الكتاب المقدس واللغة البشرية

لغة الله في الكتاب المقدس من منظور آبائي:
كثيرًا ما نجد في الكتاب المقدس عبارات نشعر أنها ليست مفهومة مثل: ( حزم الله- ندم الله- تأسف الله
في قلبه- يدالله- فم الله)، كثيرا ما يعثر الناس في هذه الآيات ويقولون هل يحزن؟، أو هل يندم الله؟ ، هل
الله له فم؟ ، سوف نستعرض هذه المعاني بمنظور آبائي لنفهمها ونعيش بها ونفرح بها.
آيتين من الممكن أن يكونوا مفتاح لهذا الكلام:
(تك 6 : 6) "فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأسَّفَ فِي قَلْبِهِ . "، على الرغم من أنه قال
عندما خلق الإنسان أن الله رأي ذلك أنه حسنٌ جدًا، وبعدها بعدة إصحاحات قيل هذا التعبير (فحزن
الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه)، هل يحزن الله ويتأسف في قلبه؟ !.
"فَقَالَ الرَّبُّ: أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُه " (تك 6 : 7 )
هل يقوم الله بعمل ويرجع فيه؟ !
هل كان من الممكن من البداية أن يقوم الله بعمل لا يحزن أو يتأسف عليه؟!
هل كان ممكن من البداية أن يخلق إنسان لا يقول عليه أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته؟
لأني حزنت أنى عملته ؟!
1 -الكتاب المقدس هو حياة الكنيسة ودستورها:
الكتاب المقدس هو أحد أهم مصادر التعليم في الكنيسة، وله مرجعية هامة جدًا وخصوصًا أن يكون
بفكر الآباء المعلمين ملهمين الكنيسة ، المقتدين بروح الله، الذين منحهم الله استنارة وفسروا لنا كلمة
الحق باستقامة ، هم الذين حولوا الكلمة الإلهية إلى غذاء قابل للهضم وقابل للاستيعاب ونقدر أن نعيش
ونفرح به ، وذلك من الأشياء الحافظة لمنهج الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، قال عنه القديس أغسطينوس:
(أنا لا أعرف الكتاب المدقس إلا الذي تقدمه (تقننه) الكنيسة مشروحًا بآبائها حيًا في عباداتها مُعاشًا
في قديسيه) فالكنيسة سبقت الكتاب المقدس، فقد تكونت وعاش ربنا يسوع المسيح واختار تلاميذه وحل
عليهم الروح القدس وكرزوا وبعد ذلك كتبوا وقاموا بتجميع الكتابة.لكن قبل الكتابة كانت الكنيسة موجودة واجتمعوا بقلب واحد وصلوا وكانوا يواظبون على الصلاة،وتعليم الرسل والشركة وكسر الخبز، كانت هذه هي الكنيسة ولم يكن الإنجيل المكتوب في أيديهم لمدة قرن كامل، فنحن نعلم أن آخر ما كُتب من الكتاب المقدس كتبه معلمنا يوحنا ما يقرب من سنة 95 او98 ميلادية.
الكتاب المقدس قُدم لنا عن طريق الآباء بشرحهم له لذلك نلاحظ سر وحدة الكنيسة تعليميًا فمن فم
الأسقف أو الكاهن أو حتى الخدام تجد هناك تقريباً إطار واحد للتعليم وذلك الإطار هو تفسير الآباء
وليس تفسير على حسب هوى كل شخص وإلا لوجدنا انقسامات كثيرة بالكنيسة، لكننا حافظنا على
الإيمان المُسلَّم مرة للقديسين كما جاء في رسالة معلمنا يهوذا أن يكون فهمنا للكتاب مبنى على تسليم
الآباء، فهناك سقف لا نعلوا عليه وإطار نلتزم به، لنا سياج واقٍ نلتزم به، فمع تعدد التأملات ولا مانع
من التأمل ، لكن في التعليم نتبع إطار الآباء لتكون روح واحدة ، معلمنا بولس الرسول قال: إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ"« أَنَاثِيمَا« ! "(محرومًا)، وينصح آباءنا القديسين وخصوصًا القديس أثناسيوس الرسولي قائلًا : (اقرأ الكتاب المقدس ككل، كالكل لا يتجزأ) لأن الفهم للكتاب المقدس هو نفسه يشرح نفسه ، لذا نقول الكتاب المقدس له وحدة من بداية سفر التكوين إلى سفر الرؤيا (قصة سقوط الإنسان والوعد بخلاصه والتدبير لخلاص الإنسان من خلال النبوات والرموز والشخصيات والملوك والأنبياء والأحداث )، (قصة خلاص الله تُعلن بالتدريج التي تكملت في شخص ابنه ربنا يسوع المسيح ، ثم صلبه ، ثم فداءه للإنسان وصعوده ليُصعد الإنسان معه ويرده مرة أخرى إلى الفردوس) .
وكما يُقال إن الكتاب المقدس بدأ مع أبونا آدم الذي يبحث عنه الله قائلًا "آدم أين أنت"، وانتهى بيوحنا
الذي يقول "آمين تعالى أيها الرب يسوع" فتقابل الإثنين ، الله يسأل أين أنت ونحن نقول آمين تعالى
أيها الرب يسوع ، لذلك رواية الكتاب المقدس كلها رواية واحدة، تبلغ ذروتها وقمة كمالها في التجسد
والصليب والقيامة ، وكلها أحداث خلاصية تؤكد على شركة العهدين في وحدة واحدة وتؤكد على الهدف
الخلاصي للكتاب المقدس وطبيعة وعمل ربنا يسوع المسيح.لذلك نؤكد أن الكتاب المقدس محفوظ بالآباء، مقنن بالآباء، مشروح بالآباء، وهذا هو الإطار الذي حفظ الكنيسة وتعاليمها السليمة، هناك مبدأ في الكنيسة تعلمناه أسمه إجماع الآباء في التفسير،لأنه في بعض الأحيان يكون لأحد الآباء تفسير مختلف عن بقية الآباء ولا يكون عليه إجماع فلا يؤخذ به.
2 -الله ليس مثل البشر
حينما يُكلم الله البشر يكلمهم بلغة البشر، فنحن لا نعرف لغة الله لكن الله يعرف لغة البشر، مثال إنسان
يتكلم مع شخص إنجليزي سوف يكلمه بلغته ، عندما تجسد ربنا يسوع المسيح تكلم باللغة التي يفهمها
الناس وهي اللغة الآرامية حينها، لابد أن أتكلم بلغة تُفهم من المستمع إلىَّ.
في سفر العدد (19:23) يقول "لَيْسَ اللهُ إِنْسَانًا فَيَكْذِبَ، وَلاَ ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَلْ يَقُولُ وَلاَ يَفْعَلُ؟ أَوْ
يَتَكَلَّمُ وَلاَ يَفِي؟ "، ولكن عندما نقرأ الكتاب نجده يقول ندم الله، تأسف الله كيف يكون ذلك؟
لابد من التفريق بين طبيعة الله، من هو الله (الثيؤلوجيا - Θεολογία ) وبين ما يفعله الله (الإيكونوميا
- οἰκονομία )
من هو الله؟ (جوهر الله) الله لا يندم، الساكن في الأعالي، الخالق، المُدبر هذا جوهر الله.
ما يفعله الله من أجلنا هو لغة من لغات المحبة أن الله يتكلم بلغتنا، أفعاله المختلفة كلها أفعال لشخص
واحد، ولكنها تختلف في طريقتها وأسلوبها حسب من تقدم لهم.
"اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ ." (يو 1 : 18 )، أجمل لغة لله كانت
في التجسد لكي يقترب للإنسان ولكي يفهم الإنسان الهَ، ويسمع له، ويتلامس مع الله ويستوعب الله،
(هذا الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس).
هل الله متجسد؟ هل الله يتكلم؟ كل هذه صفات ليس لله ولكنها بشرية ،مثلما يقال في لحن تي جاليلي في ثيؤطوكية الأربعاء (لأن غير المتجسد تجسد والكلمة تجسدت وغير المبتدئ ابتدأ وغير الزمنى صار زمنيا) ، ليس له بداية ولا نهاية ولكن وُلِد في تاريخ وزمن لكي يقترب منا ويفعل خطة الفداء والخلاص للإنسان (الإيكونوميا) أي ما يفعله الله.
(الإيكونوميا - οἰκονομία ): تجسُد المسيح وأفعاله وكلامه التي تمس الإنسان والتي يفهمها الإنسان،
كل ما يتم تسجيله عن الله حتى ولو كان غير مناسب لنظرتنا، كل ذلك جدير بأن نبرز فيه صلاح الله بما يناسب طبيعتنا البشرية فيقول الوحي الإلهي في سفر (إرميا 18 : 9 - 10 ): " وَتَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، فَتَفْعَلُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، فَلاَ تَسْمَعُ لِصَوْتِي، فَأنَدَمُ عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قُلْتُ إِني أُحْسِنُ إِلَيْهَا بِهِ . ،"هل يقول الله أنه يندم؟ هنا يتكلم عن صفات وإن كانت غير ملائمة لطبع الله إلا أنها تتصف بإعلان الله للإنسان وتُقرب الله للإنسان.
لذلك سنجد كثير من العبارات تتكلم عن الله نعرف أنها الثيؤلوجيا، مثل الله لا يندم الله ولا يتأسف، فكثيرين يقولون حاشا لله أن يندم أو يتأسف أو يكون له فم أو يد، ونحن نقول نعم حاشا ولكن لو علمتم أنه من أجلى ولكي يقترب الله للإنسان لأن الإنسان محبوب الله.
فما قيمة الكتاب المقدس إن لم يصل للإنسان ؟
فالكتاب المقدس ليس كلمة الله فقط، بل هو كلمة الله للإنسان لذلك تصل إلينا الفكرة بلغتنا ، الكلمة خبرنا
وعرفنا عن الله، عرفنا أمور تتعلق بذاته (الثيئولوجيا) وبخطة الخلاص المُعدة للإنسان (الإيكونوميا).
كثيرا ما نجد الكتاب المقدس يشرح الله كأنه إنسان، يشرح الله بمشاعر بشرية، تشتمل الخطة الإلهية
على عناصر إنسانية، الكتاب المقدس يشرح الله كأنه إنسان كأن الله بذاته يضع نفسه كإنسان وأحياناً إنسان متألم أو إنسان مشارك أو إنسان يأكل ليشاركنا في الرسالة وتصل إلينا الرسالة .
3 -لغة الله
هل الله له لغة؟ نعم ، ولكن هل نعرفها؟ لا، نحن نعرف لغة البشر.
مثال: عالم فضاء يريد توصيل معلومة لطفل كيف يوصل المعلومة؟ ، يجب عليه أن يتكلم بلغة الطفل
فيضحك معه ويلعب ليوصل إليه المعلومة بلغته ، لابد من استخدام أسلوب يسمح لمن هو أصغر منا
كطفل أن يستوعب ويفهم ما نقول ، القديس يوحنا ذهبي الفم يقول مصطلح ليعبر عن هذا الموضوع
وهو: ( συγκατάβαση – سينكاتاباسيز) أي (تنازل الله للغة البشر) التنازل في الاسلوب والتنازل
في الوصف، أي أن الله ينطق بالأشياء التي يفهمهما الإنسان كما قيل في سفر إشعياء (يتحدث الله إلينا
كأطفال " هأنَذَا وَالأَوْلاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمُ الرَّبُّ آيَاتٍ،" (إش 8 : 18 )، الله يكلمنا كأب يكلم ابنه فلابد أن
يتكلم معه بمنظور الابن الصغير محدود الفهم، فيكلمه عن الندم وعن التحذيرات والأسف.
كيف نفهم كلمة أن الل يندم؟ كلمة الندم من ضمن الأشياء المحيرة.
متى يندم الإنسان؟ حينما يقوم بعمل شيء يشعره بالخطأ، فعل الندم معناه وجود شيء قبل وبعد، ندمت
بعد فعل معين لأني لم أكن أعرف، ففعل الندم داخلة عدة مشاعر متغيرة منها مشاعر جهل،فهل لدى الله كل هذا؟ بالطبع لا، كل ذلك لا يتفق مع طبيعة الله لكن نفهمها في السينكاتاباسيز وهوالتنازل في الأسلوب.
"فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأسَّفَ فِي قَلْبِهِ . فَقَالَ الرَّبُّ: أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُه ... لأَني حَزِنْتُ أَني عَمِلْتُهُمْ "، كل ذلك أسلوب به ضعف وعدم معرفة وكأن الله لا يعرف ماذا سيحدث للإنسان، نتأكد من هذا الأسلوب أنه لايناسب طبيعة الله، ولكنها تناسب الإنسان،الله فوق الزمن، الله ليس عنده ماضي وحاضر ومستقبل، كل التاريخ حاضر أمامه، الله لا يندم، لأن الندم ينتُج عن معلومات جديدة، ليس عند الله معلومات جديدة، فهو يعرف كل شيء منذ الأزل، "مَعْلُومَةٌعِنْدَ الرَّ بِ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ . " (أع 15 : 18 )، الله لا يُفاجأ بحدث أو موقف ، الله ليس عنده متغيرات لم تكن في حساباته، الله ليس عنده ما نطلق عليه غير متوقع، كل شيء مكشوف وعريان له،كل هذا الكلام يناسب الإنسان، فالتغيير سواء للأفضل أو للأسوأ هو للإنسان، في رسالة يعقوب يقول"لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ . "(يع 1:17 ) الله يرى الطريق كاملا ولا يُفاجأ بشيء ، لأنه الله "لأَني أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلهُ وَلَيْسَ مِثْلِي . مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ، وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ،" (إشعياء 46 : 9 - 10 ) فلماذا يقول لنا الله أنه ندم؟ لأن هذه الآية بها طبيعة الله (الثيؤلوجيا) ، أما الندم (الإيكونوميا) فهو ما يعمله الله من أجلنا، هو يرى كل شيء ، ولكن في نفس الوقت يترك لنا الحرية الكاملة للاختيار.
استخدام الله للتعبيرات البشرية عن الكتاب المقدس لأنه رسالة الله للبشرية لذلك هو يخاطبنا لا بلغته ولا
بلغة الملائكة بل بلغتنا نحن البشر، المصطلحات التي ندركها جيدًا ، الأمور التي وجد بها الروح القدس
استخدمها بتعبيرات اللغة البشرية لكي تعبر عن الأمور الإلهية وعن المعاني الروحية التي نفهمها
ونستوعبها.
الله العالم بكل شيء يرى كل شيء وهو فاحص كل شيء ، لكنه جعل الإنسان له حرية اختيار،الله يعلم
ويرى المستقبل واستمرارية أمر ما ومدته هو يعلم بها، لماذا؟ لأن "كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ
يُحِبُّونَ الله " تنازل الل وتكلم بأسلوب البشر لكي نفهم.
هناك تعبير آخر لابد أن نعرفه وهو
" Anthropomorfism - Ανθρωπομορφισμός - الأنثروبرومورفيزم" الأنثرو هو العلم
الإنساني ومعناها باختصار تشبيه الله بصفات بشرية، لماذا؟ بهدف وصول المعاني الإلهية للإنسان بلغة قريبة إلى فهم الإ نسان.
لتقريب المفهوم الإلهي من مفهومنا كبشر، من فضل نعمة الله علينا أنه يتكلم مع الابن بلغة الابن بلغة
الطفل الصغير لكي يفهم، وككلام الأم مع ابنها، فيكلمه عن الكرسي ، اليد، العين، الذراع، الفم، الحزن،
الندم...، إذن حينما نجد آيات كثيرة في الكتاب المقدس لا يمكن أن تتخيل أن الله يقوم بها ثق أنها اللغة
التي كلمك بها الله لتفهم المعنى ، (حزن الله، تأسف في قلبه ، ...)، الله مُنزه عن الحزن، عن الأسى،
الندم، كل هذه مفاهيم بشرية.
لماذا تأتى ف الكتاب المقدس؟
يقصد الله أن يُقرب المعنى إلينا لندركه، يقرب المعنى لحواسنا ليعلن تفاعل الله مع البشر ويرينا مواقف
الله إزاء مواقف البشر وليس معناه أن الله يتغير، ليرينا أن ما فعله الإنسان يتعارض مع خطة وقصد
الله، لكن الله أعطى الحرية الكاملة للإنسان.لذلك فهي صياغات بشرية بإرشاد الروح القدس حتى يدركها الإنسان بعقله المحدود ويعبر بها عن الله الغير محدود لتصل للإنسان بحسب فهمه والتعبير المراد عن تعبيره.فهي تعبر من ناحية عميقة عن عمق الحب بين الله والإنسان، ليرينا عمق الشر الكامل داخل الإنسان
ومدى فساد الإنسان ومدى ابتعاد الإنسان ومدى زيغان الإنسان وسقوطه ورفضه للتوبة والرجوع
فيبتدئ يقول الله حزن، تأسف، غضب الله، وذلك ليخبرنا أن ذلك من جراء سير الإنسان وراء إبليس
وإغراءاته وشهوات قلبه ، ويرينا محبة الله المتألمة تجاه هذه التصرفات من أجل الإنسان، فيشبهه بشيء
نفهمه كبشر. رأي الله أن تصورات قلب الإنسان كلها شريرة ومن هنا جاءت كلمة ندم وكأن الله يقول هل خلقت الإنسان لهذه الطريقة من الحياة من حيث الخطية، لذلك فهي عبارات الله يعلن بها عن حبه للإنسان
ورفضه للشر وأيضًا يعلن عن كمال حريتنا في اختيار الطريق، وأن الإنسان يحصد نتائج اختياراته،
فالإنسان ليس لديه مفردات إلهية لنفهم بها مقاصد الله، لكن الله لديه مقدرة على معرفة المفردات البشرية
ليحدثنا بها، فهي تنازل بالتدبير الإلهي لمعرفة ماذا يريد أن يقول له، إذن فهي اللغة التي تبين للبشر
ماذا في قلب الله،عندما نقرأ (حزن الله) فنقول يا رب سامحنا لأنني من أحزنا قلب الله بشروري وبملاذ الدنيا الباطلة فالإنسان وضع نفسه تحت العقوبة ، الله ينادي على الإنسان ولكن الإنسان لا يسمع.
أمثلة: حزن الله - تألم الله.
فيهم يريد الله أن نفهم أن الشر يُحزن قلب الله وأنه ضد الإرادة الإلهية والقصد الإلهي ، الله خلق الإنسان
ليعيش في ملء الحب وملء الشركة وملء المخافة ويصنع مشيئة الله وخلقه حر يفعل ما يشاء، ما أجمل
عيش الإنسان مع مشيئة الله. كمال تحقيق القصد الإلهي حين يعيش البشر في مخافته وحسب قصده، "نَدِمْتُ عَلَى أَن ي قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكًا" ( 1 صم 15 : 11 )، هذا نموذج ليعلمنا به وداود وشمشون وقيامة وسقطاته وغيرهم، ما الكتاب المقدس إلا درس نافع لنا عن طريق التعلم من الأخطاء، هو لا يحدثنا عن طبائع شعوب أوحروب أو عن أشخاص بطولات هو يحدثنا عن خلاصنا نحن ،فالكتاب المقدس ليس كتاب معرفة بل هو ما يُشكل كياني الروحي فلا نأخذ الكتاب كمعرفة عقلية أو للذة فكرية بل لتغيير الحياة، لتكتشف خلاصك المرجو لك المزمع لك لكى يقدس نفسك ويجعلك إناء مجد فأحذر من الشر لأنه يجلب غضب الله.
نَدِمْتُ عَلَى أَني قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكًا لأنه رجع من ورائي ولم يقم كلامي، أنا هو شاول، بأفعالي يمكن
ان أندم الله أنه جعلني إنسان مُختار له أو خادم له، يا رب لا تسمح بذلك، الله يُعطى الفرصة ويترك لنا
حرية الاختيار فمن الممكن أن تضيع الفرصة باختياراتنا فلنحذر من ضياع الفرص.كما قال معلمنا بولس الرسول "فَلْنَخَفْ، أَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ وَعْدٍ بِالدُّخُولِ إِلَى رَاحَتِهِ، يُرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنَّهُ قَدْ خَابَ مِنْه ! " (عب 4 : 1 ) ، نحن مدعوين لدخول السماء، وهي دعوة للمخافة.الله يستخدم تعبيرات بشرية ليعبر عن مدى حزنه عن تصرفات الإنسان كما ندم أنه جعل شاول ملكا،فالمشكلة في شاول الذي لم يطع الله، الله يعبرعن مدى حزنه وأسفه على تصرفات شاول. لذلك حينما يتكلم الكتاب المقدس بلغة صعبة الفهم نعرف أنه لتقريب الحقيقة من أذهاننا، لكى يظهر لي أنني غالي وثمن عنده، ويظهر لي كيف تنازل من أجلى، وتسمى هذه العبارات بالتدبيرية."فَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَنْظُرَ الْمَدِينَةَ وَالْبُرْجَ اللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا . " (تك 11 : 5 )
هل ينزل الل ويصعد؟ هل ينظر؟ هل يرى أشياء وأخرى ؟ لا "هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ " (تك 11: 7 )وفي حادث سدوم وعمورة "أَنْزِلُ وَأَرَى هَلْ فَعَلُوا بِالتَّمَامِ حَسَبَ صُرَاخِهَا الآتِي إِلَيَّ " (تك 18 : 21 )
هل لا يعلم الله ما يحدث؟ حاشا الله لا يحتاج ان ينزل، لا يحتاج أن ينزل ليرى، هو كاشف الأعماق، العارف كل شيء وفاحص كل شيء.
لا يحتاج للنزول لأنه ليس بشر، الله روح (يو 4 : 23 ) غير محدود وغير متناهي ولا يخلو منه مكان
فكيف يقول ينزل، (نزل الرب لينظر) هذه الكلمات تتنافى مع طبيعة الله(الثيئولوجيا)، لكن تتكامل مع
عمله الخلاصى (الإيكونوميا).
الله يسلك بطريقة ليقترب من الإ نسان ليفهمه الإنسان (الأنثروبرومورفيزم) ، الل يشبه نفسه بإنسان
ليقترب، ليزور مدينة، ليرى البرج، ليرى ضعفات الإنسان.(مز 2 : 5 - 6 ) "اَلسَّاكِنُ فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. الرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ . حِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمْ بِغَضَبِهِ،" هذا الكلام ليرينا بشاعة الشر، ويرينا تدخلات الله في حياة الإنسان ليفعلوا كما يريد هو وليس كما يريدوا هم، الله يريد أن يعلن عن عمله في مكان يدركه الإنسان بحواسه، بفهمه، نزل يعاقب أهل سدوم . "فَقَالَ الرَّبُّ : "إِني قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ ... ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ ..." (خر 3 : 7 - 8 ) سمعت أنينهم فنزلت لأخُلصهم.
(خروج 19 ) نزل ليعطى الشعب الشريعة على جبل سيناء.
كل هذه أساليب تُقرب الحقائق الإلهية البعيدة تمامًا عن الذهن الإنسان واستيعابه إلى الفهم البشري.
مثال: عندما ظهر الله لأبونا إبراهيم عند بلوطات ممره قال إنه أكل، كيف؟
هناك ظهورات كثيرة للابن في العهد القديم، ظهر لإبراهيم، هاجر، يعقوب، إسحق، منوح، موسى،
يشوع، إشعياء، ظهر كثيرا جد اً، وفي كل ظهوراته كانت هناك أمور عجيبة عن الله.
صارع يعقوب، هل يتصارع الله؟
ذلك لتقريب الحقيقة، ومعنى صراع مع اله ، لتقريب كيف أن الله محب للإنسان جداً.(ليس صعب لي الشخص العظيم أن يتنازل، ولكن من الصعب والمستحيل على القليل أن يتعاظم)الله قادر أن يتنازل ويظهر للبشرية بالطريقة التي يريدها الله ويفهمها البشر.
ماذا تريد يا رب؟ أريد خلاص الإنسان، أريد أن أعلن نفسي وحبي، أريد أن الإنسان يكون معي في
المجد، الحرية، القداسة.
فماذا يفعل الرب؟ يجب أن يقترب للإنسان، من العهد القديم يقترب منا الله بطرق وأنواع كثيرة ويرينا
حبه لنا بره وحزنه على خطأنا وبغضه للشر ويعاقب عند كسر وصاياه مثل عاخان بن كرمى.ولو الملوك أبرار سيكون معهم ولو أشرار يسمح بالسبي ويؤخذوا بيد أعداء، الله يريد أن يقترب من الإنسان جد اً ويتعامل في صورة تتناسب مع طبيعتنا وفكرنا المادي، الله قادر أن يجعل من نفسه بشر،وأن يأكل، كل ذلك بطريقة معجزيه، وهي أمور كلها حاول الله بها أن يقرب للإنسان فكرة أن الله يمكن أن يكون بشرًا متجسدًا، "الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِ يُقْبِلُونَ . ( " 1تي 2 :4 )
نتيجة الحرية أن الإنسان يحدد مصيره "إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ . وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ
تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ " (إش 1 : 20 )، بالتالي يكون استعلان غضب الله ودينونته العادلة ليست نتيجة غضبه
ولكن نتيجة رفض الإنسان التام لنداءات الله المتكررة.
لذلك في العهد القديم توجد أشكال للدينونة بداية من الطوفان.
( 1 بط 3 : 20 ) "حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى"، يطيل الله أناته لذلك
هو من أغلق باب الفلك بعد تحذيرات من بداية بناء الفلك حتى اكتمال بناءه خلال 120 سنة.
كذلك سدوم مشكلتها في عصيان الإنسان، فقد كانوا في شر وكان لابد أن الله يضع نهاية لهذا الشر،
فالملاكين الذين ذهبوا للوط كانوا يريدون فعل الشر معهم.
هناك حروب إبادة لبعض الشعوب هي شكل من أشكال دينونة الله العادلة استعلان غضبه على الأشرار
غير التائبين الذين استوفوا كل فرص التوبة ولم يسمعوا لصوت الله ولم يرجعوا إليه، كان الشرعظيم
وإلى الآن، كانت عبادات الزنا منتشرة جدا وتعتبر من إحدى الشعائر الدينية ، تقديم أطفال ذبائح،
ممارسات شذوذ، فلو تركهم الله بعد كل ذلك فيكون غير مُحب للبشر، الله يطيل أناته وينذرهم بطرق
عديدة ولم يكونوا يسمعوا فتأتي عليهم الدينونة والعقاب عندما أمتلأ كأس غضب الله.
هناك أمور يصعب علينا فهمها بالفكر البشرى عن الله ولكنها أمور ضرورية لفهم الله.
الله يريد أن يعلن للإنسان مدى حبه للبر ومدى بغضه للشر.
الله ينادى على الإنسان ولازال ينادينا، "إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ " )لو 13 : 5 )
الله يتودد إلى الإنسان وينادى "تَعَالَوْا إِلَيَّ " "لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى"، إن لم نسمع؟
"فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ "، إن لم
تكن هناك دينونة يحدث استباحة للشرور، وتشجيع على الشرور، من محبة الله أنه يُنذر ويعطى فرص
للتوبة.
قال أحد الآباء: (أن الله سوف يطالبنا بثمن توسلاته السابقة، فلنحذر ونخف) هناك من يقول (أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء)، لكن الله لا يفعل ذلك فيقول في (خر 18 : 20 ) "الابْنُ لا يحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأبِ، والأبُ لا يحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ " هنا الله يؤكد على طول أناته ويعطي فرص للتوبة،يعاقبهم على إصرار الأبناء على السلوك الشرير الذي أنتهجه أبنائهم. هناك العديد من التشبيهات والتجسيدات التي تعلن عن عمل الله وتبين صورة اهلل وتوضح الصورة الذهنية عن الله عندما يكلمنا عن ندم أو تأسف أو غاضب، هنا الله يراعي مشاعر الإنسان، وهذا معناه محبة الله للإنسان وأنه يريد تبسيط نفسه للإنسان جداً.فنقول في المزمور "يَا رَبُّ، لاَ تُوَبخْنِي بِغَضَبِكَ، وَلاَ تُؤَدبْنِي بِغَيْظِكَ " تعبيرات للتوبة لأن الله يريد أن يثبت في عقولنا المادية أن نعرف أن الشر مرفوض من الله ويُسبب غضب الله ومهين لله والشر مُجلب لغضب الله وأن الشر يجلب للإنسان الآلم والغضب، الله يريد من الإنسان أن يقترب من الله، الله يريدأن يعطي للإنسان كل بركة وكل نعمة.
تعبيرات بشرية كثيرة جدا استخدمها الله في الكتاب المقدس لكي يفهمها الإنسان وتقترب من حقيقة الفهم
الإنساني بسبب حب الله للبشر لكي يفهموه.الإنسان عندما يحيا بحسب قلب الله وحسب المشيئة الإلهية، سوف يفهم لغة الله أكثرويفهم متي يقول ذلك ولماذا، كلما اقتربت من الله كلما اقتربت من مشيئته كلما توددت إلى الله كلما عرفت ما في قلب الله من ناحيتك ، لغة الله في الكتاب المقدس هي لغة يفهمها الله لأن الكتاب المقدس هو للإنسان وكل ما يعثر عليه فهمنا هو من أجلنا، وكل ما ينسب إلى الله من تعبيرات لا تليق بالله هي إكرام لله ومن صلاح الله.ولإلهنا الْمجْد الدائم مِنْ الْآن وإلى الْأبد أمِين

عدد الزيارات 1399

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل