يوسف وحلم فرعون

Large image

عَرَفَ فِرْعُون يُوسِف عِنْدَمَا حَلَمَ حِلم وَلَمْ يَعْرِف تَفْسِيره عِنْدَئِذٍ تَذَكَّر رَئِيس السُّقَاة أنَّ يُوسِف فَسَّر لَهُ حِلْمه عِنْدَمَا كَانَ مَعَهُ فِي السِّجْن فَأخْبر فِرْعُون عَنْ يُوسِف .
مِنْ سِفر التَكوِين 41 : 9 – 16 { ثُمَّ كَلَّمَ رَئِيسُ السُّقَاةِ فِرْعَوْنَ قَائِلاً أنَا أتَذَكَّرُ اليَوْمَ خَطَايَايَ . فِرْعَوْنُ سَخِطَ عَلَى عَبْدَيْهِ فَجَعَلَنِي فِي حَبْسِ بَيْتِ رَئِيسِ الشُّرَطِ أنَا وَرَئِيسَ الخَبَّازِينَ . فَحَلُمْنَا حُلْماً فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ أنَا وَهُوَ . حَلُمْنَا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ تَعْبِيرِ حُلْمِهِ . وَكَانَ هُنَاكَ مَعَنَا غُلاَمٌ عبْرَانِيٌّ عَبْدٌ لِرَئِيسِ الشُّرَط فَقَصَصْنَا عَلَيْهِ . فَعَبَّرَ لَنَا حُلْمَيْنَا . عَبَّرَ لِكُلّ وَاحِد بَحَسَب حُلْمِهِ . وَكَمَا عَبَّر لَنَا هكَذَا حَدَثَ . رَدَّنِي أنَا إِلَى مَقَامِي وَأمَّا هُوَ فَعَلَّقَهُ . فَأرْسَلَ فِرْعَوْنُ وَدَعَا يُوسُفَ . فَأسْرَعُوا بِهِ مِنَ السِّجْنِ . فَحَلَقَ وَأبْدَلَ ثِيَابَهُ وَدَخَلَ عَلَى فِرْعَوْنَ . فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ حَلُمْتُ حُلْماً وَلَيْسَ مَنْ يُعَبِّرُهُ . وَأنَا سَمِعْتُ عَنْكَ قَوْلاً إِنَّكَ تَسْمَعُ أحْلاَماً لِتُعَبِّرَهَا . فَأجَابَ يُوسُفُ فِرْعَوْنَ قَائِلاً لَيْسَ لِي . اللهُ يُجِيبُ بِسَلاَمَةٍ فِرْعَوْنَ } .
تَخَيَّل نَفْسِيَّة شَاب فِي السِّجْن يَتَعَامل مَعَ مَسْجُونِين .. نَفْسِيَّة حَزِينة مُكْتَئَبة وَيَقُول لَهُ أنْتَ تُفَسِّر الأحْلاَم فَيُجِيب فِرْعُون قَائِلاً { لَيْسَ لِي . الله يُجِيبُ بِسَلاَمَةٍ فَِرْعَوْنَ } ( تك 41 : 16 ) .. رَغمْ أنَّهُ جَاءَ مِنْ سِجْنه لِيُفَسِّر أحْلاَم أي أنَّ العَالم يَحْتَاجه لكِنَّهُ يَقُول لَسْتُ أنَا مَنْ يُفَسِّر أي الله هُوَ الَّذِي يَعْمل وَيُفَسِّر الحِلم وَيُطَمئِنَّا عَلَيْكَ .. هَلْ فِرْعُون يَعْرِف الله ؟ وَهَلْ يَقْبل هذِهِ الكَلِمة ؟ بِالطبع لاَ .. لكِنْ لأِنَّ يُوسِف مَشْغُول بِالله وَيُحِبَّه فَكَانِت هذِهِ إِجَابته لِفِرْعُون .
حِلْم فِرْعُون هُوَ سَبْع عِجُول سُمَان وَسَبْع عِجُول هَزِيلة .. أكَلِت السَّبْع عِجُول الهَزِيلة السَّبْع عِجُول السُمَان وَ ..... فَأجَابَ يُوسِف { حُلْمُ فِرْعَوْنَ وَاحِدٌ . قَدْ أخْبَرَ اللهُ فِرْعَوْنَ بِمَا هُوَ صَانِعٌ . البَقَرَاتُ السَّبْعُ الحَسَنَةُ هِيَ سَبْعُ سِنِينَ . وَالسَّنَابِلُ السَّبْعُ الحَسَنَةُ هِيَ سَبْعُ سِنِينَ . هُوَ حُلْمٌ وَاحِدٌ } ( تك 41 : 25 – 26 ) .. لِنُعِد عَدْد المَرَّات الَّتِي قَالَ فِيهَا يُوسِف كَلِمة " الله " .. أعلْن لِفِرْعُون تَفْسِير الحُلْمٌ أنَّ هُناك سَبْع سِنِين شَبَع سَيَأتِي بَعْدَهَا سَبْع سِنِين جُوع .. { وَأمَّا عَنْ تَكْرَارِ الحُلْمِ عَلَى فِرْعَوْنَ مَرَّتَيْنِ فَلأِنَّ الأمْرَ مُقَرَّرٌ مِنْ قِبَلِ اللهِ وَاللهُ مُسْرِعٌ لِيَصْنَعَهُ } ( تك 41 : 32 ) .. أرْبع مَرَّات يَقُول فِيهَا يُوسِف كَلِمة " الله " .
ثُمَّ قَالَ لِفِرْعُون عِلاَج المُشْكِلة { فَالآنَ لِيَنْظُرْ فِرْعَوْنُ رَجُلاً بَصِيراً وَحَكِيماً وَيَجْعَلْهُ عَلَى أرْضِ مِصْرَ . يَفْعَلْ فِرْعَوْنُ فَيُوَكِّلْ نُظَّاراً عَلَى الأرْضِ وَيَأخُذْ خُمْسَ غَلَّةِ أرْضِ مِصْرَ فِي سَبْعِ سِنِي الشَِّبعِ . فَيَجْمَعُونَ جَمِيعَ طَعَامِ هذِهِ السِّنِينَ الجَيِّدَةِ القَادِمَةِوَيَخْزُنُونَ قَمْحاً تَحْتَ يَدِ فِرْعَوْنَ طَعَاماً فِي المُدُْنِ وَيَحْفَظُونَهُ . فَيَكُونُ الطَّعَامُ ذَخِيرَةً لِلأرْضِ لِسَبْعِ سِنِي الجُوعِ الَّتِي تَكُونُ فِي أرْضِ مِصْرَ . فَلاَ تَنْقَرِضُ الأرْضُ بِالجُوعِ . فَحَسُنَ الكَلاَمُ فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَفِي عُيُونِ جَمِيعِ عَبِيدِهِ . فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِعَبِيدِهِ هَلْ نَجِدُ مِثْل هذَا رَجُلاً فِيهِ رُوحُ اللهِ . ثُمَّ قَالَ فِرْعُوْنُ لِيُوسِفَ بَعْدَمَا أعْلَمَكَ اللهُ كُلَّ هذَا لَيْسَ بَصِيرٌ وَحَكِيمٌ مِثْلَكَ . أنْتَ تَكُونُ عَلَى بَيْتِي وَعَلَى فَمِكَ يُقَبِّلُ جَمِيعُ شَعْبِي . إِلاَّ إِنَّ الكُرْسِيَّ أكُونُ فِيهِ أعْظَمَ مِنْكَ } ( تك 41 : 33 – 39 ) .
وَضَعَ يُوسِف لِفِرْعُون خِطَّة لِعِلاَج المُشْكِلة وَحَسَبهَا حِسْبة رِيَاضِيَّة أنْ يَأخُذ خُمْس غَلَّة الأرْض خِلاَل السَّبْع سِنِين الشَّبْع .. إِنْ كَانَ الخُمْس فِي خَمْس سَنَوَات يُعْطِي ضِعْف المحصُول وَلأِنَّ الخِير كَثِير فِي سِنِي الشَّبْع فَسَتَكُون كَمِيَّة الغَلَّة المُخَزَّنَة فِي السَّبْع سَنَوَات كَثِيرة جِدّاً جِدّاً .. سَمِعَ فِرْعُون لِيُوسِف وَأُعْجِبَ بِالخِطَّة وَلكِنْ نُلاَحِظ أنَّهُ حَتَّى فِرْعُون بَدَأَ يَقُول كَلِمة " الله " وَيَتَحَدَّث عَنْ الله وَكَأنَّهَا عَدْوَى وَإِنْتَقَلْت لَهُ مِنْ يُوسِف .
وَأعْطَى السُّلْطَة لِيُوسِف عَلَى كُلَّ أرْض مِصْر .. { ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ انْظُرْ . قَدْ جَعَلْتُكَ عَلَى كُلَّ أرْضِ مِصْرَ . وَخَلَعَ فِرْعَوْنُ خَاتِمَهُ مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ ْ} ( تك 41 : 41 – 42 ) .. " الخَاتِم " رَمز السُّلْطَة لأِنَّهُ خِتم الدَولة .. هُناكَ دِول بِهَا رَئِيس لكِنَّهُ مَرْكز شَرَفِي لكِنْ الأهم هُوَ رَئِيس الوُزَرَاء .. هُنَا فِرْعُون جَعَلَ يُوسِف بِمَثَابِة رَئِيس وُزَرَاء وَمَرْكَزه أهمْ شَخْصِيَّة فِي الدَولة .
{ وَألْبَسَهُ ثِيَابَ بُوصٍ وَوَضَعَ طَوْق ذَهَبٍ فِي عُنُقِهِ . وَأرْكَبَهُ فِي مَرْكَبَتِهِ الثَّانِيَةِ وَنَادُوْا أمَامَهُ ارْكَعُوا . وَجَعَلَهُ عَلَى كُلِّ أرْضِ مِصْرَ } ( تك 41 : 42 – 43 ) .. يُوسِف خَارِج مِنْ السِّجْن مَعَهُ حِرَاسة وَمُتَوَقِع أنْ يَقُوم بِمُهِمَّة أوْ مَأمورِيَّة ثُمَّ يَعُود أوْ بِالأكثر يُعْطِيهِ فِرْعُون بَعْض المَال الَّذِي لَنْ يَفْعل بِهِ شِئ فِي السِّجْن .. لكِنَّهُ صَارَ أهمْ رَجُل فِي مِصْر وَاخْتَارَ لَهُ فِرْعُون زَوْجة إِسمَهَا أسْنَات .. { فَخَرَجَ يُوسُفُ عَلَى أرْضِ مِصْرَ . وَكَانَ يُوسُفُ ابْنَ ثَلاَثِينَ سَنَةً لَمَّا وَقَفَ قُدَّامَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ . فَخَرَجَ يُوسُفُ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ وَاجْتَازَ فِي كُلِّ أرْضِ مِصْرَ } ( تك 41 : 45 – 46 ) .
اليَوْم يُوسِف يَجْنِي ثَمْر .. يُوسِف حَلْق شَعْرَهُ وَأبدل ثِيَابِهِ .. إِنْسَان خَرْج مِنْ السِّجْن وَيُرِيد أنْ يُقَابِل فِرْعُون فَلاَ يَلِيق أنْ يُقَابِلَهُ بِمَلاَبِس السِّجْن وَشَكْل السِّجْن .. فِي تَعْبِير الكِنِيسة يَقُول الآباء عَنْ " حَلْق الشَّعْر " هُوَ أنَّ الشَّعْر شِئ مَيِّت يَنْبُت مِنْ الرأس وَالَّذِي يَجْعَلك تَشْعُر بِهِ هُوْ نَبتِة الشَّعْر نَفْسَهَا لكِنْ الشَّعْرَة هِي شِئ مَيِّت .. الآباء يَقُولُون أنَّ الشَّعْر هُوَ الأعمَال المَيِّتة الخَارِجة مِنْ الجَسَد .. إِحْلقهَا .. أوْ الشَّعْر نَاتِج عَنْ الفِكر أي الأفكَار الخَارِجة مِنْ فِكر الإِنْسَان كَي يَقِف أمَام فِرْعُون لاَبُد أنْ يِحْلقهَا .. أيْضاً يَقُول الآباء إِنَّهَا إِشَارة لِخلع العَتِيق وَلِبْس الجَدِيد أي نُجَدِّد أذْهَانِنَا .
أنَا كَشَاب أنَا يُوسِف كَي أقِف أمَام فِرْعُون أي الرَّئِيس أي الله لاَبُد أنْ يَكُون لِي فِكر محلُوق أطْرَح عَنِّي ثِقل الأفكَار الشِّرِّيرة وَأبَدِّل ثِيَابِي .. لاَ يَلِيق أنْ أقِف أمَامه بِثِيَاب السِّجْن .. هذَا بِالنِسبة لِي لكِنْ هُنَا يُوسِف الَّذِي يُشِير لِلمَسِيح يَقُولُون عَنْهُ أنَّ يُوسِف فِي فِترة السِّجْن يُمَثِّل المَسِيح فِي الإِخْلاَء لَمَّا تَجَسَّد وَأخْذ شَكل العبد شكل مَسْجُون لكِنْ لَمَّا تَرَاءى أمَام الآب أي فِرْعُون تَرَاءى بِمَجده تَخَلَّى عَنْ صُورة السِّجْن .. يَسُوع لَمَّا تَجَسَّد جَاءَ لِلعَالم وَصُلِبَ وَ ..... كُلَّ هذَا كَانَ فِي السِّجْن ثُمَّ لَمَّا تَرَاءى أمَام الآب خَلْع ثِيَابه وَغَيَّرهَا وَحَلْق شَعْره أي لَبْس ثِيَاب المَجد .. رَجْع لِمَجده .. { وَالآنَ مَجِّدْنِي أنْتَ أيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ العَالَمِ } ( يو 17 : 5 ) .
لَوْ كَانَ رَئِيس السُّقَاة عَمْل بِنَصِيحة يُوسِف الَّتِي طَلْبهَا مِنْهُ عِنْدَمَا فَسَّر لَهُ حِلْمه بِأنْ يَذْكُره أمَام فِرْعُون هَلْ سَيَكُون لَهُ أهَمِيَّة أمَام فِرْعُون ؟ لَوْ كَانَ أخْرَجَهُ فِرْعُون وَقتهَا كَانَ سَيَتوه فِي زِحَام مِصْر وَكَانَ سَيَعْمل فِي أي مَكْان وَعِنْدَمَا يَطْلُبه فِرْعُون قَدْ لاَ يَسْتَطِيع أنْ يَجِده .. إِذاً الله أبقَى يُوسِف فِي السِّجْن سَنَتِين لِخِيره وَهُوَ يُدَبِّر وَقت مُعَيَّن لِخِيره .. تَدْبِير إِلهِي .
أنْتَ كَشَاب إِعْرَف أنَّ الله صَانِع الخَيْرَات حَتَّى وَلَوْ تَأخْر عَنْكَ الخِير لاَ تَشْتَكِي وَلاَ تَتَذَمر فِي الوقت المُحَدَّد الله سَيُخْرِجك وَسَتَمْلُك .. الله مُدَبِر الخَلِيقة كُلَّهَا .. إِنْ كَانَ الرَّجُل الَّذِي يُنَقِّي قِطْعة مِنْ الحَدِيد يَعْرِف مَتَى يَضْرب عَلَيْهَا وَمَتَى يَضَعْهَا فِي النَّار .. الله صَانِع الخَيْرَات الصَّانِع المَاهِر الحَاذِق هَلْ لاَ يَعْرِف كَمْ مِنْ الوقت سَأكُون فِي الضِيق ؟
أحْيَاناً نُرِيد أنَّ الله يَسِير كَحَسَب هَوَانَا وَيِحَدِّد لَنَا الفَتَرَات وَنَقُول لَهُ هَلْ تُرِيد أنْ نَدْخُل السِّجْن ؟ نَحْنُ مُوَافِقُون لكِنْ كَمْ مِنْ الوقت سَنَكُون فِيهِ ؟ لاَ تُطِيل الوقت .. الله يَقُول لَكَ يَا ابْنِي إِترُكنِي أدَبَّر أمرك وَلاَ تَشْتَرِط عَلَيَّ مَاذَا أفْعل وَكَيْفَ ؟ لَنْ تَعْرِف مِثْلِي مَا هُوَ خِيْرك .. نَقُول لَهُ وَاضِح يَا الله أنَّكَ نَسْيتَنِي مَعَ رَئِيس السُّقَاة .. أُنْظُر الجِمِيل الَّذِي فَعَلْتَهُ مَعْك أنَا بَشَّرتك أنَّكَ سَتَحْيَا .. إِذْهب لِتَسْقِي فِرْعُون وَأوِّل مَرَّة تَسْقِيه إِعْرَف أنَّ الحِلْم الَّذِي فَسَّرتَهُ لَكَ تَحْقَّق ..لكِنْ لِلأسف رَئِيس السُّقَاة نَسْاه .
أحْيَاناً نَلْجَأ لِطُرُق فَاشِلة وَالله يَتْرُكنَا لأِنَّ الحَل عِنْده هُوَ .. أُصْبُر لِفِترة لاَزِمة .. مَا فَعَلْتَهُ زَوْجة فُوطِيفَار كَانَ لاَزِماً لِيَدْخُل يُوسِف السِّجْن وَالسِّجْن وَصَّلَهُ لِلمجد .. هذَا هُوَ الله .. لِذلِك يُوسِف يَقُول إِسم الله كَثِيراً وَهُوْ يُفَسِر الحِلْم .. وَجَمِيلة آية دَاوُد { وَتَكَلَّمتُ بِشِهَادَتك قُدَّام المُلُوك وَلَمْ أخْزَى } ( مز 118 – القِطعة 6 مِنْ الخِدمة الأُولَى مِنْ صَلاَة نِصف الَّلِيل ) .. رَغمْ أنَّهُ يَعْلم أنَّ كَلِمة الله قَدْ تُضَايِق فِرْعُون لكِنَّهُ صَمَّم أنْ يَقُولَهَا .
بَدَأَ يُوسِف يِفَسر حِلْم فِرْعُون لكِنْ أجمل مَا فِي الأمر أنَّ يُوسِف لَمْ يُفَسِر فقط الحِلم بَلْ وَضَعَ خِطَّة لِلعِلاَج .. جَيِّد أنْ تَصِل إِلَى تشخِيص مُشْكِلة فِي حَيَاتك لكِنْ هَلْ تَعْرِف كَيْفَ تَضَع خِطَّة لِعِلاَجهَا ؟ قَدْ نَعْرِف مُشْكِلة فِي بَلَدنَا أوْ عَمَلنَا أوْ كِنِيسِتنَا لكِنْ هَلْ نَعْرِف كَيْفَ نَضَع خِطَّة لِعِلاَجهَا ؟ أجمل مَا فِي يُوسِف أنَّهُ لَمْ يَأتِي لِيَقُص الأمر أوْ لِيْطرح مُشْكِلة فَقْط ثُمَّ يَعُود إِلَى حَيْثُ كَانَ .. لاَ .. بَلْ عَظَمَتَهُ أنَّهُ عَرْض الأمر وَعَرْض العِلاَج . لاَ يوجد طَبِيب يِشَخَّص مَرْض فَقْط دُونَ أنْ يُعْطِي عِلاَج .
مِنْ حِكمَة سَيِّدنَا البَابَا شِنُوده أنَّهُ عِنْدَمَا يَعْرِض عَلَيْهِ أحد الأباء الكَهَنْة مُشْكِلة يَقُول لَهُ بِإِسلُوب الدُعَابة .. وَمَا الحل ؟ أرْجُوك لاَ يَكُون عِنْدك رُوح نَقْض أوْ تَذَمُّر دُونَ أنْ يَكُون لَدْيكَ تَفْكِير إِيجَابِي وَهُوَ أنْ تَعْرِف الحل .. المَهَارة لَيْست فِي عَرْض المُشْكِلة أوْ العجز بَلْ المَهَارة فِي أنْ تَعْرِف كَيْفَ تِعَالجه .. المَهَارة لَيْست فِي مَعْرِفة المُشْكِلة بَلْ فِي وَضْع خِطَّة لِلشَّبْع .
قَالَ يُوسِف لِفِرْعُون فِي أيَّام الشَّبْع خَزِّن مِنْ غَلِّة الأرْض حَتَّى تَجِد مَا يَأكُلَهُ الشَّعْب فِي زَمن الجُوع .. خِطَّة جَمِيلة .. لِذلِك الكِتاب يَقُول { فَاذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أيَّامِ شَبَابِكَ } ( جا 12 : 1) .. أيَّام الشَّبَاب أيَّام شَبْع إِسْعَى فِيهَا لِمَعْرِفة الله وَفِيهَا خَزِّن قَبْل أنْ تَأتِي أيَّام جُوع .. أنْتَ اليَوْم شَاب فِي الدِرَاسة ؟ جَيِّد لأِنَّ أيَّام العَمْل قَدْ لاَ يَكُون بِهَا وَقت لِلشَّبْع لِذلِك صَلِّي الآن وَسَبِّح وَرَنِّم وَتَنَاوَل .. خَزِّن لأِنَّهُ سَتأتِي أيَّام جُوع .. أُنْظُر لِحَيَاتك نَظْرة إِيجَابِيَّة لأِنَّهَا فِي يَد يَسُوع .
لِذلِك عِنْدَمَا سَمِعَ المَصْرِيُون يُوسِف بُهِتُوا مِنْهُ .. كُلَّ مَجد يُوسِف لأِنَّهُ رَفْض الخَطِيَّة .. هَلْ كَانَ يَتَوَقَّع أنَّ رَفْض الخَطِيَّة سَيأتِي عَلَيْهِ بِمْجد أم بِنَكبة ؟ أتَى عَلَيْهِ بِنَكبة لكِنْ فِي وَقتهَا فَقْط .. رَفْض الخَطِيَّة سَيُكَافِئك عَنْهُ الله وَإِنْ تَأخَّر .. قَدْ يَسْخر مِنْكَ أصْحَابك عِنْدَمَا تَرْفُض الخَطِيَّة أوْ تَقِف مَوْقِف مُعَيَّن لكِنْ إِنْتَبِه الله يُرِيد أنْ يُمْجِّدك .
قَول جَمِيل لِلقِدِيس يُوحَنَّا ذَهَبِيَّ الفَمْ عَنْ سَبْع سِنِين الشَّبْع يَقُول فِيهِ أنَّ الكِنِيسة هكَذَا سَارْت فَقَدْ كَانِت فِي فِترة مُعَيَّنة فِي حَالِة شَبْع فِي القرن الثَّالِث وَالرَّابِع كَانَ بِهَا قِدِّيسِين عُظَمَاء مِثْل الأنبَا بِيشُوي وَأبُو مَقَّار وَالأنبَا أنْطُونيُوس وَ ........... كُلَّ هؤلاء العُظَمَاء كَانُوا فِي وَقتٍ وَاحِد .. القِدِيس غِرِيغُوريُوس وَبَاسِيليُوس وَأثَنَاسيُوس وَ ........... جِيل وَاحِد .. لَيْتَكَ يَا الله كُنْت وَزَّعتَهُمْ عَلَى كُلَّ الأجيَال .. يَقُول لاَ .. توجد سِنِين جُوع وَسِنِين شَبْع خَزِّن فِي سِنِي الغِنَى وَالشَّبْع لِلجُوع .. نَحْنُ الآن فِي سِنِي الجُوع مَاذَا نَفْعل . نَتَذَكَّر أفعالهُمْ وَأقوالهُمْ .. قَالَ الأنبَا أنْطُونيُوس .. قَالَ القِدِيس يُوحَنَّا .. الكِنِيسة خَزِّنِت .. عِنْدَمَا لاَ أعْرِف تَفْسِير آية أعُود لِمْخزُون الآباء لأِعْرِفه .. الكِنِيسة بِهَا مَخزُون وَدَسَم وَغِنَى الآباء .
جَمِيل فِي يُوسِف أنَّهُ بَعْدَمَا عَرْض حل المُشْكِلة لِفِرْعُون قَالَ لَهُ { فَالآن لِيَنْظُرْ فِرْعَوْنُ رَجُلاً بَصِيراً وَحَكِيماً وَيَجْعَلْهُ عَلَى أرْضِ مِصْرَ } ( تك 41 : 33 ) .. بَدَأَ يَضْع الخِطَّة لِلعِلاَج .. لكِنْ هَلْ تَفْهمْ مِنْ كَلاَم يُوسِف أنَّهُ يَقْصِد نَفْسه ؟ أم يَقُول لِفِرْعُون أُرِيدك أنْ تَرَى إِنْسَان حَكِيم بَصِير ؟ فِكْرِة فِرْعُون عَنْ يُوسِف أنَّهُ أوَّلاً سَجِين أي بِلاَ كَفَاءة وَثَانِياً أنَّهُ سَاحِر يَحِل الأُمور بِالسِحر لكِنْ لَيْسَ مِنْ مُجْرَّد تَفْسِير حِلْم يَصِير رَئِيس وُزَرَاء .. يُوسِف قَالَ لَهُ أُنْظُر إِنْسَان حَكِيم بَصِير .. جَيِّد أنَّ يُوسِف يُقَدِّم حل يَقُوم بِهِ غَيْره .. إِتِضَاع .. يُقَدِّم الخِير بِدُون مُقَابِل شَخْصِي .. لَمْ يَقُل أنَا سَأقُوم بِهذَا الأمر .. لَمْ يَقُل .. أنَا .. حَتَّى أنَّ فِرْعُون فِي البِدَاية قَالَ لَهُ أنَا أعْلم أنَّكَ تُجِيد تَفْسِير الأحلاَم .
إِجَابِة يُوسِف { لَيْسَ لِي . الله يُجِيبُ بِسَلاَمَةٍ فَِرْعَوْنَ } ( تك 41 : 16) .. لَيْسَ لِي .. جَمِيل فِي يُوسِف أنَّهُ يُقَدِّم الخِير دُونَ أنْ يَطْلُب مَا لِنَفْسه .. أحْيَاناً عِنْدَمَا يُقَدِّم إِنْسَان شِئ يُرِيد هُوَ أنْ يَقُوم بِهِ وَنَحْنُ المَصْرِيِين لَدَيْنَا إِسلُوب هُوَ " يَا فِيهَا لاَ اخفِيهَا " .. يُوسِف يَعْلم أنَّ لَدَيْهِ الإِمْكَانِيَّة لِفِعْل ذلِك لكِنْ فِرْعُون لاَ يَعْلم وَيُوسِف لَمْ يَقُل لَهُ .. يَا لِرَوعِة يُوسِف فِي إِتِضَاعه وَتَقْدِيمه الآخَرِين عَنْ نَفْسه .. جَمِيل أنْ يَتَكَلَّم بِإِتِضاع وَحِكمة وَلَدَيْهِ ذِهن مُسْتَنِير .
عِنْدَمَا قَالَ لَهُ فِرْعُون قَدْ جَعْلتك عَلَى كُلَّ مِصْر .. { وَخَلَعَ فَرْعُونُ خَاتَمَهُ مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ } ( تك 41 : 42 ) .. لِنَرْبُط ذِلك بِرَبَّ المجد يَسُوع .. يُوسِف الَّذِي خَرَجَ مِنْ السِّجْن رَمز لِلمَسِيح الَّذِي قَامَ مِنْ الموت وَصَعَدَ لِلسَّمَاء وَتَرَاءى أمَام الآب .. هذَا هُوَ يُوسِف الَّذِي خَرَجَ مِنْ السِّجْن وَتَرَاءى أمَام فِرْعُون .. شَهَدَ لَهُ فِرْعُون وَجَعَلَ خَاتِمَهُ بِيَدِهِ .. مَا هذَا ؟ السِّجْن هُوَ القبر .. خَرَجَ مِنْ السِّجْن أي القِيَامة .. ذَهْب إِلَى فِرْعُون أي تَرَاءى أمَام الآب وَأخْذ الطَبِيعة الجِدِيدة المُمَجَّدة أي غَلْب الموت .. أخْذ الخَاتِم هذَا هُوَ عَطِيَّة الرُّوح القُدُس الَّتِي أعْطَاهَا يَسُوع لِلكِنِيسة .
قَالَ لَهُ فِرْعُون خُذ هذَا الخَاتِم لِتَخْدِم بِهِ البلد .. لِذلِك يَقُول { وَألْبَسَهُ ثِيَابَ بُوصٍ وَوَضَعَ طَوْق ذَهَبٍ فِي عُنُقِهِ . وَأرْكَبَهُ فِي مَرْكَبَتِهِ الثَّانِيَةِ وَنَادُوْا أمَامَهُ ارْكَعُوا } ( تك 41 : 42 – 43 ) .. مَنْ الَّذِي يَرْكع ؟ المَصْرِيِين أمَام يُوسِف الَّذِي بَاعَهُ إِخْوَتَهُ وَرَفَضُوه .. المَصْرِيُون رَكَعُوا أمَامه .. المَسِيح الَّذِي رَفَضِته خَاصِّته قَبَلَهُ الأُمم وَرَكَعُوا أمَامه وَسَجَدُوا لَهُ .

سِر عَظَمِة يُوسِف فِي

(1) لَمْ يَتَأثَّر بِالوَسْط المُحِيط :0
===================================
كَانَ عُمْره سَبْعة عَشَرَ سَنْة عِنْدَمَا بَاعُوه إِخْوَته وَالآن عُمْره ثَلاَثُون سَنْة .. هَلْ تَعْلم مَعْنَى السِن مِنْ سَبْعة عَشَرَ إِلَى الثَّلاَثِين فِي عُمْر شَاب ؟ أصْعب مَرْحَلْة يَحْيَاهَا الإِنْسَان بِهَا نِزَاعَات وَرَغَبَات وَشَهَوَات وَطُمُوحَات .. هذِهِ المَرْحَلْة عَاشَهَا وَسْط أرْض مَصْر .. وَهَلْ مِصْر مُتَدَيِنة ؟ بِالطبع لاَ لكِنْ يُوسِف عَاشَ فِي هذَا الوَسْط المُتْعِب وَحَفْظ نَفْسه .. هَلْ أسْتَطِيع أنَا أنْ أحْفظ نَفْسِي مَهْمَا كَانِت الإِغْرَاءات وَمَهْمَا كَانَ الوَسْط المُحِيط فَاسِد ؟
حَفْظ نَفْسه فِي بَيْت فُوطِيفَار وَحَفْظ نَفْسه مِنْ الشَّهوة وَحَفْظ نَفْسه فِي السِّجْن وَحَفْظ نَفْسه مِنْ الثَقَافة الغَرِيبة .. عَاشَ فِي وَسْط وَثَنِي وَالأخْطر أنَّ الكِتاب يَقُول أنَّ زَوْجة يُوسِف كَانْت إِبنة كَاهِن وَثَنِي .. كَانِت بِنْت كَاهِن فُوطِي فَارَعَ كَاهِن أُونَ .. وَأُون هُوَ وَثن .. قَدْ نَقُول هُنَا إِنْتَهَى يُوسِف بَعْد أنْ حَافِظ عَلَى نَفْسه فِي كُلَّ مَا سَبْق .. لاَ .. رَغمْ أنَّهُ تَزَوَّج بِنْت كَاهِن وَثَنِي إِلاَّ أنَّهُ حَفْظ نَفْسه حَتَّى أنَّهُ عِنْدَمَا أعْطَاهُ الله أولاد كَانَ مُمكِنْ يُعْطِيهُمْ أسماء مَصْرِيَّة مِثْل رَع .. أمنحُتُب .. لاَ .. سَمَّى إِبنْه البِكر " مَنَسَّى " .. { قَائِلاً لأِنَّ اللهَ أنْسَانِي كُلَّ تَعَبِي وَكُلَّ بَيْت أبِي } ( تك 41 : 51 ) .. قَدْ يَقُول الله أنْسَانِي أيَّام الهَمْ وَالظُلم وَلأِعِيش الآن حَيَاتِي .. لاَ .. عِنْدَمَا أعْطَاهُ الله إِبنْه البِكر شَكَرَهُ عَلَى عَطِيِته الجَمِيلة وَأسمَاه مَنَسَّى .
لكِنْ أسْنَات زَوْجَته لاَ تَعْرِف الله .. يَقُول يُوسِف .. لاَ .. هَلْ تَتَخَيَّل إِنِّي مَادُمْت قَدْ إِرْتَبْطت بِهَا أنْ أتَأثَّر بِهَا وَأحْيَا كَحَيَاتهَا ؟ .. لاَ .. هِيَ الَّتِي تَأثَّرت بِيَّ وَلَسْتُ أنَا بِهَا .. ثُمَّ أعْطَاهُ الله إِبنْه الثَّانِي فَسَمَّاه " أفْرَايِمَ " .. { وَدَعَا اسْمَ الثَّانِي أفْرَايِمَ قَائِلاً لأِنَّ اللهَ جَعَلَنِي مُثْمِراً فِي أرْضِ مَذَلَّتِي } ( تك 41 : 52 ) .. رَغمْ إِنِّي فِي أرْض صَعبة إِلاَّ أنَّ الله جَعَلَنِي مُثمِراً .. مَا أجملك يَا يُوسِف وَأنْتَ فِي بَيْت فِرْعُون مُتَذَكِّر دَائِماً الله وَلَمْ تَتَأثَّر .. لَمْ تَأخُذ طِبَاعِهِمْ لكِنَّكَ أخْذت مِنْهُمْ مَا يُنَاسِبك فَقْط .. مُمكِنْ تِعِيش ثَلاَثة عَشَرَ سَنْة فِي سِنْ حَسَّاس وَلاَ تَتَأثَّر ؟ لِذلِك لَوْ سَمْح الله لَكَ أنْ تُسَافِر أوْ تَكُون فِي أي مُجْتَمع إِحْذر أنْ تَتَأثَّر بِهِ بَلْ كُنْ مُؤثِّر فِيهِ .

(2) كَانَ مُجْتَهِد :0
===================
كُلَّ شِئ عَمَلَهُ بِإِتقان وَأمانة .. فِي بَيْت أبِيهِ كَانَ أمِين فِي خِدمِته لأِبِيهِ وَإِخْوَته .. قَالَ لَهُ أبوه إِذْهب إِفتَقِد إِخْوَتك .. أطَاعَ .. وَذَهَبَ إِلَى شَكِيمَ وَكَانَ بينَهُمْ وَبَيْنَ أهْل شَكِيمَ مُشْكِلة الَّتِي تَسَبَّبت فِيهَا دِينَا أُخْتُهُمْ وَكَانَ يُوسِف مُعَرَّض لِلخطر لكِنَّهُ ذَهْب وَلَمَّا لَمْ يَجِد إِخْوَته هُناك بَحَثَ عَنْهُمْ حَتَّى وَجَدْهُمْ .. أيْضاً فِي بَيْت فُوطِيفَار كَانَ أمِين نَشِيط حَتَّى أنَّ فُوطِيفَار وَكَّلَهُ عَلَى بَيْتَهُ .. فِي السِّجْن كَانَ أمِين مُجْتَهِد .
مُشْكِلِة الشَّاب أنَّهُ يَقُول لَكَ أنَا مُحْبط مُتْعب .. لأِنَّهُ غِير مُجْتَهِد رَغمْ أنَّهُ فِي إِمكَانِه أنْ يَجْتَهِد فِي كُلِّيِته وَيَحْصُل عَلَى تَقْدِير أوْ يَجْتَهِد وَيَتَعَلَّم مَهَارة .. لكِنَّهُ يَرْفُض .. سِر عَظَمِة يُوسِف أنَّهُ مُجْتَهِد فِي كُلَّ مَكَان يَذْهب لَهُ .. الإِجتِهَاد فِي العَمْل البَسِيط يِوَصَلْك لِلعَمْل الكِبِير .. الأمِين فِي عَمَله كَرَجُل عَامِل كَالأمِين فِي عَمَلْه كَرَئِيس .. الأمَانة لاَ تَتَجَزأ .. الأمَانة لاَ تَتَوَقف عَلَى مَوْقِع .. الأمَانة هِيَ الأمَانة فِي أي عَمْل .
يُوسِف مُجْتَهِد لِذلِك يَقُول الكِتاب { فَخَرَجَ يُوسُفُ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ } ( تك 41 : 46 ) .. كَانَ بِإِمكَانه أنْ يَنَام فِي بَيْتِهِ وَيُعْطِي أوَامِر لِمَنْ حَوْله وَيُعَوِّض أيَّام المَذَلَّة وَالتَعْب وَيَسْتَرِيح .. لكِنْ الكِتاب يَقُول أنَّهُ خَرَجَ مِنْ لَدُنْ فِرْعُون { وَاجِتَازَ فِي كُلِّ أرْضِ مِصْرَ } ( تك 41 : 46 ) .. أمَامه عَمْل كَثِير يُرِيد أنْ يَرَى الأرْض الَّتِي تُعْطِي محصُول غَنِي وَيَبْنِي مَخَازِن وَيِخَزِّن مَاء وَيُصْلِح أرَاضِي وَيِخَزِّن قَمْحٌ وَ ......... نَقُول لَهُ جَيِّد أنْ تُوَكِّل إِنْسَان عَلَى كُلَّ هذِهِ الأعمَال .. يَقُول .. لاَ .. لاَبُد أنْ أعمَل بِنَفْسِي .. جَمِيل يَا يُوسِف فِي إِجتِهَادك وَأمانْتك .
خَرَجَ مِنْ عِنْدَ فِرْعُون وَاجْتَازَ فِي كُلَّ أرْض مِصْر .. قُلْنَا أنَّ يُوسِف يَرْمُز لِلمَسِيح .. يَسُوع جَاءَ إِلَى مِصْر وَاجْتَازَ أرْض مِصْر مِنْ أوِّل سِينَاء وَنَزَلَ جَنُوباً إِلَى بَرِّيَّة شِيهِيت حَتَّى أسْيُوط ثُمَّ عَادَ مَرَّة أُخْرَى .. إِجْتَازَ .
يُوسِف خَزِّن قَمْحٌ كَرَمل البحر .. مُتقِن جِدّاً فِي عَمَلْه .. هَلْ تُرِيد أنْ تَكُون عَظِيم ؟ إِجْتَهِد فِي عَمَلْك وَلِيَكُون لِوْقتك قِيمة وَلاَ تَكُنْ كَسُول مُبَدِّد لِلوقت .. مُشْكِلِتنَا أنَّنَا لاَ نُفَكِّر .. نُرِيد الأُمور تَسِير مِنْ ذَاتهَا .. أقْصَى شِئ أنَّكَ تَسْأل الشَّاب مَاذَا تَفْعل فِي الأجَازة الصَيفِيَّة ؟ يَقُول لَكَ أُمَارِس لِعْب الكُرة أوْ أذْهب إِلَى " السَايبر " .. وَفِي الدِرَاسة ؟ يَقُول لَكَ أسْتَرِيح مِنْ لِعْب الكُرة وَأفَكَّر فِي اللِعْبة الَّتِي سَأُمَارِسهَا الصِيف القَادِم .. هَلْ هذَا يَنْجح ؟ .. لاَ .. لاَبُد أنْ تَشْعُر بِإِهتِمَامَاتك .. لاَبُد أنْ يَكُون لَكَ إِهتِمَامَات عُظْمَى تَجْذِبك وَتَجْذِب إِنْتِبَاهك وَجَهْدك وَفِكرك .. إِهْتَمْ بِالوقت لأِنَّهُ أساس النَجَاح .

(3) كَانَ مَشْغُول بِالله :0
==========================
يُوسِف لَمْ تَنْقَطِع عِشْرَته مَعَ الله فِي أي مَرْحَلْة مِنْ المَرَاحِل .. رَغمْ مَشْغُولِيَاته الكَثِيرة لَمْ يَنْسَى الله حَتَّى بَعْدَ أنْ أخْذ هذَا المَنْصِب الحَسَّاس لَمْ يَنْسَى الله .. عِنْدَمَا أتُوا إِليْهِ إِخْوَته رَغمْ أنَّهُ تَعَامل مَعَهُمْ بِجَفَاء بعض الشِئ إِلاَّ أنَّهُ عَاملهُمْ بِكُلَّ حُنُو وَرِفق وَأعْطَاهُمْ غِنَى جَزِيل .. كَانَ بِإِمكَانه أنْ يَنْتَقِمْ بِقَسْوة لكِنَّهُ قَالَ أنَا مَازِلت أتَذَكَّر الله .. أنَا أعَامِل الله .. وَعِنْدَمَا قَالَ لَهُمْ أنَا يُوسِف أخْوكُمْ خَافُوا مِنْهُ جِدّاً فَأجَابَهُمْ لَسْتُمْ أنْتُمْ الَّذِينَ أرْسلتُمُونِي بَلْ الله الَّذِي أرْسَلَنِي لأِسْتِبقاء حَيَاة .
حَتَّى فِي مَجْده كَانَ فِي عِشْرة قَوِيَّة مَعَ الله .. كَانَ مُمكِنْ يِضْعف وَيَقُول هؤلاء هُمْ مَنْ بَاعُونِي شِمْعُون وَهذَا رَآوبِين وَيَهُوذَا الظَّالِمِين .. لاَ .. نَجِد لَهُ عِشْرة مَعَ الله .. لَهُ وَقت صَلاَة وَوَقت خَفَاء .. الله أعْطَاه رِسَالة فِي حَيَاته أنْ يَخْدِم الآخَرِين .. شَعَرَ أنَّ كُلَّ أُموره فِي يَد الله .
جَمِيل يُوسِف أنَّهُ شَاب وَجَمَعَ مَجَالين نَاجِحين فِي حَيَاته مَجَال عَمَلِي وَمَجَال رُوحِي .. كَثِيراً مَا يبدُو لَنَا أنَّ هَاتين النُقطَتين مُتنَاقِضَتين إِمَّا أنْ نَحْيَا حَيَاتنَا وَإِمَّا أنْ نَعِيش مَعَ الله .. لاَ .. أجمل شِئ أنْ تَحْيَا الإِثنَان مُتَوَازِيَان .
هذَا هُوَ يُوسِف الَّذِي يُنْفِق مِنْ طَاقِة ذِهْنه وَجَسَده لأِمُور حَيَاته الطَبِيعِيَّة وَالبَشَرِيَّة وَنَاجِح وَمُجْتَهِد فِي عَمَله .. هذَا هُوَ يُوسِف الَّذِي يُنْفِق طَاقِة ذِهْنه وَجَسَده لله .. نُقْطة نَصْطَدِم بِهَا .. مُعَادلة صعبة أنْ نُوَازِي حَيَاتنَا العَمَلِيَّة بِالرُّوحِيَّة .. هَلْ تُرِيدَنِي أنْ أحْيَا مَعَ الله ؟ أُترُكنِي فِي حُجرة وَاغلِق عَلَيَّ بَابهَا وَاعْطِنِي أجبِية وَإِنْجِيل وَ ....... هُمْ ثَلاَثة أيَّام فِي الدِير نَحْيَا فِيهَا مَعَ الله وَنَحْيَا حَيَاة الرُهبَان لكِنْ أنْ تَجْعَلَنِي أذْهب لِلعَمْل وَأسِير فِي الشَّارِع وَأذْهب لِلبِيت وَأرَى عَثَرَات ثُمَّ تَطْلُب مِنِّي أنْ أعِيش مَعَ الله فِي كُلَّ هذَا .. كَيْفَ ؟ أمر صعب حَاوِلت فِيهِ وَفَشْلت .. لاَ .. عَظَمِة يُوسِف أنَّهُ نَجَحَ فِي الإِثنَان .
لأِنَّنَا نَتَكَلَّم كَثِيراً عَنْ الآبَاء الرُهبَان وَأنَّهُمْ نَجَحُوا فِي عِشْرِتهُمْ مَعَ الله لأِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَيَاة عَمَلِيَّة فَنَتَخَيَّل أنَّهُ لاَ يُمْكِنْ أنْ نَحْيَا الإِثنَانِ مَعاً .. لكِنْ لاَ .. يُوسِف جَمِيل لأِنَّ لَهُ حَيَاتك العَمَلِيَّة لَهُ عَمْل وَاحْتِكَاك مَعَ التَقِي وَالبَار .. يَعْرِف كَيْفَ يَتَعَامل مَعَ إِخْوَته رَغمْ أنَّهُمْ لاَ يُحِبُّوه وَيَتَعَامل مَعَ فُوطِيفَار الَّذِي يُحِبَّه وَمَعَ زَوْجة فُوطِيفَار الَّتِي لاَ تُحِبَّه .. مَعَ السُجَنَاء بِمُختَلْف أنواعهُمْ وَبِهُمْ أرْدِيَاء كَثِيرُون لأِنَّهُ لاَ يُوجد فِي السِّجْن إِنْسَان مَشْهُود لَهُ بِالإِحتِرَام .. وَمَعَ كُلَّ ذلِك كَانَ لِيُوسِف إِحْتِرَام عِنْدَ الكُلَّ وَمَحَبَّة عِنْدَ الكُلَّ وَحُنُو مَعَ الكُلَّ .. هذَا أجمل مَا تَتَعَلَّمه كَيْفَ تَكُون نَاجِح جِدّاً فِي حَيَاتك العَمَلِيَّة وَحَيَاتك مَعَ الله فِي نَفْس الوقت .. تَرَى دَاوُد النَّبِي وَهُوَ مَلِك يَقُول { سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي النَّهَارِ سَبَّحْتُكَ عَلَى أحْكَامِ عَدْلِكَ } ( مز 118 – القِطعة 20 مِنْ الخِدمة الأُولَى مِنْ صَلاَة نِصف الَّلِيل ) .
هذَا كُلَّه جَعَلَ يُوسِف عَظِيم جِدّاً وَخَزِّن قَمْحٌ فِي أرْض مِصْر ثُمَّ وَصَلِت المَجَاعة لأِخْوَته وَذَهَبُوا لَهُ وَاشْتَرُوا مِنْهُ قَمْحٌ مَرَّة وَإِثنَان ثُمَّ أحْضر يَعْقُوب أبِيهِ وَجَعَلَهُمْ كُلُّهُمْ يُقِيمُون عِنْده فِي أرْض مِصْر كَجُزء مِنْ تَدْبِير الله كَي يَخْرُجُوا مِنْ أرْض مِصْر وَيَذْهَبُوا إِلَى كَنْعَان .
كُلَّ هذَا إِسْتَخدِمه الله بِشخْصِيِة يُوسِف .. كَيْفَ يَأتِي بَنِي إِسْرَائِيل لِمِصْر ؟ بِيُوسِف .. كَيْفَ يُسْتعبَدُوا فِي أرْض مِصْر مِنْ فِرْعُون وَيُقَاومُوا فِرْعُون كَي يَخْرُجُوا مِنْ مِصْر إِلَى كَنْعَان ؟ بِيُوسِف .. كَيْفَ يُدَبِّر الله الفِصْح مَعَ خُرُوجِهِمْ ؟ كُلَّ هذَا وَرَاءه يُوسِف .
تَخَيَّل أنَّ الله يَسْتَخدِم تَجْرُبَتك لِبُنيَان الكِنِيسة .. يَسْتَخدِمك أنْتَ لأِسْتِبقَاء حَيَاة .. يَسْتخدِمك أنْتَ فِي ضِيقة كَي يَتَعَلَّم غِيرك كَي يَرُوا إِحتِمَالك وَبِرَّك .. كَمْ الله عَجِيب فِي تَدْبِيره .. { وَخَلَعَ فَرْعُونُ خَاتَمَهُ مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ } ( تك 41 : 42 ) .. الله يُرِيد أنْ يُعْطِيك خَاتِمه .. سُلْطَانه .. قُوَّته .. مَسْحَته .. إِسْمه .. الله جَعَلَ إِسْمه فِي يَدِكَ فَمَاذَا تُرِيد أكثر مِنْ ذلِك ؟ قِصَّة يُوسِف بِهَا مَعَانِي عَظِيمة جِدّاً ليْتَنَا نَتَعَلَّم مِنْهَا .
رَبِّنَا يِكَمِّل نَقَائِصنَا وَيِسْنِد كُلَّ ضعف فِينَا بِنِعْمِته
لَهُ المجد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين

عدد الزيارات 8470

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل