العظيم الأنبا أنطونيوس الجمعة الرابعة من شهر طوبه

Large image

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين، تحل علينا نعمته ورحمته وبركته الآن وكل آوان والي دهر الدهور كلها آمين.

تحتفل الكنيسة اليوم يا أحبائي بتذكار نياحة قديس لقبته الكنيسة بلقب العظيم "بي نيشتي" وتعني العظيم، إن الأنبا أنطونيوس سيرته ممتلئة بالتعاليم، وأنا سأتناول جزء صغير في سيرته، وهي بداية الانطلاق في حياته وقد كانت حادثة صعبة وهي حادثة وفاة والده، لقد كان والد الأنبا انطونيوس يمكن أن تقول عليه عمدة، كان صاحب أطيان ، صاحب جاه ، لديه أفراد كثيرة تعمل ، ذو سيرة طيبة في البلد ، من أكابر البلد، رجل له هيبة ، له سلطان ، والكثير من الناس تعمل لديه ، ويعطي لهم أوامره.
جاء الأنبا أنطونيوس ذات يوم ودخل المنزل فوجد علي باب المنزل جمهور من الناس ، فسأل ماذا حدث ؟ لكن لا أحد يستطيع أن يجيبه، وقام بتكرار السؤال كثيراً إلي أن قال له شخص "شد حيلك" ، سأله ماذا حدث؟ فأجابه والدك توفي وكانت الصدمة!، لأن والده كان في كامل الصحة، لأن والده لا يوجد له أي مظاهر توحي بهذا، في قمة صحته ، في قمة مجده ، في قمة سلطانه ، لا يوجد أي شئ يدعو للقلق ، دخل فوجد أبوه نائم علي أريكة ، وينظر الي والده منظر صعب جداً ، وقال له كيف كل هذا المجد ، وكل هذا السلطان وتنتهي في لحظة ، وجلس صامت ، وكان يتحدث لوالده يقول له أنت قد خرجت من العالم بغير إراداتك أنا سأخرج من العالم بإرادتي ، أنني لست متعجب على موتك لأن هذا أمر الله ، لكن سأتعجب لنفسي إذا عشت مثل حياتك وخرجت من العالم بغير إرادتي ، سيكون العجب عليا إذ أنا عشت حياتك ، كل شئ انتهى ، كل ممتلكاتك انتهت ، كل الأشياء أصبحت لا تنتسب ولا تؤول لك ، وبدأ ينظر إلى نهاية العالم ، صغر العالم جدا في نظر أنطونيوس ، وبالطبع كان يقرأ الكتاب المقدس كثيراً ويذهب للكنيسة كثيراً إلي أن دخل الكنيسة ذات يوم وسمع الآية التي تعلمونها جميعا وهي "إن أردت أن تكون كاملا أذهب وبع كل مالك وأعطي للفقراء" وقال له "حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك" فوجدنا الأنبا أنطونيوس كمثل الذي ينتظر دفعه للأمام فأخذ هذه الدفعة من الكنيسة ، أخذها من القراءات، وهذا أيضاً يؤكد أننا من القرن الثالث والرابع والكنيسة يوجد بها قداسات، والكنيسة يوجد بها قراءات منظمه تقرأ على المؤمنين في فصول مختارة لكي تفيدنا نحن لكي نعيش بها، وهذه الكنيسة (التي دخلها الأنبا أنطونيوس) موجودة الي الآن وانا أعشقها، اسمها كنيسة أبو سيفين وهي كنيسة صغيرة جدا في بلدة اسمها "دير الميمون"، الكنيسة كلها مساحتها مثل مكان التناول تقريبا، سمع فيها الأنبا أنطونيوس هذا الإنجيل، وبدأ يعيش حياة الوحدة ، باع كل ماله وأعطاه للفقراء وأعطى نصيب أخته وأودعها في بيت للعذارى ، فالذي أريد أن أقوله لكم أنه لابد للإنسان أن يفكر كثيرا في زوال العالم ، والكنيسة كل يوم عندما تقوم بقراءة الكاثوليكون تقول لك "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم لأن العالم يمضي وشهوته أما الذي يصنع مشيئة الله هذا يثبت إلى الأبد"، كل مرة تقرأ فيها الكنيسة الكاثوليكون تقول هذه الجملة، وهذا الكلام يقال لنا ونحن نظل مثلما كنا، نحن مرتبطين بالناس، مرتبطين بالدنيا ، مرتبطين بالمال، مرتبطين بالسلطة ، مرتبطين بالأرض، فالإنسان اذا لم يتعلم من الدرس إذن فهناك مشكلة لديه، إذا قام هذا العالم بخادعنا مرة فيكون الخطأ عند العالم، لكن العالم قام بخادعنا كثيراً فيكون الخطأ عند الإنسان نفسه، فهناك جمله تقال "إن تخدعني مرة فهذا عيب عليك، لكن أن تخدعني مرتين فهذا عيب علي"، المشكلة عندي أنا لأني صدقتك، فكون العالم خدع كثيرين هذا عيب العالم لكن يخدعني أنا أيضا فالعيب أذن عليا أنا.
إذن ماذا يعني هذا؟! لابد للإنسان أن يعلم أن هذا العالم سوف يزول، فلا يصح أن يري الإنسان أن كل آماله في الأرض ، كل آماله في الدنيا، كل آماله في الزمن ، كل آماله في السلطة ، كل آماله في أولاده، كل آماله في النقود، فكل هذه الأشياء لا تعطي اطمئنان، إنهم ليسوا دائمين، ينتهوا، فلابد يا أحبائي أنه كما تعلم الأنبا أنطونيوس الدرس من والده نحن أيضا لابد أن نتعلم، لابد أن نعرف أن هذا العالم مرحلة، وهذه الحياة التي نعيشها ليست الحياة الحقيقية، هذه مقدمه الحياة الحقيقية، الحياة الحقيقية هي الحياة الأبدية، معني أن هذه الحياة التي نعيشها تنتهي فهي ليست حياة حقيقية، فماذا تكون إذن؟! قال إنها ذل، قال إنها بداية، مقدمة - لماذا؟ - لأن العالم يمضي وشهوته معه.
لذلك يا أحبائي لابد للإنسان أن يفكر كثيراً في زوال العالم، أحيانا شخص يقول لي يا أبونا هذه السيرة كئيبة، الشخص يريد أن يفكر في شيء جيد، ما هو الشيء الجيد؟، نذهب لنتنزه، أقول لك أنا لم أقل لا تتنزه، تنزه وتناول الطعام والماء وأعمل أي شيء لكن كن مدرك إن هذا ليس هدف الحياة ، كن مدرك أن هذه ليست النهاية، ليس هو مصيرك، ليس هي طموحاتك، قال معلمنا بولس الرسول "الذين يستعملون هذا العالم كأنهم لم يستعملوه"، الذين يملكون كأنهم لم يملكون فهذا يعني استعمال، الكرسي الذي تجلس عليه أنت تستعمله فقط لكي تجلس، لكي تعطي راحة لأرجلك فقط ليس أكثر، ويأتي وقت وأنت خارج من الكنيسة الآن الكرسي الذي كنت تجلس عليه إلي أين يذهب؟ سيظل بالكنيسة، فهو قام بدوره أراح ساقي قليلاً وأنت سوف تذهب، لن تقوم بأخذه معك، فالعالم هذا مرحلة، شيء نجلي عليها ونمشي، تصور عندما تنظر إلي بيتك هذا الذي تسكن فيه وأنا آسف أن أقول لك هذا، تقول أنا سوف أذهب وبيتي سيظل موجوداً ، أنا أذهب وهذا الكرسي يظل موجوداً ، أنا أذهب والسرير يظل موجوداً، فيسأل هذا السرير سيعيش أكثر مني؟ نعم سيعيش أكثر منك، فهذا هو زوال العالم، فماذا يفعل الإنسان؟!
يعيش العالم لكن لا يبني كل آماله في العالم، ينظر للنهاية فينظر إذن للأمور بشكل صحيح، أنظر للمال كوسيلة، أنظر لهذه الأمور التي أنا متعلق بها إنها جميعها سوف تنتهي، وأقول لذاتي كثيراً العالم يمضي وشهوته والإنسان بطبعه ينسي، إذا كان هناك شخص يحبه الإنسان وعزيز لديه جداً فعندما يفارق الحياة يكون متأثر، لكن ما مقدار تأثره؟ كل شخص حسب درجة تأثره ، متأثر أسبوع ، أسبوعين، ثلاثة، لكن اذا كان هذا الشخص غالي يتأثر أكثر، أما اذا كان هذا الشخص مؤثر في حياته فإن التأثر يدوم فترة أطول لكن للأسف أقول لكم أيضا حقيقة إنه لا يكون حزين على الفراق قدر الحزن على الخسارة، الخسارة التي حدثت لك أنت من فراقه، فهذه أيضا مشكلة، فماذا نفعل بعد، لابد أن ينظر الإنسان للعالم بنظرة مختلفة العالم يمضي وشهوته معه.
أحد القديسين سأله تلميذه قائلا له إني أؤجل التوبة جداً ولا أعلم ماذا أفعل لأنه لا يوجد شيء يدفعني للتوبة، أكثر شيء يخيفني إنني أموت لكني أقول لست الآن أموت ، قال له أنا سأعطيك نصيحة قال له تب قبل وفاتك، فرد عليه إن هذه النصيحة جيدة جداً، لكن بعد أن قام بالتفكير قليلاً قال له لكنني لا أعلم متى سأموت، فمتي هذا اليوم؟، فقال له لذلك لم يعلمك الله بيوم وفاتك، لكي تتوب اليوم وكل يوم ، لأنك لا تعلم متي يكون هذا اليوم؟
إذن يا أحبائي حياتنا هذه هي رحلة توبة، رحلة تغيير، رحلة تقديس، ما أجمل الإنسان الذي غلب العالم بداخله ، ما أجمل الإنسان التي صارت أمور العالم بالنسبة له وسائل لكي يخطو عليها ويغلبها.
يقال عن الأنبا أنطونيوس أنه من كثرة حيرة الشياطين منه وهو يمشي في الصحراء كان الشيطان يأتي له بذهب وفضة ملقاه تحت أرجله، تصور أنك تمشي في أرض كلها ممتلئة بالذهب والفضة والدنيا صحراء وخلاء وشمس، الشمس تسطع في الذهب مثلما نقول في المديح "نثروا الذهب والمال يضوي على الجبال" أي يلمع، تصور إنك تمشي في مكان فيه الذهب يلمع، يلمع، يلمع، ... إلخ لكن يقول علي الأنبا أنطونيوس أنه كان لا ينظر إليه.
إن القديس أثناسيوس الرسولي تأثر جداً بسيرة القديس انطونيوس، أثناسيوس الرسول بعظمته تأثر جداً، وعندما ذهب الي المنفى (فهو نفي إلى بلد بالقرب من النمسا) فإن أكثر ما شغله وقام بتعزيته وهو في المنفى أنه كتب لنا سيرة القديس أنطونيوس بالتفصيل، من أشهر الكتب الموجودة اسمه كتاب "حياة أنطونيوس بقلم أثناسيوس" كتب فيه وقال عندما كان انطونيوس يمشي في الصحراء والذهب ملقي بجواره فالأنبا انطونيوس كان يعبر عليها بقدميه وكان لا يلتفت إليها لا يمنة ولا يسرة، زوال العالم، كيف يستخدم العالم، كيف لا أصبح عبد للعالم ، كيف لا أكون عبد للمال ، كيف لا أكون عبد لشهوات العالم ، أنطونيوس غلب لكننا أولاده ، فهذا ليس معناه ان القديس انطونيوس انتهي لكنه رصيد لنا، كل قديس في الكنيسة استودع لنا نصيب لكي يستفيد منه أبناء الكنيسة، تسحب منه درس، رصيد إيمان، رصيد عشرة ، هؤلاء القديسين هم الإنجيل المعاش ، أحيانا الوصية يكون صعب شرحها بدون نماذج، مثلما بالضبط على سبيل المثال عندما يتعلم الأولاد أشياء في العلوم أو في الفيزياء، ويقال لهم معادلة لكن هناك فرق كبير بين الشيء والتفاعل معه، عندما يقولوه غير إذا رأوه، نحن نري القديسين لكي يعلمونا الوصية، فتجد الأنبا أنطونيوس لديه الحكمة والخبرة والمعرفة ولديه حب للكتاب المقدس ولديه غلبة العالم ، ولديه غلبة المال، ولديه قوة الإيمان ولديه الدفاع عن العقيدة كل هذا ستجده في الأنبا انطونيوس.
حينئذ يا أحبائي السير التي تمر علينا، فالكنيسة عندما تقرأ لنا السنكسار لا لنقول بركة القديسين تكون معنا فقط، لا ليس فقط بركاتهم تكون معنا، يقول لك فعندما تمر على صورة أحيانا يكون هناك لحن يقال لها فهو ليس واجب ولكنك تفعل هذا مثلاً للسيدة العذراء وأن تضع يدك عليها لتأخذ منها شحنة، تأخذ منها نعمة، تضع يدك علي مار جرجس، مار مينا، البابا كيرلس ، الأنبا انطونيوس، لذلك لابد أن يكون بيتك ممتلئ بصور القديسين ، لكن ليست لتكون صور للديكور ، لا فهي ليست مجرد زينه ، لا بل لكي نكون مثلما نصلي بمعسكرهم محفوظين ، فالأنبا أنطونيوس يعلمك درس ، ومار جرجس يعلمك درس ، وأمنا العذراء تعلمك درس، والبابا كيرلس يعلمك درس، لكي تتقدس حياتنا بهم وتتغير بهم وتتقوي بهم.
ربنا يعطينا يا أحبائي أن هؤلاء القديسين يكونوا علامات أمينة واضحة على الطريق لكي كما سلكوا هكذا نحن نسلك لذلك هناك عبارة جميله جداً يقولها البابا شنودة عن مديح الأنبا انطونيوس يقول له "لم نحيا كحياتك، لم نسلك في صفاتك، فأذكرنا في صلاتك"، ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائما أبديا أمين،

عدد الزيارات 773

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل