قوة الحق عند القديس يوحنا المعمدان

Large image

فِى بِداية السنة القبطيّة الكنيسة تُعيّد بِتذكار القديس العظيم يوحنا المعمدان ، لِذلك قصدت الكنيسة أنّ أول إِسبوع مِن السنة القبطيّة يُقرأ فيهِ فصل مِن إِنجيل مُعلّمنا لوقا الّذى يقول " أنّهُ ليس أحد فِى مواليد النساء أعظم مِن يوحنا المعمدان "
القديس يوحنا المعمدان تجمّع فِى شخصيتهُ أمور كثيرة :
+ الحُب لله + التقوى وحياة البِر
+ حياة الخفاء + حياة الوحدة والنُسك
ومع هذا كُلّهُ إِلاّ أنّ القديس يوحنا يتميّز بأمور عديدة أُخرى ، سوف نأخُذ منها حاجة واحدة فقط لأنّ الكلام عن يوحنا المعمدان كثير وجميل ، مِن الحاجات التّى تجذِب الإِنتباه فِى شخصيّة يوحنا المعمدان هى :
قوة الحق :

القديس يوحنا المعمدان قد لا يطيق أن يرى الشر وكان يُوبّخ المُتهاونين بِقوّة ، وكان يُنادىِ بالتوبة للجميع ، وكان صوتهُ قوىِ ، لِذلك قيل عنهُ " صوت صارِخ فِى البرّيّة "
مِن المُميّزات الشخصيّة لدى القديس يوحنا أنّهُ كان صوتهُ قوىِ ، فعندما يُوبّخ كان يُوبّخ بإِنتهار وبِجبروت فكانت الناس تهابه
وظهرت قوّة الحق عِند القديس يوحنا المعمدان فِى الموقف الّذى تسبّب فِى إِستشهادهُ ، إِنّهُ سمع أنّ الملك هيرودس تزوّج مِن إِمرأة أخيهِ وهذهِ مِن الأمور المحظورة ولمْ يستطع أحد أبداً أن يفتح فمهُ أمام هيرودس ، لكِن القديس يوحنا وجدناهُ يصرُخ فِى هيرودس بِنفَس القوّة التّى تعوّدناها منهُ أنّهُ لا يحِلّ لك أن تتخِذّ هيروديّا إِمرأة أخيك زوجة لك
مِن أين تأتىِ قوّة الحق :
==================================================
قوّة الحق لا تأتىِ إِلاّ مِن قناعة داخِليّة نابعة مِن داخِل الإِنسان 0
لا تأتىِ إِلاّ لمّا يكون الإِنسان عايشها 0
يجب أن يكون الإِنسان مُرتبِط بِها 0
يجب أن يكون الإِنسان شاهِد لها أولاً فِى داخِل نفسه 0 لِذلك لا تجِد إِنسان بيحِب الحق إِلاّ وأن يكون هو عايش الحق 0
لِذلك نجِد مِن ضِمن ألقاب السيّد المسيح أنّهُ قال عن نفسهِ " أنا هو الطريق والحق00" ، وأيضاً السيّد المسيح قال " أنّهُ مِن علامات مجيئه هى أن تعرِفون الحق والحق يُحرّركُم " ، بِمعنى إِذا أنتُم عِشتُم مع المسيح هتعرفوا الحق وساعِتها الحق هيحرّركُم 0
معرِفة الحق وحياة الحق هو جُزء مِن تكوين الإِنسان الروحىِ ، الإِنسان الّذى يعيش مع ربنا يكون قوىِ وحُجّتهُ قويّة ويكون ثابت كالصخرة والتهديدات لا تنفع معهُ 0
قوّة الحق داخِل الإِنسان تجعل الحق يشهِد لنفسه وتجعلهُ إِنسان قوىِ جبّار مِن داخلهُ ولا يستطيع أحد أن يُثنيه عن حُبّه للحق أو عن حياة الحق الّتى يعيشها 0
حياة الحق وسلوك الحق تجعِل مِن الإِنسان فِى إِحترام وتقدير مِن الجميع ، قيل عن هيرودس بالنسبة لموقفهِ مِن يوحنا المعمدان أنّهُ كان يهابه 0
لو تنظُر للقديس يوحنا المعمدان تجِدهُ منظر مُحتقر ، إِنسان عايش فِى البرّيّة لابِس وبر الإِبِل لكِن عِنده مهابة ، المهابة هذهِ مِن داخلهُ لأنّهُ عايش الحق ومُقتنع بهِ ، ومِن قوّة الحق المُعلنه بِداخلهُ
أحد القديسين يقول عنهُ " أنّهُ فضلّ أن يكون بِلا رأس عن أن يكون بِلا ضمير " ، وأيضاً التقليد يقول " أنّ بعدما قُطِعت رأس يوحنا صرخت وقالت أنّهُ لا يحِلّ لك أن تأخُذ هيروديّا إِمرأة أخيك زوجة لك " هذهِ شِهادة حق قويّة
كان مُمكِن القديس يوحنا يتنازل عن رأيهُ فِى هذا الموقف مِن أجل حياتهُ ، لكِن لا00فضّل الموت عن أن يكون بِلا ضمير
الإِنسان المُتمسّك بالحق تجِد عِندهُ مبادىء قويّة أساسيّة لا يستطيع أن يتنازل عنها ، لا يتقلّب ولا يتغيّر ولا يتراجع ولا يخاف أبداً ، عِندما يكون الإِنسان عايش مِن داخلهُ الصِعاب فلا يخاف مِن الصعب لأنّهُ عايش هذهِ الحياة ولا يخاف 0
لكِن الخوف مِن إِنسان يُحِب أن يُدلّل نفسه ، الخوف على الإِنسان الّذى يعيش حياة الإِستهتار مِن الداخِل ، هذا عِندما يُمتحن فِى الخارِج يسقُط ، لأنّ الّذى لا يعرِف أن يشهِد للحق أمام نفسه لا يعرِف أن يشهِد للحق مِن خارِج نفسه 0
الّذى لا يستطيع أن يغلِب نفسه مِن الداخِل لا يعرِف أن يغلِب نفسه مِن الخارِج ، الّذى لا يعرِف أن يقف أمام نفسه لا يستطيع أن يقف أمام الناس 0
صوت يوحنا المعمدان صوت يُصّحىِ الضمائر ، صوت يُصّحىِ الكسالى ، صوت يُصّحىِ الناس التّى لا تُحِب الحق وتُحِب الباطِل والظُلمة ، صوت يُبكّت الخُطاه ، صوت يوقظ الضمائر0
لِذلك نحنُ فِى إِحتياج لصوت الحق هذا ، نحنُ فِى إِحتياج لنشهِد للحق بِلا خوف ، مُحتاجين أن يكون عِندنا قوّة القناعة التّى تجعِل الإِنسان لا يُكمِلّ شهواته داخِل نفسه ولكِن يكون مُطاوِع للحق داخِلهُ 0
محتاج الإِنسان أن يقول لِنفسه الأول لا يحِلّ لك ، وقتها يعرِف يتكلّم مع الخارِج ويقول لا يحِلّ لك ، الإِنسان أكثر حاجة تغلِبه هى نفسه ، لِذلك يقول أحد القديسين " تعّود ألاّ يكون لك عدواً إِلاّ ذاتك " ، عايز يقول لا يكون عدو لك إِلاّ ذاتك وتُريد أن تكره إِكره خطيّتك 0
المسيح وصّانا وقال لازِم تُبغِض نِفَسك ، النِفَس التّى تُدلّلِ نفسِها والتّى لا تكره خطيّتها تجِدها عايشة فِى صُلح مع الخطايا بِتاعِتها ، خُذ مِن النِفَس ديّه توانىِ و كسِل وتتغيّر مع كُلّ جيل ومع كُلّ لون وكُلّ مُجتمِع ، تجِدها تعيش هُنا بِشكل وهُناك بِشكل 0
قوّة الحق لمْ تُعلن فِى داخِلها ، لا يعرِف أن يقول لِنفسه لا يحِلّ لك ، الإِنسان مُحتاج أن ينجح أولاً مع نفسه ، لِذلك يقول الإِنسان الّذى يُجاهِد فِى مخدعهُ لا يتعب فِى الخارِج ، الإِنسان الّذى يخاف على نفسه ومركزه وكرامته تجِدهُ يتغِلِب بِسهولة ، إِجعِل كنزك فِى الداخِل0
أيضاً تجِد أنّ السيّد المسيح عِندما لقّب الكنيسة لقّبها " بِعمود الحق وقاعِدتهُ " ، شاهِدة الحق هى الكنيسة ، سفكت دم أولادها مِن أن أجل أن تشهِد للحق ، حق المسيح 0
القديس يوحنا ذهبىّ الفم حكوا لهُ عن أنّ الإِمبراطورة ظلمِت إِمرأة ، نجِدهُ لمْ يسكُت وبّخها وأنذرها وكان شديداً معها ، نجِد الإِمبراطورة أنّها سمعِت مِن يوحنا كلام لمْ تتعّود أن تسمعهُ أبداً ، وقالت مَنْ هذا الّذى يفعِل هكذا معىِ ، قالوا لها هذا البطرك ، فقالت مَنْ هو هذا البطرك ! أنا سوف أؤّذيه ، وأتت بِقرار نفيه 0شِهادة الحق التّى بِداخلهُ عِندهُ إِستعداد أن يتحمِل نفقتها حتى وإِن كانت مؤلِمة وإِن كانت صعبة ، لِدرجة أنّهُ يقول " أنّ كلِمة الحق لمْ تُبقىِ لى أصدقاء " 0
القديس أثناسيوس الرسولىِ نجِدهُ يُدافِع عن الإِيمان بِقوّة رغم أنّ أعداؤه كُتار " آريوس كان مكّار وكان عِندهُ موهِبة فِى الخطابة وكان بيعمل أشعار للناس ويستميلهُم ويُثبّت الإِيمان بِتاعه هو " 00ولمّا يجى أثناسيوس يتكلّم الناس تقول أنّ آريوس صح وأنت خطأ 0
كان مُمكِن أن يقول أنّ آريوس صح ويمشىِ الموضوع ، لكِن قوّة الحق عِندهُ أكبر بكثير مِن أعداؤه ، قوّة الشِهادة بالحق للسيّد المسيح جعلتهُ يُعادىِ كُلّ الناس مِن أجل شِهادتهُ للحق0
ومِن أجل شِهادة أثناسيوس للحق قال عنهُ القديسين " لولا شِهادة أثناسيوس لصار العالم كُلّهُ آريوسياً " ، " الناس قالت العالم ضِدّك يا أثناسيوس قال وأنا ضِدّ العالم " ، الإِنسان الّذى بِداخلهُ شِهادة ضمير صالِحة 00الّذى بِداخلهُ قوّة حق 00تجِدهُ عِندهُ إِستعداد أن يكون ضِدّ العالم 0
لِذلك فِى المزمور الخمسين الّذى نُصلّيه كُلّ يوم نقوله " لأنّك هكذا أحببت الحق " ، القديس عِندما يعيش مع ربنا ويقرّب مِن ربنا نجِدهُ يكتسِب جُرءه وشجاعة ، النِفَس التّى يكون فيها قوّة عمل الله مِن الداخِل لا تعرِف الخوف 0
أمثِلة لِقديسين شهدوا للحق :0
===========================================================
مارِجرجس الّذى وقف أمام المنشور وكان السبب فِى إِستشهاده ، لِشهادتهُ بالحق
القديسة دميانة التّى لعنت الرِسالة وكاتبها وقارئها ، التّى كانت تستميلها إِلى التبخير لأبولّون
القديس إِيليّا النبىِ الّذى وقف أمام آخاب الملك وقال لهُ " حىّ هو الرّبّ أن لا يكون طلّ ولا مطر إِلاّ عِند قولىِ " ، شِهادة للحق ولا يهمّهُ ماذا سوف يفعِل بهِ الملِك
طول ما يوجِد يوحنا وإِيليّا طول ما يوجِد هيرودس وآخاب ، هيرودس وآخاب مُقاوِمين للحق وإِيليّا ويوحنا شُهداء للحق ، نحنُ فِى عالم ومُجتمع يكثُر فيهِ هيرودس وآخاب ويندُر فيهِ إِيليّا ويوحنا
الكنيسة تُريد أن تقول ينبغىِ أن يكون فيكُم إِمتداد للآباء والأنبياء ، ينبغىِ أن يكون فيكُم قوّة حق مُعلنة للكُلّ ، ينبغىِ أن تشهدوا أمام الجميع بالتوبة والخلاص وبِعمل الله
عِندما يتكلّم عن ربنا يسوع المسيح فِى العهد القديم يقول " هوّذا فتايا الّذى أحببتهُ ، حبيبىِ الّذى سُرّت بهِ نفسىِ ، أضع روحىِ عليه لِيُخبِر الأُمم بالحق " 00قال عليهِ أنّهُ يُخرِج الحق إِلى النُصرة وأنّهُ يُخبِر الأُمم بالحق
لِذلك عِندما صلّى ربنا يسوع المسيح فِى الصلاة الوداعيّة قال " قدّسهُم فِى حقّك " ، إِجعلهُم أن يكونوا مُقدّسين للحق
كيف للإِنسان أن يعيش فِى المُجتمع بِدون ما يؤثّر عليه ؟ أن تكون قوّة الحق بِداخلهُ قويّة ، أنا لىِ منهج مُعيّن ، لىِ حياة ، لىِ رجاء ، أنا مُتمسّك بوصايا ، أنا الإِنجيل يحكُمنىِ ، جميل العِبارة التّى قيلت عن دانيال النبىِ " وضعت فِى قلبىِ ألاّ أتنجّس بأطايب المِلك ولا بِخمر مشروبه "
قوّة الحق التّى بِداخِل الإِنسان تجعلهُ غالِب لِنفسه مُتخطّىِ ضعفاته ، هو ده عمل نعمة ربنا التّى تعمل فيهِ
كيف للإِنسان وسط شر كثير أن يكون شمعة تنّور وتُضىء للحق ، بولس الرسول وقف أمام فيلِكس الوالىِ ومكث يتكلّم معهُ عن البِر والدينونة والتعفُفّ وجعل فيلِكس الوالىِ يرتعِد ، شِهادة للحق فِى أى وقت
النِفَس التّى حبّتِ أطماع العالمْ الكثيرة الإِيمان هُنا يضعُف النِفَس عِندما تكون مربوطة بالأرض الإِيمان يضعُف
مُعلّمِنا بولس الرسول قال " حاشا لىِ أن أفتخِر إِلاّ بِصليب ربنا يسوع المسيح " ، إِوعى تِخجِل مِن إِسمك ، أو صليبك ، بل بالعكس أنا لا أستحِق أن أحمِل صليبك ، دا إِنت أعطيتنىِ مجد وكرامة لا أستحِقها
ربنا يُعطينا أن يكون الحق فِى قلوبنا وضمائرنا وعقولنا ، أن نكون مُحبين للحق ، أن نكون أدوات للحق ، نُعلِن الحق فِى كُلّ مكان
ربنا يُكمِلّ نقائصنا ويسنِد كُلّ ضعف فينا بِنعمتهُ
لإِلهنا المجد دائماً أبديا امين

عدد الزيارات 3170

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل