ودفعه إلى أمه الأحد الثالث من بابه

Large image

ودفعه إلى أمه
تقرأ الكنيسة علينا في هذا الصباح المبارك فصل من إنجيل مار لوقا البشير يتكلم عن إقامة إبن أرملة نايين .. فهو اقترب من باب المدينة فهو داخل إلى المدينة في موكب وهناك موكب آخر خارج هو جنازة .. فهو موكب حزين .. ﴿ فلما اقترب إلى باب المدينة إذا ميت محمول ابن وحيد لأمه وهي أرملة ومعها جمع كثير من المدينة ﴾ ( لو 7 : 12) .. فكان الموكب حزين .. الأمر مؤلم جداً والجمع كان في تأثُّر شديد .. ﴿ فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبكي ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون فقال أيها الشاب لك أقول قم فجلس الميت وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه ﴾ ( لو 7 : 13 – 15) .. فنحن في كثير بل وأغلب الأحيان نتكلم عن الموتى ولكن اليوم نتكلم عن نقطة مختلفة وهي أمه .. فالأم هي التي تبكي على الإبن .. دفعه إلى أمه .. من أمه ؟ يفسر الآباء القديسين أن الأم هي الكنيسة .. فالنفس البشرية تأتي للكنيسة ميتة وتأخذ من الأسرار المقدسة فتقوم فيدفعه إلى أمه أي دفعه إلى الكنيسة .. فالكنيسة هي الأم .. فنحن أتينا إلى الكنيسة واندفنا في المعمودية وقمنا واتربينا وكبرنا وعشنا وحا نخرج من العالم من الكنيسة .
ففي طقس الكنيسة .. الكنيسة هي التي تأخذ الطفل وتعمده وتلبسه .. فالكنيسة تنزلنا إلى المعمودية وتقمنا وهي التي تأخذنا من يد الأم الجسدية .. فالكنيسة هي التي تستر العُري بيديها .. فالكنيسة هي التي تأتي بالطفل وتعطيه لأمه وهي التي توصي أمه عليه .. فالكنيسة لها سلطان عليه .. لها اهتمام أكثر .. لها في الولد أكثر والدليل على ذلك فإنها هي التي توصي الأم عليه .. الكنيسة توصي الأم على الطفل .. فالأم تكون مجرد وكيلة أو شاهدة أو مؤتمنة على الطفل .. ولكن الكنيسة هي أم النفس الحقيقية وهي تستودع هذه الأمانة في بيت كل فرد وتقول لك خذ بالك من إبني .. خذ بالك من إبنتي .. فأحد الآباء يتخيل أن يوكابد أم موسى النبي كانوا عندما يأتوا بالطفل موسى لترضعه وبعدين ترجعه تاني فكأنها ترجعه إلى الكنيسة .. فالأم كانت مجرد مؤتمنة على الطفل كوكيلة فقط .
فعمل الله في الكنيسة يجعل الكنيسة هي المسئولة عن النفس فهي التي تولد .. وهي التي تكبر .. وهي التي تغذي .. وهي التي تعلم .. فالكنيسة هي المسئولة فإذا ضعف إبنها هي التي تقومه .. إذا شرد إبنها هي التي ترجعه .. إذا ضل إبنها هي التي تسأل عليه .. إذا أخطأ إبنها هي التي تغفر له ..فهي التي تجدد هذه النفس باستمرار عن طريق الأسرار إلى النفس الأخير .. إن الإنسان المؤمن يتولد في الكنيسة .. يتربى في الكنيسة .. يتناول الأسرار في الكنيسة .. يتجوز في الكنيسة .. يتعب تروح له الكنيسة في البيت .. يخرج من الحياة في الكنيسة .. فالكنيسة هو فيها من البداية إلى النهاية .. فالذي يكون في الكنيسة هي لا تمكنه من المضي إلى الأماكن غير المرضية فهي تقول لأمه علميه .. ربيه .. إزرعي فيه البر والتقوى .. فالنفس تجاهد وتحفظ نفسها في العالم بغير دنس .
فالكنيسة تصلي على الموتى وتقول لهذه النفس * إفتح لها يارب باب الراحة * .. إغفر له خطاياه التي صنعها بمعرفة والتي صنعها بغير معرفة .. فالكنيسة أم حنينة تتحايل على المسيح وفي الصلاة تقول * فلتصحبها ملائكة النور * .. فالكنيسة تقول لك أُوصي عليه حتى تبعث ملائكتك ورؤساء الملائكة .. فالسيد المسيح أقام الميت ودفعه إلى أمه .. في الكنيسة تجد راحتك .. تجد سلامك .. تجد أمانك وأملك .. تجد حبك فيها .. فالكنيسة تهتم بأهم أمر وهو أمر يتعلق بنا هو خلاص نفوسنا وبحياتنا الأبدية .. فمن الكنيسة نأخذ الراحة الحقيقية .. وهي أيضاً تعلمنا تعليم روحاني .. تجعل فكرنا فكر سماوي .. تجعلنا نسلك حسب وصايا المسيح .. فلذلك إتمسك بتربيتها لك .. بتعليمها ووصاياها .. خذ روحها واشبع منها .. فتكون إنت نفسك كنيسة .. فتكون إنت حافظ الألحان .. حافظ المردات .. تعرف السنكسار .. تعرف القراءات .. تعرف الآيات .
فالمسيح أراد أن يكون في وسطنا باستمرار وأن يكون معنا دائماً ولكنه لما أتى إلى العالم بالجسد وجلس فيه فترة وتألم وصُلب ومات وقام من الأموات وصعد إلى السموات فقال أنا صعدت ولكني أجعل كنيستي مستمرة في وسطكم فيكون وجودي في وسطكم عن طريق الكنيسة .. فكانت الناس تتبعه وتسير وراءه وتسأل أين هو ؟ فيقولوا أنه الآن في الجليل .. في الناصرة .. في بيت عنيا .. في بيت سمعان .. فكانوا يريدوا أن يسمعوه فأين نذهب إليه ؟
لذلك عندما تأتي إلى الكنيسة إسمع لأنك تسمع من فم المسيح .. فالإنجيل لابد أن نستقبله بإيمان لأننا نسمعه من فم المسيح .. فلذلك يشير الآباء أن المنجلية هي فم المسيح وهكذا أيضاً تؤمن الكنيسة بذلك .. في الموعظة على الجبل يقول ﴿ فتح فاه وعلمهم قائلاً ﴾ ( مت 5 : 2 ) .. فالكنيسة تؤمن أن الشماس فتح فاه فاسمع كأنك تسمع من فم المسيح .. المسيح هو الذي علم في الناصرة والجليل هو أيضاً يعلم في الكنيسة .. فالكنيسة هي أمنا .. تنذرنا .. تشجعنا .. تربينا .. تعلمنا فإن هذا هو عمل الأم .. هذا هو عمل كلمة الإنجيل الشافية المحيية .. فالكنيسة تبدأ معنا رحلة الحياة من البداية إلى النهاية .. منذ المعمودية .. منذ أن استلمت وأمنت إلى نفوس جاهدت معه وحفظت نفسه وأخذته إلى الملكوت فعلى المؤمن أن يجاهد كوصايا المسيح وأن يحفظ الخاتم بغير سارق فندخل مع المسيح في عهد الزيجة فيحافظ على العلاقة الوطيدة بينهم إلى النهاية .. ﴿ دفعه إلى أمه ﴾ .. فأنت تعاملني معه ميت والكنيسة أحيته تاني لك فتقول لأمه إعتني به .. ربيه .. كبريه .. علميه .. عيشيه مع المسيح .. النفس التي تتعامل مع الكنيسة بحب وعشق تزداد محبتها للمسيح .. فالنفس التي تحب المسيح تحب الكنيسة والتي تحب الكنيسة تحب المسيح لأن الكنيسة هي عروس المسيح .. لذلك ليس هناك عشرة للمسيح بدون الكنيسة أو هناك كنيسة بدون المسيح .
فالإنسان الكنسي المؤمن يعشق الأصوام .. يعشق المسيح .. يعشق الكنيسة .. يعشق القراءات .. يعشق الأسرار .. يعشق الصلوات .. ويدخل في عشرة مع التسابيح الكنسية .. مع القراءات .. مع القداس فكل ذلك يدفعه إلى محبة المسيح .. فربنا يسوع أقام الميت وأعطاه حياة وأعطاه لأمه لتكبره .. لتنميه .. لتعلمه .. فالكنيسة هي كيان روحاني .. فيها أمان .. فيها سلام .. فيها حياة أبدية .. فيها غفران .. فتقدم لنا الكنيسة الذي لا يستطيع أي مكان آخر أن يقدمه لنا .. فهل هناك أي مكان على الأرض يعطيك حياة أبدية غير الكنيسة ؟!! فهل هناك أي مكان على الأرض يعطيك ميلاد جديد فوقاني غير الكنيسة ؟!! فهل هناك أي مكان على الأرض تتقابل فيه مع المسيح غير الكنيسة ؟!! فنأتي إلى بيت ربنا إلى كنيسته بحب .. باشتياق .. فلا ننخدع بأي مظاهر .. فلا ندع الأمور المنظورة تسرق منا الأمور الغير منظورة .
جواهر الكنيسة مخبآة في أسرارها .. فكلمة * سر * تعني عطية غير منظورة عن طريق مادة منظورة .. لذلك أقول لك إمسك في الكنيسة .. في تعاليمها .. في أسرارها فهي أم لنا .. فكل نفس فينا من يوم ولادتها في المعمودية هي ( الكنيسة ) أم مؤتمنة عليها ..حارسة عليه .. فهذه النفس تتربى .. تكبر .. تغلط .. عدو الخير ينصب لها شباك في العالم .. يحرك فيها غرائزه .. فالكنيسة تقول له قدم توبة .. إعترف فهي لها سلطان في الكهنوت أن تغفر خطاياه .. فالنفس تأتي إلى الكنيسة بها أتعاب .. ملوثة بالأفكار .. بالمشاعر الخاطئة .. المناظر الشريرة فتنطرح تلك النفس بكل همومها فتأخذ الحِل والحَل .. فتأخذ الجسد والدم غفران خطايا وحياة أبدية .. فهي أم تقدم كل ما نحتاج بل وأكثر مما نحتاج .
فكل نفس تجعل في يقينها أن الكنيسة هي كيان روحي تقدم لها كل ما تحتاج وأكثر فتأتي تلك النفس إلى الكنيسة فرحة وتقول ﴿ فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب .. وقفت أرجلنا في أبواب أورشليم .. أورشليم المبنية مثل مدينة متصلة بعضها ببعض ﴾ ( مز 121 – من مزامير الغروب ) .. فالكنيسة مرتبطة ببعض فنجد القراءة واحدة .. أجبية واحدة .. إنجيل واحد .. فعظمة الكنيسة أنها واحدة ..فنجد أن أولادها كلهم لهم نفس السمات .. فهل تعرف كيف تربي أولادها بفكر واحد ؟! ﴿ دفعه إلى أمه ﴾ .. فأنت تتربى في الكنيسة فتضع كل همومك فيها .. فلو عندك شئ أو موضوع صلي .. خذ رأي الكاهن .. بركة الكاهن .. رأي الكنيسة .. فليس هناك أمر في حياتنا يحدث إلا وتكون الكنيسة هي واضعة بصمتها في كل أمور حياتنا .
فيجب على كل نفس أن تكون في الكنيسة من يوم الميلاد إلى يوم الوفاة .. فنجد الطفل الصغير المولود الذي لا يستطيع أن يأتي إلى الكنيسة فهو عضو جديد دخل في الجسد فهو لم ينال المعمودية ولكننا اعتبرناه مُقدماً عضواً في الكنيسة .. فالكنيسة تذهب إليه في البيت وتصلي له في صلاة * الطشت * .. فالكنيسة واحدة .. جسد واحد .. عضو واحد في المسيح يسوع .. لذلك اتعامل مع الكنيسة على إنها أمك .. على إنها بيتك واجعل من نفسك كنيسة يُرفع من عقلك وقلبك صلوات وذبائح .
الآباء القديسون يقولوا ﴿ نفسك كلها عبارة عن كنيسة وهيكل ﴾ .. فقلبك هو مذبح الهيكل .. العقل هو الكاهن الذي يقوم بشرف هذه الخدمة .. فأنت كنيسة ووجدانك إتشكل على أن تكون كنيسة .. فعندما تذهب إلى مكان ليس فيه كنيسة فكن أنت كنيسة .. عايش أصوامها .. قديسيها .. تدابيرها .. أعيادها .. فالكنيسة ليست مكان ولكنها هياكل حية .. فاجعل من الكنيسة كيان حي في حياتك فهي ليست مبنى أو حجارة .. فعندما يُقرأ التحليل يكون من فم الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة .. فهي كائن حي له فم يحلك .. فالكنيسة تقول .. فالكنيسة تأمرك .. فالكنيسة تتكلم .. فالكنيسة تشفع .
لذلك عندما نصلي قداس على مذبح لا نصلي عليه مرة أخرى في نفس اليوم .. وكذلك نفسه الكاهن وكذلك التونية لأنه هو حي .. هو نفسه يصلي .. فالإنسان لا يستطيع أن يتناول مرتين في نفس اليوم .. كذلك الشورية تُستخدم في قداس واحد فقط فهناك تعبير دارج في الكنيسة يقول * أن الشورية صايمة * .. فهذه الصياغة تجعلك تتعامل معها على إنها كائنات صائمة .. فالكنيسة كائن حي .. ﴿ دفعه إلى أمه ﴾ .. لذلك أقول لك عيش في حضن الكنيسة .. إشبع بتعاليمها .. إتمتع بوصاياها .. حب الكنيسة بقلبك ككيان .. تأمل في كل معانيها فيليق بك أنت أن تطيع وصاياها .
وربنا يعطينا أن نجتاز زمن غربتنا متمتعين بها عائشين فيها
إلى أن نكمل زمن غربتنا بسلام
ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته
ولإلهنا المجد من الآن وإلى الأبد آمين

عدد الزيارات 1617

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل