الهدف الواضح

من إنجيل معلمنا يوحنا الإصحاح 17 .. ﴿ أنا أظهرت إسمك للناس الذين أعطيتني من العالم .. كانوا لك وأعطيتهم لي .... ﴾ ( يو 17 : 6 ) .. حتى ﴿ ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق ﴾( يو 17 : 19) .. على الإنسان أن يكون له هدف واضح يسعى إليه .. وكما يقول الإبن للآب﴿ العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته ﴾ ( يو 17 : 4 ) .. ويقول أيضاً ﴿ أنا مجدتك على الأرض ﴾ ( يو 17 : 4 ) .. هدف واضح ويعلمه جيداً .. تخيل أنك لا تعرف لماذا أنت في الحياة ؟
ضرورة تحديد الهدف :-
يجب وضع أهداف أساسية أولها إرضاء الله .. نمجده لكي نربح الأبدية .. فإن معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبي يقول ﴿ ما كان لي ربحاً فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة بل إني أحسب كل شيءٍ أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح ﴾ ( في 3 : 7 – 8 ) .. كل ما حسبه ربح قديماً الآن حسبه نفاية لأجل المسيح .. فإن هدفه قديماً أن يمتلك المال أو الكرامة ولكن بعد معرفة المسيح كل هذا أصبح نفاية .. النفاية هي القمامة .. فمن كان هدفه واضح عرف كيف يرتب أولوياته .
إذا حصرنا الأسباب التي تعيش من أجلها الناس فهي سببان :-
1. الذات .
2. اللذات .
فإن الحياة من أجل الذات أو اللذات غير مُشبعة أما الحياة من أجل المسيح والأبدية تُروي لأن فيها إشباع للإنسان .. أحياناً ينسى الإنسان الأبدية وبهذا لا يستطيع أن يجاهد من أجلها لأنه لا يفكر فيها الله أعطانا هذا العمر حتى تكون الأبدية أمامنا .. إجعل الأبدية هدفك لأن عندما يضيع هذا الهدف تضيع معه أشياء ثمينة .. لا تجعل أهدافك ثانوية حتى لا تجري وراء سراب .. الزواج والأبناء والتعليم والغِنى .. كل هذه ليست أهداف ولكنها أشياء مساعدة .. يجب أن نعيش من أجل أهداف أسمى وأغلى « الأبدية » .. لا تجعل الأهداف الثانوية تجعلك بعيد عن الملكوت .. هدف يستحق الحياة وكما يقول الآباء القديسين ﴿ طوبى للذين يعملون الآن بكل قوتهم من أجل ربح الأبدية .. فإن لحظة واحدة في هذا المجد سوف تُنسيهم كل أتعابهم ﴾ لهذا نرى من القديسين الذين إستغنوا عن العالم لأن هدفهم واضح فعرفوا التضحية مثل مكسيموس ودوماديوس أولاد ملك .. القديس أرسانيوس مُعلم أولاد الملوك .. كل وسائل الراحة والترفيه بالنسبة لهم غير مُشبعة .. القديسة أناسيمون كانت ملكة تستغنى عن المُلك لأن هدفها واضح تريد الملكوت وإرضاء الله .. أتذكر أستاذ جامعي وكان أمامه مستقبل كبير جداً ولكن بداخله إشتياق للرهبنة وبالفعل حدث ذلك ودخل الدير .. وعندما أردت الإطمئنان عليه وهل تأقلم مع الدير أم لا .. وعند الذهاب إليه وسؤاله عرفت أنه حزين جداً لأنه لم يأتي من قبل إلى الدير .. لأنه وجد المسيح .. وجد الجوهرة الغالية كثيرة الثمن أهل العالم يتصارعوا على المُلك وأولاد الله يهربوا من المُلك .. أهل العالم يبحثون عن كرامات وأولاد الله يعيشون بلا كرامة لأن الهدف واضح .. كل يوم يجب مراجعة هدفي .. أحد الآباء يقول كلمة جميلة ﴿ فليبحث غيري عن ما يشاء عوضاً عنك .. أما أنا فلا يلذ لي إلا أنت ﴾ داود النبي رغم أنه ملك لا ينسى أنه عبد عند الله وعندما يرغب أن يحنن قلب الله يقول ﴿ اذكر يارب داود وكل دعته ﴾ ( مز 131 – من مزامير النوم ) .. يستميل قلب الله بوداعته .. أيضاً أستير الملكة ولها من الخدم الكثير ولكن كل هذا لا تبالي به وكانت تقول دائماً « يارب إني أكره سبب أبهتي وأنا منذ أتيت إلى هذا القصر لم أفرح به ولم أُسر ولم أشترك في ولائمهم ولم يفرح قلبي لحظة واحدة ولا يوم واحد إلا بك أنت وحدك يا إله آبائي » .. يُقال على القديس أنطونيوس أنه ﴿ كان أنطونيوس يتنفس المسيح ﴾ يعطينا الله عمر حتى نُكمل توبتنا حتى نكسب الأبدية .. الله يتمهل علينا .. فيجب أن أعرف أن حياتي لها عدة أسباب :-
1) أُكمل توبتي .
2) أُحقق رسالتي .
مثل موسى النبي الذي أخذ الله من عمره 80 سنة ليجهزه للرسالة .. تعيس الإنسان الذي يفقد هدفه .. من أجل هذا أحد الفلاسفة يقول ﴿ لا تحزن إن لم تحقق هدفك لكن إحزن بالحقيقة إن كنت تحيا بلا هدف ﴾ .. القديس أغسطينوس يقول لربنا يسوع ﴿ خلقتنا يارب لك فلا ولن تطمئن نفوسنا إلا بالحياة معك ﴾ ما هو السبب الذي يجعل أم تقدم أطفالها للمسيح ؟ في الكنيسة الأولى عندما يكون هناك إمرأة لم تنجب تحزن جداً لأنها كانت ترغب أن يكون لها إبن شهيد .. في الحياة العادية مثلاً عندما يوجد شخص يدرس يجب عليه معرفة سبب دراسته .. إدراكه يتسع .. النجاح .. ولكن النجاح للمسيح .. من يتزوج له هدف .. من يعمل لكي يسد إحتياجات بيته .. كل هذا من الأهداف المرحلية .. أما الهدف الروحي هو ربح الأبدية من خلال أعمال مرحلية يعطيها الله لنا .. فعلينا أن نراجع أهدافنا .. هل نرضي الله ؟من كان هدفه واضح يقول مع أرميا النبي ﴿ نصيبي هو الرب قالت نفسي ﴾ ( مرا 3 : 24 ) ﴿ من لي في السماء ومعك لا أريد شيئاً في الأرض ﴾ ( مز 73 : 25 ) القديس أغسطينوس يقول لنا ﴿ أنظر إلى الحب الذي في داخلك وأنت تعلم إلى أي مدينة تتجه ﴾ .. تحب العالم .. تحب الشهوة .. تحب الطهارة .. تحب الإتضاع .. تحب الكبرياء ؟يُقال عن القديس أرسانيوس مُعلم أولاد الملوك أنه كان يخاطب نفسه ويقول ﴿ يا أرساني تأمل ما أنت خرجت لأجله ﴾ .. كل ما كان الهدف أكبر كل ما كان تحقيقه أكبر ومجهوده أكبر .. السماء كبيرة جداً .. هدف كبير .. ﴿ ما لم تر عين ولم تسمع أُذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه ﴾ ( 1كو 2 : 9 ) .. ﴿ الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالإبتهاج ﴾ ( مز 125 – من مزامير الغروب ) .. ولكن من يزرع دائماً عينه على الحصاد حتى لا يضيع منه الهدف من أراد أن يعيش مع الله هناك تعب ينتظرهم .. صوم .. صلاة .. دموع .. إنسحاق وإتضاع .. عطاء .. تسامح .. وكما يقول القديس أبو مقار ﴿ يا أولادي إن البئر عميقة ولكن ماءها طيب وحلو ولذيذ .. ها أن الطريق ضيق ولكن المدينة مليئة فرح وسرور ﴾ .. جاهد من أجل تحقيق الهدف .. إذا كان المسيح أمين في رسالته قال ﴿ أنا مجدتك على الأرض العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته ﴾ .. ما أجمل هدف إرضاء الله ونمجد الله وتكون الأبدية هدفنا الأكبر وأي هدف آخر يكون من خلال هذه الأهداف ربنا يوضح أهداف حياتنا ويكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته ولإلهنا المجد إلى الأبد آمين