علمنى أن أصنع مشيئتك ج2

تحدثنا عن السلوك حسب إرادة الله .. وذكرنا أن معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية الإصحاح " 12 " يقول { لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة } ( رو 12 : 2 ) .. ذكرنا أيضاً أن هناك ثلاثة أنواع من السلوك في الإرادة :-
1/ السلوك بحسب إرادة الإنسان .
2/ السلوك بحسب إرادة الناس .
3/ السلوك بحسب إرادة الله .
لكي نعرف أننا نسير حسب إرادة الله نلخص ما يلي في " 3 " نقاط :-
أ/ أسلك بحسب الصلاة .
ب/ أسلك بحسب الإنجيل .
ج/ أسلك بحسب الكنيسة .
عندما تدخل إليَّ أي فكرة وأريد معرفة إرادة الله فأسأل نفسي عن الثلاث نقاط التالية .. هل صليت ؟ هل هذه الفكرة تتماشى مع الإنجيل ؟ وهل تتفق مع رأي الكنيسة ؟
أ/ الصلاة :-
عندما تدخل إليَّ فكرة عليَّ أن أكون محايد وأقف أمام الله وأتخلى عن إرادتي وأسأله هل هذه الفكرة من عندك ؟ من بداخله روح الله تجده شخص متأني ويريد فرصته لكي يصلي ويعرف ما هي إرادة الله بداخله .. لذلك فإن الإندفاع .. التهور .. والقرارات السريعة ليست من روح الله .. فما أجمل أن تعيش حسب إرادة الله .. في البداية أي فكرة تأتي إليَّ أفكر فيها .. بعدها أضع هذا التفكير أمام الله .. لأن الله لا يريد أن يلغي عقولنا أو إرادتنا البشرية .. ولكنه يريد أن يقدس عقولنا وإرادتنا .. لهذا نقول أن الإنسان الروحاني روحه يقود فكره وروح الله يقود روحه .
كيان الإنسان ← الفكر ← الروح ← روح الله .
جميل الإنسان الذي يعرض روحه وفكره أمام الله .. ثم يتأنى وينتظر حتى يتأكد أن الصوت الإلهي هو الذي في داخله تأكد أن الله يريدك أن تفعل هذا وبطريقةٍ ما .. { أمسكت بيدي اليمنى .. برأيك تهديني }( مز 73 : 23 – 24 ) .. جميل المزمور الذي يقول { يُعلم الودعاء طرقه } ( مز 25 : 9 ) .. الله يعطي الإنسان علامة لهذا يقول { أُعلمك وأُرشدك الطريق التي تسلكها } ( مز 32 : 8 ) .. من المستحيل أن يقف الإنسان أمام الله يتضرع إليه وربنا يحيره .. فهو الأب الملتمس الخير لأولاده فيجيبه .. فهو الأب الإله الذي يريد أن يعرض علينا رأيه قبل أن نسأله .. جميل أن تُخضع فكرك لفكر الله قيل عن القديس أبو مقار أن جاءه فكر ذات يوم أن يدخل البرية الداخلية ليرى أبناؤه السواح .. ولكنه خاف أن يكون هذا الفكر من عند الشيطان وليس من عند الله .. فظل القديس العظيم يصلي حتى يتأكد من إرادة الله ثلاث سنوات حتى تأكد تماماً من إرادة الله في هذه الفكرة .. لأن فكره منقاد إلى روح الله .. ولكن الفكر يجب أن يُسلم إلى الله ليس من الخطأ أن يكون لدينا فكر .. أو ميل تجاه شئ ما .. أو رغبة لكن الأجمل أن أضع كل هذا في يده وأصلي من أجله .. ما أجمل أن أقول { أقدم لك يا سيدي مشورة حريتي } .. فأنا يارب أصلي حتى تقول لي ماذا تريده أنت .. أعطيني يارب علامة .. ولكن حذاري أن تطلب علامة خارج نفسك .. فالعلامة تخرج من داخلك .. من قلبك .. صوت الله واضح جداً ومميز جداً يملأ الإنسان سلام وفرح .. هذا هو صوت الله .. وكما نقول { أعطيت سروراً لقلبي } ( مز 4 : 7 ) .. ما أجمل التضرع إلى الله لمعرفة مشيئته .. وكما كان يقول داود النبي { عرفني يارب الطريق التي أسلك فيها ... علمني أن أصنع مشيئتك ... روحك القدوس فليهدني إلى الإستقامة } ( مز 143 : 8 ، 10) ما أجمل صلاة الأجبية في طلب المشورة .. وأيضاً صلاة المزامير التي نلتمس بها المشورة .. مثل مزامير صلاة باكر { يارب اسمع صلاتي } ( مز 143 : 1) .. { إليك يارب رفعت نفسي .. إلهي عليك توكلت} ( مز 24 : 1) .
ب/ الإنجيل :-
الإنجيل هو الوصايا .. والوصايا واضحة .. الإنجيل كلمة الله القادرة أن تُحكمك للخلاص .. وكما يقول لنا بولس الرسول { فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح } ( في 1 : 27 ) .. ويقول أيضاً{ حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام } ( أف 6 : 15) .. ويقول أحد الآباء { لا تعمل عملاً إلا ويكون لك عليه شاهد من الإنجيل } .. تخيل أن كل أعمالنا اليومية يجب أن يوضع أمامها شاهد يحققها من الإنجيل إبتداء من الإستيقاظ مبكراً .. { يا الله إلهي إليك أبكر } ( مز 62 : 1) .. عند العمل والأكل والشرب وتربية الأولاد وهكذا .. { سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي } ( مز 119 : 105 ) .. الإنجيل يقودك ويرشدك .. تشعر أن الله يكلمك بطريقة واضحة جداً في الآيات .. صوته مميز جميل أن تأخذ سلوكك من الإنجيل فهو ملئ بكل المواقف الإيجابية والسلبية .. لهذا نرى الإنجيل يذكر لنا أخطاء الأنبياء حتى يحذرنا من الوقوع فيها .. على سبيل المثال إن كنت تريد أن تعيش مثل أبونا إبراهيم في إيمانه .. فهذه هي عظمة هذا الرجل .. ولكن كان هناك عدة ضعفات له .. كِذب وقال أن سارة أخته .. فالإنجيل منهج حياة يضع لنا كل التفاصيل والمواقف .. أحياناً أكون مثل أبونا إبراهيم أخاف ولكن يجب عليَّ أن لا أكذب وأقول الحقيقة الإنجيل يُعلم في كل موقف وحدث .. نذكر قصة راهب عند دخوله الدير في فترة الستينات ذهب إليه أهله لتوبيخه على قراره في الرهبنة لأنه ترك أهله وفعل هذا .. جاءته فكرة أن يقول لهم أنه يطاوع الإنجيل وذكر لهم الآيات الموجودة في الإنجيل .. وفي هذا الوقت إنتهى الحديث وتركوه كما يشاء أن يفعل .. فكلام الإنجيل قوي عندما ذكر لهم الآية التي تقول من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني( مت 10 : 37 ) عندما أريد قوة وسند أتذكر كلام الإنجيل والوعود الخاصة بالملكوت .. فما أجمل المزمور الذي يقول لله { اذكر لعبدك كلامك الذي جعلتني عليه أتكل } ( مز 119 : 49 ) .. أنا أتكل على كلامك وليس كلامي .. إحذر أن يتحول الإنجيل إلى كتاب قصص وتاريخ .. فإنه كتاب حياة .. مواعيد الله للقديسين هي مواعيد لنا نحن .. قصص أبونا إبراهيم وإسحق ويعقوب وعبور البحر الأحمر والتيه في البرية يجب أن أعيش داخلها لكي أطمئن .. جميل أن تتذكر كلمة الله لك .. أشعياء النبي عندما يتكلم مع ربنا يقول { كن لي ضامناً } ( أش 38 : 14) .. فأنت يا الله ضامن لخطواتي وكلامي .
ج/ السلوك حسب الكنيسة :-
يتم هذا على جزئين مهمين جداً :-
1) العبادة في الكنيسة .
2) مشورة الآباء .
1) العبادة في الكنيسة :-
وذلك عن طريق حضور القداسات لمعرفة أمرٍ ما ويتحول القداس بالنسبة له وسيلة مخاطبة .. وترى قديس اليوم يوجه لك نداءٍ ما .. ترى في كلام القداس وروح الصلاة إنفتاح السماء على الأرض تقودك للأمر الذي به خلاصك .. نرى عبارة كثيراً ما تتردد في تاريخ الكنيسة والسنكسار .. قديس ما إحتار في أمر فنسمع يقول * وذهب إلى الكنيسة وسمع ما استراح إليه * .. الأنبا أنطونيوس بداخله فكرة الرهبنة وكان يصلي من أجل هذا الأمر .. دخل الكنيسة أثناء القداس فسمع الآية واضحة { إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعطِ الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني } ( مت 19 : 21 ) يُقال عن القديس أبانوب – الطفل الصغير – أن من أعطاه شجاعة وجرأة أنه دخل الكنيسة وسمع عبارة * العالم يمضي وشهوته * ( 1يو 2 : 17) .. الآية أعطت له القوة حتى وهو يعرف أنه سيموت جميل أن تأخذ من قراءات الكنيسة أوامر .. وتسلك حسب فكر الكنيسة .. نرى أن الكنيسة تؤمن أن المنجلية هي فم يسوع .. وكما أن يسوع كان يُعلم على الجبل نرى المنجلية في مكان مرتفع وكأن يسوع يعلمنا من على جبل .. وكل ما نتعلمه ننفذه حضور عدة قداسات وأصلي من أجل الأمر .. وجميل أن يكون عندي إيمان أن المذبح ناطق سمائي .. أي أن المذبح حي وليس حجارة .. فإنه قادر أن يقول لنا كلمة .. أحضر القداس .. أسمع الإنجيل .. أتشفع بقديس اليوم في السنكسار .. أتناول وأصلي أثناء التناول وبعدها أشعر بسلام أو براحة دائمة .. أو بقلق وخوف يزداد تجاه ما أصلي من أجله فأعرف أنه ليس من الله علينا عندما نصلي أن يكون بداخلنا أن الله عندما يقول كلمته بنعم أو لا أقول أنا له * نعم .. ولتكن إرادتك * .. ما أجمل أن تعلمنا الكنيسة في صلاة المشورة أن أقول لربنا إذا كان عندي ميل تجاه هذا الشئ وهذا مخالف لإرادتك فإنزع إنت مني هذا الميل .
2) روح المشورة :-
الكتاب يقول لنا { أما الخلاص فبكثرة المشيرين } ( أم 11 : 14) .. ويقول لنا سفر الأمثال{ طريق الجاهل مستقيم في عينيه .. أما سامع المشورة فهو حكيم } ( أم 12 : 15) .. يجب أن يكون لدينا روح مشورة .. يجب أن نستشير الكنيسة الممثلة في رجالها وكهنتها وآبائها الذين بهم روح الله .. يكونوا محايدين فيهم فكر المسيح وفكر الإنجيل .. من يذهب إلى الكنيسة ليعرض الأمر هو أيضاً عليه أن يكون محايد لا يأخذ قرار ويحتاج التصريح .. ولكن يطلب من الآباء أن تصلي .. وهو أيضاً يصلي ولكن لا تؤكد إرادة عندك أنت ولكن ينبغي قبل أخذ مشورة الآباء في الكنيسة أن تكون قد إتبعت كل الخطوات السابقة .. فكرت وصليت وقرأت في الإنجيل وحضرت القداسات ورفعت المشكلة إلى المذبح وبعدها تذهب لمشورة الكهنة .. إن الناس لأن عشرتها مع الله ضعيفة تريد أن تريح ضميرها فتأتي إلى الكاهن تطلب منه المشورة دون صلاة أو قراءات أو هذا مؤشر ضعف لأن النفس التي لم تتدرب على سماع صوت الله في داخلها فهي فقيرة في عشرتها مع الله لهذا تُلقي المسئولية على غيرها ليس من حق أي كاهن أن يجعلك * صفر * .. لا يطلب منك أن تفكر .. أو تصلي .. ويقول لك أن الإجابة تخرج من عنده فقط وأنه يرد عليك بعد ثلاث قداسات .. لا يعرف الإنسان إلا روح الإنسان .. يجب عليك أنت أن تصلي أولاً .. وتقرأ في الإنجيل .. وتتضرع إلى الله كثيراً ثم تستشير كاهن حتى تكون هذه هي إرادة الله بعد كل هذا تشعر أن هذا من الله تماماً فتستريح وتُقدم على عمل الشئ .. فإذا فرضنا أن بعد كل هذا شعر الإنسان بأنه غير مرتاح .. في هذا الوقت يستطيع أن يقف أمام الله ويعاتبه ويقول له * ما أكثر صلاتي ومشوراتي يارب .. أنا لم أفعل هذا الشئ إلا عندما تأكدت من إرادتك ومشيئتك .. فساعدني يارب على هذه الأتعاب واحملها عني * يُقال عن أحد الآباء أنه كثيراً ما حُورب في طريق الرهبنة .. وجاءه فكر أن هذا الطريق ليس طريقك .. فكان يقف هذا الراهب ويقول لربنا * أنت الذي سبق وحرضتني فكن لي مُبارِكاً * .. ما أجمل الإنسان الذي يعمل كل شئ بالإتكال على ربنا حتى يستطيع أن يعاتبه .. لا شهوة تمتلكه .. ولا كرامة تأخذه .. ينتقل من مجد إلى مجد ربنا يقودنا إلى إرادته الصالحة الكاملة المرضية لكي لا نصنع غير إرادته في حياتنا ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته ولإلهنا المجد دائماً أبدياً آمين