نفسية شهيد الجمعه الخامسة من شهر طوبه

Large image

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين فلتحل علينا نعمته وبركته الآن وكل أوان وإلى دهرالدهور كلها آمين.
في هذا اليوم المبارك يا أحبائي تحتفل الكنيسة بتذكار شهيدين القديس أكليمنضس والقديس كاؤو،وكثيراً جداً في أيام الكنيسة نجد تذكارات شهداء، وفي تذكارات الشهداء تقرأ علينا الكنيسة قراءات تناسب وضع روح الاستشهاد في أبناء الكنيسة، فالمزمور يقول لنا "كثيرة هي أحزان الصديقين ومن جميعها ينجيهم الرب"، ونجدالأبركسيس يحدثنا عن رجم اسطفانوس، وهو يدعو ويقول "أيها الرب يسوع أقبل روحي"،وفي الكاثوليكون يقول لنا يا أحبائي لا تستغربوا من البلوى المحرقة التي تحدث بينكم لأجل تجربتكم،لأنه كما اشتركتم في أوجاع المسيح أفرحوا لكي تفرحوا بابتهاج في استعلان مجيئه أيضا، وإن عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لأن روح المجد والقوة وروح الله يحل عليكم،والبولس في رسالة العبرانيين يقول لنا فإنكم لم تقفوا حتى الدم مجاهدين ضد الخطية، يحدثنا عن الجهاد إلى الدم، ويقول لنا أنه كل تقديس في الوقت الحاضر لا تجده للفرح بل للحزن، وأما أخيراً فيعطي الذين يتدربون به ثمر بر للسلام، ويأتي الإنجيل ويتوج هذا كله ويقول لنا "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد"،الكنيسةتريد أن تدرب أولادها على حياة كاملة لله،على نفس أعطت كل شيء لله،الكنيسة تريد أن تدرب أولادها على حياة في يديه، الكنيسة تريد أن تدرب أولادها على أن يحيوا بقلب شهيد ونفسية شهيد،ماقلب الشهيد؟، ما نفسية الشهيد؟بماذا يفكر الشهيد؟،أين قلبه؟،أين اشتياقاته؟،وكيف يقضي يومه؟، هل عندما تقابل مع موقف يدعوه للاستشهاد هنا أخذ قرار الشهادة أم أن الشهادة قد ابتدأت معه منذ فترة طويلة؟.
في الحقيقة الاستشهاد لايمكن أن يكون وليد لحظة، لكنه وليد حياة، وليد منهج،يعيش به الشهيد، الشهادة تبدأ أولا في داخل القلب والعقل، الشهادة تبدأ في صلب الجسد مع الأهواء والشهوات، الشهادة تبدأ في إطاعة الإنجيل، الشهادة تبدأ في اشتياق الملكوت،وكلما كان الإنسان أمين في تنفيذ هذه الأمور نجد روح الشهادة قد تجلت في داخله ما أكثر ما تتلو علينا الكنيسة هذه القصة لدرجة أننا من الممكن أن نأخذها بطريقة تلقائية،وأصبحنا من الممكن أن يحدث لدينا خلط من كثرة قصص الشهداء،مثلما يقول لك أنه جاء واعترف أمام الوالي فظل يقدم له وعود،وظل يلاطفه، ثم قام بتعذيبه بأنواع عذابات شديدة، وأخيراً نال أكليل الشهادة،كثيراً جداً ما نسمعها،لكن لماذا تريد الكنيسة أن تبرزها إلى هذا الحد؟الكنيسة تريد أن تبرزها إلى هذا الحد لأنها تريد أن تقول لنا يا أحبائي أنتم أولاد شهداء، أنتم لستم من هذا العالم، أنتم أتيتم من السماء لكي ترجعوا مرة أخري للسماء،أنتم من المفترض أن تعيشوا لكي تمجدوا الله على الأرض،أنتم من المفترض أن تجهزوا أنفسكم للاستشهاد، مهما كانت ضغوط العالم، مهما كانت إغراءات العالم فلا تخضع لها يقول لك على القديس كاؤو أن رسول الملك عندما رآه وجد شكله حسن فظن أنه والي البلاد،فقدم له هدية من الأصنام غالية وجميلة جدا، وعندمارآها أمسكها وقال له هذه شكلها جميل جداً،فهي أعجبته كشكل، ثم ألقاها له على الأرض فانكسرت،يريد أن يقول له الذي أنت معجب به جداً هذا أمر زائل،ما نفسية الشهيد؟ ما قلب الشهيد؟ قلب سيطر عليه مشاعر الملكوت،نفس متطلعة باستمرار لأمجاد السماء،إنسان غلب من داخل نفسه،إنسان حفظ الوصايا، ومن هنا بدأت معه رحلة الاستشهاد، رحلة الاستشهاد يا أحبائي رحلة تبدأ في صلب الجسد مع الأهواء والشهوات،رحلة تبدأ في أنه كيف الإنسان يقطع عنه رباطات العالم، رحلة الاستشهاد يا أحبائي تبدأ بالعقل والقلب وتنتهي بقطع الرقاب أو بتعذيب الجسد، وكلما كان الإنسان أمين في حياته أكثر كلما أصبحت روح الشهادة لديه تتجلى فيه أكثر،وكلما صار لا يبالي بآلام الجسد وكلما زاد تفكيره في الأمجاد الأبدية، كلما تصغر في عينيه كل مباهج العالم،ما الذي يجعل الإنسان غير أمين في حياته مع الله، ما الذي يجعل الإنسان كسول في جهاده،ما الذي يجعل الإنسان غير قادر علي التضحية بالقليل من وقته،غير قادر أن يضحي بعمره لأن الإنسان يا أحبائي لم يذق مذاقة الأبدية وهو على الأرض، لم يحيا بقلب شهيد، لم تصبح الحياة في المسيح يسوع هي مليء الحياة، ومليء البهجة والفرح والسرور،بمجرد أن الإنسان يفقد هدفه يبدأ الإنسان ينجذب لأتعاب كثيرة، ويبدأ الإنسان ينخدع بهذا العالم، يبدأ الإنسان يخضع له بمجرد أن تعرض عليه أي ضعفة يميل إليها،بمجرد أن يوضع في الاختيار ما بين الروحي والجسدي يميل إلى الجسدي، ومن هنا نجد أن نفسيته بدأت تكون نفسية جسدانية،نفسية تتعلق بكل ما هو جسدي وكل ما هو أرضي وكل ما هو زمني،يبتدأ الإنسان يفرح بالمال، يفرح بالملكية، يبتدأ الإنسان يفرح بالأشياء، ومن هنا يعرف ويفهم أن العالم ملك عليه، متى يا أحبائي هذا العالم لا يسيطر على الإنسان؟ عندما يكون المال لديه ليس له سلطان، والأشياء لديه يزهد فيها،يوجد معه أولا يوجد لا يبالي، لدرجة أنه من الممكن أن لا يفرق بين شيء وآخر لماذا؟ لأن عينه لم تكن العين التي تنجذب لخداع الأشياء ومن هنا يبتدأ الإنسان فعلا تنبت فيه بذرة الأبدية،هذا هو الشهيد الشهيد الذي يرفض أن يسجد للأصنام، ويرفض أن ينال الحياة مهما كانت الإغراءات هذا انسان من داخله شهد للمسيح قبل ذلك بكثير أجمل شهادة نقدمها لربنا يسوع شهادة في داخل أنفسنا، شهادة له في مخادعنا، شهادة له في خفائنا وفي حياتنا، ربنا يسوع يريدنا أن نكون أمة مقدسة له،يريد أن يرى قلوب مرفوعة، يريد أن يرى ركب جاثية،يريد أن يرى أناس تصوم له،يريد أن يرى أناس تصلب نفسها بإرادتها أجمل ما في الكنيسة يا أحبائي عندما انتهى عصر الاستشهاد بعد الملك دقلديانوس الكنيسة دبت فيها روح الموت من أجل المسيح، لكن قد انتهى عصر الاستشهاد وجاء الملك قسطنطين وأعلن المسيحية كديانة رسمية، إذن كيف نستشهد؟!نحن كنا فرحين بموضوع الاستشهاد، كيف نعيش شهداء للمسيح،كيف نعيش شهداء للمسيح فدخل إلى الكنيسة عصر الرهبنة، فأقبل ألاف الشباب والشابات على الرهبنة كبديل للاستشهاد، وبدلاً من أنهم كانوا يسفكوا دمائهم من أجل المسيح،اصبحوا ينفقوا أنفسهم بالكامل من أجل اسم المسيح، لذلك قيل على الرهبان أنهم الشهداء البيض،أنهم قدموا حياتهم للمسيح وأصبحوا يشهدوا للمسيح أمام أجسادهم وأمام عدو الخير في حروب عنيفة كثيرة وهم يقدموا شهادة لله يقدموا شهادة لله أمام ضمائرهم وأمام عقولهم في نفوس مكسورة ونفوس مذبوحة من أجله كل يوم،فبدلاً من أن الشهيد كان يقدم حياته للمسيح كل يوم ابتدأ الإنسان المسيحي من فرط محبته لله يفكر كيف يقدم نفسه للمسيح كل يوم، وهذه جمال مشاعر الإنسان الذي أحب المسيح من كل القلب،كيف أقدم نفسي كل يوم للمسيح؟،كيف أصلب جسدي؟،كيف أستأثر كل فكر إلى طاعة المسيح؟،كيف محبة الملكوت تملك على قلبي؟،كيف يزداد اشتياقي إلى الفضيلة كل يوم؟،كيف أشعركل يوم أنني أرضيت فيه الله؟، كيف أشعر كل يوم أنني قطعت مسافة في رحلتي للملكوت؟.
هذا هو الإنسان المسيحي، هذاهو قصد الكنيسة كيف تربي أولادها، وكيف تنشئ فيهم محبة الاستشهاد من أجل المسيح، لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد،نحن يا أحبائي لانعيش للجسد ولالسلطانه ولا لنزواته،الآباء القديسين يقولوا لنا أن النفس موضوعة بين الجسد والروح، الإنسان مكون من ثلاث جسد ونفس وروح، والنفس موضوعة بين الإثنين، بين الجسد وبين الروح ما هي النفس؟ النفس هي المشاعر، الرغبات، الأحاسيس، الميول،هذه هي النفس،فالقديسين يقولوا لنا أن الجهاد الروحي متوقف بشكل كبير جداً على النفس، إذا كانت النفس تميل إلى أعمال الجسد ووجدت مسراتها ولذاتها في أعمال الجسد صار الإنسان جسداني، وإذا كانت النفس تميل إلى أعمال الروح وتجد سعادة وسرور في الأعمال الروحية صار الإنسان روحاني،ومن هنا أنا أسأل نفسي بماذا أنتي تفرحي؟ما هو الشيء الذي يدخل المسرة إلى قلبي؟ كلما أجد أنه يمكن أن يكون الطعام هو الذي يجلب لي الفرح أعرف أنني جسداني، كلما أعرف أنه يمكن أن تكون المادة هي التي تسعدني أعرف أنني جسداني جداً، كلما أعرف أن هذه الشهوة هي التي تفرحني أعرف أنني جسداني،إذن كيف أعرف أنني بدأت أميل أن أكون إنسان روحاني؟،اجعل نفسك تميل للأعمال الروحية،لكن كيف؟بالاشتياق،بالطلب،بالتدرج، بالتعود، بالتغصب، بالاجتهاد،بالتأمل، بطاعة الأنجيل،بمحبة الصلاة والتسبيح، بالمداومة على ذلك،تجد النفس بدأت تحب الروحيات، وتميل إلى الروحيات،عندما تميل النفس للروحيات الروح تثقل وتتدرب ومن هنا سلطان الجسد يقل، فمثلما تقول كفتين ميزان الأشياء التي تضعها في كفة ستكون على حساب كفة أخرى، كلما نخدم الجسديات كلما الروح تفارقنا ،وكلما نخدم الروحيات كلما يقل سلطان الجسد،وكثافته تقل، وثقله يقل، لماذا الجسد بالنسبة لنا ثقيل جدا والسيطرة عليه صعبة؟ لأننا نظل نخدمه، لأننانظل نميل إليه،لأننانظل نخضع له، كل مرة يوحي لي بالكسل فإنني أكسل ،كل مرة يقول لي كل فإنني أكل، كل مره يزين لي الشهوة اشتهي، ومن هنا يكون الجسد له سلطان.
الشهيد يا أحبائي تدرب على طاعة الروح وتدرب على قمع الجسد،فعندما أتت اللحظة التي سيقدم فيها الجسد بالكامل لينطلق الروح فسر بهذه اللحظة، من هنا يا أحبائي نحن علينا أن نسأل أنفسنا عند من نحن عبيد؟!عند الجسد أم عند الروح، من الذي نطيع رغباته أكثر، ومن هنا أعرف إذا كنت جسداني أم روحاني، لكن لنفترض أنني جسداني أقول معذرة فأنا أعيش في الجسد وثقل الجسد، والجسد ثقله ثقيل، اقول لك جاهد،الله أعطانا الحياة لكي نكسب بها الأبدية،الله أعطانا الحياة لكي نعيش فيها بسلطان الروح، الله أعطانا الحياة لكي نذكره، نسبحه،نمجده،نباركه،الله أعطي لنا الحياة لكي نشكره بها، لكي نعلن اسمه بها، جاهد طالما هناك حياة الله أعطاها لنا فهذه فرصة من رحمته إننا نميل لأعمال الروح، ومن هنا إذاعرض علينا في يوم من الأيام أن ننكر المسيح أم نقتلك،أقول لا فأنا قد مت منذ زمن، أنا تدربت على قتل جسدي منذ زمن،كثيراً احتد واشتكى عليه وأنا لم أخضع له،كثيراً ما قمت بتأديبه،قمت بتدريبه،كثيراً صلبته، ومن هنا تكون تسليم الحياة للمسيح أمر هين هنا يا أحبائي الكنيسة تريد أن تدربنا على كيف نعيش شهداء ونحن على الأرض،كيف نعيش شهداء بإرادتنا وباختيارنا، كيف نصلب الجسد، كيف لانميل إلى أعمال الجسد الله يعطينا أن نقدم شهادة له في مخادعنا، أمام عقولنا، أمام قلوبنا،نتمتع بحياة قلب شهيد ونفسية شهيد ونحن لازلنا على الأرض ربنا يسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائما أبديا آمين .

عدد الزيارات 1658

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل