مراحل فى حياة يوسف الصديق

Large image

التَطَابُق بَيْنَ يُوسِف الصِّدِّيق وَالمَسِيح لَهُ المجد تَطَابُق عَجِيب وَمُذْهِل حَتَّى أنَّكَ قَدْ تَضْع إِسم يُوسِف الصِّدِّيق بَدَلاً مِنْ إِسم السَيِّد المَسِيح أوْ العكس وَلاَ تَجِد فرق .. عِنْدَمَا يَسْرِد الكِتاب قِصَّة بِكُلَّ تَفَاصِيلهَا الكَثِيرة يَكُون لَهُ قَصد مِنْ ذلِك فَمَثَلاً قِصَّة خُطُوبِة إِسحق لِرِفقة أخَذِت مِنْ الكِتاب أصْحَاح .. أيضاً قِصَّة فِطَام إِسحق أخَذِت أصْحَاح .. لأِنَّ الكِتاب لَهُ قَصْد مِنْ ذلِك .. أمَّا قِصَّة يُوسِف الصِّدِّيق فَهيَ فِي ثَلاَثة عَشر أصْحَاح مِنْ سِفر التَكوِين مِنْ أصْحَاح 37 إِلَى 50 .
مِنْ سِفر التَكوِين 37 : 5 – 11 { وَحَلُمَ يُوسُفُ حُلْماً وَأخْبَرَ إِخْوَتَهُ . فَازْدَادُوا أيضاً بُغْضاً لَهُ . فَقَالَ لَهُمْ اسْمَعُوا هذَا الحُلْمَ الَّذِي حَلُمْتُ . فَهَا نَحْنُ حَازِمُونَ حُزَماً فِي الحَقْلِ . وَإِذَا حُزْمَتِي قَامَتْ وَانْتَصَبَتْ فَاحْتَاطَتْ حُزَمُكُمْ وَسَجَدَتْ لِحُزْمَتِي . فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ ألَعَلَّكَ تَمْلِكُ عَلَيْنَا مُلْكاً أمْ تَتَسَلَّطُ عَلَيْنَا تَسَلُّطاً . وَازْدَادُوا أيضاً بُغْضاً لَهُ مِنْ أجْلِ أحْلاَمِهِ وَمِنْ أجْلِ كَلاَمِهِ . ثُمَّ حَلُمَ أيضاً حُلْماً آخَرَ وَقَصَّهُ عَلَى إِخْوَتِهِ . فَقَالَ إِنِّي قَدْ حَلُمْتُ حُلْماً أيْضاً وَإِذَا الشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَأحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً سَاجِدَةٌ لِي . وَقَصَّهُ عَلَى أبِيهِ وَعَلَى إِخْوَتِهِ . فَانْتَهَرَهُ أبُوهُ وَقَالَ لَهُ مَا هذَا الحُلْمُ الَّذِي حَلُمْتَ . هَلْ نَأتِي أنَا وَأُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ لِنَسْجُدَ لَكَ إِلَى الأرْضِ . فَحَسَدَهُ إِخْوَتُهُ . وَأمَّا أبُوهُ فَحَفِظَ الأمْرَ } .
هَلْ كَانَ مِنْ حَقٌّ يُوسِف أنْ يَقُص أحْلاَمه عَلَى إِخْوَته ؟؟ نَعْم أم لاَ ؟ الفرق بينَ نَعْم وَلاَ هِيَ كَلِمة رَكِّز عَلَيْهَا الآباء وَهيَ الدَّافِع .. مَا هُوَ دَافِع يُوسِف مِنْ قَصِّةِ الأحْلاَم عَلَى إِخْوَته ؟ كَانَ دَافِعْه بَسِيط .. رُبَّمَا كَانَ يَشْعُر أنَّهُ فِي يَوْمٍ مَا سَيَكُون ذُو مَرْكز مَرمُوق أوْ قَدْ يَكُون قَصْده أنْ يِفَرَّح إِخْوَته .. وَلكِنْ .. مَا كَانَ دَافِعْه هُوَ التَعَالِي عَلَى إِخْوَته أبَداً .. وَلكِنْ حَقِيقَةً لَمْ يَفْهَمه إِخْوَتَهُ لِذلِك لَمْ يَكُنْ مِنْ الحِكمة أنْ يَقُص عَلَيْهُمْ حِلْمه الثَّانِي لأِنَّهُ رَأى تَعْبِيراتِهِمْ وَتَعْلِيقَاتِهِمْ عَلَى حِلْمه الأوَّل .
الآباء يَقُولُون مُبَاركة السَيِّدة العذراء الَّتِي كَانْت تَحْفظ الأُمور مُتَفَكِّره بِهَا فِي قَلْبِهَا أي كَانْت مُحْتَفِظة بِهَا لِنَفْسِهَا .. يُوسِف كَانَ يَتَكَلَّم فِي بَسَاطة لكِنْ لاَبُد مِنْ الحِكمة مَعَ البَسَاطة لأِنَّ أبِيهِ حَزِنَ مِنْهُ وَإِخْوَتَهُ حَسَدُوه وَلكِنْ لِعِظمْ مَحَبَّة أبِيهِ لَهُ حَفِظَ الأمر فِي قَلْبه وَجَعَلَهُ مَعْلُومة دَاخِله لَعَلَّهَا تَتَحَقَّق .. وَلكِنْ بعد ذلِك تَعَلَّم يُوسِف أنْ لاَ يَتَكَلَّم كَثِيراً فَهَلْ سَمِعْنَاه يَحْكِي قِصَّتَهُ فِي بَيْت فُوطِيفار ؟ .. لاَ .. سَألوه مَنْ أنْتَ ؟ أجَابَ أنَا عِبْرَانِي .. لِمَاذَا جِئت إِلَى هُنَا ؟ لأِنِّي مُباع .. مَنْ بَاعك ؟ تَرْتِيب مِنْ الله .
أيضاً فِي السِجن وَسْط الظُرُوف القَاسِية بَدَأَ يَتَحَدَّث مَعَ السُجَنَاء فَسَألوه سؤال صَرِيح مَا هِيَ قِصِّتك ؟ أجَابَهُمْ بِكَلِمَتان { لأِنِّي قَدْ سُرِقْتُ مِنْ أرْضِ العِبْرَانِيِّينَ } ( تك 40 : 15) وَلِيفهمْ مَنْ سَألَهُ كَمَا يَفْهمْ وَسَألوهُ أيضاً لِمَاذَا أتيت إِلَى هَهُنَا ؟ أجَابَهُمْ { وَهُنَا أيضاً لَمْ أفْعَلْ شَيْئاً حَتَّى وَضَعُونِي فِي السِّجْنِ } ( تك 40 : 15) .. لَمْ يَحْكِي قِصَّة زَوْجة فُوطِيفار .. أنَا وُضِعْت فِي السِجن ظُلْم .. مَنْ ظَلَمك وَلِمَاذَا ؟ لَمْ يَقُل شِئ حَتَّى لاَ يَزدَاد الأمر عَلَيْهِ سُوء .. جَيِّد هُوَ الإِنْسَان الَّذِي يَعْرِف مَتَى يَتَكَلَّم وَمَتَى يَصمُت .. وَإِنْ تَكَلَّم يَعْرِف مَا يَقُول حَتَّى لاَ يَقْع فِي أخْطَاء .. أُصمُت بِحِكمة وَتَكَلَّمْ بِحِكمة .

أوَّلاً : يُوسِف مَعَ إِخْوَتَهُ :0
==============================
أوِّل مَا تَكَلَّمْ الكِتاب عَنْ يُوسِف كَانَ عُمْره حَوَالِي سَبْعة عَشَرَ سَنْة وَكَانَ إِخْوَته أكبر مِنْهُ وَهُمْ مسئُولُون عَنْ كُلَّ عَمْل الرِعَاية الَّتِي لأِبِيهِمْ فَكَانُوا رُعَاة أغَنَام وَكَانْت الأغَنَام تَحْتَاج لِمَرَاعِي خَضرَاء وَهُمْ يَسْكُنُون حَبرُون وَلَمْ يَكُنْ بِحرمُون مَرَاعِي خَضرَاء كَثِيرة فَكَانَ الرُعَاة يَتَنَاوَبُون عَلَى المَرَاعِي .. وَلَمْ يَسْتَرِح أولاد يَعْقُوب لِهذَا الأمر لإِحْتِيَاجِهِمْ لِمَرَاعِي أكبر فَكَانُوا يَذْهَبُون لِمَدِينة مُجَاوِرة لَهُمْ وَهذَا الأمر كَانَ يَتَطَلَّب مِنْهُمْ أنْ يُقِيمُوا فِي هذِهِ المَدِينة لِفِترة وَكَانِت هذِهِ المَدِينة تُسَمَّى شَكِيمَ الَّتِي كَانْت قَدْ حَدَثت بِهَا مُشكِلة بِسَبب دِينَا إِبنة يَعْقُوب عِنْدَمَا خَرَجِت لِتَرَى بَنَات الأرْض فَسَقَطت فِي الخَطِيَّة مَعَ أحد رِجَالهَا وَعِنْدَمَا أرَادَ هذَا الرَّجُل أنْ يُصْلِح الأمر وَيَتَزَوَّجهَا طَلْب إِخْوَتهَا مِنْهُ أنْ يُخْتَتَنْ هُوَ وَكُلَّ رِجَال المَدِينة وَبِالفِعل تَمَّ خِتَانهُمْ وَبينَمَا هُمْ مُتَوَجِعُون قَامَ إِخْوَة دِينَا عَلَيْهِمْ وَقَتَلُوهُمْ .
إِذاً فَهُناك مُشكِلة وَثَأر مَعَ أهْل شَكِيمَ .. وَظَلَّ يَعْقُوب فِي حَبرُون قَلِق عَلَى أولاده فِي شَكِيمَ فَأرْسل إِليهِمْ يُوسِف وَكَانَ أمِيناً جِدَّاً فَذَهَبَ وَرَاءَهُمْ إِلَى شَكِيمَ وَلَمْ يَجِدَهُمْ فَسَألَ عَلَيْهِمْ .. { فَأرْسَلَهُ مِنْ وَطَاءِ حَبْرُونَ فَأتَى إِلَى شَكِيمَ . فَوَجَدَهُ رَجُلٌ وَإِذَا هُوَ ضَالٌّ فِي الحَقْلِ . فَسَألَهُ الرَّجُلُ قَائِلاً مَاذَا تطْلُبُ . فَقَالَ أنَا طَالِبٌ إِخْوَتِي . أخْبِرْنِي ايْنَ يَرْعَوْنَ . فَقَالَ الرَّجُلُ قَدِ ارْتَحَلُوا مِنْ هُنَا . لأِنِّي سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ لِنَذْهَبْ إِلَى دُوثَانَ . فَذَهَبَ يُوسُفُ وَرَاءَ إِخْوَتِهِ فَوَجَدَهُمْ فِي دُوثَانَ } ( تك 37 : 14 – 17 ) .. لأِنَّهُ لَوْ عَادَ إِلَى أبِيهِ وَقَالَ إِنَّهُ لَمْ يَجِدهُمْ فِي شَكِيمَ سَيْزدَاد قَلْق يَعْقُوب عَلَى أولاَده .. لكِنْ تَخَيَّل أنَّهُ ذَهَبَ إِليهِمْ فِي لَهْفة لِيَطمَئِن عَلَيْهِمْ .
أمَّا هُمْ { فَلَمَّا أبْصَرُوهُ مِنْ بَعِيدٍ قَبْلَمَا اقْتَرَبَ إِليْهِمِ احْتَالُوا لَهُ لِيُمِيتُوهُ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ هُوذَا هذَا صَاحِبُ الأحْلاَمِ قَادِمٌ . فَالآنَ هَلُمَّ نَقْتُلْهُ وَنَطْرَحْهُ فِي إِحْدَى الآبَارِ وَنَقُولُ وَحْشٌ رَدِئٌ أكَلَهُ } ( تك 37 : 18 – 20 ) .. المفرُوض إِنَّهُ أتَى لِيَطمَئِن عَلَيْهِمْ أمَّا هُمْ فَإِحْتَالُوا لِيَقتِلوه وَيَضَعُوه فِي بِئرٍ .. { فَسَمِعَ رَأُوبَيْنُ وَأنْقَذَهُ مِنْ أيْدِيهِمْ . وَقَالَ لاَ نَقْتُلُهُ } ( تك 37 : 21 ) .. وَاضِح أنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أمْسَكوه وَهُمْ يُفَكِّرُون فِي قَتْلِهِ لكِنْ رَأُوبَيْنُ أنْقَذَهُ مِنْ أيدِيهِمْ وَطَلَبَ مِنْهُمْ ألاَّ يَقْتِلُوه .
{ وَقَالَ لَهُمْ رَأُوبَيْنُ لاَ تَسْفِكُوا دَماً . اِطْرَحُوهُ فِي هذِهِ البِئرِ الَّتِي فِي البَرّيَّةِ وَلاَ تَمُدُّوا إِليْهِ يَداً . لِكَيْ يُنْقِذَهُ مِنْ أيْدِيهِمْ لِيَرُدَّهُ إِلَى أبِيهِ } ( تك 37 : 22 ) .. يُوسِف أمِين لأِخْوَتِهِ وَمُحِب لَهُمْ لكِنْ أحْلاَمه وَتَميِيز أبِيهِ لَهُ وَمَحَبَّته كَانْت مَسَار حَسْد إِخْوَته فَكَانَ يُوسِف مَجال بُغْضة لَهُمْ .. يَجِب عَلَى الإِنْسَان أنْ يُقَدِّم مَحَبَّة لِمَنْ حَوْله مَهمَا كَانِت مَشَاعِرْهُمْ .. يُوسِف كَانَ يَعْلم حَسَد إِخْوَته لكِنَّهُ كَانَ يُطَبِّق عَمْل المَحَبَّة الَّتِي لاَ تَطْلُب مَا لِنَفْسَهَا .. لاَ تَجْعل مَحَبِّتك مَشرُوطة بِمَنْ يَرُد لَكَ مِثْلَهَا .
تُرْيَ مَا هُوَ مَوقِف رَأُوبَيْنُ ؟ بِالطبع مَوقِف سَلْبِي .. نَعْم هُوَ لَمْ يُرِد أنْ يُقتل يُوسِف وَأرَادَ أنْ يُعِيده لأِبِيهِ لكِنَّهُ خَافَ مِنْ إِخْوَتَهُ .. أحياناً نَكُون ضِد الخَطأ وَلكِنَّنَا نُسَايِر الموقِف لأِنَّنَا لاَ نْسَتَطِيع أنْ نَقِف ضِدَّه .. لاَ .. لاَ تَكُنْ مَعَ رَأُوبَيْنُ المُتَرَدِّد .. لاَ تَكُنْ الشَخْصِيَّة الَّتِي بِهَا الحَقٌّ مَكْتُوم بَلْ قُلْ رَأيك وَتَمَسَّك بِهِ مَادَامَ حَقٌّ حَتَّى وَإِنْ وَضَعُوك فِي البِئر مَعَ يُوسِف .
اليَوْم تُعَيِّد الكِنِيسة لِلقِدِيس يُوحَنَّا ذَهَبِيَّ الفم وَيُحْكَى عَنْهُ أنَّ الإِمبرَاطُورة فِي عَهْده طَمَعِت فِي أرْض مِلْك لِسَيِّدة فَقِيرة فَجَاءت المرأة الفَقِيرة لِلقِدِيس يُوحَنَّا تَشْكِي لَهُ الإِمبرَاطُورة وَحَاوِل القِدِيس أنْ يُرْجِع الإِمبرَاطُورة عَمَّا فَعَلَتهُ مَعَ هذِهِ المرأة لكِنَّهَا رَفَضِت فَحَرَمهَا مِنْ دُخُول الكِنِيسة وَالتَنَاوُل .. كَانَ يُمْكِنْ أنْ يَقُول أنَّهَا إِمبرَاطُورة لاَ أسْتَطِيع أنْ أقِف ضِدَّهَا .. لكِنْ القِدِيس يُوحَنَّا كَانَ الحَقُّ دَاخِله وَاضِح فَأعْلَنَهُ لَهَا وَلَمْ يَعْبأ بِسُلطِتهَا .
وَضْع أولاد يَعْقُوب أخِيهِمْ يُوسِف فِي البِئر وَيَقُول عَنْهُمْ الكِتاب أنَّهُمْ { جَلَسُوا لِيَأكُلُوا } ( تك 37 : 25 ) .. هذَا مَا حَدَثَ مَعَ رَبَّ المجد يَسُوع الَّذِي وَضَعَهُ إِخْوَتَهُ اليَهُود فِي البِئر أي القبر ثُمَّ جَلَسُوا لِيَأكُلُوا .. وَضَعُوهُ عَلَى الصَلِيب ثُمَّ جَلَسُوا لِيَأكُلُوا الفِصح .. يُوسِف بِيعَ بِعِشرِين مِنْ الفِضَّة لِلغُرَبَاء وَسَبب بِيعه الحَسْد وَوُضِعَ فِي البِئر ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ .. هكَذَا السَيِّد المَسِيح بِيعَ بِثَلاَثِين مِنْ الفِضَّة مِنْ إِخْوَتَهُ لِلرُومان وَسَبب بِيعْه الحَسْد أوْ صُلِبَ حَسَدَاً .. ثُمَّ وَضَعَهُ اليَهُود إِخْوَتَهُ فِي القبر وَخَرَجَ مِنْهُ حَيّ .. كُلَّ شِئ فِي يُوسِف يَرمُز بِدِقَّة لِلمَسِيح لَهُ المجد .
يُوسِف بَينَ إِخْوَتَهُ مُحِب وَأمِين وَخَاضِع .. { فَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ } ( تك 37 : 13 ) .. عِنْدَمَا يَقُول الكِتاب " يَعْقُوب " يَخْتَلِف قَصْده عَنْ قَوله " إِسْرَائِيل " .. عِنْدَمَا يَقُول " إِسْرَائِيل " يَقْصِد بِهَا يَعْقُوب الجَدِيد وَكَأنَّ أب يُنَادِي إِبنه بِإِسم تَدلِيله .. أمَّا عِنْدَمَا يَقُول " يَعْقُوب " فَهُوَ يَقْصِد يَعْقُوب القَدِيم .. فَنَجِد فِي يُوسِف مَرَّة يَقُول " يَعْقُوب " وَأُخْرَى يَقُول " إِسْرَائِيل " وَكَأنَّ الله يُعْلِن كَرَامته وَقَدَاسَته عِنْدَمَا يُنَادِيه إِسْرَائِيل لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي أعْطَاهُ هذَا الإِسم وَلكِنْ عِنْدَمَا يُنَادِيه يَعْقُوب فَهُوَ يُكَلِّمْ يَعْقُوب الشخص .
{ ألَيْسَ إِخْوَتُكَ يَرْعَوْنَ عِنْدَ شَكِيمَ . تَعَالَ فَأُرْسِلَكَ إِلَيْهِمْ . فَقَالَ لَهُ هأنَذَا } ( تك 37 : 13 ) .. حَدِيث الآب وَالإِبن .. الآب قَالَ لإِبنِهِ الوَحِيد هَا إِخْوَتك فِي خَطر أي نَحْنُ الكِنِيسة فِي خَطر بَعِيدِينَ عَنِّي وَسَأُرْسِلُكَ إِليهِمْ فَقَالَ لَهُ هأنَذَا .. وَكَثِيراً مَا يُؤكِّد عَلَى ذلِك رَبَّ المجد يَسُوع فَيَقُول " أنَا مُرْسل مِنْ عِنْد الآب " ( يو 5 : 37 & يو 6 : 57 ) .. { خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الآبِ } ( يو 16 : 28 ) .. هذَا مَا قَالَهُ الإِبن الوَحِيد { هأنَذَا } لِيُرسل لإِخْوَتَهُ فِي شَكِيم أي فِي الخَطر وَجَاءَ إِليْهِمْ لِيَجْتَاز مَعَهُمْ الخَطر .
{ فَقَالَ لَهُ اذْهَبِ انْظُرْ سَلاَمَةَ إِخْوَتِكَ وَسَلاَمَةَ الغَنَمِ وَرُدَّ لِي خَبَراً } ( تك 37 : 14 ) .. الآب قَالَ لِلإِبن إِذْهب إِفتَقِد سَلاَمة إِخْوَتك فَجَاءَ كَوَاحِد مِنَّا وَافتَقدنَا وَخَلَّصنَا ثُمَّ عَادَ لِلآب لِيَرُد لَهُ خَبر .. { لأِنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُوماً } ( أف 2 : 18) .. وَنَقَضَ العَدَاوة القَدِيمة .. { فَأتَى إِلَى شَكِيمَ } ( تك 37 : 14 ) ..جَاءَ لإِخْوَتَهُ لِيَفتَقِد سَلاَمِتهُمْ لِيَعُود لأِبِيهِ بِخَبر سَلاَمهُمْ .. هكَذَا يَرمُز يُوسِف لِلمَسِيح بِقُوَّة .
وَبينَمَا هُوَ فِي البِئر جَاءت قَافِلة مِنْ الإِسْماعِيلِيِّينَ فَبَاعَهُ إِخْوَتَهُ لَهُمْ .. " الإِسْماعِيلِيِّينَ " هُمْ أُنَاس يَشْتَرُون مَوَاد التَحْنِيط وَيَبِيعُونَهَا فِي مِصْر فَأخَذُوا يُوسِف مَعَهُمْ وَنَزَلُوا بِهِ إِلَى مِصْر .. { فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأصْعَدُوهُ مِنَ البِئر وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمعِيِلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الفِضَّةِ . فَأتَوا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ } ( تك 37 : 28 ) .. رَأُوبَيْنُ فِي وَقت بِيع يُوسِف كَانَ مَعَ الغنم وَعَادَ سَرِيعاً لِيَأخُذ يُوسِف وَيَرُدَّه إِلَى أبِيهِ وَهُنَا عَلَمَ أنَّ إِخْوَتَهُ قَدْ بَاعوه .
{ وَرَجَعَ رَأُوبَيْنُ إِلَى البِئرِ وَإِذَا يُوسُفُ لَيْسَ فِي البِئرِ . فَمَزَّقَ ثِيَابَهُ . ثُمَّ رَجَعَ إِلَى إِخْوَتِهِ وَقَالَ الوَلَدُ لَيْسَ مَوْجُوداً . وَأنَا إِلَى أيْنَ أذْهَبُ } ( تك 37 : 29 – 30 ) .. نَدْم رَأُوبَيْنُ بعد أنْ مَضَى وَقت العَمْل .. لِذلِك يُرِيد الإِنْسَان أنْ يَعْمَل عَمَلاً لاَ يُؤجِله حَتَّى لاَ يَنْدَم .. أتوا بِقَمِيص يُوسِف وَلَطَّخُوهُ بِدم غَنَمٍ وَجَاءُوا إِلَى أبِيهِمْ وَقَالُوا { وَجَدْنَا هذَا . حَقِّقْ أقَمِيصُ ابْنِكَ هُوَ أمْ لاَ } ( تك 37 : 32 ) .. نَفْس مَوقِف اليَهُود مَعَ المَسِيح قَالُوا لاَ نَعْلم إِنْ كَانَ هُوَ أم لاَ .
{ فَتَحَقَّقَهُ وَقَالَ قَمِيصُ ابْنِي . وَحْشٌ رَدِيءٌ أكَلَهُ . افْتُرِسَ يُوسُفُ افْتِرَاساً . فَمَزَّقَ يَعْقُوبُ ثِيَابَهُ وَوَضَعَ مِسْحاً عَلَى حَقْوَيْهِ وَنَاحَ عَلَى ابْنِهِ أيَّاماً كَثِيرَةً } ( تك 37 : 33 – 34 ) .. هَلْ تَعْلَم لِمَاذَا حَزَنَ يَعْقُوب كُلَّ هذَا الحُزن عَلَى إِبْنِهِ يُوسِف ؟ لَيْسَ لأِنَّهُ إِبْنَهُ فَقْط بَلْ لأِنَّهُ كَانَ هُوَ السَبب لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي أرْسَلَهُ إِلَى إِخْوَتِهِ لِذلِك نَاحَ عَلَيْهِ كَثِيراً وَأبَى أنْ يَتَعَزَّى .. { فَقَامَ جَمِيعُ بَنِيهِ وَجَمِيعُ بَنَاتِهِ لِيُعَزُّوهُ . فَأبَى أنْ يَتَعَزَّى وَقَالَ إِنِّي أنْزِلُ إِلَى ابْنِي نَائِحاً إِلَى الهَاوِيَةِ . وَبَكَى عَلَيْهِ أبُوهُ } ( تك 37 : 35 ) .
ثَانِياً : يُوسِف فِي بَيْت فُوطِيفَار :0
======================================
وَكانَ يُوسِف فِي بَيْت فُوطِيفَار رَجُلاً نَاجِحَاً .. { وَرَأى سَيِّدُهُ أنَّ الرَّبَّ مَعَْهُ وَأنَّ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ . فَوَجَدَ يُوسُفُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ وَخَدَمَهُ . فَوَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَدَفَعَ إِلَى يَدِهِ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ } ( تك 39 : 3 – 4 ) ..يُوسِف وَجَدَ نِعْمَة فِي عَيْنَيَّ فُوطِيفَار فَوَكَّلَهُ عَلَى كُلَّ بَيْتِهِ جَعَلَهُ مُدِير البِيْت .. هُوَ الَّذِي يَقُول مَا يَأكُلُون وَمَا يَشْرَبُون وَ .......... حَتَّى أنَّ فُوطِيفَار كَانَ لاَ يَعْرِف إِلاَّ مَا يَأكُل فَقْط وَكَأنَّ يُوسِف هُوَ صَاحِب البِيْت .
يُوسِف كَانَ فِي ظُرُوف قَاسِية مُرَّة يَكْفِيهِ خِيَانِة إِخْوَتَهُ لَهُ بَعْد أنْ كَانَ مُدَلَّل مِنْ أبِيهِ حَتَّى أنَّ إِخْوَتَهُ حَسَدُوه لأِنَّهُ لاَ يَعْمل مِنْ شِدِّة تَدْلِيل أبِيهِ لَهُ .. وَبَعْد كُلَّ هذَا يُصْبِح عَبد .. المفرُوض أنَّهُ يَكْتَئِب .. لاَ .. لأِنَّ يُوسِف مَعَ الله فَكَانَ رَجُل نَاجِح فِي كُلَّ مَا يَعْمل .. أحْيَاناً نُرْجِع النَّجَاح إِلَى الظُرُوف .. لاَ .. النَّجَاح يَعُود لِلإِرَادة مِنْ الدَّاخِل وَلَيْسَ لِلظُرُوف الخَارِجِيَّة .. يَعُود إِلَى الأمَانة فِيمَا تَعْمل حَتَّى وَإِنْ كَانَ بَسِيط .
عَامِل أمِين أفضل مِنْ مُدِير غِير أمِين .. كُنْ أمِين فِي عَطِيَّة الله مَهْمَا كَانِت بَسِيطة .. لِذلِك الوَظَائِف وَالمَرَاكِز وَالمَنَاصِب لاَ توجد سِوَى عِنْدَنَا هُنَا فَقْط بيْنَمَا فِي دِول الخَارِج الكُلَّ يَعْمل وَلاَ توجد مَنَاصِب .. يوجد العَامِل مَعَ المُدِير وَالمُدِير مَعَ العَامِل لاَ فرق بينَهُمَا المُهِمْ أنْ يَكُون أمِين فِي عَمَله .. إِذاً النَّجَاح هُوَ بِإِرَادِة الإِنْسَان وَلَيْسَ بِالظُرُوف .. عَبْد نَاجِح أفْضل مِنْ سَيِّد فَاشِل لِذلِك يُوسِف رَغم ظُرُوفه القَاسِيَّة إِلاَّ أنَّهُ كَانَ نَاجِح لأِنَّهُ كَانَ مَعَ الله وَيَعْلم أنَّ الأمر هُوَ إِرَادَتَهُ .. يَقُول بِالطَبع أنَا لَسْتُ فَرِح بِمَا أنَا فِيهِ لكِنِّى أُحَقِّق قَصْد الله .
هُنَاكَ قِصَّة خَيَالِيَّة يَحْكِيهَا التَّارِيخ اليَهُودِي تَقُول أنَّ يُوسِف وَهُوَ فِي بَيْت فُوطِيفَار حَلَمَ حُلم أنَّهُ يَهْرب وَهُوَ بِالطَبع يَحْفظ بَيْت فُوطِيفَار بِكُلَّ مَدَاخِله وَمَخَارِجه فَمَرَّ عَلَى البَوَّابة الأُولَى وَالثَّانِية وَ ....... وَعِنْدَ البَاب الخَارِجِي صَاحَ كَلب فَإِسْتَيقظ كُلَّ مَنْ فِي البَيْت وَلَمْ يَسْتَطِع يُوسِف أنْ يَهْرب .. فَسَألَ يُوسِف الله قَائِلاً لَهُ لِمَاذَا أنْتَ ضِدِّي دَائِمَاً ؟ ألاَ يَسْتَطِيع مَلاَك أنْ يُلْقِي الكَلب بِسَهم لِيَقتِلَهُ ؟!! فَأرَاهُ الله مَنْظر آلاف الموتَى وَقَالَ لَهُ إِنْ لَمْ تَهْرب وَكُنْت فِي بَيْت فُوطِيفَار سَيْحيَا كُلَّ هؤلاء وَلكِنَّك لَوْ هَرْبت سَيَمُوت هؤلاء .. فَمَاذَا تَخْتَار ؟ بِالفِعل لَوْ لَمْ يُبَاع يُوسِف وَيَذْهب لِبَيْت فُوطِيفَار مَا كَانَ وُضِعَ فِي السِجن وَتَعَرَّف عَلَى رَئِيس السُّقَاة وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّف عَلَى رَئِيس السُّقَاة مَا عَرَفَهُ فِرعُون وَأصْبح سَيِّد كُلَّ الأرْض لِيُنْقِذُهَا مِنْ المَجَاعة .
فِي بَيْت فُوطِيفَار مُجَرَّد أنْ أصْبح فِي مَكَانة مَرْمُوقة حَتَّى أتت عَلَيْهِ تَجرُبة زَوْجة فُوطِيفَار .. الله حَنُون لَمْ يُعْطِيهِ التَجَارُب مُتَتَالِية .. فَهُوَ ظَلَّ فِي تَجَارُبه مِنْ عُمْر 17 سَنْة حَتَّى 30 سَنْة وَهُوَ فِي عُمْر الثَّلاَثِين مَلَكَ عَلَى مِصْر .. فِي بَيْت فُوطِيفَار ظَلَّ حَوَالِي 6 – 7 سَنَوَات فِي مَكَانة جَيِّدة ثُمَّ تَعْرَّض لِتَجرُبَة زَوجة فُوطِيفَار وَدَخَلَ السِجن وَهُوَ فِي عُمْر 23 سَنْة .
كُلَّ هذَا أجزَاء مِنْ خِطَّة تَدْبِير الله لِيُوسِف وَالجَيِّد فِي هذِهِ القِصَّة أنَّ يُوسِف عِنْدَمَا أرَادِت زَوْجِة فُوطِيفَار أنْ تَمْسِكَهُ جَعَلَهَا تَمْسِكَهُ مِنْ الثُوب فَقْط فَتَرَكَهُ لَهَا وَخَرْج .. هُنَا يُشَابِه السَيِّد المَسِيح عِنْدَمَا وُضِعَ فِي القَبر وَأرَادَ الموت أنْ يُمْسِكَهُ لكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُمكِنَاً أنْ يُمْسك مِنْهُ فَخَرَجَ وَتَرَكَ الأكفات لِتَكُون بُرْهَان قِيَامَتِهِ .. زَوْجة فُوطِيفَار تُشِير لِلموت الَّذِي أرَادَ أنْ يَمْسِك يُوسِف ( المَسِيح ) لكِنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ .. قَامَ وَتَرَكَ الثِيَاب كَمَا المَسِيح لَهُ المجد كَعَلاَمة لِلقِيَامة .
ثَالِثاً : يُوسِف فِي السِجن :0
==============================
زَوْجِة فُوطِيفَار إِدَّعِت عَلَى يُوسِف وَكَذِبت وَكَانِت النَتِيجة إِنَّهُ سُجِنَ .. كَانَ يَجِب عَلَى فُوطِيفَار إِنَّهُ بَعْد أنْ أعْطَى يُوسِف كُلَّ هذِهِ الأمَانة أنْ يَتَحَقَق الأمر لكِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَق مِنْ شِئ وَوَضَعَهُ فِي السِجن .. { وَلكِنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَْ يُوسُفَ وَبَسَطَ إِلْيْهِ لُطْفاً وَجَعَلَ نِعْمَةً لَهُ فِي عَيْنَيْ رَئِيسِ بَيْتِ السِّجْنِ . فَدَفَعَ رَئِيسُ بَيْتِ السِّجْنِ إِلَى يَدِ يُوسُفَ جَمِيعَ الأسْرَى الَّذِينَ فِي بَيْتِ السِّجْنِ } ( تك 39 : 21 – 22 ) .. رَئِيس بَيْت السِّجْن رَجُل عَنِيف وَقَاسِي يَعْرِف كَيْفَ يُرَوِّض المُتَمَرِدِين وَلكِنْ الله جَعَلَهُ يُبْسِط عَلَى يُوسِف لُطفاً حَتَّى أنَّهُ وَكَّلَهُ عَلَى أُمور السِّجْن .
{ وَكُلُّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ هُنَاكَ كَانَ هُوَ العَامِلَ } ( تك 39 : 22 ) .. هُوَ المُدِير الَّذِي يُوَزِّع الأعْمَال .. { وَلَمْ يَكُنْ رَئِيسُ بَيْتِ السِّجْنِ يَنْظُرُ شَيئاً البَتَّةَ مِمَّا فِي يَدِهِ . لأِنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَهُ وَمَهْمَا صَنَعَ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ } ( تك 39 : 23 ) .. المفرُوض أنَّ نَفْس يُوسِف مُرَّة لأِنَّ السِّجُون فِي ذلِك الوقت كَانِت قَاسِية جِدّاً لأِنَّ هَدْف السِّجْن وَقتَهَا أنْ يُوضع الإِنْسَان فِيهِ حَتَّى يَمُوت .. أيضاً أيَّام آبَائِنَا الشُهَدَاء كَانِت السِّجُون فِي بَاطِن الأرْض حَيْثُ الرُطُوبة العَالية جِدّاً الَّتِي قَدْ تُمِيت الإِنْسَان حَتَّى أنَّ بَطْن الأرْض تُسْتَخدم كَثَلاَّجَات لِحِفظ الأشيَاء لِذلِك كَانِت السِّجُون قَاسِية لكِنْ النَّجَاح لَيْسَ بِالظُرُوف بَلْ بِالإِرَادة .
يُوسِف فِي السِّجْن كَانَ يَنْتَظِر الموت .. مَتَى ؟ الله يَعْلم .. إِذاً هُوَ الآن فِي صِرَاع أجَسَاد لكِنَّهُ حَتماً سَيَموت وَرَغم ذلِك بَسَطَ الله لَهُ لُطْفَاً وَنَجَحَ هُناك حَتَّى أنَّ الآبَاء يَقُولُون { أنَّ العُبُودِيَّة قَدْ تَزَيَّنْت بِيُوسِف وَالسِّجْن صَارَ مَكْان لَذِيذ لَهُ } .. أي مَكْان تَذْهب لَهُ مَهْمَا كَانَ رَدِئ هُوَ جَيِّد بِكَ .. إِذاً أنْتَ تَصْنع المَكْان بِالرُّوح الَّذِي فِيكَ .
كَانَ كُلَّ سَجِين لَدَيهِ مُشْكِلة يَعْرِضهَا عَلَى يُوسِف وَكَأنَّهُ أب إِعْتِرَاف .. رَئِيس السُّقَاة حَكَى لَهُ حِلْمه أنَّهُ سَيُقَدِّم عَصِير لِفِرعُون فَقَالَ لَهُ يُوسِف سَتَعُود لِتُقَدِّم لِفِرعُون .. { فِي ثَلثَةِ أيَّامٍ أيْضاً يَرْفَعُ فِرْعَوْنُ رَأسَكَ وَيَرُدُّكَ إِلَى مَقَامِكَ . فَتُعْطِي كَأسَ فِرْعَوْنَ فِي يَدِهِ كَالعَادَةِ الأُولَى حِينَ كُنْتَ سَاقِيَهُ . وَإِنَّمَا إِذَا ذَكَرْتَنِي عِنْدَكَ حِينَمَا يَصِيرُ لَكَ خَيْرٌ تَصْنَعُ إِلَيَّ إِحْسَاناً } ( تك 40 : 13 – 14 ) .. مَا رَمز يُوسِف لِلمَسِيح فِي هذَا الأمر ؟ يُوسِف يُشِير لِلمَسِيح الَّذِي كَانَ فِي الجَحِيم لِيَرُد الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى رَجَاء القِيَامة .. نَزل إِلَى الجَحِيم وَكَرَزَ لَهُمْ بِالخَلاَص كَمَا كَرَزَ يُوسِف لِرَئِيس السُّقَاة بِالخَلاَص مِنْ السِّجْن .
أيْضاً يُوسِف كَانَ مَعَهُ إِثنَان محكُوم عَلَيْهِمَا بِالموت أحَدُهُمَا نَجَى مِنْ الموت وَالآخر مَاتَ .. كَمَا كَانَ السَيِّد المَسِيح مَعَ لِصَان أحَدُهُمَا نَالَ المَلَكُوت وَالآخر هَلَكَ .. الإِنْجِيل مملوء أسرار فَلاَ تُضَيِّع أوقَاتك فِي أُمور العالم التَافهة .
يُوسِف هُنَا وَقَعَ فِي خَطْأ كَلَّفَهُ سَنَتَان فِي تَدْبِير الله وَهُوَ أنَّهُ بَدَأَ يَمِل مِنْ السِّجْن وَالمعرُوف أنَّ السَجِين يَنْتَظِر الموت البَطِئ وَلَيْسَ لَهُ فِترة سِجن مُحَدَّدة تَنْقَضِي ثُمَّ يَخْرُج مِنْهُ أي لَيْسَ لَهُ رَجَاء فِي الحُرِّيَّة .. لكِنْ يُوسِف قَالَ لِرَئِيس السُّقَاة { وَإِنَّمَا إِذَا ذَكَرْتَنِي عِنْدَكَ حِينَمَا يَصِيرُ لَكَ خَيْرٌ تَصْنَعُ إِلَيَّ إِحْسَاناً وَتَذْكُرُنِي لِفِرْعَوْنَ وَتُخْرِجُنِي مِنْ هذَا البَيْتِ } ( تك 40 : 14 ) .. لِهذَا السَبب فَقْط تَكَلَّم يُوسِف وَقَالَ { لأِنِّي قَدْ سُرِقْتُ مِنْ أرْضِ العِبْرَانِيِّينَ . وَهُنَا أيضاً لَمْ أفْعَلْ شَيْئاً حَتَّى وَضَعُونِي فِي السِّجْنِ } ( تك 40 : 15 ) .. أي أنَّهُ قَالَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُرِيد أنْ يَقُولَهُ لِيُقنِع رَئِيسَ السُّقَاة .
{ وَلكِنْ لَمْ يَذْكُرْ رَئِيسُ السُّقَاةِ يُوسُفَ بَلْ نَسِيَهُ } ( تك 40 : 23 ) .. مَعْقُول تَنْسَى مَنْ بَشَّرك بِالخَلاَص ؟ أحْيَاناً نَكُون كَرَئِيس السُّقَاة نَحْتَاج لِمَنْ يُبَشِّرنَا ثُمَّ نَنَسَاه .. نَحْتَاج لِيَسُوع ثُمَّ بَعْد فِترة نَنَسَاه .. لَمَّا نَسَاه رَئِيس السُّقَاة جَعَلَ الله فِرعُون يَحْلم حُلماً يَحْتَار فِي تَفْسِيره فَيَتَذَكَّر رَئِيس السُّقَاة يُوسِف .. رَئِيس السُّقَاة نَسَى يُوسِف كَي يَخْرُج مِنْ سِجْنه فِي وَقت مُعَيَّن .. رَئِيس السُّقَاة لَهُ مَرْكز مَرمُوق لأِنَّ المَلِك يَأتَمِنْه عَلَى حَيَاته وَكَانَ مُمكِنْ أنْ يَطْلُب عَنْ يُوسِف وَيُخْرِجَهُ مِنْ سِجْنه لكِنَّهُ مَاذَا كَانَ يَفْعل لَوْ خَرَجَ بِمُجَرَّد خُرُوج رَئِيس السُّقَاة مِنْ السِّجْن ؟ قَدْ كَانَ يَعْمل عَبد مَرَّة أُخْرَى أوْ قَدْ يَتوه فِي مِصْر .. لكِنْ الله جَعَلَ رَئِيس السُّقَاة يَنْسَاه كَي يُتَمِّم مَقَاصِدَهُ .. لاَ تَقُل أنَّ الله نَسَاك .. نَقُول أنَّ هذِهِ فِترة لِيُتَمِّم الله قَصْده بِخُرُوجك لِمَكَانٍ أفضل .
وَيَحْلم فِرعُون حِلمه وَيُفَسِّر لَهُ يُوسِف الحُلم وَيَشْهد لَهُ فِرْعُون أنَّهُ لَيْسَ حَكِيم مِثْلَهُ وَلَيْسَ إِنْسَان بِهِ الله مِثْلَهُ وَيَذْكُر فِرْعُون الأُمَمِي الله وَيُوسِف وَهُوَ يُفَسِّر لِفِرْعُون الحُلم رَغم نَفْسِيِته المُرَّة يَذْكُر الله لِفِرْعُون خَمْس مَرَّات .. وَعِنْدَمَا فَسَّر الحُلم أتَى بِالحل مَعَهُ فَقَالَ لَهُ فِرْعُون لاَ يوجد إِنْسَان يَعْرِف مَاذَا يَفْعل إِلاَّ أنْتَ .
هُناك مَنْ يُبْرِز المُشْكِلة وَلاَ يَعْرِف حَلَّهَا وَآخر يَعْرِضهَا وَيَعْرِض الحِلُول مَعَهَا .. كَانَ مُمكِنْ لِيُوسِف أنْ يَقُول لَهُ هُناك سَبْع سَنَوَات جُوع سَتَأتِي وَسَنَمُوت كُلِّنَا جُوعاً .. لكِنَّهُ حَل المُشْكِلة وَقَالَ نِجْمع فِي سَبْع سَنَوَات الشَبع مَا يَكْفِي لِسَنَوَات الجُوع .
لِذلِك يُوسِف يُشِير بِقُوَّة لِلسَيِّد المَسِيح .. وَعِنْدَمَا مَلَكَ عَلَى مِصْر كَانَ يُشِير لِرِجُوع المَسِيح لِمَجده الأبَدِي وَتَحْقِيق قَصْد الله .. أيْضاً عِنْدَمَا أتَى إِخْوَتَهُ لِيَسْجُدُوا لَهُ هذَا يُشِير لِمَجِيئه الثَّانِي أنَّهُ سَيَقْبلنَا وَيُدْخِلنَا بَيْتَهُ أي المَجْد الأبَدِي وَنَعِيش مَعَهُ وَيَعِيش مَعَنَا حَتَّى نَذْهب لِكَنْعَان أي السَّمَاء .. وَبَيْته هُوَ الكِنِيسة .. وَكَان يُؤكِلَهُمْ الحِنْطة أي الجَسَد وَالدَم وَأرَادُوا أنْ يُعْطوه ثَمَنَهَا فَأعَادهُ لَهُمْ لأِنَّ الحِنْطة أي جَسَدَهُ وَدَمَهُ لاَ تُقَدَر بِثَمَنٍ .
رَبِّنَا يِكَمِّل نَقَائِصنَا وَيِسنِد كُلَّ ضعف فِينَا بِنِعْمِته
لَهُ المجد دَائِمَاً أبَديّاً آمِين

عدد الزيارات 20971

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل