طوباكم ايها المساكين لان لكم ملكوت الله

Large image

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين. تحل علينا نعمته ورحمته وبركته الآن وكل أوان والي دهر الدهور كلها آمين.

إنجيل معلمنا لوقا نجد ربنا يسوع يتحدث مع تلاميذه ويعطيهم تعاليم سماوية روحية، من أهمها كلمة نعرفها جميعاً حيث يقول لهم "طوباكم أيها المساكين بالروح لأن لكم ملكوت السموات"، في كثير من الأحيان لا نلتفت إلي موضوع المساكين بالروح، لكن أود أن أتكلم عنها في دقائق.
في حقيقة الأمر إذا قمت بالبحث عن سبب خطايا كثيرة ستجد سببها كبرياء الإنسان، عظمته، غروره، ذاته، قم بتحليل خطايا كثيرة ستجد سببها الذات، الأنا، تنظر إلى محبة العالم، ومحبة المقتنيات، أنا ، أنا أريد، أنا أريد أن أمتلك هذا الشيء، أريد هذا الشيء يكون لي وملكي أنا، فهناك مرحلة في الحياة وهي مرحلة الطفولة فيها تجد الطفل يود كثيراً أن كل شئ يراه يمتلكه، لكن إذا استمرت هذه المرحلة مع الإنسان يصبح هناك خطر شديد عليه، الأنا، فمحبة المال أصلها الأنا، محبة الشهوات أصلها الأنا، أنا أريد أن أستمتع بهذا الشيء، أريد هذا الشيء يصبح ملكي، حتى إذا كانت إنسانة أريدها تصبح ملكي وملكي أنا، الشهوة أساسها الأنا، محبة المال أساسها الأنا، البغضة والكراهية أساسها الأنا، التعظم، الإدانة، فأنا عندما أتحدث في سير الآخرين فهذا يعني كأنني أقمت نفسي قاضي عليهم، وكأنني قمت بتصنيف نفسي أني أحسن من كل الناس، "الأنا"، الطمع يأتي من الأنا، محبة العظمة، عندما تحدث معلمنا بطرس عن شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، إذا قمت بتحليل هؤلاء الثلاثة ستجدهم الأنا، الأشخاص تختلف مع بعضها بسبب الأنا، الإنسان لماذا يريد الملكية بسبب الأنا، لماذا يغار الناس من بعضهم البعض بسبب الأنا، فهذه الأنا مشكلة كبيرة جدًا - نعم - ولكن الأخطر من مشكلة الأنا هو ألا يكون الشخص شاعر بها، يكون الشخص داخله مرض خطير (ربنا يرحمنا من هذه الكلمة) خطير وخبيث، ولا يشعر به، فماذا يحدث إذن؟ يظل يكبر، يكبر، يكبر، وهل تتخيل أن المحب للانا يشعر أنه مخطئ؟ أبدا، فدائماً ينصف نفسه لأنه دائماً يحب أن يحن على نفسه، تجده يشفق على نفسه جداً ويكون قاسي جداً على الآخرين، تجده يفكر في نفسه جداً، وقليلا ما يفكر في الآخرين، تجد هذا الأمر أصبح يزيد داخله، ستجد كل من حوله يهرب منه لأنه متكبر، فهل تعتقد أنه يقول أن الناس تهرب مني لأني متكبر؟ أم يقول لك لأنهم سيئين، لأنهم هم سيئين، ولأنهم هم .... ، .... ، .... ، .... ، ويظل يبحث عن نقاط ضعف في كل من حوله، لا فكن حذر من الأنا، لذلك تجد أول التطويبات "طوباكم أيها المساكين بالروح".
لذلك إذا قمت بقراءة سير القديسين ستجد بينهم فضائل كثيرة جداً لكنهم اشتركوا في الاتضاع، يقول أن الاتضاع خلص كثيرون بلا تعب، بلا تعب بأقل مجهود الإنسان يخلص، لكن من الذي يخلص؟ المتواضع، المزمور يقول "إلى هذا أنظر إلى المسكين المرتعب من كلامي" يقول لك "لأن الرب لا يسر بساقي الرجل بل يسر الرب بخائفيه والراجين رحمته".
من الذين لديهم مخافة الله؟، من يصلي صلاة حارة؟ المتواضع، من يشفق على الناس؟ المتواضع، من يسعى لمصلحة الآخرين؟ المتواضع، من يعطي غيره ويساعد غيره؟ المتواضع، فنحن لابد أن ننتبه لأنه في الحقيقة ستجد خطايا كثيرة تظل تكبر، وكلما في العصر بدأت تزيد عجلة السرعة، وكلما طلبات البشر بدأت تزيد، وكلما تزيد ضغوط الحياة كلما تزيد الأنانية، لذلك تلاحظ أن المجتمعات الأكثر تقدماً تجد فيها الذاتية عالية جداً، عالية جداً، ستجد أن حتى الإخوة لا توجد حنية فيما بينهم، على عكس المجتمعات الهادئة تجدها قليلة مترابطة والناس تشعر ببعضها لماذا؟ لأن المجتمع له ضريبة، يعطيك سرعة حياة، يعطيك تكنولوجيا، ويعطيك تقدم، ويعطيك دخل عالي لكن يأخذ منك ما هو أغلى، يأخذ منك مشاعرك تجاه الآخرين وتزداد مشاعرك تجاه نفسك فذاتك ترتفع، ترتفع، ترتفع، وتبدأ تشعر أنك محور الكون كله، أنا الذي أجلب النقود، أنا الذي أقوم بتشغيل الجهاز، أنا الذي أقوم باختيار أغلى الأشياء، وأنا الذي أتنزه وأنا .... ، ..... ، تجد الأنا تزيد، هل تعتقد أن الأنا تشعر بالشبع؟ لا تشعر بالشبع مطلقا، تعتقد أن الإنسان يشعر بالأنا؟!، أبداً بل قليلاً جداً ما تجد إنسان يشعر بالأنا أنها عالية بل بالعكس كلما زادت الأنا لديه كلما يشعر أن الآخرين هم الأقبح، فهذه تجربة مرة، يقول لك نعم، لذلك يا أحبائي عندما نري ضعفات كثيرة جداً في عصرنا لابد أن نفكر في أنفسنا، فالكاهن في القداس يقول "هذا الذي يأتي في مجده ليدين المسكونة بالعدل ويعطي كل واحد فواحد كنحو أعماله " كل شخص على حدا، يقوم بمحاسبتي بمفردي، ويقوم بمحاسبتك بمفردك ..... إلخ، كل شخص بمفرده ستجد أشياء كثيرة تمنعنا الذات منها.
تصور أنه من الممكن أن تكون الذات هي التي تجعلك لا تصلي لأنك تشعر بالاكتفاء ولا تشعر بالضعف، من الممكن أن تكون ذاتي هي التي تجعلني أقف أمام الله بغير انسحاق تجعلني أقول: أنا شاطر، أنا قوي، أنا جيد، أنا أعرف أن أحل الأمر بيدي، فلذلك الله مكانه في حياتي قليل ، تخيل الإنسان عندما يستمر في هذه الحالة!، ترى إلى متى يستمر فيها؟، فماذا تحتاج؟ تحتاج نقطة انتقال، أنه لا أنا بل المسيح، تحتاج نقطة انتقال لا يكون مركز حياتك هو أنت، لا تعيش فقط لكي تتلذذ، تتنعم، تأخذ، تنفق، تجمع، تطمع، تتعالى، تكن مغرورا، تتعصب - لا إطلاقاً - لذلك مسكنة الروح هذه تحتاج أن الإنسان يطلبها جدا، "القلب المنكسر المتواضع لا يرذله الله"، من الذي من الممكن أن يلفت نظر الله الآن ونحن ههنا؟! المتواضع، من الذي من الممكن أن الله يركز معه؟! المتواضع، القلب المنكسر المتواضع لا يرذله الله، دائما يقال مثلاً أنه إذا أحضرنا قليل من المياه أو خرطوم من المياه وسكبناه في مكان ستجد المياه تستقر في الأماكن المنخفضة، المياه تستريح، هكذا النعمة، النعمة تستقر لدى المتواضع، والمتكبر ماذا يحدث له؟! المياه تجري من فوقه سريعاً، فكل شخص منا يحتاج التواضع جدا.
لذلك فإننا نجد الكثير من المشاكل في حياتنا تحدث بسبب غرورنا وبسبب كبريائنا وبسبب عدم الشفقة علي الآخرين وبسبب الأنا، لقد قرأت قصة عن مشكلة زوجية بين رجل وسيدة وهما الإثنين متشاجرين مع بعضهما البعض وأخذوا قرار أن يتركوا البيت وهو كان يقول لها أنا لم أرى معك يوم جيد، وهي تقول له بل أنت ... ، ...، وهو يقول لها ... ، ...، وقد كان لديهم طفلة صغيرة في المرحلة الابتدائية ترى الأب يجمع أشياءه والأم أيضا تجمع متعلقاتها؛ فقالت لهما أنا لا أستطيع أن استغنى عنكم أنتما الإثنين، أنا لابد أن أعيش معكم أنتما الإثنين، قالوا لها لا، ففي النهاية حكموا على أنفسهم أن تعيش الطفلة أسبوع لدى أحد منهم ، جلست البنت في الأسبوع الأول تبكي وتصلي، تصلي، تصلي، فقامت بفعل شيء من دون علمهم، فماذا فعلت؟ أحضرت هدية بسيطة وقامت بإرسالها للرجل وقالت له سامحني وهذه كانت ساعة غضب وأنا لا أستطيع العيش بدونك وقامت بالإمضاء باسم الأم، وبعدها أخذت الهاتف المحمول من والدها وأرسلت رسالة إلى والدتها وقالت أنا لا أستطيع العيش بدونك وهذه كانت ساعة غضب وسامحيني، فرجع الإثنين إلى بعضهم البعض، وكل واحد منهم قدم اعتذار للآخر، فحدثته عن الهدية وحدثها عن الرسالة فإذ بهما لا يعلمون شيء، فبذلك كانت البنت أحكم من الإثنين، فقاموا بسؤال البنت من أين أتيتي بهذه الفكرة؟ فأجابت بالصلاة، قمت بالصلاة كثيراً لأني كنت حزينة عليكم. إذن ما الذي حدث لهم؟ كسرت ذاتهم، ففي هذا الموقف كان يحتاج أن أحدهم يكسر ذاته، من الذي يكسر ذاته؟ الشيطان دائما ينمي فكرة أن الذي يكسر ذاته هو الضعيف، لكن بالعكس فهو القوي، من يبادر، من يعطي، من يصلي لأجل الآخر، من يقوم بكسر ذاته، لا يوجد شخص ضعيف يستطيع أن يكسر ذاته، لا بل الذي يكسر ذاته هو الأقوى، الذي يكون مستند علي نعمة.
ولكي يكون حديثنا عملي ومنطقي فمن أين يأتي موضوع الاتضاع هذا؟
الاتضاع يأتي من أمرين صغيرين جداً:
١- تعلم كثيراً من المسيح، الاتضاع هو المسيح، القديس مار إسحاق يقول لك "حينما نتكلم عن الاتضاع فإننا نتكلم على الله لأن الاتضاع هو الحلة التي لبسها اللاهوت لكي ما يخلصنا بها". "عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد". نزل من السماء، فعندما تري صورة يسوع وهو مولود في مزود تقول هل الإله يرضى بذلك، عندما تقوم بقراءة الكتاب المقدس وتجد يسوع يهان تقول هل الإله يرضي بذلك، عندما تري يسوع عاريا على الصليب تقول هل الإله يرضي بذلك، هذا هو العجب في اتضاعك، تريد أن تتعلم التواضع أنظر إلى صليب ربنا يسوع، أنظر ليسوع، وأنظر لحياته، وأنظر لأعماله، "هذا الذي من أجلنا نحن البشر من أجل خلاصنا نزل من السماء". جاء من السماء، تخلى عن مجده وجاء، الذي لم يحسب خلسة أن يكون مساويا لله لكنه أخلى ذاته أخذا شكل العبد صائرا في الهيئة كإنسان، شكل العبد نعم شكل العبد، لذلك أريد أن أقول لك لكي تتواضع تعلم من المسيح، وكلما ارتفعت نفسك قليلاً تقول أنا بذلك خرجت عن منهج المسيح، منهج المسيح هو منهج التواضع، أنظر كثيراً للمسيح.
٢- أنظر لضعفك، أنظر لخطيتك، أبحث عن شيء يجعلك تتعالي فلا تجد شئ حلو تتكبر به، إذا كان لدينا أشياء حلوة تكون من المسيح، لكن نحن كلنا ضعف، كلنا ضعف، أنت إذا تذكرت فقط ضعفات يوم واحد فعلتها ستجد نفسك تخجل من نفسك، فبماذا نتكبر إذن؟! ونحن كل يوم مغلوبين بالآثام والخطايا، بماذا نتكبر ونحن نصلي كل يوم ونقول الخطاة الذين أولهم أنا، أولهم أنا، أنا أول الخطاة، لذلك الإنسان عندما يتكبر فهذا شيء لا يوافقه إطلاقاً، لماذا؟ لأنه في الأصل من تراب، في الأصل خاطئ، فكيف يكون كائن ترابي و خاطئ يتفاخر، لا تصلح، عندما يقول أحد الآباء نحن أصلنا من تراب، وإذا ارتفع التراب يحدث عفارة، إذا قمت برفع قليل من التراب تحدث عفارة، يصبح لا يليق، ليس جيد، فأنت لا تهدأ إلا أذا التراب سقط مرة أخري للأرض، نحن أيضاً كذلك.
لذلك ذات مرة رأى القديس العظيم الأنبا أنطونيوس طريق ضيق ممتلئ بالفخاخ، وممتلئ بالثعابين والحيوانات الشرسة ومخيف جدا، فصرخ لله وقال له ما هذا ياربي هل الطريق هكذا؟ هل الطريق شاق جدا، وصعب جدا، ومستحيل جدا، فمن ينجو من كل هذا يا رب؟، من ينجو من كل هذا؟، فأنا إذا نجوت من فخ سأسقط في عقرب، إذا نجوت من عقرب سأسقط في أسد، ما هذا الطريق؟ قال له من ينجو من هذا يارب؟. فجاء إليه صوت قائلا له المتواضعون ينجو يا أنطونيوس.
لذلك الكبرياء لا يليق بنا يا أحبائي، لأن الإنسان يعرف بضعفه، الإنسان يعرف بخطاياه، فلا يوجد أجمل من أن تقف أمام الله وتقول له ارحمني أنا الخاطئ، أكثر كلمة الكنيسة تستخدمها "كيرياليسون"، أكثر كلمة الكنيسة تستخدمها "أنعم لنا بمغفرة خطايانا"، "يارب أرحم"، فهل يوجد إنسان متكبر يستطيع أن يقول كلمة يارب ارحم؟
فهيا يا أحبائي نطلب مسكنة الروح، نطلب الاتضاع، هيا نتخلى عن العتيق الذي بداخلنا، نتخلى عن الأنا، فهل من الممكن أن هذا يأتي مرة واحدة؟، لا بل يأتي تدريجياً، كيف يأتي تدريجياً؟ أنظر إلى المظاهر التي أنت مقتنع بها إنها يوجد بها كبرياء، أتخذ خطوة، خطوة ولو بسيطة، تعلم أنت إذا قمت بالتخلي عن جنيه فهذا جزء من ثمن رحلة تواضعك، جنيه واحد فقط هذا جزء من رحلة التواضع لديك، إذا قمت بالسجود مرة واحدة هذا جزء من رحلة التواضع، إذا غفرت لإنسان فهذا جزء من الرحلة، إذا قمت بمصالحة إنسان كان غاضب منك أو أنت على قطيعة معه من زمن فهذا جزء من الرحلة، إذا أبصرت خطاياك هذا جزء من الرحلة، إذا قمت بالاعتراف للكاهن وقمت بفضح خطاياك وتقول أنا سيء هذا جزء من الرحلة، إذا تناولت بقلب منكسر هذا جزء من الرحلة، إلى أن تجد نفسك بدأت تقتني قلب بحسب قلب الله، طوبي للمساكين بالروح.
ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائما أبديا آمين.

عدد الزيارات 874

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل