حديث الرب يسوع مع نيقوديموس

Large image

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين ، تحل علينا نعمته ورحمته وبركته الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور كلها آمين .
تقرأ علينا الكنيسة اليوم فصل من بشارة معلمنا يوحنا الإصحاح الثالث ، "حديث نيقوديموس مع السيد المسيح" وهو رجل من كبار علماء اليهود ، يقال أنه من أعضاء مجمع السنهدريم الذين هم سبعين شيخ ، فهو رجل له مكانة كبيرة في الكيان، كان يسمع عن ربنا يسوع كثيراً أنه يصنع معجزات فكان يحتار في أمره ، فهو كان يريد أن يذهب يتحدث معه ، يريد أن يذهب ليسأله ، لكنه في الحقيقة كان خائف أن أي شخص يراه ، ويسألوه أنت مع من؟ أنت تتبع الناصري ؟ فذهب إليه ليلا، ودائما عندما تأتي سيرة نيقوديموس يقول هذا الذي أتى إليه ليلا، فأصبحت هذه علامة تميزه ، فذهب إليه وهو خائف وقال له نحن نعلم إنك أتيت من الله ، وتصنع معجزات ، وشاهدنا لك أشياء ، فكيف تفعل هذا ؟
فقام السيد المسيح بنقله لمستوى أعلى تماما، قال له إن لم تولد من فوق لن ترى ملكوت السماوات، فقال كيف أولد من فوق؟ هل أرجع مرة أخرى إلي بطن أمي وأولد مرة أخرى ، قال له إن لم تولد من الماء والروح لن تدخل ملكوت السموات، المولود من الجسد جسد هو، لكن مولود من الروح روح هو، فماذا تريد يا معلم أن تقول لنيقوديموس ؟ وماذا تريد أن تقول لكل أحد منا ، فنحن داخلنا نيقوديموس الذي هو الرجل الذي يريد أن يعيش كيانه الاجتماعي ويريد أن يعيش مظاهر العالم ومظاهر الدنيا لكن في نفس الوقت يسوع بالنسبة له شيء يحب أن يتبعه لكن يتبعه قليلاً أو يتبعه أحيانا أو يتبعه في الظلام ، فإن نيقوديموس يمثل جزء من داخل كياننا الداخلي الإنساني.
قال له المولود من الجسد هذا شئ والمولود من الروح شئ أخر فروح هو، يريد أن يقول له لا تخلط الأثنين ببعضهما البعض ، هذا شيء وهذا شيء آخر، وربنا يسوع يريد أن يقول لنا أيضاً ذلك ، الجسد هو جسد والروح هو روح ، نحن الآن مولودين للروح، المولود من الجسد جسد هو، ما هو الجسد ؟ الجسد هو الذي نعيش فيه الآن ، الذي يريد المأكل ، المشرب ، النوم ، الراحة ، الغرائز، هذا هو الجسد يريد احتياجات مادية ، يريد كرامات ، يريد أرضيات ، يريد أن يكبر مقامه ، يريد أن يكبر دائرة نفوذه ، هذا المولود من الجسد فالمولود من الجسد جسد هو ، جميعنا نعلم ما هو الجسد ، ضعيف جدا ويزول وفي الآخر يذهب للتراب، هذا المولود من الجسد ، المولود من الروح فهو روح فهو شيء آخر، ما هي الروح؟ قال الروح هي نسمة القدير، الجسد من التراب فهو آتي بالتراب ونفخ فيه نفخه نسمة حياة ، فأنا جسد وروح ، أنا يوجد في من الأرض ومن السماء ، أنا بداخلي الإثنين، لكن لم يختلطوا ببعض ، فهذا الجسد لا يتحول للروح مطلقا ، وهذا الجسد شيء آخر تماما غير الروح ، وطلبات الجسد تختلف تماما عن طلبات الروح ، والتزامات الجسد غير التزامات الروح ، المولود من الجسد جسد هو ، والمولود من الروح روح هو ، فالجسد هذا جميعنا نعاني منه ، من منا لا يعرف تعب الجسد ، ألم الجسد ، احتياجات الجسد، لكن الروح فهي نسمة الله فيك، الروح هذا الذي يشتاق إلي الخلود ،الروح الذي يشتاق إلي الله ، الروح الذي يشتاق للأبدية، الروح هو الذي يرتفع فوق المادة، الروح هو الذي لا يشتاق إلي أتساع الأرض لكنه يشتاق إلى المجد السماوي ، الروح له طلبات أخري ، لذلك يقول المولود من الجسد جسد هو ، يوجد ناس مولودة بالجسد وتقضي حياتها كلها للجسد وسوف تعيش بالجسد للجسد إلي آخر لحظة ، نري الجسد ينتهي وتدفن وترجع مرة أخري للجسد ، بالجسد ذهبت للتراب، ذهبت للجسد ، إنتهى الأمر. ماذا يعني ذلك ؟ يعني أن دائرة الحياة لديها توقفت ، لماذا لأنها من الجسد وعاشت بالجسد وذهبت للجسد، ذهبت للتراب، ذهبت للموت الذي أخذت منه، لكن المولود من الروح ليس كذلك فهو مختلف ، المولود من الروح يعتبر أن هذا الجسد هو مجرد الشكل الخارجي لكي يحتوي على جوهر إلهي عالي القيمة وغالي القيمة جدا، قيمتك في الروح ليس في الجسد ، الذي يعطينا الحياة الآن ليس الجسد ، فاذا انتقل شخص فالجسد يظل موجود لكن طالما الروح ذهبت فإنتهت الحياة.
لذلك أنا لست مديون للجسد لأنني حي في الجسد ، لا أظل طوال عمري أدلل في الجسد، وأخدم الجسد، وأطبطب علي الجسد، وألبي احتياجات الجسد ، وفي الحقيقة ليس الجسد سر الحياة ، ليس الجسد مصدر الكيان ، ليس الجسد مصدر الوجود ، مصدر الوجود هو الروح ، لذلك قال المولود من الروح هو روح ، فالروح تشتاق للخلود ، تشتاق الأبدية ، تشتاق إلي الفضيلة ، لذلك مثلما أعطي الله الجسد إمكانيات تساعده على الحياة ، أعطى أيضاً الروح إمكانيات تساعدها على الحياة والنمو، أعطاني في الجسد إمكانيات تساعدني على الحياة ، أعطي لي آيدي ، عين ، أذن ، معده تهضم الأكل ، وغريزة أكل لكي أشتاق للأكل ، لأني لو لم يوجد لدي غريزة للأكل من الممكن أن أموت جوعا ، أعطاني كل المتطلبات التي تجعلني أستطيع أن أعيش ، هذا بالنسبة للجسد ، لكن في الحقيقة الروح أعطاني لها كل الإمكانيات التي تنمو بها ، جعلها باستمرار مشتاقة إلي فوق ، جعلها باستمرار مشتاقة إلي اللانهاية ، لذلك دائما تجد الجسد مهما تعطي له غير راضي ، مهما تعطي له تجده غير مشبع، غير سعيد ، لا حدود لرغباته لماذا ؟ لأننا لا نعيش لهذا ، كلما يأخذ احتياجاته كلما تزيد احتياجاته أكثر، كلما يدخل في دائرة فراغ أكبر لأنه يشعر أنه مهما آخذ فهو لا يشبع ، الحكيم قال ذلك : "كل الأنهار تصب إلي البحر والبحر ليس بملآن" ، هذا الجسد مهما تعطي له لا يشبع، لا يشكر، لا يكتفي ، لا يرضى . لأن في الحقيقة الموضوع أكبر بكثير من الجسد ، متي يشبع الجسد ؟، متى يرضى الجسد؟ إذا كان منقاد بالروح ، فالروح هو الذي يعطي الرضا ، الشكر ، الاكتفاء، السمو. لذلك يا أحبائي نحن نعيش الآن في الأثنين معا، موجود الجسد فينا وموجود الروح أيضا، لكن إذا سألت نفسي هل أنا سالك بالروح أم سالك بالجسد ؟ أنا أستطيع أطلق على نفسي إنسان جسد أم إنسان روح ، أنا مولود بالجسد وأعيش بالجسد ، وعايش ألبي رغبات الجسد فقط، أم أني مولود بالروح وأحاول ألبي رغبات الروح ، وأرتقي برغبات الروح ، وأطلع إلي فوق .
لذلك يا أحبائي نحن موجودين لهذا الأمر، والكنيسة قصدت تضع لنا هذا الفصل الآن، فلماذا؟ لكي تقول لك أنت في رحلة الصوم المقدس أوشكت علي الأنتهاء ، لكي يكون فيك إنسان الروح ، لكي إنسان الروح يبدأ بالنمو ، لكي إنسان الروح هو الذي يقود الجسد يصبح هذا الجسد مجرد وعاء لأن لو لم يولد إنسان الروح داخلي سأشعر بالعدمية ، العدمية تأتي من العدم، يشعر أنه يظل يقتني أشياء لكن يظل يدخل في دائرة من الفراغ ، إنسان الروح لا بد أن يولد داخلنا ، ولا بد أن يشبع ، ولا بد أن يعرف إنه مسرته في الله ، وشبعه في الله.
لذلك مثلما أعطي لي الله غريزة آكل بها أعطاني إشتياقات روحية ، تجد الإنسان الروحاني يحب الصلاة جدا ، يعشق الكتاب المقدس ، القداس هو السماء التي على الأرض ، يكون موجود بالجسد لكنه لا يكون معنا نهائيا هو فوق، في القداس يقول الأب الكاهن "أرفعوا قلوبكم" فنجيب "هي عند الرب" بمعني أنني لن أنشغل بأي شيء آخر، مثل من بجواري ، ماذا يرتدي ، متي حضر، من يتكلم ، من متعب .... إلخ، أنا رافع قلبي فوق ، إنسان الروح؛ إنسان الروح سعيد جدا بعمل ربنا في حياته ، هموم الأرض هذه بالنسبة له تافهة ، لا ينشغل كثيراً بماذا يأكل ، ماذا يلبس ، لا ينشغل بالمقتنيات لإنه يعرف تماما أنها زائلة ، عرف ، فهم إن إنسان الجسد لا يستحق أن أعيش له ، لأنه زائل، أعيش لزائل ، أتعب نفسي على أشياء ليس لها فائدة، تخيل عندما تظل تعمل عند شخص وفي النهاية تكتشف أنه يعطيك المقابل عملات مزيفة ، فالجسد كذلك ، فأنا لن أعيش للجسد لكي يعطيني في النهاية عملة مزيفة ، يعطيني لذة أعتقد أنها تشبعني وأجد نفسي لا أشبع ، أظن في نفسي أنه عندما يصبح لدي أشياء معينة سأكون راض، ولا يحدث هذا الرضا ، لماذا ؟ لأنها ضريبة الإنسان.
لذلك الإنسان الذي في الجسد دائما قلق ، غير راض، غير سعيد، دائما مخاصم ، دائما في نزاع مع من حوله ، لأنه يريد أن يزيد من أمور الجسد، ويظل يمشي في دائرة ، مسكين .. مسكين ، يظل يجمع مال ، كرامه ، نفوذ ، يفرح جدا إذا قال له أحد كلمة احترام ، مسكين لأنه من الأساس جائع ، لم يجد كيانه في الله ، الروح متعبة، غير مغذاه ، الجزء الإلهي الموجود فينا عندما يكون مائت يصبح الإنسان مسكين ، يظل يشحت كرامة ، عطف ولا يجد .
لذلك يا أحبائي الإنسان الذي يقتني المسيح يقول كفاني ، أنا ما صدقت وجدتك ، يقول لك من امتلكك شبعت كل رغباته ، إنسان الروح الذي وجد المسيح يصبح قانع ، هادئ ، لا يوجد في نزاع مع أحد ، ولا خصومة مع احد ، لماذا ؟ لأن اهتماماته ليست من اسفل ، لذلك قال لك إنت لستم من اسفل ، إنسان الجسد دائما في نزاع مع السراب، يحاول يمسك شيء ، يحاول يأخذ شئ ، ويكتشف أنه أضاع ....، .....، ...... ، مسكين من الممكن أن يقضي طوال عمره هكذا.
على سبيل المثال قرأت عن شخص مليونير، غني جدا ، معه ملايين من الدولارات ، وطبعا هذا الغني يجعله يحيا مشغول جدا ، جدا بالأخص عن زوجته وعن أبنائه ، مشغول تماما، وعصبي وطول الوقت منفعل ، مشدود ، لم يعيش هادئ أبدا، ولا زالت الثروة لديه تزيد إلي وصلت لمليارات الدولارات ، ولم يجد وقت يجلس مع زوجته ، أولاده. للأسف زوجته تعلقت بالسائق ، وبعد ذلك هذا الرجل حدث له ذبحة صدرية ومات ، فتزوجت الزوجة من السائق ، السائق فجأة وجد لديه حوالي 3,000,000,000 دولار ، فقال لقد اكتشفت الآن إن العمر الذي مضي كان هذا الرجل يعمل لدي لست أنا الذي أعمل لديه ، مسكين الإنسان الذي أضاع عمره كله ، أضاع زوجته ، بيته ، أبنائه ، هل تعتقد أنه كان يعرف أنه يضيع ؟ لا لقد كان غير فاهم ، مخدوع .
علينا يا أحبائي إن ننتبه ، يوجد أشياء أهم بكثير ، روحك أهم ، خلاص نفسك أهم ، ربح الملكوت أهم ، ربح زوجتك وأبنائك في المسيح يسوع وتطمئن عليهم إنهم يعيشون في حضن المسيح أهم ، وإن كان دخلك أقل .. أقل .. أقل ، لا يهم، لكن المهم أننا قد وجدنا المسيح ، نحيا في حضنه ، أمنه، فعندما تربط أبنائك بالمسيح تكتشف أنه أصبح لديهم شكر ، رضا ، الأمور التي كانت تتعبك ، كنت متصور إنك كنت تعمل فقط لكي ترضيهم ، ليس هذا ما يرضيهم ، الذي يرضيهم أنك تربطهم بالمسيح ولكي يرتبطوا بالمسيح لابد أن يروك وانت مرتبط بهم ، ويشعرون أنهم أغلي الأشياء وأجمل من أي شيء وأكبر من أي شيء ، أنت يا ابني أجمل شيء ، طالما أنا أراكي في المسيح فأنتي أجمل واحده في الدنيا ، أغلي واحدة في الدنيا وأنا لا أريد شيء من الدنيا كلها إلا أن أراكي في حضن المسيح فقط.
لذلك يا أحبائي المولود من الجسد جسد هو ، المولود من الروح روح هو ، هل هذا الأمر سهل ؟ لا يوجد به نزاع طبعا ، عندما تدرس في شخصية أبونا أسحاق يقول رفقة كان في بطنها الطفلين ، لدرجه إنه كان بينهم نزاع قوي جدا وهما داخل بطنها ، لدرجة أنها قالت " أن كان هكذا فلماذا أنا "، فمضت لتسأل الرب تقول له ما هذه الحرب ياربي ؟، قال لها لا تخافي في بطنك أمتين، ومنك يخرج شعبان وكبير مستعبد لصغير ، قال لها أنتي بداخلك الأثنين إنسان الجسد وإنسان الروح ، وهم يظلوا في صراع لا تخافي ، فالكبير يستعبد للصغير، إنسان الروح سينتصر، لا تخافي أطمئني لكن علينا أن نهتم بإنسان الروح ، لا بد أن نهتم بإنسان الروح ، نقوم بتربيته وتغذيته ومساندته وتشجيعه .
هيا نفرح بالصوم وهيا أقول لجسدي قف معتدلاً وصلي ، هيا أقول لبيتي أنا وبيتي أعبد الرب ، هيا نزرع في أبنائي مبادئ ، هيا أزرع في أبنائي إشتياقات روحيه ، نحضر لهم كتاب ونتأمل ونسأل فيه ، تقول لي يا أبونا لا يسمعون ، أقول لك أفعل هذا مع أي شخص مستجيب ، وإذا لا يوجد أحد استجاب، يكفي أن يروك أنت تصلي ، أنت تقرأ ، تقرا الكتاب المقدس ، يروك انت تركع ، فعندما تقوم بالصلاة في بيتك يصبح الكل مبارك في شخصك أنت .
الروح أقوى فماذا يفعل؟ يمتص ، مثل النور، النور بمفرده بدون أي مشاكل ينتصر على الظلمة ، هو هكذا له سلطان أقوى ، الحياة أقوى تنتصر على الموت هي كذلك ، الروح ينتصر على الجسد لكن المهم أن نمنحه فرصة.
لذلك يا أحبائي لدينا فرصة في الأسبوعين الباقيين نعيش للروح ستجد في نهايات الصوم أثناء الصوم يقرأ سفر أشعياء ، ستجده يقول لك آية جميلة "كفوا على الإنسان " ، بمعني كفاية حياة للجسد ، كفاية حياة للتراب ، كفاية حياة للأرض ، كف عن الإنسان .
لذلك يا أحبائي فرصة جميلة وأنت في ختام الصوم عيش للروح ، وافي للروح ، وافي لمن سيبقي معك للأبد ، هذا الجسد يذهب إلي التراب ولن يتبقى منه شئ ، الذي تهتم به جدا، فلا تركز عليه جدا لأنه مؤقت بل اهتم بالشيء الذي يظل معك طول الوقت ، المستمر معك ، قم بتغذيته وصداقته وأرضيه وأفرحه لأن هو مرضاته في الله .
ربنا يعطينا يا أحبائي في هذه الأيام المقدسة التي تتدخر لنا الكنيسة فيها من كل خيراتها وتغذي الروح ، أن نتبعها بصدق ، وأن نكون أوفياء للروح ، خاضعين للروح .
يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائما أبديا آمين .

عدد الزيارات 1493

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل