المحبة والرحمة

المحبة والرحمة
إنجيل معلمنا لوقا البشير يحدثنا عن موضوع العظة على الجبل الموجود تفاصيلها في إنجيل معلمنا متى .. إن المحاور الرئيسية التي أحبت الكنيسة أن توصلها لنا هي * المحبة – الرحمة * .
يقول لنا الإنجيل ﴿ لكني أقول لكم أيها السامعون أحبوا أعداءكم أحسنوا إلى مبغضيكم باركوا لاعنيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ﴾ ( لو 6 : 27 – 28 ) .. هذا الجزء أتى بنفوس كثيرة للمسيحية لأنه تعليم جديد .. أحد الفلاسفة يقول ﴿ لو لم يكن المسيح إلهاً لصار إلهاً بسبب هذه التعاليم ﴾ .. وأنه صار إلهاً بسبب تنفيذ هذه التعاليم وهو على الصليب .. من أجل هذا فإن فخر المسيحية في هذه التعاليم التي تخاطب ضمير الإنسان وترقيه حتى يكون أعلى من مجرد إنسان ويعيش أكبر من قدراته لأن محبة العدو أمر صعب ومؤلم وهي حالة لا يمكن فهمها إلا في المسيح يسوع .. يجب أن نعيش وصايا المسيح في المسيح حتى لا نشعر أن كلام الإنجيل صخرة يصطدم بها فإن كلام الإنجيل موجه إلى شعبه .
من المستحيل أن نعيش الوصية بلا روح الوصية .. الروح القدس يجعل القلب قادر على احتمال محبة الأعداء ويُحسن للمبغض ويُبارك اللاعنين .. هناك تدرج في الوصية ما بين قدر الضرر الواقع وبين الفائدة التي تعود بها للطرف الآخر .. كلما زاد الضرر الواقع عليك كل ما المطلوب منك في الحب يزداد .. وصية تأمرنا أن نتخطى أنفسنا تماماً .. فهي حالة من إنسكاب محبة الله في الإنسان وكما يقول معلمنا بولس الرسول ﴿ إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً ﴾ ( 2كو 5 : 17) .. وصية أصعب من الإمكانيات الشخصية ولا تستطيع ذلك إلا بالمسيح وعندما يحيا فينا المسيح صارت الوصية بسيطة .. وكما يقول القديس العظيم الأنبا أنطونيوس ﴿ إعلموا يا أولادي أن ليست كل الوصايا صعبة أو ثقيلة بل نور أبدي لكل من أكمل طاعته ﴾ .. مباركة الأعداء مثل مباركة الله لشعبه رغم خطاياه وشروره .. وكما باركنا الله في العهد القديم﴿ مباركاً تكون في دخولك ومباركاً تكون في خروجك ﴾ ( تث 28 : 6 ) .. وهذا هو المطلوب منا في مباركة أعدائنا .
معروف أن في العرف اليهودي أن أقصى إهانة لرجل هي لطمه على خده خاصة الخد الأيمن لذلك كتب لهم يقول ﴿ من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً ﴾ ( مت 5 : 39 ) .. في المسيح يسوع نرى في الأناجيل الأربعة ﴿ حينئذٍ بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه ﴾ ( مت 26 : 67 ) .. بلا الرب يسوع المسيح لا تقبل هذا .. لذلك يُقال على وداعة آبائنا الشهداء جذبت كثيرين إلى الإيمان بسبب قبولهم الإهانات واللطم في هدوء ووداعة .. يُذكر أن الآباء والأساقفة الذين نالوا شرف دخول السجن في عصر السادات جميعهم كانوا يرتدون جلباب أبيض ومع ذلك كانوا معروفين في السجون بسبب وداعتهم .
﴿ إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجرٍ لكم ﴾ ( مت 5 : 46 ) .. الخطاة أيضاً يحبون من أحبوهم .. إبتعد عن الفضيلة الإجتماعية .. لا تحول الإنجيل إلى إنجيل إجتماعي .. أي شخص لطيف فالإنسان الغير مسيحي ممكن أن يكون لطيف ولكن من أحب من لعنه فهو يجب أن يكون بداخله المسيح .. الإنجيل لم يُكتب للتلذذ العقلي ولكنه روح وحياة .. معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبي يقول لهم﴿ فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح ﴾ ( في 1 : 27 ) .. الإنجيل فِعل صلي لمن حولك ومن أبغضك لأنه يحتاج صلاتك ومباركتك .
﴿ من أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضاً وكل من سألك فأعطه ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه ﴾ ( لو 6 : 29 – 30 ) .. معروف في الملابس اليهودية يوجد ثوب ويوجد رداء والرداء شئ ثمين .. فالشخص يمتلك أكثر من ثوب ولكن رداء واحد .. لهذا يقول لك من طلب الثوب إعطي له الرداء .. لا حدود للعطاء .. إعطي فوق قدرتك .. ﴿ وكل من سألك فأعطه ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه ﴾ .. الكتاب المقدس يعاملنا على أن كل ما لدينا فأعطيه لمن يسأل حتى لو أخذ الذي لك على سبيل السلف فلا تطالبه .. يعلمنا الكتاب المقدس على أن أي عطية في أيدينا ليست ملكنا لأنها عطية من الله ونحن وكلاء عليها .. أعطاك الله هذا الخير حتى تعطيه لغيرك لكي يعطيك فرصة تربح بها الملكوت .
جعل الله الفقير فقيراً حتى يكون هناك وسيلة لدخوله الملكوت وللغني غنى حتى يكون غناه وسيلة لدخوله الملكوت .. فيجب أن تدرك هذا السر .. لذلك في سفر أعمال الرسل كانت الأموال تُلقى عند أقدام الرسل لأن في هذا الوقت إمتلأت الكنيسة بالروح .. وجميع الشعب عرف أن من له ليس ملكه ولكن مِلك الله وهو وكيل فقط عليها .. القديسين يقولون ﴿ إن كان الله جعل ملكوته يُغتصب فليس كثيراً أن يجعلنا نحن نذوق ونمارس كيف تُغتصب أموالنا برضانا ﴾ .. بهذا ننال ملكوته بسهولة .
﴿ وكما تريدون أن يفعل الناس بكم إفعلوا أنتم أيضاً بهم هكذا ﴾ ( لو 6 : 31 ) الفلاسفة والحكماء لديهم قاعدة مثيلة عكس الآية فيقولون ﴿ كل ما فعلوا الناس بكم إفعلوا أنتم أيضاً بهم ﴾ .. الله يريدنا أن نعيش الوصية بروح جديدة .. يقول لنا * أنت إقرض ولا تطالبه برده * – لأنه محتاج – لأننا نعيش الرحمة والمحبة من المسيح علينا ولهذا نعكس الحب والرحمة على الآخرين .. عندما تختبر رحمة الله تصير رحوم مع الآخرين والعكس لأنها إنعكاس في معاملتنا مع الله .. ما من شئ ينقصنا إلا والمسيح عالجه وما من سؤال يحيرنا إلا وله إجابة من المسيح يسوع .. من نماذج ربنا يسوع المسيح في حياته على الأرض الكثيرة التي ردت على كل الأسئلة .. لهذا يختم كلامه قائلاً ﴿ كونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم ولا تدينوا فلا تدانوا ﴾ ( لو 6 : 36 – 37 ) .. * كونوا * أمر .. وكلمة * كما أن أباكم * أي كلما إختبرت رحمته كن أنت أيضاً رحيم .
المسيحية هي إستعلان لرحمة الله في حياتنا ولمحبة الله في حياتنا .. فإذا أحبوا الناس معرفة رحمة الله ومحبته يروها فينا من محبتنا نحن لهم .. وكما يُقال في العهد القديم ﴿ الرب طويل الروح كثير الإحسان يغفر الذنب والسيئة ﴾ ( عد 14 : 18) .. ولا تدين لأن الإدانة تخسَّر أمور كثيرة ..لأن في الإدانة بتحكِّم نفسك حاكم وتترك رحمة ربنا .. فكل من أخطأ إغفر له واضبط نفسك وابتعد عن أي حديث به إدانة حتى لا تقع في خطأ وتفقد سلامك ويفرح العدو .. فيلزم المغفرة .. ويقول لهم ﴿ أعطوا تعطوا كيلاً جيداً ملبداً مهزوزاً فائضاً يُعطون في أحضانكم ﴾ ( لو 6 : 38 ) .. قديماً البيع بالكيلة .. أي العطاء الذي تعطيه على الأرض يمتعك بمراحم ربنا .. تعلم السخاء والعطاء مال أو حب أو كلمة طيبة .. صلاة .. أعمال روحية .. نحن سفراء للمسيح لهذا تركز الكنيسة على هذه الوصية لأننا حاملين تعاليمه .. فالإنجيل حياة تُعاش وسلوك يُرى ويُحس .. يعطينا الله أن نحيا الإنجيل في روحه وشخصه المبارك .
ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته
ولإلهنا المجد إلى الأبد آمين