العبادة بين الكنيسة والمخدع

Large image

مِنْ رِسَالِة مُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول إِلَى أهْل رُومْيَة ﴿ غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاِجْتِهَادِ حَارِّينَ فِي الرُّوحِ عَابِدِينَ الرَّبَّ ﴾ ( رو 12 : 11 ) سَنَتَكَلَّمْ فِي ثَلاَث نِقَاطْ هِيَ العِبَادَة وَالكِنِيسَة وَالمَخْدَع وَلكِنْ سَنَتَنَاوَلْهُمْ بِتَرْتِيبْ آخَر كَالآتِي :-
فَالعِبَادَة فِي الكِنِيسَة هِيَ مُحَصِّلَة مَفْهُومْنَا عَنْ العِبَادَة وَعِشْرِتْنَا فِي المَخْدَع فَتَأتِي العِبَادَة فِي الكِنِيسَة بِالرُّوح وَالحَقَّ .

1- مَفْهُومٌ العِبَادَة :-
العِبَادَة مِنْ عَبَدَ وَعَبَدَ مِنْ العُبُودِيَّة فَالعِبَادَة تَعْنِي إِنْسَان يُقَدِّم لله مَشَاعِر وَلاَء وَحُبْ وَخُضُوع وَسُجُودٌ وَطَاعَة أي أنَّ الإِنْسَان يَعْبُد الرَّبَّ فَيُقَدِّم عِبَادَة مَقْبُولَة أمَام الله ﴿ عَابِدِينَ الرَّبَّ ﴾ وَيُقَدِّم الإِنْسَان فِي هذِهِ العِبَادَة مَشَاعِر خُضُوع وَطَاعَة وَمَحَبَّة كَامِلَة لِلرَّبَّ وَكَمَا قَالَ القِدِيس بُطْرُس الرَّسُول﴿ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ ﴾ ( 1كو 7 : 23 ) أي أصْبَح الإِنْسَان مِلْك لِلَّذِي إِشْتَرَاه وَأصْبَحَتْ حَيَاتُه لَيْسَتْ مِلْك لِنَفْسُه بَلْ مِلْك لِلَّذِي إِشْتَرَاه فَعِنْدَمَا يَقِفْ الإِنْسَان أمَام الله يَقِفْ كَعَبْد وَالعَبْد عِنْدَمَا يَقِفْ أمَام سَيِّدُه يَشْعُر بِالإِنْكِسَار وَالمَذَلَّة وَالخُضُوع وَالطَّاعَة وَلاَ يَشْعُر بِالتَّشَامُخ وَالإِفْتِخَار أوْ يَشْعُر بِأي عَظَمَة أوْ غُرُور وَحَيْثُ أنَّ الله يُحِبْ أنْ يَرَى أوْلاَدُه فِي رُوحٌ عِبَادَة وَسَيِّدْنَا لَيْسَ سَيِّدْ قَاسِي بَلْ مُحِبْ وَهُوَ الَّذِي أعْطَانَا دَالَّة أنْ نَقُول لَهُ ﴿ يَا أبَانَا ﴾ وَقَالَ الله لأِوْلاَدُه ﴿ لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيداً ﴾( يو 15 : 15) وَلكِنْ بِالرَّغْم مِنْ هذِهِ الدَّالَّة يَشْعُر الإِنْسَان أنَّهُ غِير مُسْتَحِقٌ لِدَالِّة البُّنُوَة وَأنَّهُ عَبْدٌ عِنْدَ الله فَمُعَلِّمْنَا دَاوُد النَّبِي فِي المَزْمُور 40 يَقُول ﴿ أُذُنَيَّ فَتَحْتَ ﴾ ( مز 40 : 6 ) لاَ تَعْنِي أنَّ الإِنْسَان يُصْغِي وَيَسْمَعْ كَلاَم الله وَلكِنْ لَهَا مَعْنَى آخَر وَهُوَ أنَّ العَبْد عِنْدَ سَيِّدِهِ لَهُ فِتْرِة إِطْلاَقٌ وَهيَ السَّنَة السَّابِعَة فَكَانَ شَعْب بَنِي إِسْرَائِيل يَقُوموا بِإِطْلاَقٌ العَبِيدٌ فِي هذِهِ السَّنَة وَكَانَ شَعْب بَنِي إِسْرَائِيل يَحْتَرِمُوا العَبِيدٌ لأِنَّهُمْ ذَاقُوا مَرَارِة وَطَعْم العُبُودِيَّة فِي أرْض مِصْروَلكِنْ إِذَا أرَادَ العَبْدٌ أنْ يَظِل مَعَ سَيِّدِهِ بِرَغْبَتِهِ لأِنَّهُ أحَبَّهُ وَارْتَبَطَ بِهِ وَلاَ يَتْرُكُه يَقُوم السَيِّد بِفَتْح أُذُن العَبْد وَهكَذَا الإِنْسَِان فَهُوَ يُحِبْ أنْ يَكُون عَبْدٌ عِنْدَ الله بِإِرَادَتِهِ وَحَتَّى إِنْ فَعَلْنَا كُلَّ البِرِّ فَنَحْنُ عَبِيدٌ بَطَّالُون ( لو 17 : 10 ) وَالكِنِيسَة تَسْتَخْدِم لَقَبْ " سَيِّدْنَا " بِكَثْرَة وَسَيِّدْنَا سَيِّدْ مُبَارَك جِدّاً وَيَسْكُنْ فِي مَشَاعِرْنَا وَقُلُوبْنَا لأِنَّهُ ذُبِحٌ وَاشْتَرَانَا مِنْ كُلَّ أُمَّة وَقَبِيلَة وَلِسَان ( رؤ 5 : 9 ) .
فَنَجِد أنَّ الإِنْسَان يُقَدِّم حَيَاتُه لِلرَّبَّ فِي صُورِة عِبَادَة وَوَلاَء وَطَاعَة وَمِنْ الصَّعْب أنْ يُعَبِّر الإِنْسَان عَنْ حُبُّه لله بِدُون عِبَادَة فَيَقُول دَاوُد النَّبِي ﴿ أَنَا عَبْدُكَ ابْنُ أَمَتِكَ ﴾ ( مز 116 : 16) وَنَجِد أنَّ دَاوُد النَّبِي إِسْتَخْدِم دَالِّتُه عِنْدَ الله بِقَوْلِهِ ﴿ مِنْ أجْل دَاوُد عَبْدَك لاَ تَرُد وَجْهَك عَنْ مَسِيحَك ﴾( مز 131 مِنْ مَزَامِير النُّوم ) وَالله يُحِبْ أنْ يَكُون عِنْدَ الإِنْسَان رُوحٌ العِبَادَة فَالإِنْسَان إِخْتَار العُبُودِيَّة وَأنْ يَكُون عَبْدٌ عِنْدَ الله بِإِرَادَتِهِ مِثْل حَنَّة النَّبِيَّة الَّتِي عَاشَتْ لِمُدِّة 84 سَنَة وَهيَ عَابِدَة الرَّبَّ بِأصْوَام وَصَلَوَات لِيل وَنهَار ( لو 2 : 36 – 37 ) فَمَا أجْمَل أنْ نَتَذَوَقٌ طَعْم العُبُودِيَّة وَأبَاءْنَا القِدِّيسِينْ كَانُوا يَتَفَنَنُون فِي تَقْدِيم العُبُودِيَّة لِلرَّبَّ فَيَقُول القِدِيس مَارِإِسْحَق حَتَّى يَشْعُر الإِنْسَان بِالعُبُودِيَّة لاَبُدْ أنْ يَكُون لَهُ وَضْع جَسَدِي مُعَيَّنْ وَهُوَ أنْ يَضَعْ الإِنْسَان يَدَيْهِ وَرَاءَهُ وَيُطَأطِئ رَأسُه وَهذَا يَدُل عَلَى أنَّ الإِنْسَان مِنْ خِلاَل هذَا الوَضْع الجَسَدِي يُرِيدْ أنْ يِوْصَل مَشَاعِر مُعَيَّنَة وَهْيَ شُعُور الإِنْسَان بِأنَّهُ خَاطِئ وَعَبْدٌ وَخَاضِعْ لله وَلِلعِبَادَة عَلاَمَات وَهْيَ :0
أ- السُّجُودٌ:- لاَبُدْ أنْ يَكُون الإِنْسَان دَائِمْ السُّجُودٌ فِي الصَّلاَة
ب- تَقْبِيلٌ الصَّلِيبْ:-أوْ عِنْدَ السُّجُودٌ يُقَبِّل الأرْض وَهذَا يَدُلٌ عَلَى صِدْقٌ مَشَاعِر وَدَلِيلٌ عَلَى الإِنْكِسَار وَمِنْ نِعَمْ الله عَلَى الإِنْسَان العِبَادَة وَأنْ يَقِفْ الإِنْسَان أمَامُه فِي الصَّلاَة فَنَقُول فِي الكِنِيسَة جَعَلَنَا أهْلاً الآنْ أنْ نَقِفْ فِي هذَا المَوْضِعْ المُقَدَّس ﴾ ( مُقَدِمِة القِسْمَة فِي القُدَّاس البَاسِيلِي )فَالأنْبِيَاء كَانُوا يَعْبُدُوا الله بِرُوحٌ العُبُودِيَّة مِثْل أشْعِيَاء وَحَزْقِيَال وَأرْمِيَا وَيَذْكُر الكِتَاب المُقَدَّس أنَّ النَّبِي سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ كَمَيِّتْ وَهذَا يَحْدُث مِنْ رُوحٌ العُبُودِيَّة الَّتِي تَجْتَاحٌ كَيَانُه وَقْت الصَّلاَة فَعِنْدَمَا يَشْعُر الإِنْسَان بِوُجُودٌ وَحَضْرِة الله يَتْبَعْ هذَا الشُّعُور شُعُور آخَر وَهُوَ ضَآلِة الإِنْسَان .. فَمَتَى قَالَ أشْعِيَاء النَّبِي ﴿ وَيْلٌ لِي إِنِّي هَلَكْتُ لأَِنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ ﴾ ( أش 6 : 5 ) ؟قَالَ هذَا عِنْدَمَا عَايَنْ مَجْد السَيِّدْ فِي الهَيْكَل وَأذْيَالُه تَمْلأ الهَيْكَل وَرَأى السِيرَافِيم يَأخُذ جَمْرَة مِنْ عَلَى المَذْبَحٌ فَخَطَايَا الإِنْسَان تَنْكَشِفْ وَيَشْعُر أنَّهُ أقَلْ مِنْ العَبْدٌ عِنْدَمَا يَقِفْ أمَام الله وَيَشْعُر أنَّهُ تُرَاب .. وَعِنْدَمَا قَالَ بُطْرُس ﴿ اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَارَبُّ لأَِنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ ﴾ ( لو 5 : 8 ) قَالَ هذَا عِنْدَمَا عَايَنْ مَجْد الرَّبَّ ..
فَالله أعْطَانَا فُرْصَة حَتَّى نَعْبُدُه وَبِالرَّغْم مِنْ أنَّ رَبَّ المَجْد يُنْسِبْ لِمَلاَئِكَتُه حَمَاقَة ( أي 4 : 18) إِلاَّ أنَّهُ يُحِبْ عِبَادِة الإِنْسَان وَيَنْتَظِرْهَا وَيَشْتَاقٌ لَهَا وَيَنْظُر لَهَا كَأنَّهَا ذَبِيحَة مَسَائِيَّة فَنَحْنُ لاَ نَسْتَحِقٌ أنْ نُصَلِّي وَبِالرَّغْم مِنْ هذِهِ العَطِيَّة الَّتِي مَنَحَهَا الرَّبَّ لِلإِنْسَان نَجِد أنَّ الإِنْسَان عِنْدَمَا يَقِفْ لِيُصَلِّي يَكُون مُتَكَاسِلٌ .
2- المَخْدَع :-
هُوَ المَكَان الَّذِي يَقِفْ فِيهِ الإِنْسَان لِيُصَلِّي وَالأفْضَل أنْ يَكُون عِنْدَ الإِنْسَان مَكَان ثَابِتْ وَمِنْ الأشْيَاء الصَّعْبَة أنْ يُمَارِس الإِنْسَان كُلَّ أعْمَالُه مَاعَدَا الصَّلاَة وَمُمْكِنْ يِقُول الإِنْسَان إِنِّي خَاطِئ فَكَيْفَ أقِفْ أمَام الله وَأُصَلِّي ؟ وَلكِنْ شُعُور الإِنْسَان إِنُّه خَاطِئ يَجْعَلُه مِحْتَاجٌ لِلصَّلاَة فَالمَخْدَع هُوَ الخَفَاء وَالعِشْرَة وَالحُبْ الحَقِيقِي فَعَبَّر عَنْ مَحَبِّتَك الحَقِيقِيَّة لله فِي المَخْدَع وَمِنْ أقْوَال الأبَاء القِدِّيسِينْ ﴿ إِنَّ الصَّلاَة فِي المَخْدَع خَيْر مِنْ ألْف صَلاَة بَيْنَ النَّاس ﴾ فَمُمْكِنْ يِخْدِم الإِنْسَان الله طُول النَّهَار وَلكِنْ الأجْمَل أنْ يَقِفْ الإِنْسَان لِيُصَلِّي فَهَذَا يُعَبِّر عَنْ عُمْقٌ وَحُبْ وَلاَ يُوْجَدٌ أي شِئ يَشُوب رُوح الصَّلاَة فِي المَخْدَع وَلاَ يُوْجَدٌ غِش فِيهَا فَمُمْكِنْ أنْ يَعْمَل الإِنْسَان أعْمَال كَثِيرَة لَهَا دَوَافِعْ غِير صَادِقَة وَلكِنْ الصَّلاَة فِي المَخْدَع لاَ يَكُون وَرَاءَهَا أي دَوَافِعْ غِير صَادِقَة فَإِبْنِي مَذْبَحَك المُنْهَدِم فِي مَخْدَعَك وَفِي حَدِيثَك السِّرِّي فِي أُسْلُوبَك الخَاص وَلاَبُدْ أنْ يَكُون لَك طِلْبَات وَاشْتِيَاقَات وَمُنَاجَاة مَعَ الله وَطِلْبَات لِلآخَرِينْ وَلِلخِدْمَة وَمِنْ الحُرُوب الَّتِي يُحَارِبْ بِهَا الخُدَّام هِيَ التَّرْكِيز عَلَى الأنْشِطَة وَالوُجُودٌ فِي الكِنِيسَة فِي أغْلَبْ الأوْقَات وَلاَ يَتَوَاجَدٌ بِكَثْرَة فِي المَخْدَع فَهذَا يُشْبِه السَيَّارَة بِدُون مُوتُور وَتَحْتَاجٌ السَيَّارَة فِي هذِهِ الحَالَة إِلَى دَفْع حَتَّى تَسِير فَالمُتُور هُوَ القُّوَة الدَّافِعَة لِلسَيَّارَة وَلكِنَّهُ مُخْفَى هكَذَا الصَّلاَة وَمُمْكِنْ يِقَدِّم الإِنْسَان خَدَمَات كَثِيرَة وَلكِنْ بِدُون ثَمَروَهذَا يُؤَدِّي إِلَى سُؤَال هَام وَهُوَ هَلْ كُلَّ مَا يَفْعَلُه الإِنْسَان مِنْ خَدَمَات تُفْعَل مِنْ قَلْب مُحِبْ لله أوْ فِيهِ رُوحٌ صَلاَة ؟ فَنَجِد أنَّ القِدِيس بُولِس الرَّسُول يُذَكِّر أوْلاَدُه دَائِماً وَيَقُول لَهُمْ أنَّهُ يُصَلِّي بِلاَ إِنْقِطَاع وَيَذْكُرَهُمْ لَيْلاً وَنَهَاراً وَدَائِماً فِي طِلْبَاتُه ( 1تس 5 : 17 ؛ أف 1 : 16 ) وَفِي المَخْدَع يَذْكُر الإِنْسَان نَفْسُه وَلاَ يَرَاه أحَدٌ وَيَشْعُر الإِنْسَان أنَّ المَخْدَع مُمْتَدٌ مَعَهُ وَيَبْدأ الإِنْسَان يُصَلِّي فِي كُلَّ وَقْت فِي عَمَلُه وَفِي سَيْرُه فِي الشَّارِع وَفِي رُكُوبُه أي مُوَاصْلَة وَمِنْ أقْوَال الأبَاء﴿ أنَّ العَالَمْ كُلُّه يَبْدُو كَكَنِيسَة لِمَنْ يُصَلِّي دَائِماً ﴾ وَإِذَا نَظَرْنَا إِلَى دَاوُد النَّبِي نَجِد أنَّهُ تَدَرَّج فِي رُوح الصَّلاَة فَبَدَأَ يَقُول سَبَعْ مَرَّات فِي النَّهَار سَبَّحْتَك عَلَى أحْكَام عَدْلَك ( مز 119 : 164 ) ثُمَّ الدَّرَجَة الثَّانِيَة مُنْذُ الِّلِيل رُوحِي تُبَكِّر إِلِيك يَا إِلهِي ( جُزْء " فَلْنُسَبِّح مَعَ المَلاَئِكَة " فِي صَلاَة بَاكِر ) وَهذِهِ دَرَجَة أعْلَى فَهُوَ يَشْتَاقٌ لِلنَّهَار حَتَّى يِصَلِّي ثُمَّ بِاللِّيل تُنْذِرْنِي كِلْيَتَاي ( مز 16 : 7 ) وَأخِيراً أمَّا أنَا فَصَلاَة ( مز 109 : 4 ) وَهذَا هُوَ العُمْقٌ فَالمَخْدَع هُوَ بِدَايِة العِشْرَة وَهُوَ يُعَلِّمَك كُلَّ شِئ فَيُعَلِّمَك المَحَبَّة وَالتُّوبَة فَلاَ تَقُل أنَّكَ تُحِبْ شَخْص وَأنْتَ لاَ تُصَلِّي لُه فَبِذلِك تَكُون خَارِج رُوح الوَصِيَّة وَيُصْبِح الإِنْسَان يَعِيش فِي هذِهِ الحَالَة مُسْتَوَى إِجْتِمَاعِي أخْلاَقِي أي يُحِبْ مَنْ يُحِبُّه وَيَكْرَه مَنْ يَكْرَهُه وَلكِنْ المُسْتَوَى الرُّوحِي هُوَ مُسْتَوَى أرْقَى وَأعْلَى مِنْ الطَّبِيعَة البَشَرِيَّة هُوَ أنْ يُحِبْ الإِنْسَان كُلَّ النَّاس وَيُحِبْ الطَّهَارَة وَالطَّاعَة حَتَّى المُنْتَهَى وَمِنْ أقْوَال الأبَاء ﴿ أنَّ الَّذِي يَظُنْ أنَّ لَهُ بَاباً لِلتُّوبَة غِير الصَّلاَة فَهُوَ مَخْدُوع مِنْ نَفْسُه وَمِنْ الشَّيَاطِينْ ﴾ فَالمَخْدَع هُوَ الَّذِي يِفَهِّمْ الإِنْسَان كَلِمَة الله وَيِعْرَفْ مِنْ خِلاَلُه البُنْيَان وَمِنْ أقْوَال الأبَاء أيْضاً ﴿ أنَّ الخَادِم الَّذِي لاَ يَشْهَدٌ لَهُ المَخْدَع وَالمَذْبَح لاَ يَشْهَدٌ لَهُ المِنْبَر ﴾" المِنْبَر " المَقْصُودٌ بِهِ التَّعْلِيمْ وَ" المَذْبَح " المَقْصُودٌ بِهِ الكِنِيسَة وَالأسْرَار فَأحْيَاناً يِرَكِّز الخَادِم عَلَى التَّعْلِيمْ فَقَطْ بِدُون المَذْبَح وَالمَخْدَع وَيُصْبِح هذَا النُّوع مِنْ التَّعْلِيمْ تَعْلِيمْ فَلْسَفِي وَمُجَرَّدٌ إِعْدَادٌ عَقْلِي لكِنَّهُ لاَ يُحَرِّك إِرَادِة الَّذِي يَسْمَعُه لِلتُّوبَة أوْ لِلمَلَكُوت فَأي عَمَل يُعْمَل بِدُون مَخْدَع يُصْبِح جَاف وَلَيْسَ فِيهِ قُوَّة وَهُنَاك مُثَلَّث لاَبُد أنْ نَلْتَزِم بِهِ حَتَّى نَبْنِي المَذْبَح :-
(أ) الإِشْتِيَاقٌ لاَ تَعْتَمِد عَلَى أنْ تُصَلِّي عِنْدَمَا يَكُون عِنْدَك إِشْتِيَاقٌ فَقَطْ بَلْ صَلِّي فِي حَالِة وُجُودٌ هذَا الإِشْتِيَاقٌ أوْ عَدَم وُجُودُه يَقُول أحَدٌ الأبَاء ﴿ إِنْ أرَدْتَ أنْ تُصَلِّي حِينَمَا تُرِيدْ أنْ تُصَلِّي فَرُبَمَا لاَ تُصَلِّي قَطْ ﴾ .
(ب) التَّنْظِيم لاَبُدْ أنْ يَكُون يُوم الإِنْسَان مُنَظَمْ وَعِنْدَ الإِنْسَان فِكْر فِي ذِهْنُه وَلَهُ مَوَاعِيد مُحَدَّدَة لِلصَّلاَة يَلْتَزِم بِهَا .ْ
(ج) التَّغَصُّبْ أحْيَاناً يَشْعُر الإِنْسَان بِالكَسَل أوْ أنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعْ الوُقُوفْ لِلصَّلاَة أوْ يَكُون عِنْدَ الإِنْسَان مُشْكِلَة فَلاَبُدْ أنْ يَتَعَلَّمْ التَّغَصُّبْ وَتُوْجَدٌ ذَبِيحَة يُحِبَّهَا الرَّبَّ كَثِيراً وَهيَ " ذَبِيحِة الأتْعَاب " فَلاَبُدْ أنْ يَقِفْ الإِنْسَان لِيُصَلِّي أمَام الله حَتَّى إِنْ كَانَ مُرْهَقٌ أوْ غِير مِرَكِّز فِي الصَّلاَة وَيَقُول الأبَاء القِدِّيسِينْ ﴿ قُول حَأصَلِّي مَهْمَا حَصَلْ لِي ﴾ فَالعَمَل الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعْ أحَدٌ أنْ يَعْمَلُه بَدَلاً مِنْكَ هُوَ الصَّلاَة وَمِنْ نَتَائِج المَخْدَع أنْ يُصْبِح الإِنْسَان أكْثَر هُدُوء وَتَقِلْ شَكْوَاه وَتَخْتَلِفْ رُؤيِتُه لِلنَّاس وَلِلأُمور وَلاَ يَكُون سَلْبِي وَيُصْبِح قَلْبُه نَقِي وَيُصْبِح أكْثَر مَحَبَّة وَتَبْدأ الصَّلاَة تَأتِي بِثِمَرْهَا يُوم بَعْد يُوم وَيُصْبِح لاَ يَتَكَلَّمْ فِي أُمور غِير مُفِيدَة فَلاَبُدْ أنْ يَتَعَلَّمْ الإِنْسَان أنْ يُصَلِّي بِكَثْرَة أمَام الله وَأنْ يَتَكَلَّمْ مَعَهُ فَالصَّلاَة خَيْر مُعَلِّمْ لِلصَّلاَة وَعِنْدَمَا سُؤِلَ القِدِيس مَكْسِيمُوس المُعْتَرِفْ مَا الَّذِي عَلَّمَك الصَّلاَة ؟ قَالَ الشَّيْطَان هُوَ الَّذِي عَلَّمَنِي الصَّلاَة فَقِفْ أمَام الله عِنْدَمَا تَكْثُر ضُغُوط عَدُو الخِير عَلِيك وَاصْرُخ إِلَى الله .
(3) الكِنِيسَة :-
فِي الكِنِيسَة يَجْنِي الشَّخْص مَفْهُومٌ العِبَادَة فِي مَخْدَعِهِ وَيُصْبِح شَخْص يَشْعُر بِوُجُودٌ وَحَضْرِة الله فِي الكِنِيسَة وَيَعْرِفْ الأسْرَار وَالتَّسْبِيح فَالكِنِيسَة لَهَا كَرَامَة وَيُصْبِح الإِنْسَان شَخْص هَادِئ وَمُتَضِعْ وَعِنْدَمَا يَقِفْ لاَ يَشْعُر بِمَلَلْ أوْ ضَجَر بَلْ يَشْعُر أنَّهُ فِي السَّمَاء وَيَعْرِفْ كَيْفَ يَقِفْ أمَام سَيِّدُه لأِنَّهُ وَقَفَ أمَامُه مِنْ قَبْل فِي المَخْدَع فَيُونَان النَّبِي وَهُوَ فِي بَطْن الحُوت يَقُول ﴿ أَعُودُ أَنْظُرُ إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ ﴾( يو 2 : 4 ) وَأحْيَاناً عِنْدَمَا يَدْخُل الإِنْسَان الكِنِيسَة بِاسْتِمْرَار يُشْعُر بِتَعَوُّدٌ وَتَبْدأ الكِنِيسَة تَفْقِد قِيمَتْهَا وَلكِنْ يَحْتَاج الإِنْسَان أنْ يَصْنَعْ إِتِزَان مَا بَيْنَ خِدْمَتِهِ وَعِبَادَتِهِ فَتَابُوت العَهْد لَهُ أبْعَادٌ مُعَيَّنَة عَرْضُه 2.5 ذِرَاع وَإِرْتِفَاعُه 1.5 ذِرَاع وَطُولُه 1.5 ذِرَاع فَتَابُوت العَهْد رَمز لِرَبِّنَا يَسُوع وَنَجِد أنَّ البُعْد الأُفُقِي وَالرَّأسِي مُتَسَاوِيَان وَيَرْمُزَان إِلَى رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لأِنَّهُ عَمَل إِتِزَان مَا بَيْنَ عِلاَقَتُه بِالأرْض وَعِلاَقَتُه بِأبِيهِ السَّمَاوِي فَكَانَ الرَّبَّ يَجُول يَصْنَع خَيْراً فِي النَّهَار ( أع 10 : 38 ) بَيْنَمَا اللِّيل يَمْضِيه كُلُّه فِي الصَّلاَة( لو 6 : 12) فَمُمْكِنْ أنْ يَكُون الخَادِم طُول الوَقْت فِي الكِنِيسَة وَفِي وَقْت العَشِيَّة لاَ يَحْضَرْهَا فَنَحْنُ نُرِيدْ أنْ نَرْبُطْ أوْلاَدْنَا بِالكِنِيسَة كَهَيْكَل وَطُقُوس وَعِبَادَة وَأسْرَار وَلَيْسَ كَمَبْنَى فَلاَبُدْ أنْ يَكُون لِلخَادِم الفِكْر الكَنَسِي فِي الخِدْمَة وَيَرْبُطْ أوْلاَدُه بِالكِنِيسَة وَيُعَلِّمَهُمْ التَّسْبِيح وَالهُوسَات وَالقُدَّاس وَالألْحَان وَهذَا يَحْتَاجٌ إِلَى خَادِم مُحِبْ لِلكِنِيسَة وَشَبْعَان بِالكِنِيسَة فَالكِنِيسَة هِيَ عَمُودٌ الحَقَّ وَقَاعِدَتُه وَفُرْصِة الإِلْتِقَاء بِالله وَرَبَّ المَجْد كَانَ مُلْتَزِم بِعِبَادِة الهِيكَل وَطُقُوسُه وَأعْيَادُه وَمُنَاسَبَاتُه فَمُمْكِنْ أنْ نَخْدِم أوْلاَدْنَا فِي كِنِيسَة قِبْطِيَّة أُرْثُوذُكْسِيَّة بِفِكْر غِير أُرْثُوذُكْسِي يَمِيل إِلَى التَّعْلِيمْ العَاطِفِي فَالخَادِم يُؤَثِّر فِي أوْلاَدُه فِي أي تَصَرُّفْ يَفْعَلُه دُونَ أنْ يَدْرِي وَلكِنْ الخَادِم الَّذِي لَهُ فِكْر أُرْثُوذُكْسِي لاَ يَرْبُطْ أوْلاَدُه بِهِ بَلْ بِالكِنِيسَة حَتَّى إِذَا حَدَثْ لِهذَا الخَادِم أي ظَرْف وَلَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَأتِي إِلَى الكِنِيسَة كَأنْ يُسَافِر يَظِلْ أوْلاَدُه يَأتُون إِلَى الكِنِيسَة بِإِنْتِظَام أوْ عِنْدَمَا يَذْهَبْ المَخْدُوم إِلَى أي مَكَان آخَر غِير الَّذِي يَعِيش فِيهِ يَجِد أنَّ الكِنِيسَة هِيَ نَفْس الكِنِيسَة الَّتِي عَاشْهَا بِنَفْس الطُّقُوس وَالألْحَان رَبِّنَا يِثَبِّتْنَا فِي مَحَبِّتُه وَكِنِيسْتُه وَمَخْدَعْنَا رَبِّنَا يِكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيِسْنِد كُلَّ ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه وَلِرَبِّنَا المَجْد دَائِماً إِلَى الأبَدْ آمِين

عدد الزيارات 2281

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل