ما بين الغطاس والتوبة

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين . تحل علينا نعمته وبركته ورحمته الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور كلها آمين.
تستمر الكنيسة يا أحبائي في احتفالها بعيد الظهور الإلهي واليوم يقال عنه ثاني أيام عيد الغطاس، وكأن عيد الغطاس مستمر لأنه هناك فعل روحي مهم جدا، فالكنيسة تريد تتأكد أن أولادها قبلوه واقتبلوه وتأثروا به وعاشوا فيه، أريد التحدث في ثلاث أمور سريعا :
١- لا يوجد عيد في الكنيسة يا أحبائي يخص المسيح فقط، لايوجد شيء فعله المسيح كان لنفسه، كل ما فعله المسيح كان لأجلنا، فهو عندما تجسد لم يتجسد لنفسه ولكنه تجسد لنا، عندما مات لم يمت لنفسه ولكنه مات لنا، عندما قام لم يقم لنفسه ولكنه قام لنا، وكذلك عندما صعد فهو صعد لنا، عندما أعتمد من يوحنا المعمدان لم يعتمد لنفسه ولكنه اعتمد لنا من يوحنا المعمدان.
كل عيد في الكنيسة يا أحبائي في داخله بركة مخفية لنا، يحملها وينقلها لنا ربنا يسوع المسيح كنائب عنا، كل عيد يحمل بركة مخفية في المسيح يسوع كنائب عنا، فنحن لابد يا أحبائي أن مفهومنا في الأعياد يكون مفهوم قبول نعمة خاصة بي أنا، قبول عطية من الله أراد أن يرسلها لي عن طريق ابنه الحبيب ربنا يسوع المسيح و يعطيها لي، فاليوم هو يعطيني نعمة المعمودية، اليوم هو يأخذ المعمودية من يوحنا المعمدان لكي يقول لي هذه المعمودية ليست معموديتي أنا، هذه معموديتك أنت، لكي يقول لي هذا اليوم بالنسبة لك يوم ممتلئ بالبركات، كن حذر لا تخرج منه فارغ، كنت أتحدث مع مجموعة من الأحباء وأقول لهم أنا أريدكم تتخيلوا أنكم ذهبتم إلي مكان وهذا المكان كان يوزع به شيء فتجد الجميع يحملون أشياء، تقول لأحدهم هذا الشيء من أين اشتريته؟ يجيبك من المكان .... ، فتسأله كم دفعت من النقود؟ فيجيبك لا هذا يوزع، فتسأله هل يوزع على كل الأشخاص؟، هل الكل يأخذ؟ نعم الكل يأخذ، الكل يأخذ، فتقول إذن سوف أدخل لآخذ أنا أيضًا، كذلك نحن يا أحبائي العيد في الكنيسة نعمة، نعمة تعطي للجميع، فلابد أننا عندما نأتي لندخل ندخل بنية أننا نريد أن نأخذ، لكن ماذا نأخذ؟ نأخذ نعمة روحية، الكنيسة يا أحبائي ممتلئة بالبركات، ينبوع بركات، كل عيد يحمل قوة في داخله، ويحمل نعمة في داخله، ويحمل بركة في داخله، لذلك يا أحبائي نحن نحتاج جداً أن نراجع أنفسنا ونقيس أنفسنا ونتأكد هل أنا أخذت بركة هذا العيد أم لا؟، أي عيد يمر عليك، أي مناسبة تمر عليك، اسأل هل أنا اليوم كنت مجرد مشاهد.
لذلك الكنيسه إذا ركزت على ألحانها، عندما تصلى بالروح ستجد أن هناك نعمة تريد أن تنتقل إليك، وهناك مشاعر تريد أن تنتقل إليك، هناك روح تريد أن تنتقل إليك، أنت عليك أن تتقبل هذه النعم، فهذا أول شيء في مفهوم العيد.
٢- ما النعمة التي لي في هذا العيد؟ يجيبك نعمة التوبة، المعمودية التي أعتمدها ربنا يسوع المسيح اسمها معمودية التوبة، عيد الغطاس، عيد الظهور الإلهي، هذا عيد التوبة الذي يغسل من الخطايا، لذلك يقول لك ربنا يسوع المسيح نزل في عمق الأردن ليدفن خطايانا، وبعض الآباء القديسين يقولوا كلمه أخرى لم يقولوا يدفن لكن يقولوا ليغرق خطايانا، بمعنى أنه أغرق خطايانا في الأردن، تعلم عندما يغرق شيء إذن فهو بذلك إنتهى، لذلك فلنبارك الذي أغرق خطايانا في نهر الأردن، خطايانا غرقت في نهر الأردن، مثلما غرق فرعون في البحر الأحمر ونجى بني إسرائيل وعبروا هكذا نحن في عيد الغطاس خطايانا تغرق وننجوا نحن، خطايانا تموت ونحيا نحن.
عيد الغطاس يا أحبائي يجعل الشخص يفكر هل الخطايا التي بداخلي غرقت أم لا؟، ماتت أم لا؟، هل خطايانا مازالت كما هي؟ فلماذا أنا تاركها، الغطاس هذا اغتسال بماء، غسل بماء، غسل بماء الكلمة، الغسل هذا يعني النظافة، الغسل هذا يعني أنه يزيل من الإنسان أي تلوث علق به، هذا هو الاغتسال، هذا هو العيد، هذه نعمة العيد ومفهوم العيد الذي يخص كل واحد فينا بشخصه، يتوب، يسأل نفسه ما الخطايا المتكررة في حياتي؟، ما الخطايا الملتصقة بي؟، ما الخطايا التي لا أستطيع التصرف جهتها؟، ما الخطية المحبوبة؟، ما الخطية التي لها سلطان علي؟، هذا كله يا أحبائي لابد أن يغرق في عيد الغطاس، والذي لابد أن يغرق بنعمة المسيح، أنا لم أقف أشاهد فقط - لا - أقوم بأخذ موقف، أقدم توبة، أصرخ، أقدم ميطانية، أقول يارب قم بتفكيكي، يارب أغرق خطاياي، يارب ارفع عني هذا النير، لا تتركني هكذا، لا تتركني في هذه الحالة، لا تتركني أستمر كثيراً بحالي الضعيف هذا، لا تتركني.
هذا يا أحبائي مفهوم العيد ونعمته وقوته وبركته، أن هناك عطية من الله وتخصني أنا، ولابد أن أكون على علم بها، فمثلاً في التجسد أكون على علم أن هذا يبارك طبيعتي يفتقد جنسي البشري الشقي، وفي الغطاس لابد أن أعرف أن خطاياي تغرق في الأردن، وفي الصليب لابد أن أعرف أنه يتم لي أنا، فداء شخصي لي أنا، وفي القيامة أنا نفسي أقوم معه، وفي الصعود أنا نفسي أصعد، نحن لا نشاهد فقط يا أحبائي، فكل هذه العطايا من أجلنا، وكل هذه العطايا يا أحبائي لكي تنقلنا من حالة إلى حالة، لذلك أي عيد لابد أن أفهم المعنى الروحي له، وأفرح به، وأعيشه، وأخذ نعمته، وأخذ بركته، ولا أكون مجرد متفرج أو شاهد على حدث، لا بل أغتسل من كل ضعف داخلي، فعلي سبيل المثال عندما يترك الشخص شيء غير نظيف فتصبح رائحته كريهة، وتجعل الأشياء أسف في القول أن يحدث لها تعفن، فالذي يترك خطية بداخله لا يغسلها يحدث لها تعقن داخله، الذي يترك خطيه بداخله لا ينظفها تقوى، تنتشر، فإذا تركت أي شيء وليكن أكل مثلا غير نظيف تأتي عليه ميكروبات، وحشرات، وبكتيريا، وفطريات، ويجتمع عليه النمل، وأشياء كثيرة، ويصبح له رائحة، فكذلك الخطية بل وأصعب، فالسكوت عن الخطية يا أحبائي من أصعب الأمور التي من الممكن أن تقوم بأذية الإنسان، لابد أن الإنسان يقدم توبة، عيد الغطاس يذكرك بأن تغتسل من خطاياك، عيد الغطاس يذكرك أن تدفن خطيتك مع المسيح في عمق الأردن، عيد الغطاس يا أحبائي هو قبولنا لنعمة معمودية جديدة، لذلك من أجمل التذكارات التي نتذكرها في عيد الغطاس تجديد عهد معموديتنا، من أجمل العطايا التي نتذكرها في الغطاس تجديد عهد معموديتنا، إننا نعمد معك يا ربنا يسوع المسيح.
كان القديس العظيم الأنبا انطونيوس يقول لأبنائه يا أبنائي جددوا كل يوم عهد معموديتكم كأنكم كل يوم قد عمدتم من جديد، يا أولادي في كل يوم جددوا عهد معموديتكم، جدد عهد المعمودية كأنكم اليوم قد عمدتم جديدا، جدد عهد معموديتك، قل له يا رب أريد أن أولد من فوق وأصبح إنسان جديد لك، وهذه النقطة الثالثة التي أريد أن أحدثك عنها ما الفرق بين معمودية المسيح ومعمودية يوحنا؟
٣- ما الفرق بين معمودية المسيح ومعمودية يوحنا؟ معمودية يوحنا كانت معمودية للتوبة، كانت معمودية لغسل الخطايا، لكن معمودية المسيح هذه معمودية الميلاد الجديد الفوقاني، هذه معمودية الولادة للمسيح، معمودية البنوة للمسيح، تأخذ بنوة للمسيح، نحن اليوم نجدد عهد معموديتنا بمعني أننا نجدد عهد بنوتنا لله، نجدد عهد ميلادنا الجديد الفوقاني، "الذي أنعم علينا بالميلاد الفوقاني بواسطة الماء والروح"، هذا الذي نحن نجدده اليوم يا أحبائي، هناك فرق كبير بين معمودية يوحنا ومعمودية المسيح، معمودية يوحنا تماما كمثل سر الاعتراف الآن، التوبة والاعتراف هذه معمودية يوحنا لكن معمودية المسيح هي الجذر، ما هو الجذر؟ حق البنوة للمسيح، حق البنوة للسماء، حق أنك أنت أصبحت جزء أصيل في الجسم المقدس، حق صليبه وقيامته، هذه معمودية المسيح، لم تعد أنت تغتسل من خطية فعلتها لا أنت أصبح ضميرك يغسل، وقلبك يغسل، وتنال نعمة البنوة بالميلاد الفوقاني، ليس فقط لتخلص من خطيتك لا بل تأخذ نعمة الميلاد الجديد ليس فقط تخلص من خطيتك ولكنك تأخذ طبيعة جديدة، لذلك يقول "إن كان أحد في المسيح يسوع فهو خليقة جديدة"، أنت خليقة جديدة، أنت تأخذ الآن نعمة خليقة جديدة، يا لسعادتك أنت مولود من السماء، أنت فيك ختم الروح، لقد أصبح من حقك أن تقول على نفسك أنك ابن المسيح إذ أعطيتنا نعمة البنوة، بغسيل الميلاد الفوقاني.
يا أحبائي معمودية يوحنا كانت باب لبركات لنا، معمودية يوحنا كانت مقدمة لكي نأخذ مفاعيل ومفاهيم كانت غامضة علينا قبل ذلك، لذلك يا أحبائي بالمعمودية تنال الاستنارة، بالمعمودية تأخذ قوة التوبة هي التي تدفعك دائما للتوبة ليس توبة مرة مثل معمودية يوحنا لا بل تجعل داخلك روح توبة متجدد، رفض للخطايا، فهم لكلمة الله، روح الله.
لذلك تلاحظ أن الإبركسيس الذي قرئ عليك اليوم فصل الخصي الحبشي، عن رجل تقي يحب الله ويريد أن يعرف عنه، فترك الحبشة وذهب إلى أورشليم، كي يسمع عن الله ويرى السجود ويرى الهيكل، وبينما هو في الطريق كان يركب على مركبة، هذا الرجل كان يعتبر أن هذه فترة مقدسة فجلس يقرأ في الكتاب المقدس، لكنه في الحقيقة وجد نفسه لا يفهم، فجاء فيلبس الرسول فقال له أنا أقرأ أمور لا أفهمها، فأنا أقرأ كلام يقول "كمثل شاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها". فهو عمن يتحدث؟ هذه أمور غامضة حقا ومن الصعب فهمها، يقول عن نفسه أم عن آخر؟!، الذي كتب هذا الكلام هو أشعياء، فهل أشعياء يقول هذا الكلام عن نفسه، بمعنى هل هو يقول أنا مثل شاة تساق إلى الذبح أم عن آخر؟ عن من؟ تتخيل يا أحبائي أنه عندما شرح له فيلبس وجد أن الشرح عليه صعب جدا، صعب، وجد أن الحل في المعمودية لكي تفهم لابد أن تأخذ الميلاد الفوقاني، لابد أن تأخذ الماء والروح، فقال لفيلبس هذا ماء ما الذي يمنع أن أعتمد؟!، أنت رسول وهذه مياه فهل هناك شيء يمنع ، قال له لا أبدا هيا بنا.
ففي العصور الأولى من الكنيسة يا أحبائي المعمودية كانت تتم في المياه الجارية، لكن عندما بدأ يكون هناك عصور اضطهاد لم تصبح المعمودية في المياه الجارية هكذا، في نهر، في وضح النهار - لا - بدأت تكون في أماكن مخفية، وبدأت في النهاية تتطور وتكون جزء من مبنى الكنيسة، في داخل الكنيسة، تكون في جنوب الكنيسة من الناحية الغربية إشارة لأن الشخص قادم ليقتبل الإيمان من الغرب لكي بعد ذلك يدخل على الشرق في نور المسيح، فنحن في عيد الغطاس نجدد عهد معموديتنا ونتذكر، نتذكر البركات التي لنا في المسيح يسوع، نتذكر الكنز الذي لنا في المسيح يسوع، نتذكر النعمة التي لنا في المسيح يسوع، لأنه عندما لا يتذكر الإنسان هذه البركة يا أحبائي يفقد أمور كثيرة جدا معها، يفقد بنوته لله، ويفقد غسل خطاياه، ويفقد نعمة أخذها ويفقد عمل الروح القدس داخله.
لذلك يا أحبائي لا تترك هذه الأيام تمر عليك وأنت لا تنتبه ماذا أخذت أنت؟، وماذا نلت؟ فأنت نلت، وأنت أخذت، وأنت تباركت، وأنت أخذت نصيب بركة في هذا العيد، أنت نزلت معه في الأردن، وأخذت نعمة بنوة جديدة، أنت سمعت الصوت من السماء الذي قال "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت".
ربنا يعطينا يا أحبائي في كل عيد وفي كل يوم أن نفهم مقاصد الله، وأن ندرك أن لنا بركات مخفية لنا فيها حقوق، وأن نطالب بها، وأن نصرخ من أجلها.
يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمة لإلهنا المجد دائما أبديا آمين.