لكى نفرح بالصوم

يقول معلمنا مار متى البشير ” احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات .. فمتى صنعت صدقة فلا تُصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يُمجدوا من الناس .. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم .. وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تُعرِّف شمالك ما تفعل يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء .. فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يُجازيك علانيةً .. ومتى صليت فلا تكن كالمرائين فإنهم يُحبون أن يُصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس .. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم .. وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يُجازيك علانيةً .. وحينما تُصلون لا تُكرروا الكلام باطلاً كالأمم فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يُستجاب لهم .. فلا تتشبهوا بهم لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليهِ قبل أن تسألوه “ ( مت 6 : 1 – 8 ) ثم كلمهم عن الصلاة الربانية .. ثم قال لهم ” ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فإنهم يُغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين .. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم .. وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء .. فأبوك الذي يرى في الخفاء يُجازيك علانيةً “ ( مت 6 : 16 – 18) الصوم كعمل جسدي فقط ثقيل على الإنسان لأنه يكون مجرد تغيير أطعمة .. هذا أمر ثقيل غير مُفرح بل ويصير أمر روتيني به إجبار .. لذلك يقول الآباء أن الإنسان الروحاني يحسب كم يوم مر من الصوم ويحزن عليهم والإنسان الجسداني يحسب كم يوم بقى من الصوم ويحزن عليهم .. لذلك لابد أن نعرف كيف يكون الصوم رحلة من الأرض إلى السماء .. لابد أن يكون الصوم :-
1.صوم معه توبة .
2.صوم معه صلاة .
3.صوم معه صدقة .
4.صوم معه عبادة .
أولاً : الصوم معه توبة :-
في الصوم بينما أنا أغيَّر من الأطعمة لابد أن أعرف إني أغير في طبعي أيضاً .. لابد أن أنصر الروح على الجسد .. وأن الأطعمة ما هي إلا وسيلة لنُصرة الروح على الجسد وانتصار على وجع وألم .. الصوم فترة مقدسة لاكتساب فضائل عن طريق الجسد لذلك لابد أن يصحب الصوم توبة .. أي لابد أن نضع هدف للصوم .. قل لله ” إرفع يارب عني الشهوة أو ألم حب العالم أو ألم الأنانية أو ..... “ .. ونجد أن الكنيسة تقرأ لنا أجمل فصول التوبة في الصوم فتقرأ فصل الابن الشاطر والسامرية والمخلع .. أجمل نماذج للتوبة والثلاثة يُمثلون ثلاثة مراحل :-
الابن الشاطر ← يُمثل شناعة الخطية .
السامرية ← تُمثل تكرار الخطية .
المفلوج ← يُمثل اليأس من الخطية .
الابن الشاطر ← الكنيسة تقول لك صُم .. تقول أنت كيف وأنا مملوء خطايا ؟ تقول لك هل أنت مثل الابن الضال ؟ هل عندما رجع رفضه أبوه ؟ تقول لا بل لقد وقع على عنقه وقبَّله .. تقول لك الكنيسة إن كنت خاطئ إرجع لأن الصوم هو رحلة الرجوع إلى السماء .. ” بالطعام طُرِد آدم من الفردوس وبالصوم رجع آدم إلى السماء “ .. نحن نريد الرجوع الصوم عن الأطعمة فقط عمل جسدي بحت وثقيل إن كان بدون توبة .. عدو الخير يحوِّل الأعمال الروحية لأمور ثقيلة فيفقدنا الثقة بها .. لذلك المشكلة ليست في الأطعمة والصوم بل المشكلة في كيف أنا أصوم .. لذلك أكبر صوم يُنصح فيه بالميطانيات هو الصوم الكبير لأن الميطانية تعني تغيير إتجاه .. ( ميتا ) تعني ( طريق ) .. ( طانية ) تعني ( تغيير ) .. أي تغيير طريق أو تغيير إتجاه .. تنزل إلى الأرض ثم ترتفع إلى فوق .. سجود وقيام .. أنا بخطاياي قابل للسقوط لكن برحمتك يا الله أغيَّر الإتجاه وأقوم .. إذاً لا يمكنني أن أعمل ميطانية ولا أتوب ليتك تأخذ تدريب في الصوم وهو أن تُقدم توبة عن خطية متكررة في حياتك .. ضع ضعفك أمام الله واعمل ميطانيات .. لابد أن يكون في الصوم توبة وكشف للنفس أمام الله .
السامرية ← وإن كررت الخطية فلك رجاء مع السامرية .. السامرية وضعت حدود في حديثها مع المسيح قالت له أنت يهودي وأنا سامرية واليهود لا يُعاملون السامريين ( يو 4 : 9 ) .. هذا حال النفس البشرية عندما تقبع في الخطية تكون استجابتها بطيئة لكن المسيح هو الذي أتى لها وتنازل وفتح معها صفحة جديدة .. السامرية كان لها علاقة مع ستة رجال قال لها يسوع كان لكِ خمسة أزواج والذي معكِ الآن ليس زوجِك ( يو 4 : 18) .. رقم ( ستة ) رقم ناقص يُشير للنقص أما ربنا يسوع فدخل حياتها وكان السابع .. ورقم ( سبعة ) رقم الكمال أي فيه النهاية والشبع والسرور .
المخلع ← حتى وإن وصلت إلى درجة العجز واليأس .. ثمانية وثلاثون عام في الخطية مثل المفلوج فَلَكَ رجاء مع المخلع .. أيهم أنت الابن الضال أم السامرية أم المخلع ؟ تقول أردأ بكثير .. هل وصلت إلى درجة العجز والفشل وليس لك رجاء مثل المخلع ؟ يقول لك يسوع سآتي إليك ليس لكي أحملك وأُلقيك في البِركة .. أنا فوق هذه القاعدة بل سأحِلك من ضعفك بكلمة لذلك لابد أن يُصاحب الصوم توبة .. إعمل ميطانيات باستمرار واجعل لك أهداف روحية وتخلص من الخطايا بأمور جسدية بالإمتناع عن الأطعمة وبذلك يُولد فيك إنسان روحاني .. فلو كنت بعيد إقترب إليه ولو كررت خطاياك أو وصلت إلى درجة العجز إرجع إليه لأن لك رجاء فيه .. إجعل من الصوم وسيلة توبة .. إعمل عمل جسداني من أجل هدف روحي لذلك إفرح بالصوم والميطانيات والصلوات لأن لك بها توبة .
ثانياً : الصوم معه صلاة :-
أفضل فترة تجعلنا الكنيسة نُصلي فيها لأقصى درجات الصلاة هي الصوم لأن الصوم لابد أن يصحبه أمور روحية فاكثِر من الصلوات .. إجعل جسدك يساعدك على أمور مرتفعة .. يساعدك على الصلاة .. عندما تُقلل طعامك يصير الجسد أكثر هدوء وأكثر طاعة .. هدف الصوم ترويض الجسد فلا تأكل ما تحبه في الصوم .. لابد من ضبط الأكل لأنك بذلك ستجد الأمور الروحية أجمل لأن الجسد سيطيع أكثر ويرفع يداه أكثر ويقف للصلاة فترات أطول لأن ضبط الأكل يجعل الروح ينشط والجسد يهدأ لذلك الصوم هو فترة لتدريب اكتساب عادة الصلاة .. والصوم يُزيد الصلاة .. والصلاة تُزيد الصوم .. لذلك كرَّس أوقات أكثر للصلاة .. عندما تُقلل من كمية الأطعمة التي تتناولها ومن الأطعمة الشهية التي تحبها تجد أن الجسد صار أسهل في الأمور الروحية والصلاة ألذ .. لابد أن نُطيع الروح عن طريق إخضاع الجسد والبداية ضبط الأكل غريزة الأكل ليست بالأمر الهين لو لم تُضبط فهي مرتبطة بالجسد وباللذة والشهوة والذات وحب العالم وحب التلذذ .. لذلك عندما نتحكم في الأكل نضبط أمور كثيرة فتجد أن الذات اتضعت والشهوة ضُبِطت وحب العالم قل والروح نشطت لأن الجسد خف أكثر شئ يتعِب الروح عندما يُثقل الجسد فيتكاسل ويكثُر الدم فيه فتزداد الشهوة وبالتالي تصعُب الصلاة عليه .. لذلك ضبط الأكل في الصوم يضبط أمور روحية كثيرة .. ” في بطن امتلأت بالأطعمة لا يوجد مكان للشهوة “ لو كان لدينا طير وأطعمناه كثيراً نجده يِسمن ولا يستطيع أن يطير لأن جسده ثقُل .. متى إذاً يطير ؟ عندما يخف جسده تستطيع أجنحته أن تحمله ليطير .. هكذا لابد أن يأكل الإنسان لدرجة أقل من الشبع ولا يأكل إلا إذا جاع .. نحن نعمل عكس ذلك نأكل لدرجة أكثر من الشبع ونأكل دونَ أن نجوع ونكون كمن رأى شئ فاشتهاه فأكله .. هذا ليس حَسَنْ .. تعلم أن لا تأكل إلا إذا شعرت بالجوع هذا يجعل تحقيق هدف الصوم أسهل لكن لو أكلت كثيراً لن يأتي الصوم بهدفه .. وكما يقول الآباء أن هناك حد أدنى للأكل وهو ” أقمع جسدي وأستعبده “ ( 1كو 9 : 27 ) وحد أقصى للأكل وهو ” أقوت الجسد وأربيه “ .. وما بين الإثنين لابد أن نعيش إن الجسد يحتاج إلى حوالي ألف سُعر حراري يومياً لكي يعيش نحن نأخذ أكثر من ذلك بين الوجبات الرئيسية الثلاثة كترفيه من مياه غازية ومُشتهيات و ...... ونشكر الله أنه خلق المعدة مثل البالون فتحتمل ما نأكله .. حجم المعدة الطبيعي بقدر كف اليد المضموم ونحن نضع فيها أطعمة كثيرة .. إذاً لكي تنشط أرواحنا لابد أن نضبط جسدنا .
ثالثاً : الصوم معه صدقة :-
المسيحيون الأوائل كانت حياتهم كلها صدقة .. كان رب البيت يُرزق برِزق يومه قيأتي باحتياجات بيته اليومية وما زاد عن ذلك يتصدق به .. نفرِض إنه رُزِق بعشرة قروش يأتي باحتياجاته مثلاً بسبعة قروش ويتصدق بثلاثة قروش .. لذلك كان الفقراء يفرحون جداً بالصوم لأن فيه تزداد الصدقة .. والكنيسة تقول ” طوبى للرحماء على المساكين “ .. إذاً لابد أن آكل أقل من المعتاد وأتصدق بما يفيض وليس لأدخر مال فهذا ليس هدف الصوم لأنه كيف آكل أطعمة زائدة وأنا شبعان وغيري جوعان ولا يجد ما يأكله وليس لديهِ ما يوفي به احتياجاته ؟من الظواهر الملحوظة في هذه الأجيال الجديدة أنه جيل مُسرف وأكول فيُنفق على وجبات وأطعمة خارج المنزل أموال كثيرة ثم يعود إلى بيته ويأكل كأنه لم يذُق طعام خارج البيت .. هذا أمر خاطئ وغير صحيح .. نحن لا نقول أن نعيش مذلولين أو في كبت وحرمان .. لا .. لكن لابد من الضبط .. الأمر ليس توفير مال بل شعور بالآخرين لا تكتفي بالعشور في الصوم بل ما تصرفه أو تُنفقه أكثر من احتياجاتك الضرورية تصدَّق به .. مصروفك الرئيسي إستخدمه في احتياجاتك الضرورية لكن ما تُنفقه على الترفيه والرفاهية تصدَّق به .. المجتمع المصري يُنفق أكثر من 65 % على أمور كمالية مثل أطعمة وموبايلات و رغم أن الناس فقيرة إذاً لابد أن توفر من مصروفاتك كي تتصدق على إخوتك .. ولترى كيف ستتغير علاقتك بالله وستتذوق طعم جديد في عِشرتك معه وستجد طاعة من جسدك لأعمال الفضيلة .. لذلك الصوم الكبير هو موسم لأعمال الرحمة والصدقة والكنيسة تقول فيه ” طوبى للرحماء على المساكين فإن الرحمة تحل عليهم والمسيح يرحمهم في يوم الدين “ .. لأنهم رحموا إخوتهم يرحمهم الله .. أيضاً يقول الكتاب ” من يسد أُذنيهِ عن صُراخ المسكين فهو أيضاً يصرخ ولا يُستجاب “ ( أم 21 : 13) .
رابعاً : الصوم معه عبادة :-
أكثر فترة تُصلي فيها الكنيسة قداسات وتسبحة و ..... هي الصوم .. لابد أن تحضر قداسات أكثر وإن كنت تصوم انقطاعي لا تأكل إلا مع ميعاد الذبيحة على الأقل إنسان قلل من أكله وصلى وتصدق وتاب هل سيُصلي قداس بنفس المشاعر السابقة ؟ مشاعر الكنيسة بها انسحاق وأنت ضبطت جسدك وصدَّقت من أموالك وصليت في مخدعك وقدمت توبة عن خطاياك بعد كل ذلك لابد أن تكون لك مشاعر إنسحاق .. لذلك إبدأ مشاعر عبادة حقيقية مع الصوم لأن النفوس صارت مهيأة بالصوم والصدقة والتوبة .. الكنيسة تقول ” يارب ارحم .. إنعم علينا بغفران خطايانا “ .. وتتكلم معنا عن التوبة و .... وسر الشكر و .... ستجد ذهنك مُستنير قراءات الكنيسة في الصوم نفهمها بأُسلوب أجمل لذلك لابد أن نصل إلى أقصى حدود العبادة في الصوم .. تسبحة وقداسات وصلوات .. هذا أمر مهم جداً العبادة في الكنيسة قائمة على الخشوع والمذلة والتوبة وطلب الرحمة لذلك نقول في الصوم أكلومين طوغوناطا أي نحني رُكبنا .. نسجد وننحني هذا يُغيِّر أمور كثيرة .. لذلك فرصة في الصوم أن نُكثر روح العبادة وحضور القداسات ستكون نفوسنا مُهيأة أكثر ومرتفعة أكثر فتتجاوب مع طلب التوبة إحذر أن تصوم بدون توبة وصلاة وصدقة وعبادة سيكون الصوم ثقيل .. لكن لو كان الصوم مصحوب بتوبة وصلاة وصدقة وعبادة سنصل في نهاية الصوم أن إنساننا الروحي قد نمى وننال النتيجة والثمر في آخر ثلاثة أسابيع من الصوم وهم المولود أعمى ودخول المسيح أورشليم والقيامة .. المولود أعمى أي الإستنارة .. ودخول المسيح أورشليم أي مُلك المسيح على قلبي ومشاعري وحواسي ثم نتمتع بالقيامة كثمرة طبيعية للصوم بأن إنسان الجسد مات وإنسان الروح قام لذلك فترة الصوم فترة مقدسة لا تتكاسل فيها يوم عن صوم مصحوب بتوبة وصلاة وصدقة وعبادة لأنها أركان رئيسية تجعلني أتذوق طعم الصوم الروحاني وأنال بركة صوم الكنيسة .. ونحن في الصوم نكون محمولين على قوتين جبارتين هما :-
1.قوة صوم المسيح عنا ومعنا .. هو الآن صائم معنا على الجبل وصائم عنا أي أن صومنا الضعيف تُضاف إليه قوة صومه .
2.قوة صوم الكنيسة .. العالم كله صائم شعب وأطفال وشيوخ ورهبان .. كل الجسد صائم وأنا محمول على قوة صوم الكنيسة وقوة صوم المسيح وأنا جزء صغير لكني آخذ فِعل هاتان القوتان .. فلا نترك الصوم لأنه فترة قوة لذلك لا تُكثر في الأكل لأن الصوم عمل جسدي لكن هدفه روحي والجسد ما هو إلا وسيلة لذلك الهدف .. لذلك يتغير الإنسان في نهاية الصوم لأن الإنسان الروحاني وُلِد فيه بينما مات فيه حب العالم وحب الجسد وتسأل .. من هذا الإنسان ؟ تُجيبك الكنيسة هو أنت لأنك صمت بأمانة وتوبة وعبادة وصدقة وصلاة ربنا يعطينا أن نصوم بتوبة وعبادة وانسحاق وصلاة ويقبل صومنا محمول على قوة صومه وصوم الكنيسة لكي ننال معه قيامة ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين