الجمعة الاولى من شهر هاتور

Large image

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين . تحل علينا نعمته ورحمته وبركته الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور كلها آمين.

انجيل هذا الصباح المبارك يا أحبائي فصل من بشارة معلمنا مرقس البشير الأصحاح العاشر عن موقف نعرفه جميعاً وهو عندما تقدم إليه تلميذيه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي وقالوا له نريد أن تفعل لنا كل ما طلبناه، نريد طلب منك، فقال لهم ماذا تريدان أن أفعل لكما؟، فقالوا له أعطنا أن نجلس واحد عن يمينك والآخر عن يسارك في مجدك.
في الحقيقة هذا طلب جميل لكن من الممكن أن يطلبه الشخص وهو لم يحسب نفقته، هما يريدان المجد، هما يريدان الكرامة، هما يريدان أن يكونوا ملتصقين بالسيد المسيح باستمرار، مثلما نجد شخص يحب شخص آخر جداً فيقول له أشتهي أن أعيش معك طوال الوقت، فهما كأنهما يقولان له ذلك، يقولان نحن لا نريد أن نعيش معك هنا فقط لكن أيضا في المجد، أيضا فوق، فقال لهما يسوع "لستما تعلمان ماذا تطلبان"، وكأنهم يقولون له لماذا؟! فنحن نعرف جيداً ماذا نريد، نحن نريد أن يجلس واحد عن يمينك والآخر عن يسارك، ونحن كنا نتخيل أنك بمجرد أن تسمع من أحد هذا الكلام ستقول له تحت أمرك، حاضر، من عيني .... إلخ، فهذا طلب جميل، يا ليت جميع الناس تطلب هذا الطلب، لكنه قال لهم لا أنتم لا تعلمون ماذا تطلبون؟، ثم قام بمواجهتهم بالحقيقة، ما هي الحقيقة؟، أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا، وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟، فقالوا له نستطيع.
ما هو الكأس؟ الصليب.
ما هي الصبغة؟ الدم.
هل تستطيعوا أن تشربوا الكأس التي أشربها أنا؟
هل تستطيعوا أن تصلبوا؟
هل تستطيعوا أن تصطبغوا بدمكم؟
هل تستطيعوا أن تحتملوا هذه الآلامات وهذه الإهانات وهذه الأتعاب؟
هل تستطيعوا أن تحملوا الصليب؟
فقال لهما يسوع : "أما الكأس التي أشربها أنا فتشربانها، والصبغة التي أصطبغ بها أنا فتصطبغان، أما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعد لهما".
نحن يا أحبائي نمر بفترة مليئة بالقلق، والكثير من الأخبار المزعجة، ويوجد بها أمور مزعجة بالفعل، لكن في الحقيقة الإجابة في إنجيل هذا اليوم الذي يقوم بالرد علي القلق الذي نمر به، وكأن الله يريد أن يقول لنا هناك صبغة لابد أن تصطبغا بها، هناك كأس لابد أن يشرب، والصبغة والكأس هما سبب المجد، وهما الطريق للجلوس عن يمينه وعن يساره، لذلك نستطيع أن نقول يا أحبائي لو قمنا بقياس ما يحدث الآن بمقاييسنا نحن البشرية سوف نعثر جدا، ونتعب جدا، ونخاف جدا، ونضطرب جدا، تقول لي ولكن الذي يحدث كثير، أنظر عدد الكنائس التي احترقت، كم شخص استشهد، كم شخص تعذب، لماذا الله لا يدافع عنا، لماذا لا يدافع الله عن كنيسته، لماذا لا يدافع الله عن أولاده، ولماذا هو تاركنا هكذا وإلى متى؟، كثيرا يا أحبائي ما نقيس أمور سماوية بأشياء أرضية، كثيرا يا أحبائي عقولنا البشرية هي التي تغلب والإيمان ينسحب، وهذه خطه عدو الخير الخطيرة وهي أن يقع بنا في فخ الخوف، فخ الضعف، فخ عدم الإيمان، وهذا الأخطر من الذي يحدث، الذي يحدث يا أحبائي ليس بجديد علي الكنيسة، ولا علي تاريخ الكنيسة، أنت قد تندهش إذا علمت كم كان عدد الكنائس في مصر، تتعجب من عدد الأديرة التي كانت في مصر، لقد كان الساحل الشمالي يا أحبائي مليء بالأديرة، كل كيلو أو أثنين كيلو تجد دير، ويقولوا وأنت تسير علي طريق الساحل الشمالي أصوات التسبحة لا تنقطع، فعندما تبعد عن دير ويبدأ الصوت يخفت تسمع صوت دير آخر، إلى أن تصل مرسي مطروح، لكن هدمت هذه الأديرة، قال لك أن الأديرة يمكن أن تهدم لكن الإيمان يبقي، لو جئنا لنخير الله وقلنا له يارب الإيمان أم الأماكن؟ يقول لك الإيمان، إذا كان المقياس بالأماكن يا أحبائي تعالوا لنذهب إلى أوروبا أو أمريكا وشاهدوا الكنائس والكاتدرائيات الشاهقة، التي لا تستخدم أبدا، التي تحولت إلي متاحف، قم بالذهاب إلي روما، ايطاليا شاهد عظمه الكنائس هناك، تحولت إلى متاحف، تدخل باشتراك واشتراك كبير وضخم، لماذا تدخل؟ تدخل لكي تلتقط صور، تدخل لكي تنبهر.
لكن هل الله يقصد أن تكون بيوت عبادته متاحف؟!
هل الله يقبل أن تكون له أماكن لمجرد التصوير أو التفاخر؟! الله عندما جاء ليولد ولد في مذود، وعندما عاش عاش في أحقر المدن بيت لحم الصغرى بين مدن يهوذا.
نحن يا أحبائي لا بد أن نعرف أن إيماننا أهم من أي شئ آخر، وأننا هياكل الله الحية، وأن الإيمان يقاس بنا ليس بعدد كنائسنا، وأن مخافة الله التي داخلنا هي أهم من أي خوف آخر، لذلك قال "وأما خوفهم فلا تخافوه ولا تضطربوا" لا تضطربوا.
عندما يقوم عدو الخير بعمل خطط ويحرك بها الإيمان فهو بذلك نجح، لكن إذا فعل خطط وثبت بها الإيمان فهو بذلك فشل، نحن يا أحبائي نحتاج أن نثبت في مواعيد الله، قد يقول أحدكم ولكن هناك مواعيد تقول لك "شعرة من رؤوسكم لا تسقط"، مواعيد تقول "إن أبواب الجحيم لن تقوي عليها"، مواعيد تقول "يحفظ جميع عظامكم واحدة منها لا ينكسر"، فالمواعيد موجودة لماذا لم تحقق؟ اقول لك أنتبه هذه المواعيد هي مواعيد أبدية وليست زمنية، عندما يقول لك يحفظ جميع عظامكم ليس مقصود بها عظامك الآن، لا بل يحفظك أبديا بلا عيب، حتي وأن قطعت أعضائك لكن يحفظ جميع عظامك، يحفظ إيمانك، يحفظ قلبك، يحفظ سلامة نفسك من الداخل.
لذلك يا أحبائي عندما ننظر إلى قديس مثل القديس يعقوب المقطع فهو قد تقطع لكن تعالى أنظر له في السماء وكرامته ومجده لتفهم ماذا يعني أنه يحفظ جميع عظامكم، الأمر أمر أبدي وليس زمني، عندما تأتي لتشاهد نفوس المؤمنين العابدين المصلين في أصغر مكان وأبسط مكان تعرف أن الله لا يهتم بالحجر ولكن يهتم بالإيمان، تعرف أن قصد الله لنا يا أحبائي أن نثبت فيه، ونثبت في محبته، وأن نثبت في إيمانه.
نحن لابد أن نعرف يا أحبائي أن تفكيرنا إلى حد كبير محصور في الأرض والزمن، لكن تفكير الله مركز على السماء وعلي الأبدية، تفكيرنا أرضي زمني وتفكير الله أبدي سماوي، ومن هنا التعارض، نحن نريد أن يرفعنا الجميع على الأكتاف، نحن نريد مثلاً عندما يأتي شخص ليهدم كنيسة أن الأرض تشق وتبتلعه أو شخص يطلق عليه رصاصة فيموت أو تشل يده، نحن نريد هذا، وحينئذ نقول معجزة ونصبح جميعاً فرحين ونشعر بالانتعاش، أقول لك ليس هذا هو المقياس الروحي، ليست هذه هي معايير الله، لذلك قال لك تعال أشرب الكأس التي شربتها أنا، تعال اصطبغ بنفس الصبغة التي اصطبغت بها أنا، ربنا يسوع عندما آتى شخص ليدق مسمار في يده هل قام بشل يده؟!، ربنا يسوع عندما اقتيد للذبح ماذا فعل في صالبيه؟ دعي لهم بالبركة. وهل ترك الصليب يتم أم استخدم قدرته الإلهية في إيقاف الصليب؟ أبدا، فهو استخدم قوته الإلهية في إتمام الصليب، لذلك يا أحبائي تم الصليب، سيدنا يسوع المسيح عري من ثيابه، بصق عليه، جلد، أهين، وضع في رأسه إكليل شوك، لطم علي وجهه، هذا الكأس يا أحبائي، نفوسنا تجزع من هذا الكأس يا أحبائي، نفوسنا تهرب من الألم، نفوسنا تتضايق من سيرة الصليب، أقول لك لا يوجد مجد بدون صليب، لذلك عندما قالا له نستطيع، رجع مرة أخرى ربنا يسوع المسيح قال لهما أما الكأس التي أشربها أنا فتشربانها والصبغة التي أصطبغ بها أنا فتصطبغان، هذا يا أحبائي شرط المجد الذي وعدنا به الله، "وهب لكم لا أن تؤمنوا به فقط بل أن تتألموا أيضا معه".
نحن يا أحبائي عندما نتألم لا نسير في الطريق بمفردنا، لا فهو سلك هذا الطريق من قبلنا، هذا طريق كرسه من أجلنا، هذا طريق هو اختاره بإراداته، فهو أحب الصليب من أجل السرور الموضوعة المحتملة أمام الصليب مستهينا بالعار، لذلك يا أحبائي نفوسنا لا تخف ولا تجزع، لأنه إذا خفنا فذلك هو الأصعب من أي شيء أخر، الأصعب من أن تهدم الكنيسة أن يهدم الإيمان، الأصعب من أن إنسان منا يجلد أو يهان أو حتي يموت أن الإيمان هو الذي يموت، لذلك أثبت في مسيحك، عندما تسمع أن هناك مخاطر قم بالصلاة، وأرفع قلبك إلى فوق، قل له يارب دبر، يارب أحرس، يارب أحمي، وقم بالصلاة ليس فقط لأجل كنيستك وليس لأخواتك المسيحيين فقط لكن قم بالصلاة للبلد كلها، قم بالصلاة للمضطهدين، قم بالصلاة للمتضايقين، قم بالصلاة للمتألمين، قم بالصلاة للمحبوسين، قم بالصلاة لجميع الذين في خطر، قم بالصلاة لأجل الكل، وأفتح قلبك بالحب للكل، واجعل نفسك مثل سيدك، لا تجعل قلبك أبدا يمتلئ بالبغضة، لأن حينما يحاربنا عدو الخير بحربين يكون هزمنا هزيمة قاتلة، يحاربنا في الإيمان والمحبة، حرب شنيعة، أصعب من حرب الرصاص، فماذا يتبقى يا أحبائي إذا هدم الإيمان والمحبة؟، فأين المسيح؟، وأين المسيحية؟.
إذن يا أحبائي نحن نحتاج جدا في هذه الفترة أن يكون لنا رسوخ في الإيمان، وأن يكون لنا ثبات في المحبة، وأن تكن المحبة بغير رياء، محبة صادقة، محبة ينبوعها ربنا يسوع المسيح المصلوب الغافر لصالبيه، محبة حقيقية إنجيلية كاملة من ضمير كامل بلا لوم ولا غش، محبة بحسب محبة ربنا يسوع المسيح.
نحن يا أحبائي تاريخ كنيستنا ممتلئ بالآلام، والذي يقول لك غير ذلك ويريد أن يسع لك الباب، قل له لا نحن نعرف بابنا جيدا، أما الكأس التي أشربها أنا فتشربانها، والصبغة التي أصطبغ بها أنا فتصطبغان، هذا هو الشرط يا أحبائي، هناك شرط، هناك طريقا جديداً حيا كرسه لنا بالآلام، هذا هو الطريق يا أحبائي، هذا هو الشرط ، من أراد منكم أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني، هناك صليب يا أحبائي لابد أن نحمله، المسيحية غالية، المسيحية هي طريق يؤدي بك إلي المجد السماوي، فلابد يا أحبائي ألا نستثقل أو نهرب أو نجزع من حمل أي صليب، تستعد نفوسنا لأي آلام، ولكن لا نفرط في إيماننا، ولا نفرط في محبتنا أبدا مهما كان الثمن.
لذلك يا أحبائي امسك في مواعيد الله، أمسك مزاميرك وصلي بها، أمسك صليب، أصرخ إلى ألهك، وقل كيرياليسون، أرفع قلبك إلى الله، أعمل تماجيد للقديسين الذين تحبهم، ستجد نفسك أنت ممتلئ بالسلام حتى إذا كانت الظروف حولك مازالت ممتلئة بالاضطراب، وثق أن صلاتك لها تأثير حتى وإذا كنت أنت ترى أن هناك شرور تحدث لكن من الممكن أن تكون شرور كثيرة منعت من أجل صلاتك، هذا يا أحبائي إيماننا وهذا رجائنا ونحن نعيش بهذا الرجاء يا أحبائي وبهذا الإيمان، إذا نظرت إلي آبائك القديسين وتاريخ كنيستك ستجد أنها مر بها عصور كثيرة، كثير مضطهدين، كثير من الدول، كثير من الحكام، كثير من الطغاة، قسوة علي الكنيسة ولكن الكنيسة ثبتت، والإيمان يثبت بكل ضيق وبكل افتراء فعلوه بخدع، وفعلوه بإيعاز من عدو الخير.
لذلك يا أحبائي لابد أن نعرف أن للرب حرب مع عماليق من دور إلي دور، وأن قوات الظلمة هي التي تحرك، وأن عدو الخير متربص، ومن أكثر الأمور التي تقلقه هي علامة الصليب، وهي الذبيحة، وهي المسيحيين.
لذلك يا أحبائي نحن أيضا نقول له "كما سلكت أنت ينبغي أن نسلك نحن"، أعطني يارب كأسك لأشربها، وأعطني يارب صبغتك لكي أصطبغ بها، وإن كنا ضعفاء فأنت تسندنا، أنت يارب الذي أمام أعيننا، وصليبك أمام أعيننا، لا نجزع أبدا طالما أنت أمامنا، تقدمنا أنت حامل صليبك، أسندنا أنت وأعطنا أنت النعمة أننا نحمل صليبك لأننا ضعفاء لكن بك أنت نستطيع أن نحمل الصليب.
لذلك يا أحبائي كل لباس الصليب، وكل العباد وكل النساك وكل الآباء احتملوا بكل سرور وكل فرح، على سبيل المثال نذكر عندما قاموا ذات مرة علي دير للعذارى وقاموا بقتل جميع العذارى اللواتي بداخله، لكن كانت هناك عذراء مصابة بالشلل فلا تستطيع الحركة، محبوسة في قلايتها، وتسمع أصوات الدم، وتسمع أصوات الصراخ والدم المتدفق، وترى المناظر لكنهم لا يروها، ماذا تفعل؟! تصرخ وتظل تحرك في باب قلايتها لكي تلفت أنتباههم أن هناك عذراء باقية، أحبوا التعب، أحبوا الموت، عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل، هذا إيماننا، وهذا رجاؤنا، نحن نثق يا أحبائي في مواعيد الله، أن البلد الذي وضع أرجله فيها يباركها، مهما كان هناك مكائد فإنه يباركها، أنظر إلى الدول التي حولنا ستجد المسيحية فيها تندثر، لكن في مصر المسيحية تقوى، نسمع يا أحبائي عن قديسين كثير جدا، نسمع عن القديس أوغسطينوس فهو في بلد في الجزائر، أين المسيحية الآن في الجزائر؟!، أين القديس أغناطيوس قديس أنطاكية، أين المسيحية في أنطاكية الآن؟، أين المسيحية في تركيا الآن يا أحبائي؟، لذلك يا أحبائي قديسي مصر ودماء شهداء مصر وأبرار مصر ورهبان مصر وعذارى مصر حافظين مصر بناء علي وعده أن يكون له مذبح في وسط أرض مصر.
لا نخف يا أحبائي، بل نجعل رجائنا وثقتنا فيه، لذلك في قداس أمس يقول يا أخواتي لا تستغربوا البلوة المحرقة المحيطة بكم. الحادثة بينكم، لا تستغرب لأن من المؤكد أن الله له إرادة، لذلك يريد أن يقول لك عندما تمسك في مواعيد الله، عندما تتشدد بالإيمان، ستجد نفسك أنت ممتلئ بالسلام، أرجو منك بدلا من أن تضع روح اضطراب في من حولك أزرع فيه سلام، حتى إذا كنت أنت الآن لا تصلي، اليوم إذا كان هناك كلام على أنه يكون يوم صعب اجعله يكون يوم صلاة، اجعل اليوم هو يوم اتحاد بإلهك، مثلما قال دانيال قال أنا لم أقضي هذه الليلة مع الأسود ولكنني قضيتها مع الملائكة، كانت الليلة التي قضاها دانيال في جب الأسود حسبت له من أجمل أيام عمره، لم يقضيها مع الأسود ولكن قضاها مع الملائكة.
الله يعطينا سلام، الله يعطينا إيمان، الله يعطينا محبة.
يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائما أبديا آمين.

عدد الزيارات 1712

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل