مثل صديق نصف الليل

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين. تحل علينا نعمته ورحمته وبركته الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور كلها آمين.
في فترة الصوم الكبير تعطينا الكنيسة يا أحبائي تعاليم وكنوز لكي نحيا بها وكأنها تقوم بتعويضنا عن الصوم بالجسد لكي تعطي لنا طعام الروح، تقرأ لنا فصل جميل من بشارة معلمنا لوقا الأصحاح ١١ عن مثل معروف اسمه (مثل صديق نصف الليل)، "من منكم يكون له صديق ويأتي إليه في منتصف الليل ويقول له يا صديقي أقرضني ثلاثة أرغفة لأن صديقا لي جاء إلي من الطريق وليس لي ما أقدم له فيجيب ذاك من داخل ويقول لا تزعجني فإني قد انتهيت وأغلقت بابي وأولادي معي على فراشي لا أستطيع أن أقوم وأعطيك أقول لكم إن كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه فإنه من أجل لجاجته يقوم ويعطيه ما يحتاج إليه"، يعطينا هذا المثل لكي يعلمنا كيف نصلي، صديق قد آتى في منتصف الليل، بالطبع منتصف الليل يمكن الآن بالنسبة لنا في الحياة المدنية أن يكون أصبحت الساعة 12:00وذلك طبيعي قليلاً، لكن بالنسبة للمجتمعات القروية الساعة 12:00 ليلا يكون الوقت متأخر جداً، فحياتهم تبدأ مع الشمس وتنتهي مع الشمس فمن الساعة السادسة أو السابعة ليلا اليوم يبدأ في الانتهاء، بعد ذلك بساعة على الأكثر يذهبوا للنوم، فآتى إلي شخص الساعة ١٢:٠٠ ليلا يقول لي اقرضني ثلاثة أرغفة؛ أولا هو آت في وقت متأخر جداً وأنا ذهبت للنوم وأبنائي معي في الفراش، فمن الواضح أن هذا الصديق كرر الطلب عدة مرات، حيث قال إذ لم يكن يعطيه لأنه صديقه فمن الممكن أن يعطيه من أجل لجاجته، فيقول لنا، "اسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا، أقرعوا يفتح لكم".
متي يا أحبائي من الممكن أن الإنسان يصلي بلجاجة، بمعنى أننا قد نكون نصلي كعادة، لكن تصور معي إذا جاء صديق منتصف الليل هذا وقرع وقال له أعطني ثلاثة أرغفة فلم يجيبه فذهب، أو قرع مرتين فلم يعطيه فذهب - لا - فهو ظل جالس، نحن متي نصلي بلجاجة؟
أحدثكم عن ثلاثة كلمات سريعًا جدا، ثلاث كلمات مهمة جدا:-
١- حب
٢- احتياج
٣- ثقة
١- الحب : لابد أن أتحدث مع الله الذي أنا أحبه، فالصلاة تبدأ قبل الصلاة، الصلاة هي محصلة عشرتي بالله، فإذا كان لا يوجد حب مع ربنا فلا يوجد كلام مع ربنا، لا يوجد. لا يوجد حب مع أي شخص فلا يوجد لقاء، لا يوجد ود فلا يوجد وصال هذا شيء معروف، لكن أنا لا أصلي يقول لك كن حذر فبهذا أنت لديك مشكلة كبيرة جدًا، فما هي المشكلة؟ يجيبك الحب بطيء، بعيد، قليل، لا توجد رغبة، تقول لي أنا أحب ربنا ولا أحب أن أتكلم معه أقول لك لا راجع نفسك فهناك مشكلة، الحب الذي لربنا يولد حب الكلام معه ويولد حب الوقوف معه، معلمنا داود يقول "أحببت أن يسمع الرب صوت تضرعي لأنه آمال بأذنه إلي"، أحببت أن يسمع يارب، يا لروعة هذا المزمور عندما نقوله، يارب أهذا المزمور ينطبق علينا؟!، ينطبق علي إني أقول يارب أنت أحببت أن تسمع صوت تضرعي، فهل من المعقول أن يصل بي الدرجة أنني أحب أحدث ربنا وأشعر أنه يحب أن يسمعني، فهي درجة جميلة جداً، أول شيء الحب فإذا كان لك حب لله سيصبح لك رغبة في الوقوف معه، لك حب لربنا يكون لديك مادة تتحدث بها مع ربنا، يكون لديك اشتياق أنك تتحدث معه، فمن الممكن أن يكون لديك اشتياق أنك تطيل في الكلام، دائماً الحب يعطي الكلام عمق، متعة، الحب عندما يزيد مع الله تجد أباء يسهرون الليل بأكمله، عندما يزيد الحب مع ربنا تجد أشخاص تصلي بالساعة وبالساعتين، أنا أعرف أشخاص كذلك من كنيستنا هنا تصلي بالساعات، وفي بعض الأحيان تنزل دموعهم وأحيانا الله يقوم بتعزيتهم تعزية كبيرة جدًا، وأحيانا تأتي لهم رسائل من ربنا، ما هذا الكلام؟ يقول لك هذا حسنا ولكن فلنظل على قدر طاقتنا، هيا نبدأ بالحب، هيا نراجع الحب الذي بداخلنا.
٢- الاحتياج : يوم أن تكون محبتك بطيئة قليلاً قم بفحص الاحتياج، تسأله ماذا عن الاحتياج؟ يجيبك كثير جداً، لدي حروب في أفكاري، جسدي، ظروفي، الحالة المادية، والأولاد مريضة، المدارس، الدروس، الدنيا ولدي احتياج والخطايا غلبتني، ولا أستطيع أتحكم في نفسي، وكلما أقول سأفعل شيء ما لا أفعله، ألهذه الصورة أنا أصبحت؟!، ولا أستطيع إرضائه، أنا حالتي سيئة يقول لك أنت بحاجة إلى دكتور، أقول لك نعم، متى يذهب الشخص للدكتور؟ عندما يكون محتاج، متى يذهب لمحامي؟ هل يوجد شخص يحب الذهاب للمحامي؟ لا لكنه محتاج، متى نذهب لدكتور الأسنان؟ لا يوجد شخص يحب أن يذهب لدكتور الأسنان لكنني متألم جدا، لا أستطيع التحمل، فأذهب للدكتور، إذا كان الحب ضعيف فالاحتياج عالي، نحن جميعاً محتاجين، محتاجين فماذا نفعل؟ نقف كثيراً، يقول لك "أبث لديه ضيقي". يقولون أنه كان من الممكن أن أحد الملوك الأتقياء يكتب الكلام أمام الله وينشره، ما هذا؟ إنه يود أن يضع طلبته أمام الله، "الاحتياج" يوجد الكثير يا أحبائي من نقاط الضعف في حياتنا، كثيراً توجد أشياء فوق طاقتنا، فوق قدراتنا، دائماً يقال أن الشخص يلجأ للعلاج عندما يشعر أن الأمر فوق طاقته، فعندما يقوموا بمعالجة الأشخاص الذين يدخلون في دائرة الإدمان يقولون لهم أنتم لكم علاج يبدأ بعدة خطوات، يقال عليه العلاج ب ١٢خطوة، أول خطوة في الخطوات ال١٢هي الشعور أنك تحتاج إلى قوة أكبر منك، فنحن لدينا خطايا لا نستطيع إيقافها، لدينا ظروف أكبر من طاقتنا، لدينا مشاكل أكبر من حجمنا، أكبر من قدراتنا، أكبر من تفكيرنا، فإذا كان لديك إيمان بهذا فأنت تحتاج أن تلجأ لقوة أكبر منك، ما هي؟ هو الله ولا يوجد غيره، قال "إلي من نذهب يارب وكلام الحياة عندك".
الاحتياج إذا كان الحب بطئ قليلاً فهيا نصوم من أجل الاحتياج، فنحن نسمع كثيراً عن أشخاص تصوم لأن لديهم مشكلة معينة، فهيا نصوم لأجل الاحتياج، هيا نرصد الاحتياج، الاحتياج كبير جداً، الاحتياج كثيراً جدا، ما الذي يجعلني أسجد للأرض؟!، ما الذي يجعلني أعمل الميطانيات؟!، ماذا يجعلني أن أرفع يدي إلى فوق؟، فالإنسان بطبعه متكبر، والإنسان بطبعه يحب أن يجد حلول لمشاكله بعقله، وهذه الطبيعة لدى الإنسان، لكن عندما يسمح الله أن يكون لدينا ظروف أكبر من طاقتنا فهذا يعني أن أقول له: "بصوتي الي الرب صرخت بصوتي إلى الرب تضرعت". فهذا هو الاحتياج، فصديق منتصف الليل هذا ما الذي يجعله يذهب في منتصف الليل، وما الذي يجعله يظل يطرق والرجل يقول له أنا لدي عدة أسباب تجعلني لا أنهض لك :
١- أنت آت في ميعاد غير مناسب.
٢- أنا ذهبت للنوم.
٣- أولادي في أحضاني.
٤- لا تزعجني
هيا تفضل قم وأذهب، ما الذي يجعله يظل واقف؟، الذي يجعله يظل واقف هو الاحتياج، هيا لنقف أمام الله كذلك، هيا نطرق بابه، فنحن نقول هكذا في قسمة القداس الإلهي "لأني تقدمت إلى حضرتك، واثقاً برحمتك، قارعا باب تعطفك"، اقرع باب تعطفه، هيا لنطرق بابه؛ لكن إذا قمت بالصلاة ولم تشعر بشيء فماذا تفعل؟! صلي مرة أخرى، فإذا لم تأخذ ما تريده صلي مرة أخرى، وانتبه نحن لا نصلي فقط لكي نأخذ ما نحتاج إليه، نحن لا نصلي أن نصنع مشيئتنا، إنما نصلي لكي ما يصنع الله مشيئته فينا، نصلي لكي ما يغير الله مشيئتنا لتخضع لمشيئته، هذا سبب صلاتنا.
٣- الثقة : من المؤكد أن هذا الرجل يثق أنه عندما يطرق أكثر على صاحبه سوف يعطي له، الثقة "واثقين برحمتك".
متي يكون لدينا هذه الثقة؟ نحن لنا ثقة يارب أننا عندما نطلب سنأخذ لكن احذر فإن المشكلة إننا دائما نطلب أشياء كلها زمنية، كلها أرضية، كلها وقتية، الله يريد شخص يقول له أعطيني توبة، ارفع عني نير الخطية الثقيل، غيرني يارب، غير طباعي، اخضعني لك، أعطني شهية روحية لكلمتك يارب أفتح قلبي لكي أدرس إنجيلك، يارب أفتح ذهني لأفهم، هذه هي الطلبات التي يقصدها الله أن نكررها كثيراً بلجاجة، الله يريد أن يرانا نطلب طلبات تفيد خلاص أنفسنا، تخيل أنت عندما شخص يقول لله يارب توبني، يارب طهرني، يارب غيرني، يارب أقبلني، تخيل أن ابن يذهب لوالدته ويقول لها أنا أريد أن أذاكر فتكون الأم في غاية السعادة والدهشة منه، ويكررها عليها كثيراً، نحن أيضاً كذلك، الله يريد أن يعطي لنا أشياء فعندما يجدنا نطلبها ماذا يفعل؟ يأخذنا في أحضانه على الفور، الله يريد أن يعطيني توبه، الله يريد أن يغيرني، الله يريد أن يعطيني تواضع، الله يريد أن يعطيني طهارة، الله يريد أن يعطيني رحمة، لكنه يجدني أطلبهم كثيراً فماذا يفعل؟، هل تعتقد أن الله لا يريد أن يعطينا؟ - إطلاقاً - هو يريد أن يعطينا لكنه يري إننا من الممكن أن نكون غير مدركين لقيمة الشيء، ويري أننا عندما نأخذ شيء بسهولة لا نحافظ عليه ونفقده بسهولة، الله عندما يجد أحد يطلب أمور تفيد خلاص نفسه لا يتأخر عليه أبدا، "الثقة" أجعل لديك ثقة، ثقة أن الله عندما يعطيك فيكون هذا لخيرك، وإذا لم يعطيك فهذا أيضا لخيرك، اجعل لديك ثقة، فلا تتعامل مع الله تحت بند أنك تقوم بامتحانه هو، تحت بند أنك أنت الذي تأمره، تحت بند إنه لابد أن يفعل لك كل ما تقول عليه، أحد القديسين كان يقول لربنا : سامحنا يا الله على هذه الأوامر التي نعطيك إياها ونسميها صلاة، نحن نقول لربنا مجموعة أوامر، هل نحن الذي نأمره؟!، ومن من أجل من؟!، نحن من أجله فنقول له نحن يارب خاضعين لك، ثلاث كلمات حب واحتياج وثقة، هم أساس الصلاة، ما رأيك إذا رشمت علي نفسك علامة الصلاة وسجدت ثلاث سجدات؟، ما رأيك عندما ترفع أيديك إلى فوق؟، ما رأيك عندما تتحدث مع الله بحب؟، ما رأيك عندما تكلم ربنا بلجاجه؟، ما رأيك عندما تحدث ربنا بثقة أن ربنا يعطي لك، فتجد ربنا يريد أن يفيض عليك لأنه قال لك: "أفتح لك قوى السماء وأعطيكم إلى أن تقولون كفانا كفانا"ربنا يعطينا مع الصوم صلاة، مع الصوم خلوة، مع الصوم ارتفاع، مع الصوم تكريس وقت نقضيه مع ربنا أكثر من أي وقت آخر ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائما أبديا آمين.