واقتيد بالروح الاحد الرابع من بشنس

اقتيد بالروح
سنتحدث بنعمة ربنا على إنجيل التجربة على الجبل .. ونفس هذا الفصل يُقرأ علينا في أثناء رحلة الصوم الكبير .. ولكن اليوم تريد الكنيسة من هذا الفصل أن تركز على الإنقياد لروح الله .. فنحن في الأحد الأول الذي يلي أحد حلول الروح القدس ولهذا نجد أن الكتاب المقدس يقول ﴿ أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئاً من الروح القدس وكان يقتاد بالروح في البرية أربعين يوماً يُجرب من إبليس ﴾( لو 4 : 1 – 2 ) .. ولهذا نريد أن نتكلم على قيادة الروح وكيف يحيا الإنسان منقاد بالروح وكيف يمتلئ الإنسان بالروح فيطيع الروح وكيف يسلك الإنسان بحسب روح الله .. ﴿ لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ﴾ ( رو 8 : 14) .. فالإنسان الذي روح الله نشيط داخله نجد أنه يقوده ويعلمه ويرشده ويوجهه وينصحه وإذا سلك الإنسان في طريق غريب أو في طريق لا يرضي صلاح الله تجد الروح القدس يرشده ويوبخه ويبكته ويرجعه عن طريق ضلاله وعن هذا الطريق الذي لا يُسر الله به .
وفي هذا الفصل نجد أن الروح قاد ربنا يسوع إلى البرية ليُجرب من إبليس .. وهكذا بالنسبة لنا فعلينا أن نسلم أمور حياتنا كلها لله في ثقة أنه يقودنا لخيرنا وحتى إن كانت تبدو الأمور على إنها تجارب أو شدائد أو ضيقات .. وحتى إذا قادنا الروح إلى برية أو قادنا إلى تجارب مختلفة ومتنوعة إلا أن الإنسان الذي يسلك بروح الله فهو سوف يغلب أيضاً بروح الله .. ولهذا من المهم أن نحقق قصد الله في حياتنا .. جميل أن يسأل الإنسان نفسه باستمرار هل هو يعيش بحسب الروح أم بحسب الجسد ؟ هل يعيش بحسب فكر روح الله الذي داخله ؟ وهل ما فيه الآن هو ما يريده الله له ؟ هل ينقاد بروح الله ؟ فيقول معلمنا بولس الرسول ﴿ لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمالٍ صالحةٍ قد سبق فأعدها لكي نسلك فيها ﴾ ( أف 2 : 10) .. فالله هو الذي عملنا بيده وهو يريد أن يهيئنا لأعمال لكي نسلك فيها .فما أجمل الإنسان الذي يسلك بروح الله ويسلك في الأعمال التي سبق الله فأعدها له .. وهنا يأتي سؤال مهم وهو كيف يتأكد الإنسان من أنه يسلك بحسب الروح ولا يسلك بحسب نفسه ؟ ولهذا سنتحدث في ثلاث نقاط :
1)لا تسلك بحسب فكرك .
2)لا تسلك بحسب ضغط الظروف المحيطة .. أي لا تكون إتجاهاتك رد فعل للضغوط .
3)لا تسلك بحسب الأغلبية .
ومن الملاحظ أن كثير من تصرفات الإنسان تكون نتيجة لواحدة من الثلاث نقاط السابقة إما الفكر أو الظروف أو الأغلبية .. فكيف لا يخضع الإنسان لفكره أو للظروف أو للأغلبية ولكن يخضع لروح الله الذي داخله ؟!!
1) لا تسلك بحسب فكرك :
لقد خلق الله في الإنسان الفكر البشري وزينه به .. فالمخلوق الوحيد العاقل الذي يفكر هو الإنسان .. وهنا قد يسأل البعض هل نسلك بحسب فكرنا أم لا ؟ والإجابة هي أن يسلك الإنسان بفكره ولكن بشرط أن فكره يخضع لفكر الله .. ومن الجميل أن الكنيسة تضع لنا صلاة في الأجبية لكي يصليها الإنسان قبل أن يختار أي أمر في حياته ويقول فيها لله ﴿ لا تتركني ومشورة نفسي ﴾ .. أي لا تتركني لأفكاري .. فالإنسان يقدم فكره ويقدم كل ما يريد ولكن روح الله يقود فكره ومن هنا يسلك الإنسان بحسب روح الله .. فإذا كان عند الإنسان فكر فلابد أن يخضع هذا الفكر لروح الله ومن هنا علينا أن نحذر المشورة الذاتية واحذر من أن تختار لنفسك .
ويحكي لنا الكتاب المقدس عن الخلاف الذي حدث بين لوط وإبراهيم ونجد أن لوط رفع عينيه لكي يختار قطعة الأرض .. أي أنه إعتمد على فكره ورأى أن هناك أرض جميلة وفيها ماء وزرع وأنها أرض خضراء وكان يظن أنها خير ولكن نجد أنه إختار سدوم وعمورة ونجد مدى الشر الذي سمح لنفسه أن يعيش فيه ولولا مراحم الله ومحبته لكان هلك لوط هو وأولاده ولكنه دفع ضريبة وهي أنه خسر زوجته وبناته تلوثوا بفكر ردئ وهو إنهم إضطجعوا مع والدهم فمن أين أتى لهم هذا الفكر الردئ ؟ لقد تعلموا مثل هذه القباحات عندما كانوا يعيشون في أرض سدوم وعمورة .. وعلى الجانب الآخر نجد أبونا إبراهيم لم يرفع عينيه ولم يختار ولهذا قال له الله ﴿ لا تخف يا أبرام أنا ترس لك ﴾ ( تك 15 : 1) .. ووعده أنه سوف يعطيه كل هذه الأرض .
أحياناً المشورة الذاتية تتعب الإنسان جداً ولكن على الإنسان أن يقدم مشوراته ويقول لله كل ما يريد ولكن في نفس الوقت يقول * لتكن مشيئة الله * .. فالإنسان يضع كل أفكاره في يدي الله .. ومن الجميل أن أقول ﴿ أقدم لك يا سيدي مشورات حريتي ﴾ .. وأقول لله إن كانت هذه الأفكار تنفع فاستخدمها وإن كانت لا تنفع فلا تستخدمها .. ولهذا فنحن نصلي في الأجبية ونقول * إن لم تكن مشيئتي تتبع مشيئتك إنزع مني الميل إليها * .. فإذا كان هناك رغبة خاصة أو فكر يلح على الإنسان باستمرار أو موضوعٍ ما و إن كان الله لا يريده فنحن نطلب منه أن ينزع هذا الميل وينزعه من أعماق جذور قلب الإنسان مادام لا يرضي الله .
ونجد أن أبونا إبراهيم عندما وُضع في أزمة وهي حدوث مجاعة نزل إلى مصر .. ثم خاف على سارة لأنها جميلة وبدأ يفكر بحسب فكره وقع في مشكلة كبيرة وهي أنه قال على سارة أنها أخته .. ثم دخل في سلسلة من الأخطاء نتيجة للفكر البشري .. فإذا إستخدم الإنسان الفكر البشري في معزل عن الله فإنه ينحرف كثيراً .. وأيضاً عندما حارب يشوع قرية عاي وانهزم في هذه الحرب يقول الكتاب المقدس ﴿ ومن فم الرب لم يسألوا ﴾ ( يش 9 : 14) .. فمن الخطر جداً أن يختار الإنسان لنفسه وأن لا يسأل الله .. فعلى الإنسان أن يضع كل طِلبات حياته وكل خططه بين يدي الله ويحولها إلى صلاة ويسأل روح الله الذي داخله .. والصلاة بإيمان تعطي للإنسان راحة وسلام وعلامات .
ولذلك من الخطر أن يعيش الإنسان بفكره ومن المهم أن يكون عند الإنسان طموحات وآمال ولكن لابد أن تكون كل هذه الأشياء بين يدي الله ويقول * يارب أنت تعلم كل شئ .. أنت الذي تعرف قلوب الجميع .. أنت يارب تقدر أن تُعيِّن أيً من اخترته * .. وتجد مثال هام وهو الآباء الرسل عندما أرادوا أن يختاروا واحداً بدلاً من يهوذا لم يعتمدوا على فكرهم في الإختيار ولم يختاروا على أساس أن هذا الإنسان الذي سيحل محل يهوذا طيب أو ناجح أو مثقف أو يعرف عبري أو يوناني ولكنهم إختاروا بطريقة الصلاة وقالوا ﴿ أيها الرب العارف قلوب الجميع عين أنت من هذين الاثنين أياً اخترته ﴾ ( أع 1 : 24 ) .
ومن هنا نرى مدى جمال إخضاع الفكر لله لأنهم خشوا أن يختاروا من أنفسهم ولكنهم رشحوا بعض من الناس ولكن الله هو الذي يختار .. وهكذا لابد أن يكون الله في كل أمور حياتنا .. إجعل روح الله يقودك واسأل روح الله واسأل صوت الله الذي في داخل أعماق قلبك وهو الذي يجيبك فلا تبحث عن إجابة خارج قلبك .. أو لا تجعل حياتك تعتمد على مجرد كلمة تأخذها من أي إنسان فلابد أن يكون لك مشورة داخل قلبك المنقاد بروح الله فاسمع مشورة أب إعترافك ومشورة المرشدين .. ولكن لابد أن توافق صوت الله الذي في داخل قلبك .
وفي هذه الأيام نجد أن الإنسان فقد التمييز .. وفقد روح الصلاة ويريد أن يخلي مسئوليته من أدق أمور حياته .. وقد يسأل أبونا الكاهن في موضوعٍ ما وما يقوله أبونا الكاهن لهذا الإنسان يفعله ولكن هل الإنسان صلى ؟ وهل سأل الله ؟ أو أنه يكتفي بمجرد أخذ مشورة من أب الإعتراف .. فلابد أن يكون هناك معاملة بين الإنسان والله .. لابد أن يكون لك خفاء .. وهناك ثلاثة أركان هامة لاتخاذ أي قرار وهي أن الإنسان يصلي ويفكر ويستشير وبهذا يكون العقل مصحوب بالصلاة والإرشاد والإسترشاد .. والإنسان الذي ينقاد بروح الله نجد أن روح الله يقوده ويعطيه سلام وراحة في قلبه ونفسه .
2) لا تسلك بحسب ضغط الظروف المحيطة بك :
أحياناً يعمل الإنسان أشياء وهو لا يوافق عليها ولكنه يفعلها من أجل الظروف .. وأحياناً عندما تكون الظروف صعبة قد يأخذ الإنسان قرارات خاطئة .. وأحياناً يأخذ الإنسان قرار لا يحتاجه أو لا يريده هرباً من الظروف .. وتقرأ في الكتاب المقدس في سفر راعوث عن رجل إسمه أليمالك هذا الرجل حدثت مجاعة في بلده فأخذ إمرأته وأولاده وذهب إلى بلد موآب وهناك تزوج أولاده من بنات موآبيات بالرغم من أن الكتاب يُوصي أن لا يأخذ أحد من موآبي ولا من كنعاني وأن لا يختلط بهم ولا يعيش معهم .. ولكن نجد أن أليمالك قد ترك شعبه من أجل الظروف الصعبة ومن أجل المجاعة .. ولكن المهم هل سأل الله أو هل استشار الله ؟ أو أنه حل مشكلة بمشكلة أخرى أصعب .. ويذكر لنا الكتاب المقدس ما حدث بعد ذلك من موت أليمالك وأولاده وتبقى إمرأته وزوجات أولاده .. فهذه القصة فيها لون من ألوان إظهار عواقب إتخاذ القرار الشخصي والبُعد عن روح الله لأن الكتاب يقول ﴿ لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب ﴾ ( تث 23 : 3 ) .. فكيف يخالف الإنسان وصية الله ؟
وأحياناً يريد الإنسان أن يهرب من أمر معين فيستخدم ضغط الظروف في أخذ قرار قد يكون في غير موضعه .. وقد يواجه الإنسان في حياته ظروف صعبة أو صعاب فكيف يستطيع أن يأخذ قرار في مثل هذه الظروف ؟ ولكن على الإنسان أن يصلي ويصبر ويحتمل ويعلم أن الله سمح بهذه الضيقة لتكون سبب خلاص له .. فكل مشكلة في حياتنا وكل ظروف حياتنا لم تأتي صدفة فكل شخص عنده معاناة معينة وهي جزء من خطة خلاصه .. فالفقير أراد الله أن يخلصه بفقره والغني أراد الله أن يخلصه بغناه والمريض أراد الله أن يخلصه بمرضه وكذلك المتألم أو المجرب أو المتضايق .. فلابد أن يعلم الإنسان أن الجزء الذي يتعبه في حياته هو جزء من خطة خلاصه .. فمبارك الإنسان الذي يكشف الله له هذه الحقائق فتجده يعيش في فرح ويكون سعيد وراضي بحاله .. فمعلمنا داود النبي يقول ﴿ خير لي أنك أذللتني ﴾ ( مز 119 : 71 ) .. وأيضاً ﴿ خيراً صنعت مع عبدك ﴾ ( مز 119 : 65 ) .. فتخيل أن داود مطارد من جيش الدولة ولقد تفرغ الملك والجيش لكي يجدوا داود .. وقد كان من الممكن أن يعيش داود في رعب لأنه يعلم أن جيش الدولة يحاربه ولكن نجده يقول ﴿ إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي وإن قام عليَّ قتال ففي هذا أنا أطمئن ﴾ ( مز 27 : 3 ) .. لقد أيقن داود أن كل هذه الأمور لخيره ولخلاصه .
فمن الجميل أن لا يسير الإنسان بحسب فكره أو حسب الظروف .. ويُحكى عن أبونا يعقوب أنه وُضع في نفس الظروف التي وُضع فيها أبونا إبراهيم وهي حدوث مجاعة وكان يوجد خير في مصر وكان يحتاج أن ينزل إلى مصر حتى يأخذ منها الخير .. لقد وُضع في نفس ظروف أبونا إبراهيم ولكن يعقوب كان في قلق وخوف من النزول إلى مصر لأنه لا يريد أن يكرر نفس الخطأ فنجد أن أبونا يعقوب صلى إلى الله وقدم ذبائح لله حتى جاء إليه الله في رؤيا الليل وقال له ﴿ أنا الله إله أبيك لا تخف من النزول إلى مصر ﴾ ( تك 46 : 3 ) .
فنجد أن هناك تصرف عمله شخص وكان خطأ ونفس هذا التصرف عمله شخص آخر ولكنه كان صحيح .. كل هذا نتيجة أن هل هذا الإنسان سأل الله أم لا ؟ فالأمر ليس عبارة عن قواعد ثابتة نضعها لموضوعٍ ما ولكن المهم أن نسأل الله والله هو الذي يجيب .. فالله هو الذي يتكلم في قلبك والله هو الذي يعطيك كلام ليريحك .. ولكن أحياناً يحب الإنسان الطرق السهلة ويحب الحلول البشرية .. وأحياناً يحب الإنسان أن يختار لنفسه الباب الواسع .. ولكن على الإنسان أن لا يختار لنفسه ولا يحل مشكلة بمشكلة ولا يسلك بحسب فكره الشخصي .. ولهذا يقول في سفر الأمثال ﴿ توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت ﴾ ( أم 14 : 12) .. ولهذا لا تطلب راحة لنفسك ولا تطلب الأمور السهلة بل اطلب لنفسك مشورة الله ولا تطلب لنفسك المال أو الشهرة بل اطلب مشيئة الله وقل لله * عاملني بحسب صلاحك * .. وهناك طِلبة جميلة تقول لله * أريني أنا أيضاً صلاحك فيَّ * .
3) لا تسلك بحسب الأغلبية :
أحياناً يقوم الإنسان بعمل أمور وهو غير مقتنع بها تماماً ولكن يبرر ذلك على أساس أن كل الناس تعمل هذه الأمور وبذلك فهو يتبع الأغلبية .. وقد يلبس الإنسان ملابس معينة أو يذهب إلى أماكن معينة .. فهناك الكثير من التصرفات الخطأ وأحياناً يتأثر الإنسان برأي الأغلبية ويعمل مثلهم ولكن على الإنسان الثبات في الوصايا حتى إذا كانت الأغلبية لا تطيع .. وتذكر أنك قطيع صغير وربنا يسوع يقول ﴿ لا تخف أيها القطيع الصغير ﴾ ( لو 12 : 32 ) .. فلا تسير بحسب رأي الأغلبية .
وهناك مثال هام وهو موسى النبي عندما أرسل جواسيس ليتجسسوا أرض الميعاد ورجعوا ومعهم تقرير عن هذه الأرض فنجد أن عشرة منهم قالوا أن هذه الأرض تأكل سكانها وأن هناك شعب يُسمى عماليق وقالوا أنهم كانوا في أعينهم مثل الجراد وهذه الأرض رديئة جداً ولكن إثنين منهم قالوا عكس هذا الكلام وقالوا أنها أرض جيدة جداً إن سُر الله أن يعطيها لنا ( عد 14 : 8 ) .. ولكن للأسف عندما قال هؤلاء العشرة رأيهم نجد أن كل الشعب سار وراء كلامهم وأشاعوا مذمة الأرض ..لقد ظلت رحلة بني إسرائيل مستمرة لمدة " 40 " سنة ثم بعد ذلك يقولوا على أن الأرض تأكل سكانها !! ونجد أن إثنين منهم شهدا على أن الأرض جيدة .
وبعد هذه القصة لا يجب على الإنسان أن يسير برأي الأغلبية لأنه قد لا يدخل أرض الميعاد بسبب رأي الأغلبية فلا يجب على الإنسان أن يسير وراء الصوت العالي لأن هذا الصوت العالي كان في أيام ربنا يسوع يقول أُصلبه ( مر 15 : 13) وكان هذا رأي الأغلبية ولكن إمرأة بيلاطس أرسلت تقول له ﴿ إياك وذلك البار ﴾ ( مت 27 : 19) .. ثم قال بيلاطس أؤدبه وأُطلقه ولكنهم رفضوا وطلبوا أن يُطلق لهم باراباس .
فإذا كان هناك إنسان لا يوجد فيه روح الله فمن الطبيعي أن يكون له سلوك مخالف .. فلا يجب أن تسير بحسب رأيه فاحذر من رأي الأغلبية لأن أحياناً رأي الأغلبية تؤثر على الإنسان وتُفقده الكثير من مشيئته .. وتقرأ في سفر الملوك عن أحد الملوك كان يريد أن يستشير الأنبياء لكي يذهب للحرب أم لا فنجد أن مجموعة قالوا له أن يذهب ونبي واحد قال له أن لا يذهب ولكنه سمع رأي المجموعة فذهب وخسر .. فعلى الإنسان أن يعرف من الذي يسأله .. وهل فيه روح الله أم أنه يجامله ؟ وهل يقول رأيه من فكره أم أن رأيه بحسب رأي الله ؟
لقد تجمع إخوات يوسف عليه لكي يبيعوه وواحد منهم إسمه رأوبين رفض هذا الفعل ولكن للأسف رأيه لم يؤثر على المجموعة ولكن تخيل ما الذي كان سيحدث إذا صمم رأوبين على رأيه أو إنه إنسحب ولم يشترك معهم كان من الممكن أن يتغير الموقف .. فاحذر من تأثير الأغلبية على صنع أي قرار لك ولا تأخذ أي قرار معتمداً على أن كل الناس تعيش بهذا الأسلوب أو هذا المنهج .. لابد أن تسلك بحسب رأي الله وبحسب صوت الله الذي داخلك .. فكل الشعب تجمع على موسى لكي يرجعوا إلى مصر .. لقد تمرد كل الشعب على موسى وكانوا لا يريدوا المن وقالوا ﴿ قد كرهت أنفسنا الطعام السخيف ﴾ ( عد 21 : 5 ) .. هذا الطعام كان الله يعطيه لهم كل يوم في الصباح الباكر والذي يأخذ الكثير من المن كان يكفيه والذي يجمع القليل من المن أيضاً يكفيه والذي يجمع بكثرة ويفيض كان يأخذ كفايته والباقي كان يفسد .. فكان الله يصنع معهم هذه المعجزة ويعلمهم أن لا يكونوا طماعين ومع ذلك تمردوا .
فعلى الإنسان أن يعتمد على تدبير الله في حياته وأن لا يسير بحسب رأي الأغلبية .. فمن الجميل أن يراجع الإنسان نفسه هل هو منقاد بروح الله في كل أمور حياته فأي أمر يحتاج الإنسان أن يعرفه فعليه أن يصلي من أجل هذا الأمر وأن يُخضع روحه لروح الله ويُخضع فكره لفكر الله .. ويُقال على القديس العظيم أبو مقار أن بعض من تلاميذه خرجوا إلى الوحدة وأصبحوا متوحدين فجاء إليه هذا الفكر وهو أن يخرج هو أيضاً للوحدة ولكن ظل القديس أبو مقار يصلي لمدة ثلاث سنوات ليمتحن هذا الفكر هل من نفسه أم من الله حتى يطمئن أن هذه الفكرة ليست من عنده أو إنها مجرد إعجاب بهذه الحياة ؟
فإذا أتى إليك أي فكر فعليك أن تصلي كثيراً وسوف تشعر بصوت إلهي من داخلك وهذا أجمل إختبار يعيشه الإنسان بينه وبين الله وهو أن يعرف مشيئة الله في حياته .. فإذا كنت مملوء بروح الله وحتى إذا قادك الروح إلى تجارب فتجد أنك قادر بروح الله الذي داخلك أن تغلب هذه التجارب ومهما كانت التجارب عنيفة أو متنوعة أو ماكرة إلا أنك تحمل روح الله الذي هو روح النصرة وروح المشورة .
ربنا قادر أن يقودنا بروحه القدوس ويكمل نقائصنا
ويسند كل ضعف فينا بنعمته
ولإلهنا المجد إلى الأبد آمين