تأملات فى حياة أبونا يعقوب ج2

Large image

أبونا يعقوب ج2
حُرِم يعقوب من رؤية أمه وأبوه وعاش غريب عشرون سنة عبد .. لأن الأُسلوب البشري نتيجته عقوبة .. ولكن سنرى أبونا يعقوب وهو خارج من بيت أبيه في سفر التكوين .. ” فخرج يعقوب من بئر سبع وذهب نحو حاران .. وصادف مكاناً وبات هناك لأن الشمس كانت قد غابت .. وأخذ من حجارة المكان ووضعهُ تحت رأسهِ فاضطجع في ذلك المكان .. ورأى حُلماً وإذا سُلم منصوبة على الأرض ورأسُها يمس السماء .. وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها .. وهوذا الرب واقف عليها فقال أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق .. الأرض التي أنت مُضطجع عليها أُعطيها لك ولنسلك .. ويكون نسلُك كتراب الأرض وتمتد غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً .. ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض .. وها أنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردُّك إلى هذه الأرض لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلَّمتُك به .. فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حقاً إن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم .. وخاف وقال ما أرهب هذا المكان .. ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء “ ( تك 28 : 10 – 17) .
خرج يعقوب من بئر سبع – مكان بيت أبيه – .. إن الله عندما رأى أبونا يعقوب فعل هذه الحيلة أراد أن يؤدبه فأرسله إلى بيت خاله لابان لكي يذوق من نفس الكأس الذي أعطاه لأبوه وأخوه عيسو .. وهو كأس الغش والخداع .
إن الله أحبَّ يعقوب وأراد أن يعدُّه لكي يكون إسرائيل الله .. لكي يكون رئيس الآباء .. فعندما أراد عيسو أن يقتل يعقوب وجدنا أن أبونا إسحق بارك يعقوب ولم يُعاتبه وأطلقه بسلام .. فرأى أبونا إسحق أن ما حدث هو مشيئة إلهية هو لا يعلمها .
بدأ أبونا يعقوب لأول مرة يشعر بالوحدة بعد خروجه من بيت أبيه .. وهو يشعر أنه مطرود .. خرج وهو هارب من أخيه .. في الخلاء يشعر بضيق ونفسية مُتعبة .. وبغروب الشمس بدأ يتسلل له الخوف وظهرت أمامه الصحراء بصعوبتها .. فأخذ حجارة ليسند عليها رأسه لينام .. هنا وجدنا الله الحنون الذي يعرف متى يظهر لكي يسند أولاده ولا يتخلى عنهم .. إلهنا الذي يعرف متى يؤدب ومتى يُشجع .. فإنه رأى أن يعقوب ليس في وقت تأديب ولكنه يحتاج إلى تشجيع .
إيليا النبي ذات مرة ضغُف إيمانه وهرب من وجه إيزابل .. فخرج وهرب إلى جبل في الصحراء .. وهذا الفعل أغضب الله جداً .. فقال الله له أنه سيُقيم أليشع نبي عِوضاً عنه ولكن ليس في وقت خوفه .. ففي وقت الخوف أرسل له ملاك يعوله ويُشجعه .
وإذا رجعنا ليعقوب الذي أراه الله سُلم ويقف الله أعلى السُلم ليسند ضعفه ويُشجعه لأنه رآه حزين وخائف وكان عليه أن يُطمئنه ويقول له أنه قُوَّته وتِرسه .. يرى سُلم عليه ملائكة صاعدة وملائكة تنزل .. وكما يعلمنا الآباء القديسين أننا في وقفة الصلاة يوجد سُلم عليه ملائكة صاعدة بالطِلبات وملائكة نازلة بالنِعَم .. وعد الله يعقوب أن يعطيه الأرض له ولنسله .. في الوقت الذي كان لا يعرف يعقوب مصيره .
أحياناً تكون الضيقات هي وسيلة حديث الله معنا .. وتكون هي الوسيلة الوحيدة لأخذ البركات والنِعَم .
عندما كان أبينا يعقوب عايش مُرفَّه في بيت أبوه .. وكانت أمه هي التي تعوله وتجذبه وتدبر له حياته كان لا يمكن أن يرى السُلم الذي بين الأرض والسماء ولم يأخذ الوعد بالبركات .. ولكن عندما عاش تجربة التخلي عن الأرض والأحباء وعن ذاته ويكون غريب ليس له سند هنا يُعلن الله نفسه ويقول له إنه تُرس له .
أحياناً الإمكانيات البشرية تعوق نِعَم الله .. يرى الإنسان الأرض وهو بمفرده مُتألم .. الله بيضع لنا مناهج نسلُك بها .. لابد أن يكون في حياتنا تجارب وضيقات واختبارات وحدة .. يقول أرميا النبي ” يجلس وحده ويسكت “ ( مرا 3 : 28 ) ..لكي نُعطي الفرصة لله لكي يُحدثنا .
فرح أبونا يعقوب بهذه الرؤية وتعزى جداً وقال ” حقاً إن الرب في هذا المكان “ .. فما أجمل أن نقول نحن هكذا عندما نشعر بوجوده بجانبنا .
” أخذ الحجر الذي وضعهُ تحت رأسه “ .. فإن الحجر إشارة إلى الرب .. ” وأقامهُ عموداً وصبَّ زيتاً على رأسهِ ودعا اسم ذلك المكان بيت إيل “ ( تك 28 : 18 – 19) .. كأنه يُدشن مذبح ويُقيمه باسم الله الحي .. وهذا تقليد أخذته الكنيسة وسلِّمته للأجيال .
بعدها قام يعقوب وذهب إلى أرض بني المشرق .. إن الله يعطينا تعزيات في الطريق وليس لكي نتكبر ونتكاسل ولكن لكي نسعى بنشاط .. وفي طريقه رأى بئر يستخدمونه الناس لتسقي الغنم والمواشي .. فدائماً البئر في الكتاب المقدس إشارة للمعمودية .. فسأل يعقوب عن لابان وعرف أن ابنته ستأتي لتسقي الأغنام .. وعندما جاءت راحيل قام يعقوب ودحرج الحجر من على البئر وسقى غنم لابان خاله .
يعقوب مثال للسيد المسيح .. وراحيل إشارة للكنيسة .. والغنم إشارة إلينا نحن .. وجميل أن نرى السيد المسيح يدحرج الحجر لكي يسقينا من ينبوع النِعَم .. فعند المعمودية ربنا يسوع يدحرج الحجر لكل نفس لكي تلتقي بينابيع المياه الحية .
أخبر يعقوب راحيل بأنه ابن رفقة فركضت وأخبرت أباها فخرج لابان للقاءهِ .. بعد الرؤية وجدنا نشاط من يعقوب .. رأى محبة وعمل الله .. نفس البئر الذي التقى فيه يعقوب براحيل هو نفس البئر الذي شاهد فيه أليعازر الدمشقي رفقة وخطبها لإسحق .. لأن هذا البئر ( المعمودية ) يخطب فيها المسيح النفس للروح .. مصدر كل النِعَم .
في البداية سقى يعقوب الغنم باختيارهِ ( مجاملة ) .. ولكن بعد ذلك كان يسقي الغنم بإجبار ( مشقة ) .. بعد أن أتم يعقوب شهر في بيت خاله وهي فترة الضيافة في العهد القديم سأل لابان يعقوب عن أجرته لأنه سيعمل عنده .
ذكر الكتاب المقدس أن ليئة الأخت الكبرى لراحيل وقال عنها ” وكانت عينا ليئة ضعيفتين “( تك 29 : 17) .. أما يعقوب فأحبَّ راحيل وطلب من لابان أن يعمل عنده سبع سنوات لكي يأخذها لأنه أحبها .. كانت في عينيهِ كأيام قليلة ( تك 29 : 20 ) .
إن المحبة تجعل الصعب سهلاً والزمن يسير والتعب قليل .. لذلك يقول لنا الرب يسوع أننا سنعيش معه فترة على الأرض فبماذا نخدمه ؟ نخدمه بالملكوت .. ” نصيبي هو الرب قالت نفسي “ ( مرا 3 : 24 ) .
عندما يشعر بالتعب يقول في نفسه أنه سيأخذ راحيل .. وعلينا نحن أن نقول هذا عندما نتعب في الأرض .. علينا أن نعرف أننا سنحصل على السماء وسيكون المسيح نصيبي وحياتي .. لذلك يقول معلمنا الأنبا أنطونيوس ” يا أولادي وصايا الله ليست ثقيلة ولا صعبة “ .. إن الوصية تكون صعبة على الذي لا يعرف المكافأة .. إن راحيل ليست مجرد إمرأة ولكنها شرِكة ميراث المسيح .. مكافأة الله له .
بعد مرور السبع سنوات قال يعقوب للابان ” أن أيامي قد كمُلت “ ( تك 29 : 21 ) .. وعندما دخل عليها في الصباح وجدها ليئة .. هذه هي تأديبات الله له بأن يخدعه – لابان – ويعطيه ليئة .. وهنا نقول لماذا أشار الكتاب المقدس لليئة وعينيها الضعيفتين ؟ لأن ليئة إشارة إلى الناموس والعهد القديم ذات القدرة الضعيفة على اكتشاف المسيا .. أما راحيل إشارة إلى العهد الجديد فكانت حسنة المنظر وحسنة الصورة .
” وفي الصباح إذا هي ليئة .. فقال للابان ما هذا الذي صنعت بي .. أليس براحيل خدمت عندك .. فلماذا خدعتني .. فقال لابان لا يُفعل هكذا في مكاننا أن تُعطى الصغيرة قبل البكر .. أكمل أُسبوع هذه فنعطيك تلك أيضاً بالخدمة التي تخدمني أيضاً سبع سنينٍ أُخر .. ففعل يعقوب هكذا" ( تك 29 : 25 – 28 ) .. ليئة ( العهد القديم ) يعمل أولاً ثم يأخذ .. أما راحيل ( العهد الجديد ) تأخذ أولاً ثم تعمل .. إن الناموس في العهد القديم يعمل الإنسان .. يجاهد كثيراً حتى يحصل على نعمة .. أما العهد الجديد يعطيك النعمة لتجاهد بها .. نحصل على المعمودية في البداية – نعمة – ثم نجاهد بها طول الحياة .. أي النعمة مُقدماً .
إكتشف النِعَم والفضائل التي حصلت عليها من الله .. وبدأ الصراع بين الزوجات .. وجعل الله ليئة تُنجب .. أراد الله أن يسند ضعفها لأنها غير جميلة فأعطاها نسل .. لكنها كانت مكروهة ففتح رَحَمْهَا .. أما راحيل فكانت عاقراً .. ما أجمل عدلك يارب !! الله لم يترك أحداً صغير النفس .. لا يمكن أن يكون ديان الأرض لا يصنع عدلاً !!
ولدت ليئة أربعة أولاد ثم أعطت راحيل جاريتها بلهة ليعقوب وأتى منها بولدين .. ثم أعطت ليئة جاريتها زلفة ليعقوب وجاءت منه بولدين .. وأصبح عدد الأولاد عشرة بنين .. وبعدها أنجبت راحيل يوسف وبنيامين وأصبح العدد إثنى عشر ولد .
هذا هو عمل نعمة الله في أولاده .. ويوسف الذي ختم به المواليد كأنه اشتياقنا للحياة السماوية ورحلتنا في العالم حتى نتمتع بنور الأبدية .
هذا جزء من حياة أبونا يعقوب الطويلة
ونطلب من الله أن يكمل نقائصنا ولا يُعاملنا بحسب خطايانا
ويسند كل ضعف فينا بنعمته
له المجد دائماً أبدياً آمين

عدد الزيارات 3973

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل