الاهتمام بالداخل الجمعة الثالثة من شهر بؤونة

Large image

يُقرأ علينا اليوم إنجيل معلمنا لوقا الإصحاح 11 وجزء من الإصحاح 12 .. فربنا يسوع المسيح إحتك كثيراً بالكتبة والفريسيين فأثناء ما كان يقول أجمل تعاليم على وجه الأرض كان يليق بالموجودين أن يتنقى قلبهم ومع تنقية القلب تتنقى الحواس والمشاعر .. فالمفروض أن يسروا بالكلمة داخل قلوبهم من أجل أن يعيشوا بها ولكن ما حدث هو أن الكلام لم يعجبهم لأنه كان يكشف عن أمراض كثيرة كانت في داخلهم ..﴿ وفيما هو يكلمهم بهذا إبتدأ الكتبة والفريسيون يحنقون جداً ويصادرونه على أمورٍ كثيرةٍ وهم يراقبونه طالبين أن يصطادوا شيئاً من فمه لكي يشتكوا عليه ﴾ ( لو 11 : 53 – 54 ) فبدلاً من أن يسمعوا ويستفادوا ويتغيروا من الداخل كان الفريسيون من جواهم يريدون أن يمسكوا عليه كلمة .. كان بداخلهم مكر يريدون أن يغلطوه .. يريدون أن يتكلموا بشئ ردئ فبالرغم من أنهم كتبة وفريسيين ولهم كرامة في أعين الناس إلا أنه كانت هناك فئات كثيرة كانت موجودة يسمعون كلام الرب يسوع فكان منهم :-
1.المرددين فكانوا يطبقوا الشريعة جداً .. فمثلاً حتى لا ينظر الشخص إلى إمرأة ليشتهيها فكانوا يغطون وجوههم أثناء سيرهم في الطريق فكانوا يتخبطوا في الحائط وهم لا يروا فسموا بالمرددين .
2.الغيوريين لهم معرفة غزيرة بالناموس وهم غيورين على الناموس والشريعة حماة الناموس .
3.الناموسيين حافظ أسفار موسى الخمسة عن ظهر قلب .
4.الفريسيين وهم مدققين في الوصايا ومن شدة تدقيقهم كانوا يعشرون النعناع .
5.الكتبة لاهوتيين فهم يمثلوا أصحاب معرفة عالية .
فهو كان جالس معهم يعلمهم وهم كانوا يستمعوا إلى أجمل التعاليم .. فمن جهة المعرفة فهو كان أكثر معرفة فالغيورين هم غيورين على الشريعة .. هم حماة الناموس .. الناموسيين هم حافظي أسفار موسى الخمسة عن ظهر قلب .. والمفروض أن الكلام يغير وربنا يسوع في منتهى الوضوح والحب فهو يخشى عليهم من الإستمرار في هذا الحال .. فكان يقول لهم ﴿ تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء ﴾ ( لو 12 : 1) .. فالخمير هو شئ صغير جداً ولكن بمجرد أن يوضع في شئ ينتشر سريعاً .. فهم كانوا متشبعين بهذه الروح كان أهم شئ عند الإنسان هو بره الخارجي ولكن يسوع كان يعلمهم الإهتمام بالداخل فهو كان يقول لهم ﴿ أبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانيةً ﴾ ﴿ لا تظهر للناس صائماً ﴾ ( مت 6 : 18) .. عيش جوهر التقوى .. إفحص القلب من الداخل وانظر ميوله واشتياقاته .. فالهدف هو ربنا يسوع المسيح ولكن إذا ضاع الهدف يضيع الإنسان .. فالإنسان يجب أن يعرف نفسه بشدة وما هو الذي يريده .. أما هم فكان الإهتمام بالنسبة لهم بالخارج .. بالشكل .. بأراء الناس عنهم ربنا يسوع المسيح عايزني أخفي الفضائل والضعفات أظهرها في الخارج أما هم فكانوا يعيشون في العكس تماماً فكانت العيوب والضعفات يخفوها والفضائل يظهروها .. فهناك الكثير من الأفكار والإنفعالات والكلام والنظرات والتصرفات التي تظهر علينا .. لذلك إذا أردت أن تبدأ بداية حلوة مع ربنا أدخل إلى أعماق نفسك فهذا هو الذي يحتاج إلى تنهد .. إلى أنين .. إلى صلاة فبداخل الإنسان حاجات يحتاج أن يسجد كثيراً من أجلها .. يرفع قلبه كثيراً ويصرخ كثيراً يقول القديس مارإسحق السرياني ﴿ الذي يبصر خطاياه أفضل من الذي يبصر ملائكة ﴾ هذه هي دعوة ربنا يسوع للإنسان أن يعيش في خفاء قلبي .. في إنسان داخلي .. في كرامة .. في خفاء .. يفضح الأمور الرديئة باستمرار .. لا يستحي أن يظهر ضعفه .. فالرياء هو أن الإنسان يظهر عكس ما بداخله .. فيجب على الإنسان أن يعيش حياة الخفاء .. إن الأمور الهامة جداً لابد أن تكون مخفية فربنا سمح إن الحاجات المخفية أهم من الحاجات الظاهرة .. فمثلاً العين تتكون من الشبكية وقنوات فالمهم هو المكونات الداخلية للعين وليس الشئ الظاهري الذي هو لون العين مثلاً .. فمن أهم القلب والرئة والكلى ولا الأهم هو لون البشرة الخارجي ؟ فالمهم هو الحاجات المخفية فهي أهم من الحاجات الظاهرة فلذلك إهتم بالداخل .. إفحص قلبك .. فاليوم موجود بالطب تشخيص بالليزر ليعرف ما بالداخل ولكننا نقول أنها أمراض جسدية تتعب وقتاً ولكن التعب الروحي فهي أمراض تحتاج إلى أنين .. تحتاج إلى صراخ ولذلك أدخل للداخل فكل ما الإنسان ينظر إلى الخارج يتوه ولا يتقدم وفي أغلب الأوقات يكون راضي .. فكلما تنظر تجد نفسك أنك في الموازين إلى فوق ( مز 62 : 9 ) .. لذلك هو محتاج إلى سنين وسنين لكي يتوب الشجرة نريد أن نأخذ منها ثمر .. نريد أيضاً أن تظلل لكن الورق فقط مظهره خداع بل أنه يضعف الشجرة فالورق يأخذ العصارة من الشجرة .. الورق ممكن أن يكون حماية فهو شكل فقط فلذلك أنظر إلى إشتياقاتك الروحية .. إصنع ثماراً تليق بالتوبة ( مت 3 : 8 ) .. أنظر إلى عشقك إلى الطهارة أنظر إلى مدى حبك للعطاء .. مدى حبك لإخوتك .. مدى حبك لحياة الخفاء .. أنظر مدى حبك إلى كل الذين يضايقونك ويؤذوك .. هذا هو الثمر .. إفحص نفسك جيداً ولا تضع لنفسك مقاييس سيئة فلذلك قال الآباء القديسين ﴿ قيس نفسك على .. المسيح .. الوصية .. القديسين ﴾أنظر إلى السيد المسيح وقف أمامه ستجد أن أمامك الكثير جداً .. أنظر إلى الوصية تلاقي نفسك إنت بتعمل إيه منها .. إنت فين منها ؟!! أنظر إلى القديسين نلاقي إن هم النموذج العملي للوصية .. هم صورة المسيح أنظر إلى نفسك فعندما تنظر إلى نفسك تلاقي إنك بعيد جداً وهنا أنت بدأت تمشي الطريق صح فالبداية الصحيحة هي أنك تكتشف نفسك صح .. لذلك أقول لك إهتم بخفاءك .. أنظر إلى إشتياقاتك .. راقب تخيلاتك .. أنظر إلى دوافعك .. إعرف كل ما هو غير مرئي بداخلك .. العمارة لما تتبني نهتم بالأساس فالأساس هو الأهم .. إهتم بالداخل .. أنظر إلى داخلك .. لما الإنسان يذوق نعمة ربنا يبتدي يحب ربنا جداً ولما يحبه نلاقيه يحب الصلاة ويحب يعمل الخير ولا يظهره ويتفنن في كيفية إخفاء أموره فربنا يسوع المسيح أعطاه نعمة أو عطية وشرطه له إنه يخفيها ولا يظهرها .
 في قصة في تاريخ الكنيسة للقديس باسيليوس .. فقد كان القديس باسيليوس له علاقة قوية بالسيدة العذراء والكنيسة كانت ضعيفة جداً في القرن التاسع والعاشر ولكن هو كانت علاقته قوية بأم النور .. فكان في زيارة لإحدى الكنائس والمفروض إن عند دخول الأسقف الشمامسة والشعب كله يقولوا لحن ~أك إزمارؤوت* أي مبارك الآتي بإسم الرب * .. وكان الشعب فقير جداً في الألحان الكنسية فبدلاً من أن يستقبلوه بالألحان إستقبلوه بالتصفيق والتهليل والزغاريد .. هو من الداخل يشعر أنه غير مستحق لكل هذا فما يحدث كان من الخارج فقط وفي الحقيقة كان يبكت نفسه .. وفي وسط هذا الهتاف لمح طفلة صغيرة صامتة لا تهتف معهم فسألها * إنت مش بتقولي معاهم ليه ؟ * .. ففي الحال هللت معهم فازداد الشعب في الهتاف والتهليل فسأل ما هي الحكاية فعرف إن هذه الطفلة كانت خرساء لا تتكلم ولا تسمع فلما سألها القديس باسيليوس حدثت المعجزة ونطقت مما أبهج الشعب بالأكثر .. ولكن رد فعل الأسقف كان البكاء الشديد وعاتب السيدة العذراء لأنها كشفت سره وظل حابس نفسه في حجرته أربعون يوماً الإنسان الذي يحيا مع الرب يسوع يتفنن في أن لا يظهر ما يقوم به وليس هو فارغ من الداخل .. الإنسان الذي يحيا مع الرب يسوع يخفي فضائله وعيوبه يظهرها .. فالقديس باسيليوس عاتب السيدة العذراء لأنها كشفت شئ موجود فيه فلذلك أنظر إلى نفسك من الداخل هل أنت ترضي ربنا من الداخل ؟ ﴿ تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء ﴾ .. فالشكل من الخارج ليس هناك أروع من ذلك ولكن الجوهر صعب .. فكلما إكتشف الإنسان ما بداخله كلما يجد أتعاب ومشاكل ويرميها كلها على الرب يسوع وهذا يسبب فرح للإنسان فكلما زادت الأتعاب كلما فرح الإنسان أكثر وأكثر لأنه رماها على السيد المسيح .. فالجميل أن تكتشف أخطاءك أكثر فكلما تكتشف أكثر تفرح أكثر .. ﴿ حزنكم يتحول إلى فرحٍ ﴾( يو 16 : 20 ) .. ولكن لماذا ؟ ﴿ الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة ﴾( 2كو 7 : 10) .. كأنه شايل حاجة ثقيلة جداً ورماها على المسيح فهو يفرح فرح لا حدود له ربنا يعطينا أن نفحص ما بالداخل .. نراقب قلوبنا .. تصوراتنا فكلما نتنقى ونتزكى أمامه كلما نعرفه ونحبه ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين

عدد الزيارات 1853

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل