والتأني .. هو دراسة لكل الأمور معاً .. هو نظرة شاملة لكل المواقف .. هو القدرة على اختيار الوقت المناسب للكلام المناسب وبالطريقة المناسبة ، هو الإهتمام بالبنيان للفرد والمجموعة .. هو فرز لجميع الأمور بتدقيق ومعرفة بما يناسب وما لا يُناسب ما أجمل كلام بولس الرسول { الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يُحكم فيه روحياً .. وأما الروحي فيحكم في كل شيءٍ .....} ( 1كو 2 : 14 – 15) .. يعرف ما يناسبه وما لا يناسبه .. ما أجمل كلامه { كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق }( 1كو 6 : 12) سأل القديس الأنبا أنطونيوس تلاميذه عن ما هي أعظم الفضائل ؟ فقالوا التواضع .. فصمت .. فقالوا المحبة .. فصمت .. فقالوا الصلاة .. فصمت .. فقالوا له قل لنا يا أبانا .. فقال لهم الإفراز والتمييز لأن هذه الفضيلة تجعلك تعرف طريق الإتضاع والمحبة والصلاة الإنسان في حياة الإفراز إقتنى طريق الوسط .. هو الذي يُرشد الإنسان بما يناسبه .. هو معرفة جديدة للنفس بكل مميزاتها وعيوبها ونقائصها .. إني أعرف أن لديَّ ضعفٍ ما في بعض الأمور للبحث عن حلول لها واختيار الأمر المناسب لكي يُعمل .. هو عطية تُعطى للنفس الأمينة مع الله .. نجد ما هو متحير في أمور كثيرة فهو محتاج إفراز لكي يعرف الطريق الذي يُناسب عندما نجد إنسان مُحب للوحدة .. ولكن كيف تقضي وحدة مع الله ؟ وهل هذه الوحدة بسبب كره الناس ؟ أم هي عزلة لأنك تحب الله أكثر من الناس ؟ هناك فرق كبير بين الوحدة والإكتئاب .. فالوحدة هي أنك ترجو أن تحيا مع الله وأنت تحب الناس .. وتتكلم مع الله من أجل الناس الذين تحبهم .. فأنت تتوحد مع الله ومن أجل الله ومن أجل محبتك للناس الأنبا أنطونيوس عاش دون أن يرى الناس حوالي 20 سنة .. وعلاقته مع الله تنمو جداً .. ويصلي من أجل الناس .. ولكن بعد هذه المدة الطويلة والسنوات الكثيرة عندما سمع عن بدعة أريوس القائلة بأن المسيح ليس الله فاتخذ قرار أن ينزل إلى الإسكندرية حتى يرى الناس التي تأثرت من كلام أريوس عن طريق التحدث إليهم والوعظ فيهم .. كل هذا بسبب محبته لله والكنيسة والمؤمنين .. الإفراز أعطاه أن يعرف أن هذا التصرف هو الصحيح .. أن ينزل إلى الناس لكي يعظهم برغم إنه راهب .. فإن العزلة في وقت من الأوقات .. أو الخدمة في وقت آخر تحتاج إلى إفراز وتسأل البعض بعد كل هذه السنوات فما هو الشكل الذي وصل إليه الأنبا أنطونيوس .. هل حزين ومكتئب أم فَرِح ؟ هل جسمه نحيف أم بدين ؟ حقاً عشرون سنة لا يراه أحد .. ولما خرج القديس كان معتدلاً في كل أموره .. مبتسم وأيضاً لم يكن نحيفاً أو بديناً ولكنه معتدل .

مجالات الإفراز والتمييز :-
أولاً : المجال الروحي :-
الحياة مع الله تحتاج إلى إفراز .. أي تعرف مستواك الروحي وتعيش فيه .. كيف أصوم وإلى متى ؟ كم مطانية ؟ في تدريب الصمت أتكلم متى ولماذا ؟ كم مزمور يُقرأ في صلاة باكر ؟ كم قراءاتك في الكتاب المقدس ؟ إبتعد عن الإندفاع ولا تُكثر من البداية في الصلوات والقراءات والمطانيات فوق قدرتك حتى لا تُعثر نفسك وحتى لا تُضرب ضربة قوية من الشيطان إذا استمريت على هذا المقدار ولتكن ثلاث أسابيع أو شهر ويجعلك تقارن نفسك بغيرك الذي لم يقرأ كل هذه القراءات اليومية أو لا يُكثر مثلك في الصلوات .. ولا يقوم بعمل كل هذه المطانيات .. ولا يستطيع أن يصوم إنقطاعي حتى الغروب .. فإنك بهذا تعمل لا على خلاص نفسك بل على هلاك نفسك .. فإعرف قدراتك وتدرج على حسب قامتك الروحية لهذا تقول لنا الآية { لا تكن باراً كثيراً } ( جا 7 : 16) .. أي لا تكن باراً بزيادة بالنسبة لك .. حسب قامتك الروحية .. حسب قدراتك ويحددها معك أب الإعتراف .. لنفرض أنك سمعت عن قديس كان لا يرى وجه إمرأة وأردت أن تفعل هذا فعليك أن لا تخرج من حجرتك ولا تتعامل مع أحد وهذا من الصعب تحقيقه وأنت في قامة روحية أقل من هذا القديس .. فإن هذا القديس الذي أخذ هذا العهد على نفسه عندما جاءت إليه أمه لتراه فقال لها إنتظري حتى أصلي .. وبدأ يتصارع مع الله وقال إنه أخذ عهد على نفسه إنه لا يشاهد وجه إمرأة وأمي بالخارج جاءت إليَّ لتراني .. ماذا أفعل ؟ من كثرة صراعه مع الله فارقته نفسه وتنيح ومات .. فالله أعطاه العهد لأنه كان مساوي لقامته الروحية في كتاب مثل كتاب بستان الرهبان يحكي أن هناك راهباً هلك ببره .. كان يظن أنه ليس هناك أحد مثله .. في أصوامه وصلواته فهلك ببره ومن كثرة حنان الله عليه أراه رؤية جميلة .. فرأى ملاك يأتي لأخذ نفسه وهو فرح كثيراً لأنه ذاهب إلى الملكوت وعند وصولهم إلى الباب قال له الملاك أنه سيدخل بمفرده للإستئذان .. وعند خروج الملاك قال له أن إسمه غير موجود .. فاستغرب الراهب من هذا وقال للملاك يبدو أنك قلت إسمي أو بلدي خطأ أو ديري خطأ .. فرجع الملاك إلى الداخل وعندما خرج قال له أنهم لا يعرفونك .. فقال له أُذكر تعبي فإني رجل مجاهد .. فقال له الملاك إنهم قالوا إليَّ لِمَا تأتي ثانياً ؟! ويُقال أن الملاك قبض على يده بقوة وأخذه إلى مكان مظلم .. فصرخ الراهب وقال * قل له إرحمني * .. فأتى صوت يقول له * دعه يدخل * الراهب جاء وهو متكل على بره وتعبه .. ولكن عندما قال إرحمني رحمه الله .. فعندما أفاق الراهب بعد هذه الرؤية عرف أن البر ليس بالكثرة ولكن بكلمة إرحمني يارب أنا الخاطئ .. وأنا غير مستحق فعليك أن تعرف ما يناسبك حتى لا تعثُر الفتيات عليهم أن يعرفوا ما هو مناسب في ملابسهم وما لا يليق .. والفتى عليه أن يعرف ما هو المكان المناسب أن يذهب إليه وما لا يُناسب .. أيضاً الصدقات المناسبة والغير مناسبة .. جميل أن يكون لك إفراز في أعمالك الروحية .. فالآباء يقولون إذا أردت أن تُؤمن نفسك إسأل دوافعك .. فمثلاً ونحن في فترة الصوم إسأل نفسك ما هو سبب صيامك ؟ هل لخلاص النفس .. وأضبط جسدي .. أم لأن كل الناس في حالة صوم .. أم حتى يُقال إني صائم ؟الإفراز يجعل الإنسان مقتنع بالطريق الذي يسير فيه .. رهبنة .. زواج .. كرازة .. يسلك الإنسان بحكمة ويقبل ما أراده الله له .. ويجتهد أن يحيا الآن .. الإفراز يجعلني أعرف متى أتمسك بالرجاء ومتى أتمسك بالتوبة .. أحد القديسين يقول { إحذر أن يكون لك حب بلا تدليل .. وحزم بلا قسوة } .. لهذا يحتاج الإنسان أن يزن الأفكار الخاصة به .. فربنا يسوع كان يعرف متى يصمُت أمام بيلاطس ومتى يتكلم أمامه .. متى يكون صامت في المحاكمات ومتى يتكلم .. ومتى يوبخ الكتبة والفريسيين ومتى يشجع الخطاة والزناة في العطاء عليك أن تعرف لمن تعطي ومتى تعطي وكم وأين تعطي .. وإذا كان لديك موهبة .. كتابة .. إلقاء .. موسيقى .. حلاوة صوت .. عزف .. رسم .. كيف أوظف الموهبة حتى لا تكون سبب لهلاكي .. القديسين يقولون قاعدة .. يوم حصولك على موهبة أُطلب شيئين .. أعطيني يا الله تواضع مع الموهبة أو تأخذ هذه الموهبة مني .. عليك أن تعرف متى تواجه ومتى تهرب .. الله هرب من هيرودس وتقابل مع بيلاطس .. أيضاً عليَّ أن أعرف متى أتكلم ومتى أصمت .. فهناك صمت يُحسب حكمة .. وهناك صمت يُحسب جهالة الإفراز في مجالاتنا الروحية هو أن أعرف القانون الذي يناسبني .. والإبتعاد عن الخطية التي أكررها وأبتعد عنها .. أعرف الفرق بين الضبط والكبت .. الضبط أن تعرف أن هناك إحتياج للمال مثلاً ولكنه يقدر أن يضبط هذا الإحتياج ويتسلط عليه .. أما الكبت هو أن يعرف إنه محتاج للمال ولكنه لا يستطيع أن يضبط هذا الإحتياج ويحيا مكبوتاً لأنه يشعر أنه مقهوراً .. ما الفرق بين السماحة والجُبن ؟ وما الفرق بين الحرية والإنحلال ؟ الفرق بين الإيمان والتسليم لله وبين السلبية والتواكل ؟ ما الفرق بين قوة الشخصية والكبرياء ؟ الفرق بين الإتضاع وصغر النفس ؟ كل هذا يحتاج إلى إفراز .
ثانياً : المجال الإجتماعي :-
كيف أتعامل مع المجتمع بتوازن ؟ وكيف أتعامل مع المال ؟ كيف يلبي لي المال الإحتياجات دون أن أكون أنا عبد له ؟ كيف أتعامل مع أسرتي ؟ وكيف أتعامل مع من يكرهني ؟ كيف أتعامل مع شخص ملتزم وآخر مستهتر ؟ كيف أتعامل مع غير المؤمنين ؟ كيف أتعامل مع المجتمع على حسب طلباتي ودخلي دون أن أعيش في صراع ؟ كيف أغلب إحتياجات نفسي ؟ كيف أتعامل مع الطوائف الأخرى ؟ كيف أتعامل مع من في عداوة بين أسرتي وبينهم ؟ الحياة في المجتمع تحتاج إفراز في المظهر .. والمأكل .. الملبس .. السلوك .. الإحتكاكات .. السلوك بمعرفة .
كيف أقتني الإفراز ؟:-
عليك أن تعرف أنها عطية من الله .. نعمة منه يعطيها هبة للإنسان أحصل عليها من خلال صلاتي .. إجتهاداتي .. قراءاتي للإنجيل .. عندما أعيش مع الله في العمق تُعطى إليَّ هذه النعمة .. التودد للنعمة تعطينا ينابيع حكمة إلهية .. أول مصدر للإفراز هو الثبات في المسيح .. ثانياً معاشرة ومسايرة الحكماء .. فعندما أرى تصرف من شخص حكيم سأتعلم .. لهذا يقول لنا الكتاب { المُساير الحكماء يصير حكيماً ورفيق الجُهال يُضر } ( أم 13 : 20 ) .. جميل أن تكتشف كيف تتصرف من تصرفات الآخرين .. راجع تصرفات الأهل والأقارب ومن الآباء الكهنة والخدام لكي تتعلموا من مواقفهم وتصرفاتهم متى تكلموا ومتى صمتوا .. كما رأينا سيدنا البابا عندما تُوضع الكنيسة في ضائقة ونراه يصمُت .. ويقول { أحياناً الصمت يتكلم أكثر من الكلام .. فالله يسمع في صمتنا ما لا نستطيع أن نتكلم به .. فهو يسمع في الصمت ما نُعنيه وما نُعانيه } .. الصمت له معاني .. ونراه في مواقف أخرى يتكلم ولكنه متى يتكلم ومتى يصمُت فالأمر يحتاج إفراز .. عِش بقلب تلميذ .. يعرف أن يتعلم .. وهناك من يعيش ولا يعرف أن يتعلم .. تعلم كيف تسلُك وكيف تحيا ثالثاً التعلم من الأخطاء .. في موقف ما كان يجب أن أعمل شئ ولا أفعله فتعلمت منه التصرف الصحيح .. الإنسان الذي بلا إفراز هو الذي يكرر أخطاؤه .. راجع نفسك واعرف خطأك وقيِّمها مرة ثانية واتعلم الصواب .. جميل أن تشتاق لفضيلة الإفراز .. أطلب دائماً من الله وقول له * يارب علمني أن أختار ما يناسبني .. علمني أن آخذ حكمة من عندك لكي أعرف كيف أتكلم ومتى أتكلم .. ماذا ألبس .. من أخدم وكيف أخدم .. كيف أتعامل مع من حولي ومتى .. متى أصلي وكيف أصلي * .. لهذا أقول مع بولس الرسول { وأما الروحي فيحكم في كل شيءٍ وهو لا يُحكم فيه من أحدٍ } الله يعطينا نعمة الإفراز ويكمل نعمته فينا ولإلهنا المجد إلى الأبد آمين

عدد الزيارات 3726

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل