الكنيسة والقديسين الجمعة الاولي من أبيب

بسم الآب والأبن والروح القدس إله واحد آمين . تحل علينا نعمته ورحمته وبركته الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور كلها آمين .
اليوم والغد يا أحبائي تحتفل الكنيسة برموز عظيمة من آبائنا القديسين، فاليوم تذكار نياحة القديس العظيم الأنبا شنودة رئيس المتوحدين وتذكار استشهاد القديس أغناطيوس الأنطاكي، وغداً نحتفل بعيد الأنبا بيشوي الرجل البار الكامل حبيب مخلصنا الصالح ونعيد أيضًا للقديس العظيم الأنبا كاراس .
كنيستنا يا أحبائي كنيسة قداسة، كنيسة قديسين عاشروا المسيح وأحبوه بصدق ليس مجرد كلام، لكن تركوا إلينا خطواتهم لكي ننظر إلى نهاية سيرتهم ونتمثل بإيمانهم، لذلك أود أن أقول لكم ثلاث نقاط صغيرة لكي ترى القداسة وهم:
١- مقابلة عشق بعشق.
٢- تطبيق عملي للإنجيل.
٣- علامات على الطريق.
أولا : مقابلة عشق ببعشق :-
القديس يوحنا سابا أو يقولون عليه الشيخ الروحاني يقول لك: "أولئك يا رب الذين أشرقت عليهم بشعاع من حبك لم يحتملوا السكنى بين الناس بل تركوا كل شيء وسعوا خلف الغني بحبه ساعة ما أدركوا مقدار محبته في قلبهم ما صبروا أن يبقوا في أفراح العالم لحظة واحدة". ساعه ما أدركوا مقدار محبته في قلوبهم ما صبروا أن يبقوا في أفراح العالم لحظة واحدة، أي أنهم تركوا الأب والأهل والأخوة والأصدقاء وصاروا يسعون في طريق الأتعاب بلا شبع يسرعون في حمل فضائلهم، الله أشرق عليهم بشعاع من حبه هم أيضا قاموا بمبادلة الحب بحب، فلم يحتملوا السكنى بين الناس، فهم يريدوا أن يبقى معهم بمفردهم.
هذه هي القداسة يا أحبائي، الأنبا شنودة رئيس المتوحدين طفل صغير، أرسله والده وهو صغير ليعمل في القطيع الذي يمتلكه خاله، والأنبا بيجول رجل تقي، يجعل الطفل الصغير يعمل معه، يقول أن الطفل كان يتصدق بطعامه على الرعاة منذ أن كان طفل صغير، ووالده لاحظ أن الطفل شنودة يعود إلى منزله في وقت متأخر، فذهب إلى خال الطفل الأنبا بيجول وقال له أنا أرسلت إليك الطفل الصغير فهو صبي صغير يعود إلي الساعة العاشرة مساءاً والساعة التاسعة مساءاً تمهل قليلاً على الطفل، لماذا تجعله يعمل لهذا الوقت المتأخر؟!، فأجابه لا، أنا لم أستبقيه لوقت متأخر، فهو يعمل بالكثير إلى الساعة الرابعة وأقول له تفضل بالذهاب إلى المنزل الساعة الثالثة أو الرابعة فهو طفل صغير، قال له لكنه لا يأتي الساعة الثالثة ولا الرابعة ولا الخامسة ولا حتى الساعة السادسة فهو يأتي بعد الساعة التاسعة فقال له كيف؟!، فقاموا بمراقبة الطفل وجدوا الطفل بمجرد أن يقول له خاله إذهب إلى المنزل الولد يذهب إلى كهف بعيد قليلاً يدخل ليصلي ولا يشعر بالوقت بالرغم أنه طفل صغير، وعندما كانوا يقوموا بمراقبته يقول لك وجدوا وجهه مضيء ووجدوا شعاع نار يخرج من أصابعه وهو طفل صغير، أولئك يارب الذين أشرقت عليهم بشعاع من حبك لم يحتملوا السكنى بين الناس، "شعاع من الحب".
ما هي حياة القداسة يا أحبائي؟! أبحث عن ماذا أعطاني الرب، وما المفترض أن أعطيه أنا، أنظر مقدار محبة الله لنا، من المفترض أنا أحبه إلى أي حد؟!، الحب يغير، مقابلة عشق بعشق، كان أبونا بيشوي كامل يقول لك من أجمل المناظر التي أراها هي قبر القديسة دميانة، الذي يقع في البراري، يقول لك أن فوق منه يوجد مذبح، فالمسيح مذبوح من أجل دميانة، ودميانة مذبوحة من أجل المسيح.
هكذا يا أحبائي كل شخص فينا، المسيح أحبنا، ذبح من أجلنا، ونحن أيضا يكون لدينا استعداد أن نذبح من أجله أو نحيا من أجله، من أجلك نمات كل النهار، هذه يا أحبائي حياة القداسة، مقابلة عشق بعشق، حب بحب فهي مبادلة، من أخطر الأشياء يا أحبائي أن الإنسان يكون بليد في محبته لله، لأنه غير مدرك ماذا فعل الله معه؟، وبلادة الحب تأتي بالكسل، وتأتي بانفصال في تنفيذ الوصية، وتجعل الصوم ثقيل، وتجعل الصلاة تكاد أن تكون معدومة بلادة الحب، فأين الحل؟! أدرك محبة الله في داخلك.
"ساعة ما أدركوا مقدار محبته في قلبهم ما صبروا أن يبقوا في أفراح العالم لحظة واحدة " .
إدراك محبة الله، ترك كل شيء، لماذا؟ لأنه وجد الجوهرة الغالية الكثيرة الثمن، وجد الكنز المخفي الذي يقول لك مضى وباع كل شيء لكي يقتنيه، هذا يا أحبائي جمال الحياة مع الله، اكتشف محبة الله لك، اكتشف فدائه، خلاصه، محبته، غفرانه، تجسده، صليبه، كل هذا من أجلي ومن أجلك، يالها من سعادة للشخص الذي شعر بمقدار محبة الله له، يا لسعادة الشخص الذي محبة الله ثابتة في داخله لا تتغير ولا تتشوه حسب الظروف. "ونحن بعد خطاه مات المسيح لأجلنا" البار من أجل الآثمة.
ثانياً : وصية عملية :-
الإنجيل يكون عملي، الإنجيل يا أحبائي لم يعطى لنا لمجرد المعرفة، لا بل الإنجيل للحياة، الإنجيل يا أحبائي لا لنعرف آيات ونقوم بحفظها ونعتبر أنفسنا أشخاص متفوقين في الإنجيل، الإنجيل ليغير حياتنا، هذا هدف الإنجيل، وهدف أي قراءة، أي دراسة في الإنجيل ليست للمعرفة فقط ولكن لتغيير الحياة، فهم أطاعوا الأنجيل، مثلما قال معلمنا بولس الرسول "شكراً لله لأنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها"، أطع من قلبك التعليم الذي يقال لك، كثيراً ما نسمع يا أحبائي لكن عند التنفيذ تجد حواجز كثيرة جدا جدا، وكثيراً جدا لا تكون لدينا رغبة في التغيير، نسمع ولكن نريد أن نظل كما نحن، ونري نماذج والكنيسة تعطي لنا نماذج لكن تجد نفسك تنظر إلى الخلف، ولا تريد أن تتغير يقول لك لا كن حذر.
القديس أغناطيوس الأنطاكي قديس اليوم هو الذي صار أسقف بعد معلمنا بطرس، هناك عصر معروف باسم عصر الآباء الرسوليين، من هم الآباء الرسوليين؟ هم الذين خلفوا الرسل مباشرة، مثل بوليكاربوس، أغناطيوس، هؤلاء الذين جاءوا بعد الرسل مباشرة، الملك وجد أن كرازته تتسع والكثير من الناس تدخل الإيمان، فقام بأغوائه وأغرائه، لكن دون جدوى، فأرسله لروما لكي يستشهد، وبالطبع شعبه كله كان يبكي فهو كان أسقف لم يكن رجل من عامة الشعب، فكروا أن يفعلوا شئ مثلما نحن بعقلنا البشري نريد أن نحل مشكلة، قالوا نعطي رشوة للجنود لكي يتركوه، فذهبوا بالفعل للتفاوض معهم عن النقود، والجنود لديهم استعداد أن يفعلوا أشياء مثل هذه من أيام السيد المسيح عندما أعطوهم رشوة لكي يقولوا أنهم أتوا ليلا وسرقوه، فموضوع الرشوة للحراس وللجنود كان معروف جدا، فقالوا نعطي الجنود رشوة لكي يطلقوا لنا القديس أغناطيوس، والقديس أغناطيوس علم بذلك، فمن المفترض بفكرنا البشري يكون سعيد ويقول أنظروا أولادي يريدوا أن ينقذوني، شكرا لهم كثيرا، ويصلي للرب لكي يتمم الموضوع ويخرج، ولكنه في الحقيقة غضب وقال لهم : "لا تصنعوا بي شفقة في غير موضعها، وأتركوني لأطحن، أتركوني لأنياب الوحوش، أريد أن أقدم خبز لله". يقول لك وأما أغناطيوس فكان متعطشا للاستشهاد، ما هذا الكلام؟ كان متعطشا للاستشهاد!، ويقول لك وهو مقيد وسائر في الموكب كان يقبل السلاسل، ما هذا يا أحبائي؟!، وصية عملية، مقابلة حب بحب، يعيش الأنجيل، ستجد الوصية ليست لمجرد المعرفة أو للذة العقلية أو للافتخار لا فهي للحياة.
لذلك يا أحبائي في هذه الأيام الكنيسة مثل الأم التي تعطي ابنها وجبة ضخمة جدا، تقول له "كل" أو مثل الولد الكسلان الذي يمسكوا يده ويجعلوه يجري، أو الولد الذي لا يفهم شيء يقول له تعال سوف أعطيك درس مخصوص تعالى وتعلم، ردد، هذه سير القديسين الموضوعة لنا يا أحبائي، لكي تقول لنا الكنيسة "انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم" كنيستك غنية، تعطيك نماذج حية، طفل صغير صار أب ورئيس جماعة الرهبان، قالوا لخاله الأنبا بيجول صلي له، قال لا هذا الولد هو الذي يضع يده علي، ليس أنا الذي أضع يدي عليه، وأمسك بيد شنودة وهو طفل صغير ووضعها على رأسه، قال له أنت ستصبح رئيس للمتوحدين وستصبح أب ومدبر لجماعة كبيرة من الرهبان، وبالفعل بنى أثنين من الأديرة، وكل دير يوجد به في المتوسط ألفين راهب، يقودهم ويعلمهم ويرشدهم لقد صار بركة كبيرة.
القديس أغناطيوس الأسقف والشهيد يترك نموذج لأبنائه حيث قال من الممكن وأنا حي ومتواجد مع أبنائي ألا يستفادوا مني، لكن من الممكن أن يستفادوا بموتي، من الممكن عندما يروني وأنا أقبل الاستشهاد بفرح أن حياتهم تتغير أكثر من العظات.
هذه يا أحبائي عظمة القديسين في كنيستنا، إنجيل عملي، لذلك لا توجد فضيلة تشتاق إليها، ويكون من الصعب عليك تنفيذها إلا ما تجد لها تطبيق عملي، "إذا أردت أن تكون كاملا إذهب بع كل أموالك وأعطيه للفقراء وتعالي أتبعني" وصية صعبة جداً، وأريد أن أفهمها وأن أشرحها وأن أعرف كيف أنفذها تجد الأنبا أنطونيوس، "ينبغي أن يصلى كل حين" كيف؟! تجد الأنبا بيشوي يشرحها، كيف يشرحها؟ فأنت تعلم ماذا كان يفعل لكي يصلي وجميعنا نعلم ورأينا الحبل النازل من قلايته، عندما يقول لك "أعطوا تعطوا" عندما يحدثك عن الرحمة تجد الأنبا إبرآم، عندما يقول لك "لم يحبوا حياتهم حتى الموت" وعندما يقول لك "عذبوا ولم يقبلوا النجاة"، يوجد ألوف من الشهداء وعلى رأسهم أميرهم القديس والشهيد مار جرجس ما هذا؟! كل وصية لديها التطبيق العملي لها، لذلك يقال أن أجمل شرح للآية هم القديسين، إنجيلنا مشروح بالقديسين ومعاش بالقديسين، "مشروح ومعاش".
ثالثاً : علامات علي الطريق :-
خطوات على الطريق أنا رأيت الآن أنهم يقابلوا عشق بعشق، وأعلم أنهم يقوموا بتطبيق ما جاء بالإنجيل، فأين أنا؟، أين نفسي، لابد أن أضع نفسي في الموضوع، ولكني يا رب بعيد جدا جدا، هذا الكلام صعب علي جدا، يقول لك أبدأ بداية صغيرة، بداية صغيرة جدا، بدلا من أنك بعيد عن الصلاة تماما أبدأ بالصلاة حتى وإن كان قليلاً، بدلا من أنك بعيد عن العطاء جداً وتعيش في أنانية نفسك، لا أبدأ اجتهد أنك تقوم بتجربة بركة العطاء، بدلاً من أنك تعيش للعالم وأفراحه وملذاته أبدأ أعرف كيف تعيش للمسيح، حتى ولو بمقدار بسيط والله يعطيك أن تذوق من حلاوته، علامات على الطريق، يقول لك تعالى سر خلفي، أنظر ماذا فعلت أنا، أنظر أنا كم تعرضت لضغوط، كم تعرضت لعذابات ولتهديدات ولإغراءات لكن كل هذه كانت بالنسبة لي لا شيء، لماذا؟! لأني كان هناك شيء أمام عيني هذا الذي يشغلني، هو الذي آخذ قلبي، آخذ فكري، فأصبحت هذه الأشياء لا تؤثر في، ولا تغير في قلبي كثير، ما هذا؟! هذا عمل المسيح يا أحبائي، وهذا هو جمال عمل المسيح في كنيسته، في أولاده، اجتهد اجتهد أن يكونوا هؤلاء ليسوا مجرد قديسين عاشوا فترة وقد انتهت حياتهم، لا، فحياتهم باقية.
لذلك الكنيسة تصنع لهم تذكارات باستمرار، لماذا هذه التذكارات، هي لنا يا أحبائي، لماذا تقرأ لنا الكنيسة السنكسار؟ لكي تقول لنا هيا أكملوه، فهو لا زال مفتوح ونحن نرى يا أحبائي في كل جيل أن الله يختار أشخاص أمناء يصبحون سنكسار مفتوح، والسنكسار لا ينتهي. ما هذا الموضوع؟! إن كل واحد منا مدعو لأن:
١- يقابل عشق بعشق.
٢- يكون إنجيل عملي.
٣- أن يكونوا علامات على الطريق.
تريد أن تسأل نفسك أين أنت؟ إذهب خلفهم، تريد أن تتشجع إذهب خلفهم، تريد أن تتعزى إذهب خلفهم، لذلك يا أحبائي ليس فقط نتشفع بالقديسين لكي يقوموا بعمل بعض الطلبات مثل النجاح، العمل، السفر للخارج، الزواج، لا فأنا أريد أن أقول له علمني الصلاة، علمني الجهاد، أفطمني من العالم، أفطمني من نفسي، أعطني شجاعة الاعتراف بك، فرحني بك، حببني فيك، حاول ألا تكون سير القديسين لمجرد أنك تستخدمهم في قضاء أمور أرضية أو زمنية، لا فهم موجودين لأمر أكبر من ذلك بكثير، إنهم يقولوا لك هيا تعالى خلفنا، لذلك الكنيسة تتزين بالقديسين وتجدهم موضوعين أمامك، لكي يقولوا لك هيا تعالى خلفنا، لماذا أنت جالس هكذا ولماذا هذا الكسل؟، فالكنيسة يا أحبائي تزين لنا بالقديسين، لكي يكونوا هم فرحتنا وبهجتنا.
ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائما أبديا آمين.