لِمَاذَا أنَا أُرْثُوذُكْسِي ؟

مِنْ سِفْر أعْمَال الرُّسُل بَرَكَاتُه عَلَى جَمِيعْنَا آمِين .. ﴿ وَكَانُوا يُوَاظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ . وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ . وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أيْدِي الرُّسُلِ . وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعاً وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكاً . وَالأمْلاَكُ وَالمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ . وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُوَاظِبُونَ فِي الهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ . وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الخُبْزَ فِي البُيُوتِ كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ . وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ ﴾( أع 2 : 42 – 47 ) سَنَتَحَدَّث عَنْ مَوْضُوع هَام وَهُوَ لِمَاذَا أنَا أُرْثُوذُكْسِي ؟ مُمْكِنْ شَخْص يِقُول أنَّهُ أُرْثُوذُكْسِي لأِنَّ عَائِلَتُه أُرْثُوذُكْسِيَّة وَلكِنْ لَيْسَ هذَا كِفَايَة وَعَلَى نَفْس المِقْيَاس مُمْكِنْ أحَد يَقُول أنَّهُ مَسِيحِي وَذلِك لأِنَّ عَائِلَتُه مَسِيحِيَّة وَلكِنْ المَفْرُوض أنْ يَكُون لِكُلَّ شَخْص إِخْتِبَار فِي حَيَاتُه الدَّاخِلِيَّة مَعَ رَبِّنَا يَسُوع فَأنْتَ أُرْثُوذُكْسِي لأِنَّ أهْلَك سَلَّمُوا لَك الأُرْثُوذُكْسِيَّة وَعَلَيْكَ أنْ تَحْيَا أُرْثُوذُكْسِي وَأنْ تَعِي لِمَاذَا أنْتَ أُرْثُوذُكْسِي وَأنْ تَكُون أمِيناً وَمُتَفَاعِلاً مَعَ أُرْثُوذُكْسِيِتَك وَسَنَتَحَدَّث عَنْ أرْبَعَة نِقَاط وَهُمْ :-
(1) الأُرْثُوذُكْسِيَّة تُقَدِّم الإِنْجِيل :-
لاَ يُوْجَد تَعْلِيم فِي الأُرْثُوذُكْسِيَّة إِلاَّ وَأسَاسُه الإِنْجِيل فَكُلَّ مَا تُرِيدْ أنْ تَحْيَاه فِي الإِنْجِيل تُقَدِّمُه لَك الأُرْثُوذُكْسِيَّة وَلاَ تُوْجَد عَقِيدَة وَلاَ يُوْجَد طَقْس وَلاَ مُنَاسْبَة وَلاَ صُوم فِي الأُرْثُوذُكْسِيَّة إِلاَّ وَأسَاسُه الإِنْجِيل .. وَلِهذَا فَإِنَّ عَقَائِد الكِنِيسَة الرَّئِيسِيَّة كُلَّهَا مِثْل التَّجَسُد .. الثَّالُوث .. الفِدَاء .. الصَّلِيب .. القِيَامَة .. المَجِئ الثَّانِي وَالدَيْنُونَة أسَاسْهَا وَيَنْبُوعْهَا مِنْ الإِنْجِيل وَلِهذَا فَإِنَّ كَلاَم الإِنْجِيل يَحْتَوِي عَلَى أفْكَار أُرْثُوذُكْسِيَّة .. وَأيْضاً الأسْرَار السَّبْعَة أسَاسْهَا مِنْ الإِنْجِيل وَالعِبَادَة وَالصَّلَوَات وَالأجْبِيَة أسَاسْهَا مِنْ الإِنْجِيل فَنَجِد أنَّ الأُرْثُوذُكْسِيَّة تُقَدِّم لَك الإِنْجِيل وَالكِنِيسَة كُلَّ يُوم تُقَدِّم فَصْل وَيُوْجَد القَطَمَارَس وَيَعْنِي* قَطْ * بِمَعْنَى * حَسَبْ * .. * مَارَس * بِمَعْنَى * نَصِيب * .. فَكُلَّ يُوم لَهُ قِرَاءَة مُعَيَّنَة يُطْلَق عَلَيْهَا * نَصِيب اليُّوم * مِنْ قِرَاءِة الإِنْجِيل .. وَصَلَوَات الأجْبِيَة أسَاسْهَا مِنْ الإِنْجِيل فَنَجِد المَزَامِير وَالأنَاجِيل وَأسَاس مَوَاقِيت الصَّلاَة مَأخُوذَة مِنْ الإِنْجِيل .. وَأيْضاً أسْرَار الكِنِيسَة أسَاسْهَا مِنْ الإِنْجِيل فَسِر المَعْمُودِيَّة أسَاسُه الإِنْجِيل ﴿ إِنْ كَانَ أحَد لاَ يُولَد مِنَ المَاء وَالرُّوح لاَ يَقْدِرُ أنْ يَدْخُل مَلَكُوت الله ﴾ ( يو 3 : 5 ) وَأيْضاً سِر الإِعْتِرَاف ﴿ إِنْ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أمِين وَعَادِل حَتَّى يَغْفِر لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرْنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ ﴾ ( 1يو 1 : 9 ) .. وَأيْضاً ﴿ وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَأتُونَ مُقِرِّينَ وَمُخْبِرِينَ بِأفْعَالِهِمْ ﴾ ( أع 19 : 18) .. وَيَقُول أحَد الآبَاء القِدِّيسِينْ ﴿ إِنَّنَا لاَ نَعْرِف الإِنْجِيل إِلاَّ مَشْرُوحاً بِالكِنِيسَة مُعَاشاً فِي الآبَاء ﴾ فَالكِنِيسَة تَنْشَغِل بِتَفْسِير الإِنْجِيل وَشَرْحُه وَتُقَدِّمُه لأِوْلاَدْهَا .. وَالمَنْجَلِيَّة فِي الكِنِيسَة تُمَثِّل فَمْ الْمَسِيح الَّذِي يُعَلِّمْ أوْلاَدُه وَكَأنَّ الإِنْسَان مَوْجُود مَعَ الْمَسِيح فِي مَوْعِظَة عَلَى الجَبَل أوْ يَجْلِس مَعَهُ فِي الهِيكَل وَهُوَ يُعَلِّمْ .. فَلاَ يُوْجَد طَقْس أوْ عَقِيدَة إِلاَّ وَيَنْبُوعْهَا الإِنْجِيل .. وَكُلَّ مَنْ أحَبَّ الإِنْجِيل وَجَد الأُرْثُوذُكْسِيَّة وَكُلَّ مَنْ أحَبَّ الأُرْثُوذُكْسِيَّة وَجَد الإِنْجِيل .. فَالإِنْسَان الأمِين لِلأُرْثُوذُكْسِيَّة يَشْعُر أنَّهَا تُقَدِّم لَهُ كُلَّ مَا يَحْتَاج .
(2) الأُرْثُوذُكْسِيَّة تُحَقِّق الآبَاء :-
إِنَّ آبَاءِنَا الرُّسُل هُمْ مُؤسِّسِي الكِنِيسَة الأُولَى وَلِهذَا نَجِد أنَّ المُؤمِنُون كَانُوا يُوَاظِبُون عَلَى تَعْلِيم الرُّسُل وَأيْضاً عِنْدَمَا نُوَاظِب عَلَى حُضُور الإِجْتِمَاعَات فَنَحْنُ أيْضاً نَتْبَع نَفْس هذَا التَّعْلِيم وَلِهذَا فَالنَّاس فِي الأُرْثُوذُكْسِيَّة لَهُمْ فِكْر وَاحِد وَذلِك لِوُجُود مَصْدَر وَاحِد يُعَلِّم الكُلَّ .. فَمِنْ أجْمَل الأُمور فِي الأُرْثُوذُكْسِيَّة وُجُود فِكْر وَاحِد .. وَأيْضاً المُوَاظَبَة عَلَى التَنَاوُل أي كَسْر الخُبْز .. وَعِنْدَمَا يَقُول فِي سِفْر أعْمَال الرُّسُل ﴿ كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَام بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَة قَلْبٍ مُسَبِّحِينَ الله ﴾( أع 2 : 46 – 47) .. فَهَلْ هذَا الطَّعَام الَّذِي يَجْعَل فِي الإِنْسَان بَسَاطِة قَلْب وَبَهْجَة وَيُسَبِّح الله طَعَام عَادِي ؟ وَلكِنْ هذَا يَعْنِي أنَّهُ سِر الإِفْخَارِسْتِيَا وَنَظَراً لأِنَّ البُرُوتُسْتَانْت لاَ يُؤمِنُوا بِالإِفْخَارِسْتِيَا وَأيْضاً لأِنَّ التَرْجَمَة بُرُوتُسْتَانْتِيَّة وَلِهذَا ذُكِرَ فِي الكِتَاب المُقَدَّس * كَسْر الخُبْز * بَدَل مِنْ الإِفْخَارِسْتِيَا الَّتِي هِيَ طَعَام رُوحِي وَهيَ الَّتِي تَجْعَل الإِنْسَان يُسَبِّح الله وَنُلاَحِظ أنَّ لَحَظَات التَنَاوُل هِيَ لَحَظَات تَسْبِيح وَفَرَح فَالكِنِيسَة تَعِيش عَلَى نَفْس نَهْج الآبَاء .. ﴿ لأِنَّهُ كَمَا كَانْ وَهكَذَا يَكُون مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيل ﴾ وَالكِنِيسَة تَمْتَد بِالإِنْسَان مِنْ عُصُور – مُنْذُ القِدَم حَتَّى الآنْ – فَنَجِد أنَّ طَقْس حُلُول الرُّوح القُدُس وَطَقْس وَضْع اليَدْ وَالإِخْتِيَار وَسُلْطَان غُفْرَان الخَطَايَا كُلَّ هذَا مَوْجُود حَتَّى الآنْ فَالكِنِيسَة تُقِيم أشْخَاص مُعَيَّنَة مَوْضُوع عَلِيهُمْ الأيْدِي وَفِيهُمْ نَفْخِة الرُّوح وَلَهُمْ سُلْطَان غُفْرَان الخَطَايَا .. فَالكِنِيسَة الأُرْثُوذُكْسِيَّة تَسِير مِنْ أيَّام السَيِّد الْمَسِيح حَتَّى الآنْ فِي خَطْ مُسْتَقِيم .. فَمَثَلاً كِنِيسِة دِير البَرَامُوس تَرْجِع إِلَى القَرْن الرَّابِع .. فَالإِنْسَان يَسِير عَلَى نَفْس نَهْج القَرْن الرَّابِع .. وَلِهذَا فَالكِنِيسَة الأُرْثُوذُكْسِيَّة كِنِيسِة آبَاء وَلَيْسَ كِنِيسَة جِدِيدَة أوْ مُسْتَحْدَثَة .. وَفِي سِفْر الأمْثَال يَقُول ﴿ لاَ تَنْقُل التُّخْمَ القَدِيمَ الَّذِي وَضَعَهُ آبَاؤُكَ ﴾ ( أم 22 : 28 ) فَعِنْدَمَا قَسَّمْ يَشُوع بْن نُون أرْض المِيعَاد عَلَى أسْبَاط إِسْرَائِيل بِالقُرْعَة كَانَ لِكُلَّ سِبْط جُزْء مِنْ الأرْض وَحَتَّى لاَ يَحْدُث نِزَاع عَلَى الأرْض وَضَعُوا تُخُوم أي حُدُود وَتَوَارَثَتْهَا الأجْيَال .. فَأنْتَ إِسْتَلَمْت مِنْ آبَاؤُك تُخُمْ أي مِيرَاث وَهيَ الأُرْثُوذُكْسِيَّة مُتَمَثِّلَة فِي الأجْبِيَة الأبْصَلْمُودِيَّة .. خُوَلاَجِي .. الأسْرَار .. أصْوَام وَالقِدِّيسِينْ .. مِنْ الجَمِيل أنْ تَعِيش فِي كِنِيسَة لَهَا جُذُور .. فَجُذُور الأُرْثُوذُكْسِيَّة تَمْتَد مِنْ العَهْد القَدِيم فَفِي العَهْد القَدِيم كَانَ الرَّبَّ يَأمُر بِوُجُود مَذْبَح لِتُقَدَّم عَلَيْهِ الذَّبَائِح .. ثُمَّ تَطَوَر المَذْبَح إِلَى الخِيمَة ثُمَّ بَعْد ذلِك تَطَوَر إِلَى هِيكَل ثُمَّ تَطَوَر كُلَّ ذلِك إِلَى كِنِيسِة العَهْد الجِدِيد .. فَذَبَائِح العَهْد القَدِيم مَا هِيَ إِلاَّ إِشَارَة لِذَبِيحِة الْمَسِيح الَّتِي تُقَدَّم الآنْ عَلَى المَذْبَح وَكَانَ يُوْجَد فِي العَهْد القَدِيم ذَبِيحَة مَسَائِيَّة لاَبُدْ أنْ تُقَدَّم فِي المَسَاء وَلكِنْ الآنْ تُوْجَد العَشِيَّة بَدَل الذَّبِيحَة المَسَائِيَّة .. فَالكَاهِن عِنْدَمَا يَضَع البُخُور فِي العَشِيَّة يَقُول لله ﴿ لأِنَّكَ أنْتَ هُوَ ذَبِيحِة المَسَاء الحَقِيقِيَّة ﴾ ..فَالبُخُور هُوَ صَلَوَات مَرْفُوعَة وَلِهذَا فَمَكَان البُخُور فِي الكِنِيسَة عَلَى المَذْبَح لأِنَّ البُخُور يَأخُذ قُوُّتُه مِنْ المَذْبَح وَالذَّبِيحَة .. وَلِهذَا فَالبُخُور الَّذِي هُوَ مَادَّة زَمَنِيَّة يَصِير صَلَوَات مَرْفُوعَة يُحْدِث تَأثِير غِير زَمَنِي أي رُوحِي .. وَنَجِد عِنْدَ رِسَامِة كَاهِن نُلاَحِظ أنَّ الكِنِيسَة تُصَلِّي قُدَّاس ثُمَّ يَضَع عَلَيْهِ اليَدْ مِنْ رُتْبَة أعْلَى مِثْل أُسْقُف أوْ بَطْرِيَرْك ثُمَّ يَقُول لَهُ ﴿ إِفْتَح فَمَك ﴾ .. وَيَنْفُخ فِي فَمُه وَيَقُول لَهُ أنْ يَقُول وَرَائُه ﴿ أنَا فَتَحْت فَمِي وَاجْتَذَبْت لِي رُوحاً ﴾ .. ثُمَّ يَفْتَح الكَاهِن المَرْسُوم فَمُه وَيَنْفُخ فِيهِ نَفْخِة الرُّوح القُدُس وَيَقُول ﴿ أنَا فَتَحْت فَمِي وَاجْتَذَبْت لِي رُوحاً ﴾ .. ثُمَّ يَضَع يَدَهُ عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُ كَاهِن عَلَى مَذْبَح الله فِي كَنِيسَة مُعَيَّنَة وَيَرْشِمُه بِالثَّلاَث رُشُومَات .. فَكُلَّ مَا يَحْدُث هذَا عِبَارَةعَنْ طَقْس .
(3) الأُرْثُوذُكْسِيَّة تَضْمَن الخَلاَص :-
مَا مِنْ شِئ يَحْتَاجُه الإِنْسَان مِنْ أجْل خَلاَص نَفْسُه إِلاَّ وَيَجِدُه فِي الأُرْثُوذُكْسِيَّة .. فَالإِنْسَان إِبْن آدَم وَحَوَّاء مَوْلُود بِالخَطِيَّة وَلكِنْ الآنْ الإِنْسَان وُلِدَ وِلاَدَة جَدِيدَة مِنْ فُوق .. وُلِدَ بِالمَاء وَالرُّوح بِحَسَبْ الإِنْجِيل ( يو 3 : 5 ) .. وَيَصِير الإِنْسَان إِبْن لِلسَّمَاء وَذلِك عَنْ طَرِيق المَعْمُودِيَّة ثُمَّ يَأخُذ المَيْرُون الَّذِي هُوَ خِتْم الرُّوح .. وَعِنْدَمَا يِكْبَر الإِنْسَان وَتَبْدأ الخَطِيَّة تِتْعِبُه فَكُلَّ الَّذِي عَلِيه أنْ يَتُوب وَيَعْتَرِف وَيِتْنَاوِل .. وَمُمْكِنْ يُقَع مَرَّة أُخْرَى فِيِرْجَع وَيَتُوب وَيِعْتِرِف وَيِتْنَاوِل .. وَلِهذَا نَقُول فِي القُدَّاس ﴿ لَمْ تَدَعْنِي مُعْوَزاً شَيْئاً رَبَطْتَنِي بِكُلَّ الأدْوِيَة المُؤدِيَة إِلَى الحَيَاة ﴾( جُزْء * حَوَّلْتَ لِيَ العُقُوبَةَ خَلاَصاً * فِي القُدَّاس الغِرِيغُورِي ) فَالكِنِيسَة لاَ تَطْمَئِنْ عَلَى الإِنْسَان إِلاَّ عِنْدَمَا يَكُون دَاخِل السَّمَاء .. وَعِنْدَ إِنْتِقَال أي شَخْص لِلسَّمَاء نَجِد أنَّ الكَاهِن يَتَضَرَّع وَيُصَلِّي لله قَائِلاً ﴿ إِفْتَح لَهَا يَارَب بَاب الفِرْدُوس كَمَا فَتَحْتَهُ لِلِّص اليِمِين إِفْتَح لَهَا يَارَب أبْوَاب الرَّاحَة لِتُرَتِل مَعَ كَافِة المَلاَئِكَة وَلِتُدْخِلْهَا مَلاَئِكَة النُّور إِلَى الحَيَاة .. إِغْفِر لَهَا جَمِيع خَطَايَاهَا الَّتِي فَعَلَتْهَا بِغَيْر مَعْرِفَة وَمَعْرِفَة لأِنَّكَ أنْتَ تَعْرِف ضَعْف البَشَرِيَّة ﴾ .. فَالكِنِيسَة تَتَشَفَع فِي هذِهِ النَّفْس وَلاَ تَسْكُت إِلاَّ عِنْدَمَا تَطْمَئِن أنَّ الله فَتَح لَهَا بَاب الفِرْدُوس وَعِنْدَمَا يِكْبَر الإِنْسَان يَكُون لَهُ مُيُول غَرِيزِيَّة وَعَاطِفَة فَنَجِد أنَّ الكِنِيسَة تُزَوِج أوْلاَدْهَا وَتَجْعَل الزِّيجَة سِر مُقَدَّس وَيَتَحِد الرَّجُل بِإِمْرَأتُه وَيَعِيش مَعَهَا العُمْر كُلُّه فَالكِنِيسَة لاَ تَتْرُك الإِنْسَان لِغَرَائِزُه وَلكِنْ تَرْفَعُه إِلَى مُسْتَوَى رُوحَانِي مُعَيَّن .. وَيُعْطِيه الله نَسْل مُبَارَك وَيَكُون هَدَفُه أنْ يَدْخُل هُوَ وَزَوْجَتُه وَأوْلاَدُه السَّمَاء .. فَالكِنِيسَة تُقَدِّم لَك مَوَائِد مُشْبِعَة .. كُلَّ مَا يَحْتَاجُه الإِنْسَان مِنْ رَاحَة وَسَلاَم وَمَعْرِفَة وَحِكْمَة وَتُوبَة تُقَدِّمُه الكِنِيسَة وَعِنْدَمَا نَقُول ﴿ فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي إِلَى مِيَاة الرَّاحَة يُورِدَنِي ﴾ ( مز 23 : 2 ) .. فَفِي القِدَم كَانَ رُعَاة الغَنَم يَعِيشُوا فِي مَنَاطِق لَيْسَ فِيهَا خُضْرَة وَكَانُوا يَبْحَثُوا عَنْ مَكَان أخْضَر لِتَأكُل فِيهِ الغَنَم وَعِنْدَمَا يَجِدُوا هذَا المَكَان وَيَذْهَبُوا إِلِيه يَجِدُوا كُلَّ رُعَاة الغَنَم فِي نَفْس هذَا المَكَان فَكَانُوا يِعْمِلُوا جَدْوَل أوْ يَتِمْ تَأجِير المَكَان .. فَعِبَارِة * مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي * تَعْنِي أنَّ الكِنِيسَة تَجْعَل الإِنْسَان مُقِيم دَائِماً فِيهَا .. فِي أي وَقْت يَسْتَطِيع أنْ يَأكُل وَلاَ يُوْجَد مَوَاعِيد لِهذَا الأكْل وَهذَا هُوَ سِر الإِفْخَارِسْتِيَا وَكَلِمَة * الإِفْخَارِسْتِيَا * تَعْنِي * نِعْمَة حَسَنَة * .. فَالكِنِيسَة تُعْطِي لِلإِنْسَان النِّعْمَة الحَسَنَة وَتَضْمَن لَهُ الخَلاَص مَهْمَا كَانْ سَيِّئ .. فَكُلَّ مَا عَلَى الإِنْسَان أنْ يَتُوب وَيَعْتَذِر لِلكِنِيسَة المُمَثَّلَة فِي الكَاهِن بِقَلْب مُنْسَحِق فَيَقْرأ لَهُ الكَاهِن التَّحْلِيل .. ثُمَّ عِنْدَمَا يَأخُذ الحِل مِنْ الخَطِيَّة يِتْنَاوِل وَيَأخُذ خِتْم الفَرَح وَهذَا مَا تُقَدِّمُه الكِنِيسَة فَفِي أيَّام فُلْك نُوح كُلَّ الَّذِي دَخَلَ الفُلْك خَلُص وَكُلَّ مَنْ كَانَ خَارِج الفُلْك هَلَك .. وَتُوْجَد قِصَّة فِي الكِتَاب المُقَدَّس وَهيَ قِصِّة رَاحَاب الزَّانِيَة .. عِنْدَمَا أرْسَل يَشُوع بْن نُون رَجُلَيْن جَاسُوسَيْن لِيَتَجَسَّسُوا أرْض أرِيحَا فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا رَاحَاب الزَّانِيَة وَخَبَّأتْهُمَا فِي بَيْتِهَا وَقَالَتْ لَهُمَا أنَّ الرَّب قَدْ أعْطَاهُمَا الأرْض وَأنَّ رُعْبُهُمْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهُمْ وَأنَّ جَمِيع سُكَّان الأرْض ذَابُوا مِنْ أجْلُهُمْ .. وَقَالَتْ لَهُمَا أنَّ الله سَيُعْطِيهُمْ الأرْض وَهيَ لاَ تُرِيدْ أنْ تَهْلَك هِيَ وَعَشِيرَتْهَا .. فَقَالَ لَهَا الرَّجُلاَن أنْ تَدْخُل هِيَ وَعَشِيرَتْهَا وَتُغْلِق البَاب وَتَضَع حَبْل قُرْمُزِي مِنْ عَلَى الكُوَّة .. فَفِي سِفْر يَشُوع نَجِد أنَّ الرَّجُلاَن قَالاَ لَهَا ﴿ إِجْمَعِي إِلَيْكِ فِي البَيْت أبَاكِ وَأُمَّكِ وَإِخْوَتَكِ وَسَائِر بَيْتِ أبِيكِ .. فَيَكُونُ أنَّ كُلَّ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ أبْوَابِ بَيْتِكِ إِلَى خَارِجٍ فَدَمُهُ عَلَى رَأسِهِ وَنَحْنُ نَكُونُ بَرِيئَيْنِ .. وَأمَّا كُلُّ مَنْ يَكُونُ مَعَكِ فِي البَيْتِ فَدَمُهُ عَلَى رَأسِنَا إِذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ يَد ﴾( يش 2 : 18 – 19) .. فَبَيْت رَاحَاب يُمَثِّل الكِنِيسَة كُلَّ مَنْ يَدْخُل فِيهِ وَيُغْلِق عَلِيه البَاب وَعَلاَمِة دَم الْمَسِيح تَحْمِيه أي الحَبْل القُرْمُزِي .. لاَ يَخَاف فَهُوَ فِي أمَان .. وَكُلَّ مَنْ يَكُون خَارِج هذَا البَيْت فَهُوَ مَسْئُول عَلَى نَفْسُه .. دَمُه عَلَى رَأسُه .. فَالكِنِيسَة تُطَمْئِن الإِنْسَان أنَّهُ بِإِسْم يَسُوع الْمَسِيح وَبَرَكِة الكِنِيسَة سَيَخْلُص .. فَلاَبُدْ أنْ يَعِيش الإِنْسَان فِي الكِنِيسَة وَهُوَ يَشْعُر بِالفَرَح .
(4) الأُرْثُوذُكْسِيَّة تُهَيِّئ لِلأبَدِيَّة :-
كُلَّ مُمَارَسَات الحَيَاة الأُرْثُوذُكْسِيَّة هِيَّ عِبَارَة عَنْ بُرُوڤة لِلسَّمَاء كُلَّ مَا يَكُون الإِنْسَان أمِين لِلأُرْثُوذُكْسِيَّة كُلَّ مَا يُتْقِنْ الحَيَاة السَّمَاوِيَّة .. فَالحَيَاة السَّمَاوِيَّة عِبَارَة عَنْ تَسْبِيح دَائِم وَالوُجُود الدَّائِم فِي حَضْرِة الله .. وَهذَا مَا تُقَدِّمُه الأُرْثُوذُكْسِيَّة الوُجُود الدَّائِم مَعَ الله وَالتَّسْبِيح الدَّائِم .. فَالنَّاس فِي السَّمَاء يَكُونُوا فِي وُجُود دَائِم مَعَ الله وَلاَ يَمَلُّوا وَذلِك لأِنَّهُمْ مُدَرَبِينْ عَلَى الوُجُود فِي حَضْرِة الله .. وَلِهذَا نَجِد أنَّ الأُرْثُوذُكْسِيَّة تُحَاوِل أنْ تَجْعَل الإِنْسَان يَقِفْ أمَام الله أطْوَل وَقْت مُمْكِنْ فَتَعْمَل صَلَوَات طَوِيلَة فَإِذَا عَمَلِتْ الكِنِيسَة عَكْس ذلِك تَكُون كَأنَّهَا تُدَرِّب الإِنْسَان عَلَى شِئ ثُمَّ يُفَاجَأ بِالحَقِيقَة وَهيَ شِئ آخَر فَنَفْس سِمَات الحَيَاة السَّمَاوِيَّة تُعْطِيهَا الكِنِيسَة لَنَا .. وَلِهذَا فَألْحَان الكِنِيسَة لَهَا نَغَمْ حَتَّى يَقِفْ الإِنْسَان أطْوَل وَقْت أمَام الله وَكُلَّ كَلِمَة فِي القُدَّاس مُنَغَمَة .. فَالكِنِيسَة تُهَيِّئ لِلأبَدِيَّة .. ﴿ كَمَا فِي السَّمَاء كَذلِك عَلَى الأرْض ﴾وَنُلاَحِظْ أنَّ الكِنِيسَة لَهَا قِبَاب مُرْتَفِعَة لُونْهَا سَمَاوِي وَأيْضاً يُوْجَد فِيهَا نَوَافِذ تُطِل عَلَى السَّمَاء وَكَأنَّهَا تُرِيدْ أنْ تُذَكِّر الإِنْسَان أنَّهُ لَيْسَ عَلَى الأرْض بَلْ فِي السَّمَاء وَتُزَوِد فِيهِ إِشْتِيَاقَاتُه نَحْو الأبَدِيَّة .. فَهُنَاك أُمور مُشْتَرَكَة بَيْنَ السَّمَاء وَالكِنِيسَة مِنْهَا :-
1. السَّمَاء وَهيَ عَرْش الله وَأيْضاً فِي الكِنِيسَة يُوْجَد العَرْش الإِلهِي المَوْجُود فِي حِضْن الآب .
2. الأرْبَع حَيَوَانَات غِير المُتَجَسِدِين .
3. المَلاَئِكَة .. وَنُلاَحِظْ أنَّ الشَّمَاس يَلْبِس أبْيَض لأِنَّهُ مِثْل المَلاَك .
4. المَجَامِر المَمْلُوءَة بُخُور الَّذِي هُوَ صَلَوَات القِدِّيسِينْ .
5. التَّسْبِيح .
6. القِدِّيسِينْ .
7. الأرْبَعَة وَعِشْرُون قِسِّيس وَنَجِد فِي الكِنِيسَة الكَهَنُوت فَالكِنِيسَة تَبْدُو كَأنَّهَا قِطْعَة مِنْ الأرْض وَلكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الأرْض .. فَأنْتَ فِي مَكَان هُوَ سِفَارِة السَّمَاء عَلَى الأرْض .. كُلَّ مَا فِي الكِنِيسَة سَمَاوِي وَلَيْسَ أرْضِي حَتَّى يِزَوِد إِشْتِيَاقَاتَك لِلسَّمَاء فَتَخْرُج وَأنْتَ لاَ تَنْسَى أنَّكَ إِبْن لِلسَّمَاء فَتَسْلُك سُلُوك السَّمَائِيِّين حَتَّى تَصِل إِلَى السَّمَاء فَالكِنِيسَة تُقَدِّم لَك شَرِكَة الحَيَاة السَّمَاوِيَّة وَتُوَحِدَك مَعَ السَّمَائِيِّين .. مَعَ إِشْتِيَاقَاتِهِمْ .. وَمَعَ حَيَاتْهُمْ وَتُصْبِح لَك نَفْس أهْدَافْهُمْ وَمِنْ المُؤسِف أنْ يَكُون الإِنْسَان أُرْثُوذُكْسِياً شَكْلاً .. وَمِنْ المُؤسِف أنْ يَكُون أُرْثُوذُكْسِي وَلاَ يَعْلَم كَيْفَ يَسْلُك كَأُرْثُوذُكْسِي .. فَيَجِبْ عَلَى الإِنْسَان أنْ يَعِيش أُرْثُوذُكْسِي وَيَفْرَح بِالكِنِيسَة وَالعِبَادَة وَالأصْوَام وَالصَّلَوَات وَأنْ يَكُون أمِين فِي كُلَّ مُمَارْسَة فِي الأُرْثُوذُكْسِيَّة .. فَالأُرْثُوذُكْسِيَّة طَرِيق مَضْمُون لِنَوَال الحَيَاة الأبَدِيَّة .. وَاسْأل القِدِّيسِينْ مِثْل الأنْبَا أنْطُونْيُوس وَالأنْبَا مَقَّار وَالأنْبَا بِيشُوي فَهُمْ عَاشُوا فِي نَفْس المَذْبَح وَتَنَاوْلُوا مِنْ نَفْس الذَّبِيحَة وَقَالُوا ألْحَان مِثْل ألْحَانَك .. وَإِذَا كَانَ هذَا الزَّمَنْ بِعِيد إِسْأل البَابَا كِيرِلُس السَّادِس فَيَقُول لَك أنَّهُ دَخَلَ السَّمَاء وَصَارَ قِدِيس بِالأجْبِيَة وَالأبْصَلْمُودِيَّة وَالخُولاَجِي وَالقُدَّاسَات وَالعَشِيَّة .. فَكُلَّ مَنْ يَحْيَا بِأمَانَة فِي الأُرْثُوذُكْسِيَّة فَهُوَ يَضْمَن الخَلاَص فَعِيش أُرْثُوذُكْسِيَّة أمِينَة وَافْرَح بِعَطِيِة رَبِّنَا لِينَا .. وَمِنْ غِنَى عَطِيِة الله أنَّهُ أنْشَأنَا فِي كِنِيسَة فِيهَا مَذْبَح .. ألْحَان .. قُدَّاسَات .. عِظَات .. آبَاء وَأسْرَار .. فَاشْكُر الله فَهذِهِ عَطَايَا لاَ يُعَبَّر عَنْهَا رَبِّنَا قَادِر أنْ يَجْعَلْنَا أنْ نَحْيَا حَسَبْ فِكْر الآبَاء وَنُوَاظِبْ عَلَى تَعْلِيم الرُّسُل وَالشَرِكَة وَكَسْر الخُبْز وَالصَّلَوَات لِكَيْ تَكُون الكِنِيسَة مُمْتَدَّة مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيل رَبِّنَا يِكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيِسْنِد كُلَّ ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه وَلإِلهْنَا المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين