السماء تبدأ من الأرض

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين تحل علينا نعمته ورحمته وبركته الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور كلها آمين .
تحتفل الكنيسة اليوم بعيد عظيم وهو عيد نياحة أمنا السيدة العذراء سيدتنا وملكتنا كلنا، (21 طوبة) نستطيع أن نقول عليه أن هذا هو الاحتفال الكبير في السماء بأمنا السيدة العذراء، بينما العيد الذي نحتفل به في شهر أغسطس هو تذكار صعود جسدها، لكن عيد نياحتها هو 21 طوبة، كل يوم (21) من الشهر القبطي نحتفل فيه بتذكار العذراء فهو مأخوذ من 21 طوبة أي أن هذا هو التذكار الرئيسي لنياحة السيدة العذراء ومعها أيضاً قديسة عظيمة وهي القديسة إيلارية ابنة الملك زينون، سواء أمنا السيدة العذراء أو القديسة إيلارية أو التذكار الذي نحن فيه اليوم الذي يخص تذكار الأربعين كلها تدور حول فكرة واحدة وهي فكرة الغربة على الأرض، هي فكرة أننا هنا نعيش بشكل مؤقت، أي حياة تنتهي لا تكون حياة، أي زمن ينتهي لا يكون زمن، الحياة الحقيقية لا نقول عليها حياة وتنتهي، الحياة آتية من الاستمرار، من الشيء الحي، لكن أشياء تنتهي لا نسميها حياة، فما هي الحياة الحقيقية التي لا تنتهي؟ هي الحياة الأبدية أما نحن الآن في مقدمة الحياة الأبدية، نحن الآن في بداية الحياة الأبدية، نحن نستطيع أن نقول عليها مرحلة التأهيل للحياة الأبدية، فالشخص يذاكر فترة بعدها يأخذ شهادة ليعمل بها عمره كله، نحن الآن في فترة المذاكرة التي نأخذ بها الشهادة لنحتفل بها باقي العمر كله، العمر في الحقيقة يبدأ الآن من الأرض للحياة الأبدية وتستمر في السماء في سفر التثنية الله قال لهم سوف أعطيكم أيام تعيشوها كأيام السماء على الأرض، نحن من المفترض الآن يا أحبائي أن نتدرب على الحياة السماوية، ولنا شفعاء وأولهم أمنا السيدة العذراء ولنا معونة إلهية من الروح القدس ولنا توجيهات من الكتاب المقدس ولنا حياة ربنا يسوع المسيح كل هذا لكي نعيش حياة سماوية ونحن على الأرض، ما هي الحياة السماوية؟ نلخصها في ثلاثة كلمات:
١-الحضور الدائم في حضرة الله: في السماء سوف نكون معه للأبد، نكون معه دائمًا.
٢- التسبيح والتمجيد.
٣- الفرح الذي لا ينطق به.
نحن مدعوين من الآن لنعيش هؤلاء الثلاثة نقاط، وبمجرد أن نبتعد عن هؤلاء الثلاثة فبذلك ابتعدنا عن السماء فبذلك ابتعدنا عن نصيبنا الأبدي ابتعدنا عن الحياة الأبدية.
١- الوجود الدائم في حضرة الله : على المسيحي يا أحبائي أن يحيا دائمًا في حضرة الله، في الكنيسة، في منزله، في الشارع، في عمله، في كل مكان،"جعلت الرب أمامي في كل حين"، من يجعل الله أمامه باستمرار قد بدأت معه السماء من الآن فهو ليس منتظر السماء لكي يعيشها بل يعيشها من الآن وهو على الأرض، نحن لا ننتظر السماء نحن نعيش السماء من الآن، كلما ثبت في وعي الإنسان وثبت في إدراكه حقيقة الوجود الدائم في حضرة الله فقد بدأت السماء، قد بدأت الحياة الأبدية على الأرض، يقولون أن الشخص الذي يشعر أنه هو والله فقط في هذه الحياة هذا هو الشخص الذي بدأت معه الحياة الأبدية، إن لم تشعر أنك أنت والله فقط في هذه الحياة أنت بعيد عن الراحة في كل مكان، البار القديس يوسف الصديق عندما وضع في تجربة مع امرأة فوطيفار تريد أن تغويه يدخل في الخطية قال لها "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله" سألته أين هو الله فأجاب موجود الآن، موجود وسطنا، شخص يقول لك هذه لحظة شر، لحظة شيطان، لا فالله موجود في كل لحظة، اجعل الله يملك على فكرك وكيانك ووجدانك ومشاعرك وحضورك واجعل الله يسبقك في كل مكان أنت قد بدأت معك الحياة الأبدية، أنت أخذت نقطة، أخذت عربون، أخذت مقدمة من الحياة الأبدية، عندما يذهب شخص لشراء شيء ويقولون له هذه ثمنه (......) جنيهاً فيقول لهم خذ هذا جزء من الجنيهات عربون فقط، نحن الآن نأخذ مقدمة الحياة الأبدية، نأخذ عربون الحياة الأبدية، الله يريد أن نتذوق الحياة الأبدية لكن بشرط متى يدفع الشخص عربون؟ عندما يكون صادق ولديه نية كاملة أن يأخذ هذه الأشياء،الله يعطينا هذا العربون عندما يجد لدينا النية الصادقة، عندما تأتي الكنيسة وتقول "أهدينا يارب إلى ملكوتك" تكون نابعة من قلبك، تئن في صلاتك وتقول اهدينا يارب إلى ملكوتك،اهدينا يارب لملكوتك، الإنسان الذي تأخذه الحياة ومكتفي بأمور هذه الحياة، ويلهى عن الحياة الأبدية هو يعلن من الآن أنه غريب عن الحياة الأبدية، ويعلن من الآن أنه لا يستحق الحياة الأبدية لأنه في الحقيقة يقيمها في أعماقه أنها لا تستحق فيقول أنك أنت تقول لا تستحق الحياة الأبدية أن تأخذ كياني ووجداني وشخصي ووقتي إذن أنت لا تستحق الحياة الأبدية،لكن بمجرد أن أقول الحياة الأبدية تستحق وأنا أعطيها من قلبي ومن فكري فأنت بذلك تستحق الحياة الأبدية.
2- التسبيح :إلى أي درجة أحب التسبيح؟، إلى أي درجة أحب معية القديسين؟،إلى أي درجة أحب الحياة السماوية؟، إلى أي درجة أحب الكنيسة؟،إلى أي درجة أحب صلوات الكنيسة؟،"إذا ما وقفنا في هيكلك المقدس نحسب كالقيام في السماء"، يقول "أعطيت الذين هم على الأرض تسبيح السيرافيم" ونحن لا نزال علي الأرض، أنت ونحن على الأرض أعطيتنا تسبيح السيرافيم، في القداس يقول "الذي ثبت قيام صفوف غير المتجسدين في البشر، الذي أعطى الذين هم على الأرض تسبيح السيرافيم"، أي ونحن جالسين الآن إذا كان بين كل رجل والآخر مسافة أو سيدة والآخرى مسافة ففي المسافات الفارغة يوجد سمائيين جالسين، ونحن نصلي يوجد وسطنا سمائيين، بين كل اثنين يوجد واحد سماوي يصلي معنا، وأصواتنا تصعد مع أصواتهم ممتزجة بهم، الذي يحب التسبيح يشعر بهذا الكلام، عندما يقول كلمة آجيوس يمتلئ قلبه بالحضور الإلهي،عندما يقول نسبحك نباركك نمجدك نشكرك نسجد لك نخدمك نعترف لك ننطق بمجدك هذا بدأت معه السماء من الآن، هذا الذي يحب التسبيح ما أصعب يا أحبائي أن يذهب شخص لبلد أو مكان وهو يجهل لغته تماماً، تكون مسألة صعبة جدًا إذا ذهب مكان يسألوه حتى عن اسمه لا يعرف السؤال، يقولوا له (what is your name ? ) فلا يعرف،تخيل أنت شخص يسأله أحد عن سؤال فيصمت، لا يعرف يجاوبه أو يجاوب على سؤال آخر هذا من البداية فهل بعد ذلك يكمل معه الحديث؟، على سبيل المثال يقول له اجلس هنا يقول لا أفهم، يقول لها عمل هذا أو افتح الصنبور،اقفل، حرك هذا الكرسي، لا يعلم ما هذا، فنحن أيضاً كذلك إذا لم نكون معتادين على التسبيح فإننا نكون غرباء عن السماء ونحن علي الأرض، متفوقين في لغة الأرض، عرفنا نعمل، وعرفنا نربح، وعرفنا نتحدث مع الآخرين،وعرفنا نتحدث مع بعض، وعرفنا .... ، .... ، .... إلخ، هذا جيد لكن كيف أجهل لغة البلدالتي كل أشواقي إليها، لغة البلد التي أنا متأكد أني مهاجر لها وذاهب إليها، أظل اجهز طوال الوقت وأنا جالس هنا أجهز أوراقي، أجهز فكري، وأظل مشغول، جميعنا معنا جواز السفر للسماء، معنا التأشيرة، كلنا لنا الحق، كلنا السماء تراسلنا وتقول لنا سوف تأتوا، وكلما نودع أحد من أحبائنا نشعر أنه سيأتي يوم ونلحق به، عندما شخص تأتي له كل هذه الدعاوي للهجرة وكل هذه التأمينات للهجرة ولا يفكر في المكان الذاهب إليه فيكون بذلك لا يريده، لا يريده غير منشغل به،التسبيح معناه أني منشغل بالسماء، كلما ارتبط الإنسان بالأرض أكثر كلما أعلن عدم رغبته في السماء، كلما ارتبط بالماديات، كلما ارتبط بالأرضيات، كلما ربط نفسه أكثر بأمور الأرض، كلما تعلق أكثر بالأرض كلما نسي السماء وصارت السماء هي الغريبة، في حين أن الحقيقة المؤكدة هي السماء وكل الذي في الأرض الله علمنا أنه زائل وأنه مؤقت، التسبيح، الوجود السماوي، ما هو نصيبي في السماء؟، ما هو مكاني في السماء؟،أين المكان الذي أنا ذاهب إليه؟.
أتذكر رجل بسيط جاء في فترة يحضر تبرعات كثيرة يحضر اليوم مبلغ ما، ثم الأسبوع القادم، ثم الأسبوع الذي يليه لدرجه أن العطايا أصبحت زيادة كثيراً، هذا الكلام حدث معي أنا شخصيا فشعرت بالقلق على الرجل لئلا يكون في حالة من عدم الاتزان، شعرت بالقلق لئلا بعدما يتوفى هذا الرجل فأولاده يجدوه غير تارك لهم شيء يقولوا هذا أعطي الكنيسة يحزنوا ويقولون ما الذي جعل بابا يفعل هذا، وكيف أن أبي الكاهن يأخذهم منه، فقد جاء إلي فكر قلق، فذات مرة جاء هذا الرجل وأحضر لي مبلغ فقلت له عم فلان شكراً جزيلاً لك وهذا كثير وربنا يعوضك وأنت فعلت كثيرا جعل جزءًا معك، واجعل شيء لأولادك وأنا أقولها له وأضع احتمال أنه يكون في حالة من عدم الاتزان الفكري أو النفسي، وجدته في كامل الوعي يقول لي أبونا أنا عشت على الأرض غني وأريد أن أعيش في السماء غني،ماذا يعني ما هو يفعل؟ يقوم بعملية تحويل، أنت واعي جيداً أنت فاهم ماذا تفعل؟.
الإنسان يا أحبائي الذي يتعلق بالسماء تقل في عينه جداً أمور هذه الدنيا، يشعر أنه من التفاهة أننا نخسر بعض لأجل ماديات، ومن التفاهة أننا نتعلق بأمور زائلة، وأنه لا يليق أني اجعل قلبي في هذه الأمور، التعلق بالسماء يشفينا من أمور كثيرة جدًا.
٣- الفرح الكامل :من أكثر الأمور التي تفصلنا عن السماء هي الهم والغم والأحزان، يقول لك عن السماء أنها الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد، طالما نحن نعيش في حزن وكآبة فنحن غرباء عن السماء، لكن أمور الأرض وأمور الحياة ممتلئة بالهم والحزن يارب نرتفع فوق منها، يارب أنت ترفعها عننا، يارب أنت تجعلنا غير خاضعين لها.
الكتاب المقدس يا أحبائي والحياة في المسيح لا تعدنا أبدا بحياة ناعمة، ولا يخدعنا أبدا بأننا طالما نحن مع الرب لا تواجهنا المشاكل أبدا، لم يقل لنا هذا أبدا، قال لنا في العالم سيكون لكم ضيق، هو قال لنا هناك ضيق، الحياة مع ربنا ليست مجرد أدوية مسكنة لا هذا واقعي، لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم، نحن لا نقول أنه لا يكون هناك ضيقات لكننا لنا وعد أننا سوف نرتفع فوق منها، لا نقول أن الدنيا لا يكون فيها شيء لا فهو قال لنا "ستتكبدون حزناً ولكن يتحول حزنكم إلى فرح"، لماذا هو قال ذلك، قال لنا في العالم سيكون ضيق، قال العالم يفرح وأنتم ستحزنون وعدنا وقال لنا وفهمنا ورأيناه عندما جاء ربنا يسوع وعاش على الأرض لم يعيش حياة ناعمة لكنه عاش حياة بلا مأوى، عاش في ضيق، عاش في فقر،عاش في ألم، كل تجربة نشكو منها هو عانى منها كالاتهامات الباطلة، الخيانة، ليس له أين يسند رأسه، ليس له مكان يأويه،تألم، تآمروا عليه، اتهموه زور،ظلم، كل ما نشكو منه هو اجتازه لكي يقول لنا ارتفعوا فوق هذا الكلام الحياة السماوية حياة فرح، ليس فرح لأنه لا يوجد آلام،لكن فرح لأننا قد غلبنا الألم، فرح لأننا تجاوزناه لأننا أدركنا البركات التي في داخله ومن هنا بدأت الحياة السماوية علي الأرض،أعطيتكم أن تعيشوا أيام السماء على الأرض، أمنا السيدة العذراء كانت تعيش وترى كل الأحزان التي يمكن أن نجتازها، لكن من داخلها سلام السماء، وفرح السماء، وحب السماء، لم نراها أبدا في نزاع مع أحد، لم نراها أبدا في حالة اضطراب إلى الصليب والقيامة والصعود، هو تركها لكي تثبت الكنيسة وتثبت التلاميذ هذه يا أحبائي الحياة السماوية ونحن في تذكار الأربعين نأخذ درس أن هذا الرجل نفسه عاش الحياة السماوية، عاش الوجود في حضرة الله، كان يحب بيت ربنا والتسبيح، يحب الفرح والسلام، لا يحب الهم، لا يحب الكلام الكثير،لا يدخل في نزاعات، رجل سلام، إذن ما هذا؟ هذا معناه أنه يحب السماء على الأرض، سلامي أغلى من النزاع،سلامي أغلى من الاضطراب ربنا يعطينا يا أحبائي حياة الاستعداد ويعطينا الحياة السماوية، بركة أمنا السيدة العذراء يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينابنعمته لإلهنا المجد دائمًا أبديا آمين .

عدد الزيارات 614

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل