مفهوم العظمة الجمعة الثانية من شهر مسري

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد أمين، تحل علينا نعمته ورحمته وبركته الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور كلها آمين.
تقرأ علينا الكنيسة يا أحبائي في هذا الصباح المبارك فصل من بشارة معلمنا مار مرقس البشير الإصحاح العاشر، معلمنا مرقس بطبيعته خادم متضع، لذلك فقد قام بتوجيه أنظارنا إلى شيء، وهو أن التلاميذ يوجد بينهم غيره، وبدأ يسيطر على التلاميذ مفهوم عن العظمة، من منهم يكون الأكبر، وهناك إثنين شقيقين وهما يشعرون أنهم هم الأقرب من ربنا يسوع المسيح وهما يعقوب ويوحنا ابنا زبدي، قالوا للسيد المسيح نحن نريدك أن تقوم بتمييزنا قليلاً، نحن لا نريد أن نكون مثل باقي الناس، قال لهم ماذا أفعل؟ قالوا له نقترح عليك لكي تميزنا وتكبرنا قليلاً وتعطينا كرامة أن يجلس واحد عن يمينك والآخر عن يسارك، ربنا يسوع المسيح لطيف جدا، كان من المتوقع أنه عندما يسمع منهم هذا الكلام ينتهرهم جداً، و يتضايق من كلامهم لأن كلامهم لا يتفق أبدا مع الرسالة الإلهية، ولا مع رسالة ربنا يسوع المسيح، ولا مع فكره، ولا منهجه، ولا مع طبيعته، وهم يعلمون ذلك من البداية، وبداية مولده كان في مزود، فأنتم تعلمون كل شئ وتتحدثون عن من يجلس عن يميني ومن عن يساري، فأجابهم "لستما تعلمان ماذا تطلبان؟"، قال لهم كونوا حذرين أنتم من الممكن أن تجلسوا عن يميني وعن يساري لكن هناك كأس لابد أن تشربها، هناك ألم لابد أن تجتازه، يوجد صليب لابد أن تشترك في حمله معي، لأن إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضا معه، قام بتغيير مفهومهم من مجرد الكرامة الأرضية الزمنية إلى مفهوم آخر وهو مفهوم الألم والتعب، قام بتغيير مفهومهم من الكرامة الي الصليب، يا إلهي أنت عجيب فعلاً!، قام بتغيير مفهومهم من الكرامة إلى الصليب، قالا لهما أتستطيعان أن تشربا من الكأس التي أشربها أنا؟، وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا، أتستطيعوا أن تحتملوا؟!، تحتملوا الإهانات، تحتملوا العذابات، تحتلموا التآمر عليكم ، تستطيعوا أن تحتملوا الصليب الذي أنا أحمله، والذي سوف أحمله، إذا استطعتم فهيا بنا لنجلس في هذا المجد معا، فطبعا هما وبدون فهم لمعنى الكأس ومعنى الصبغة، قاموا بالرد عليه وقالوا له نستطيع، فأجابهم بإجابة أخرى وهي الكأس التي أشربها أنا فتشرباها والصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان بها ولكن الجلوس عن يميني وعن يساري ليس لأحد إلا للذين أعد لهم، ومن المؤسف أن باقي التلاميذ عندما سمعوا هذا الكلام تتضايقوا واغتاظوا، وقالوا لماذا هاذين الاثنين هما الذين تحدثهم ويطلبون منك الجلوس عن يمينك وعن يسارك وقمت بالإجابة عليهم وأخبرتهم عن الشروط، فاغتاظوا العشرة وبدأوا يتذمرون على يعقوب ويوحنا، فقال لهم ربنا يسوع المسيح أنتم تعلمون أن الذين يحتسبون رؤساء الأمم يسودونهم وأن عظمائهم يتسلطون عليهم، فأنتم على علم بأن الناس الكبار هؤلاء الأكثر عظمة، وأن هؤلاء الناس الكبار المسؤولين هم الذين يسودون على باقي الناس، قال لهم هذا عرف العالم، عرف العالم أن الناس التي تسود هم الأكثر كرامة، هم الأكثر سيادة، قال لهم هذا في العالم أما أنتم فلا يكون هكذا فيكم، فقال لهم أن من أراد أن يصير فيكم عظيماً يكون لكم خادما، من أراد أن يصير فيكم أولا يكون للجميع عبدا، "لأن ابن الإنسان أيضا لم يأتي ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين"، قام بتغيير المفهوم الذي كان في أذهانهم من مفهوم الصراع على السلطة، ومفهوم الصراع على من يكون فيهم الأول، ومفهوم من فيهم الأكثر كرامة، ومن فيهم الذي يأخذ المكان الذي على يمينه والذي عن يساره، ومن فيهم يكون أكثر تميزاً، إلى من فيهم يكون أكثر عطاء، أكثر حبا، أكثر اتضاع، أكثر خدمة، قال لهم مفهوم العالم الذي يقول أن القادة يكونوا هم المتسلطين عليهم، ويكونوا هم الذين يأخذوا كرامة أكثر، وهم الذين يأخذوا من الناس أكثر، قال لهم لا هذا مفهوم في العالم ليس لدينا نحن مفهومنا عكس ذلك، الذي أراد أن يكون أولا يكون آخر الكل، الذي أراد أن يتقدم على دوره ليكن لجميع الذين حوله خادم، بل وقال كلمة أكثر من كلمة خادم قال فليكن للجميع عبدا، فأنت يارب أتيت لتغيير كل المفاهيم، نعم فأنا أتيت لأغير المفاهيم لأن المفاهيم التي لديكم مفاهيم مريضة، فهي مفاهيم من العالم، نحن لا نريد أن نتبع ربنا يسوع المسيح لكي تزداد كرامتنا على الأرض، لا نريد أن نتبع ربنا يسوع المسيح لكي نتمجد على الأرض، لا القديس يوحنا فهم الدرس جيداً وقال ينبغي أن ذاك يزيد وأنا أنقص.
ما أجمل يا أحبائي مفهوم عظمة ربنا يسوع المسيح الذي يقوم بغرسه في تلاميذه، يقوم بغرسه في كنيسته، ويقوم بغرسه في أولاده، أن يكون الكبير هو الصغير، وأن يكون السيد هو العبد للكل، معلمنا بولس الرسول في رسالة غلاطية يقول لهم بالمحبة استعبدوا أنفسكم بعضكم لبعض، في ترجمة تقول بالمحبة اخدموا بعضكم بعض، لكن وجدوا أن الترجمة الرومانية الأصيلة وهي الترجمة الحقيقية ليس اخدموا بل استعبدوا أنفسكم بعضكم لبعض بالمحبة، وهذا المفهوم الذي قاله ربنا يسوع المسيح أن الذي أراد أن يكون أولا فليكن آخر الكل، ونحن الآن في هذه الأيام الجميلة التي لأمنا السيدة العذراء، تجد السيدة العذراء كانت آخر الكل، فهي قامت بفهم الدرس بدون درس، وفهمت التعليم بدون تعليم، لأنها مسكن للروح القدس، فإبحث عن السيدة العذراء في أي موقف لن تجدها، ابحث عن كلامها لن تجد، ابحث عن كرامتها التي تطلبها ممن حولها لا تجد، ويوم أن تجدها فإنك تجدها تساعد داخل المطبخ في عرس قانا الجليل لذلك علمت أن الخمر قليل، ويوم أن تجدها فتجدها مختفية في أي مجموعة، ويوم تجدها لا تسمع لها صوت، لأنها علمت أن من أراد أن يكون أولا فليكن آخر الكل، وليكن للجميع عبدا، أمنا السيدة العذراء تجدها في كل مجالات حياتها كانت عبدة، لذلك الكنيسة عندما تأتي لتسبح أمنا السيدة العذراء تقول لها "أفرحي يا مريم الأم والعبدة"، تجدها في الهيكل تخدم الكل.
هل تعتقدون أن أمنا العذراء عندما كانت تخدم في الهيكل كان حينها الهيكل مثل الهيكل الآن - بالطبع لا - فهو كان الهيكل اليهودي، وهذا الهيكل اليهودي كان ممتلئ بالذبائح، ممتلئ بالغنم والبقر وذبائح وجلود ونار، موضوع شاق جداً علي فتاة، لأن الفتاة في الهيكل ستقوم بالتنظيف طوال الوقت، والذبائح في الهيكل ذبائح لا تنقطع، فدائماً تحتاج أن تكون في حالة عمل دائم، فلا نجدها أبدا قامت بالشكوى، أو التذمر، لم نراها أبدا تتفاخر، فهي تعلم الدرس، تريد أن تأخذ فعلاً نصيبك الحقيقي في المسيح يسوع خذ تدريب لنفسك تكون آخر الكل.
الكنيسة تعلمنا كل يوم ونحن نصلي نقول "الخطاة الذين أولهم أنا"، الكنيسة تريد أن تعلمنا أن نقف بضمير مثل الخاطئ الذي يقف من بعيد، مثلما قال عنه الكتاب "لم يشأ أن يرفع رأسه"، وقال "اللهم ارحمني أنا الخاطئ"، فهذا يا أحبائي عبيد الله، هذا نصيب عبيد الله، هذا ميراث عبيد الله، هذا عمل الله في أولاده.
لذلك يا أحبائي إن كنا نريد أن نكون أولاد حقيقين للمسيح لا تطلب ما لنفسك، فالمحبة لا تطلب ما لنفسها، يقول "لا ينظر كل واحد منكم إلى ما هو لنفسه بل إلى ما هو للآخر أيضاً"، قالوا له نجلس واحد على يمينك والآخر عن يسارك ويتصوروا أن الموضوع موضوع كرامة، وموضوع تمييز، في المسيح يسوع لا كرامة ولا تمييز.
تريد أن تتميز في المسيح يسوع أدخل بين ذراعيه وأختبئ، أطلب دائما أن تكون آخر الكل وتكون مخفي، قم بأخذ تدريب مثل أمنا السيدة العذراء، إفعل أشياء عظيمة لكن في الخفاء، حاول أن تهرب من كلام الناس، من مديح الناس، حاول أن تبعد عن الأضواء، حاول أن تستعبد نفسك للجميع ستفرح وحينئذ ستجد أن هذه هي كرامتك، كرامة من نوع آخر، كرامة تأخذها في يسوع المسيح الحبيب المصلوب الإله المتجسد، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، الإله الذي نزل من السماء جاء يعلم أبنائه كيف يبذلوا، كيف يختفوا، كيف يقولوا ينبغي أن ذاك يزيد وأن أنا أنقص، أكثر شيء يفعل صراع في الحياة هي "الأنا"، فكن حذر أن يكون أهم شخص في بيتك هو أنا، أفكر في نفسي فقط، ماذا أريد أنا؟، ما احتياجاتي أنا؟، ولا يهمني الآخرين، كن حذر من الأنانية لأنها مرض، فالأنسان الذي يفكر في نفسه فقط يصبح مكروه جداً من الجميع وهو لا يشعر للأسف، فكن حذر لأن ربنا يسوع المسيح جاء ليغير المفاهيم، قال لك تريد أن يكون لديك كرامة أترك نفسك آخر الكل، أترك نفسك عبد لكل من حولك، تعلم كيف تستعبد نفسك للآخرين، معلمنا بولس قال "مع أني حر للجميع استعبدت نفسي للجميع لكي اربح الجميع" استعبدت نفسك بمعنى أن لديك استعداد أن الناس التي تقوم بخدمتها تصبح لهم عبد، الإنسان الذي يفهم عمل المسيح في حياته بسهولة يستعبد نفسه للآخرين.
القديس أوغسطينوس عندما كان يصلي للمخدومين كان يقول "أطلب إليك من أجل ساداتي عبيدك" يسمي المخدومين شعب الإيبارشية الذي هو أسقف عليها الذين يخدمهم ويدعوهم ساداتي، فإنه تعلم من سيده.
التلاميذ عندما سمعوا هذا الكلام قالوا نحن حقا لا نفهم شيء فنحن نفكر في الغيرة من يعقوب ويوحنا، وأنت تقول لنا الذي يريد أن يكون أولا يكون آخر الكل، أصبح هناك بينهم سباق ليس على المتكأ الأول ولكن على المتكأ الأخير، إذا جلست وسط جماعة فيها محبة الله ومخافة الله تجد كل واحد منهم يتصارع على النصيب الأصغر وليس النصيب الأكبر، ستجد أن كل واحد منهم يقدم الآخر على نفسه، ستجد أن كل واحد منهم يقول ينبغي أن ذاك يزيد وأنا أنقص، ستجد الكل يريد أن يشير إلى المسيح، الكل يريد أن يمجد المسيح، الكل يريد أن يعلن مجد المسيح، الكنيسة ملك من؟، والخدمة ملك من؟، والذين يريدون أن يجلسوا على اليمين أو على اليسار يريدون أن يمجدوه هو و إذا كان هو الذي تألم من أجلهم فقال لهم أن هناك كأس لابد أن تشربوها وهناك صبغة لابد ان تصطبغوا بها، وهناك ألم لابد أن تجتازوه، اشتركوا معي في ألمي فحينئذ تشتركوا معي في مجدي.
بيوتنا يا أحبائي تحتاج هذا المفهوم، وحياتنا مع أولادنا ومع كل من حولنا، نحتاج أن نفهم أن الذي آراد أن يكون أولا فليكن آخر الكل، من آراد أن يكون فيكم أعظم فليكن للجميع عبدا.
ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائما أبديا آمين.