حياة أبونا إبراهيم ج2

حياة أبونا إبراهيم ج2
الخِلاَف بَيْنَ رُعَاة إِبْرَاهِيم وَرُعَاة لُوطٌ
مِنْ سِفْر التَّكْوِين بَرَكَاتُه عَلَى جَمِيعْنَا آمِين { وَلَمْ تَحْتَمِلْهُمَا الأَرْضُ أَنْ يَسْكُنَا مَعاً } ( تك 13 : 6 ) .. الإِنْسَان الَّذِي لَدَيْهِ حُبْ المَلْكِيَّة لَدَيْهِ لُوْن مِنْ ألْوَان الطَّمَعْ فَتَكْثُر عَلَيْهِ المَشَاكِلْ .. فَمُعظَمْ النَّاس الَّذِينَ لَدَيْهِمْ مَشَاكِلْ يَكُون لَدَيْهِمْ الطَّمَعْ وَحُبْ المِلْكِيَّة وَلِذلِك لاَ يَقْدِرُون أنْ يَعِيشُوا فِي سَلاَمٌ .. فَلَمْ تَحْتَمِلْهُمَا الأرْض فَهُمْ لاَ يَقْدِرُوا أنْ يُحِبُّوا بَعْض وَلاَ يَقْبَلُوا بَعْض أوْ يَتَنَازَلُوا لِبَعْض .. العَجِيب أنَّ أبُونَا إِبْرَاهِيم أخَذَ المُبَادَرَة بِالسَّلاَم فَهِيَ سِمَة الإِنْسَان المُتَكِلْ عَلَى الله وَأنَّ سَلاَمُه لَيْسَ مِنْ الأرْض لكِنْ مِنْ الله .. هُوَ الَّذِي يُقَدِّم الحُلُول وَيَسْعَى إِلَى تَحْقِيق السَّلاَم وَيُقَدِّم التَّنَازُل فَيَقُول لَهُ { أَلَيْسَتْ كُلُّ الأَرْضِ أَمَامَكَ . اعْتَزِل عَنِّي . إِنْ ذَهَبْتَ شِمَالاً فَأَنَا يَمِيناً وَإِنْ يَمِيناً فَأَنَا شِمَالاً } ( تك 13 : 9 ) .
الإِخْتِيَار كَانَ لِلكَبِير وَلَيْسَ الصَّغِير فَكَانَ يَجِبْ أنْ يَقُول لُوطٌ إِخْتَار أنْتَ وَأنَا أخْتَار عَكْس إِخْتِيَارَك لكِنْ لُوطٌ إِخْتَار وَيَقُول الكِتَاب { فَرَفَعَ لُوطٌ عَيْنَيْهِ وَرَأَى كُلَّ دَائِرَة الأُرْدُنِّ أَنَّ جَمِيعَهَا سَقْيٌ قَبْلَمَا أَخْرَبَ الرَّبُّ سَدُوم وَعَمُورَةَ كَجَنَّةِ الرَّبِّ كَأَرْضِ مِصْرَ . فَاخْتَارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ وَارْتَحَلَ لُوطٌ شَرْقاً ..وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ أَشْرَاراً وَخُطَاةً لَدَى الرَّبِّ جِدّاً } ( تك 13 : 10 – 13) .. الإِنْسَان الَّذِي يَنْظُر إِلَى الأرْض تَكُون عَيْنُه فِي المِلْكِيَّة وَلاَ يَهِمُّه الشَّر فَأهْل سَدُوم وَعَمُورَة أشْرَار وَلكِنْ أنَا فِي حَالِي وَإِنْ كَانُوا أشْرَار جِدّاً فَأنَا أحَافِظْ عَلَى نَفْسِي .. فَأنَا لَدَيَّ ثِقَة فِي نَفْسِي .. أنَا حَجْعَلْهُمْ أبْرَار وَلكِنْ الحَقِيقَة تُشِير إِلَى أنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعْ أنْ يَبْقَى فِي حَالُه أوْ أنْ يَبْتَعِدْ عَنْهُمْ وَلكِنْ النَّتِيجَة الإِخْتِلاَطٌ بِهُمْ وَتَزَوَّج بَنَات لُوطٌ مِنْ أبْنَائِهُمْ .. فَلُولاَ إِحْسَان الله إِلِيه لُولاَ أنَّهُ أخْرَجَهُ .
{ وَقَالَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيم بَعْدَ اعْتِزَالِ لُوطٍ عَنْهُ . ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ شِمَالاً وَجَنُوباً وَشَرْقاً وَغَرْباً . لأَِنَّ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ . وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ } ( تك 13 : 14 – 16) .. إِرْفَعْ عَيْنَيْكَ إِلَى السَّمَاء عَكْس لُوطٌ الَّذِي نَظَرَ إِلَى الأرْض فَلأِنَّكَ تَرَكْت أُمور الأرْض فَأنَا سَأُبَارِكَك فِي أُمور السَّمَاء .. فَأنْتَ ضَحِّيتْ بِنَصِيبَك فَأنَا سَأُعْطِيك غِنَى وَقُوَّة وَنِعْمَة وَأرْض وَنَسْلٌ .. إِبْرَاهِيم أخَدٌ البَرَكَة بَعْد التَّجْرُبَة وَالإِمْتِحَان وَالتَّزْكِيَة فَرَبِّنَا لَمْ يُعْطِي إِبْرَاهِيم البَرَكَة إِلاَّ بَعْد الإِمْتِحَان .
خِطِّة الله تِتْحَس مَعَ الإِنْسَان فِي الظُّرُوف الصَّعْبَة جِدّاً فَهِيَ تَكْشِفْ الإِشْتِيَاقَات وَالأهْدَاف وَالمَحَبَّة لَوْ نِجِحْت فِي التَّجْرُبَة حَآخُذْ البَرَكَة المِنْتِظِرَانِي مِثْل أبُونَا إِبْرَاهِيم .. نِجِح .. إِرْفَعْ عَيْنَيْكَ الأرْض كُلَّهَا لَك وَنَسْلَك سَيَكُون كَتُرَاب الأرْض .. هُنَاك بَرَكَات كَثِيرَة تَنْتَظِرْنَا لكِنْ تَنْتَظِر مِنَّا نَجَاحٌ .. فِي بَعْض أُمور قَدْ تَبْدُو لَنَا مُصَادَفَة وَلكِنَّهَا بِتَرْتِيبْ وَبِقَصْد عَجِيبْ جِدّاً .. رَغْم شَر سَدُوم جِدّاً لكِنْ لُوطٌ لَمْ يَنْتَبِه وَهُوَ جَالِس فِي سَدُوم 20 سَنَة .. 20 سَنَة لَهُمْ تَأثِير كَبِير عَلَى لُوطٌ فَهُوَ تَدَرَّج فِي الخَطِيَّة .. فِي البِدَايَة لُوطٌ يِقُول سَكَنْت فِي الخِيمَة عِنْدَ حُدُود المَدِينَة فَإِنَّهُ عَاشَ عَلَى الحُدُود لِكَي لاَ يُعَاشِرْهُمْ وَلكِنْ بَعْد ذلِك تَزَوَّج لُوطٌ مِنْهُمْ وَعَاشْ وَسَطْهُمْ وَأخَذْ مِنْ عَادَاتِهِمْ وَطِبَاعِهِمْ .. فَهُنَاك تَدَرُّج فِي الخَطِيَّة فِي النِّهَايَة لَمَّا جَاءَ المَلاَك لِيُخْرِج لُوطٌ كَانَ لُوطٌ جَالِس عَلَى بَاب المَدِينَة مَعَ رُؤَسَائِهِمْ فَقَدْ أصْبَح أحَدٌ أعْمِدَة المَدِينَة فَالرِّجَال الَّذِينَ لَدَيْهِمْ كَلِمَة وَتَأثِير فِي المُجْتَمَعْ يَجْلِسُون عِنْدَ بَاب المَدِينَة وَيُؤخَذْ رَأيِهِمْ فِي المَشَاكِلْ وَالأُمُور التُّجَارِيَّة فَقَدْ صَارَ لُوطٌ أحَدٌ مَشَاهِير سَدُوم .
الخَطِيَّة تَتَدَرَّج .. { كَانَ الْبَارُّ بِالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ يُعَذِّبُ يَوْماً فَيَوْماً } ( 2بط 2 : 8 ) .. وَلَمَّا أرَادْ وَحَبْ أنْ يَخْرُج هُوَ وَأهْلُه قَالَ لَهُمْ " رَبِّنَا قَالْ نُخْرُج لأِنَّهُ سَيُهْلِك الْمَدِينَة فَإِنَّهُ كَانَ كَمَازِح أمَام أصْهَارِهِ " ( تك 19 : 14 ) فَلَقَدْ فَقَدَ المِصْدَاقِيَّة .. فَلَقَدْ إِعْتَادُوا أنْ يَرُوه مُتَسَيِّبْ فِي أُمُور كَثِيرَة فَفَجْأة يَقُول الله سَيُدِينْ المَسْكُونَة بِالعَدْل فَلَمْ يُصَدِّقُوه .. أحْيَاناً نَحْنُ لاَ نُرِيدْ أنْ نُصَدِّق كَلاَم رَبِّنَا وَلَمَّا نِتَكَلَّمْ نَكُون كَمَازِح فِي وَسَطِهِمْ فَلَمْ يَسْتَوْعِبُوا ( أهْل سَدُوم ) الكَلاَم الَّذِي يَقُولُه حَتَّى هُوَ نَفْسُه تَوَانَى عَنْ الخُرُوج وَتَأثَّر بِهُمْ ( تك 19 : 16) فَلَقَدْ كَانَ لُوطٌ كَنُكْتَة كَمَازِح فِي وَسَطٌ أصْهَارِهِ .. فَهُوَ نَفْسُه تَرَاجَعْ عَنْ الخُرُوج فَلَقَدْ تَأثَّر بِهُمْ فَنَظَرَ إِلَى المَكْسَبْ المَادِي وَخَسَرَ زَوْجَتُه وَأوْلاَدُه وَكَادَ أنْ يَخْسَر نَفْسُه لُوْلاَ مَرَاحِمْ الله .. أحْيَاناً نَعِيش فِي المُجْتَمَعْ يَكُون فِيهِ حَاجَات مِنْ سَدُوم وَلِذلِك إِنْ لَمْ نَسْلُك فِي مَخَافِة الله سَنَهْلَك مِثْل لُوطٌ .. فَكَيْفَ نَسْلُك مَعَ التِلِيفِزْيُون وَالفَضَائِيَّات وَالإِنْتَرْنِتْ ؟ إِنْ لَمْ تَكُنْ بِمَخَافَة الله سَنَصِلْ فِي يُوْم إِلَى لُوطٌ .
بَعْد الخُرُوج مِنْ سَدُوم أسْكَر البِنْتَيْنِ أبُوهُمْ لُوطٌ وَعَاشُوا مَعَ أبِيهِمْ عِيشِة الأزْوَاج وَأنْجَبُوا مِنْهُ فَهذِهِ حِيلَة شَيْطَانِيَّة أُخِذَت مِنْ سَدُوم .. الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ فِتْرَة وَنَقُول إِنِّنَا لَنْ نَتَأثَّر بِهِ فَنَجِدْ أنْفُسَنَا نَتَأثَّر وَنَسْلُك سِلُوك سَدُوم وَنَفْعَل الأمر عَيْنُه .. الإِنْسَان الَّذِي يَسْلُك بِمَخَافَة يَخْلُص كَمَا بِنَار ( 1كو 3 : 15) فَإِنَّهُ أمر لَيْسَ بِسَهْل .. لَمَّا خَرَج مِنْ أرْض سَدُوم رَبِّنَا إِتْكَلِّمْ مَعَاه فَلَّمَا يِبْدأ الإِنْسَان يِطِيعُه وَيَتَخَلَّى عَنْ حَاجَات مِتْمَسِك بِهَا الله يَمْلأ هذَا الفَرَاغ .. فَأُخْرُج مِنْ سَدُوم وَأنَا أكَلِّمَك ..فَأُتْرُك شَرَّك وَأنَا أُعَزِّيك .. طِعْنِي وَأنَا أُكَلِّمَك .. جَمِيلٌ أنْ يَشْعُر الإِنْسَان أنَّ الله نَصِيبُه { نَصِيبِي هُوَ الرَّبُّ قَالَتْ نَفْسِي } ( مرا 3 : 24 ) .
مَلِك كَدََرْلَعَوْمَر لَدَيْهِ خَمْس بِلاَدْ تَخْضَعْ لَهُ وَتَدْفَعْ لَهُ ضَرِيبَة لِمُدِّة إِثْنَى عَشَرَ عَام وَلكِنْ مُلُوك الخَمْس بِلاَدْ أرَادُوا أنْ لاَ يَدْفَعُوا لَهُ الضَّرِيبَة وَتَمَرَّدُوا عَلِيه .. فَحَارِبْهُمْ كَدَرْلَعَوْمَر – حَارِبْهُمْ وَسَبَاهُمْ – وَأخَذَ الغَنَائِمْ مِنْ هذِهِ المُدُنْ – البَلَدْ الَّتِي جَلَسَ فِيهَا لُوطٌ – وَسُبِيَ لُوطٌ لِكَدَرْلَعَوْمَر وَلكِنْ هُنَاك مَنْ نَجَا مِنْ هذَا السَبْي وَكَانَ يَعْلَمْ بِالقَرَابَة بَيْنَ لُوطٌ وَإِبْرَاهِيم وَيَعْلَمْ بِأنَّ إِبْرَاهِيم غَنِي وَمَشْهُور وَلَدَيْهِ رِجَال وَغُلْمَان كَثِير .. فَقَالَ لإِبْرَاهِيم أنَّ لُوطٌ سُبِيَ لِكَدَرْلَعَوْمَر .. فِي الحَقِيقَة كَانَ لاَ يَعْرِف مَا هُوَ رَدْ فِعْل إِبْرَاهِيم فَكَانَ مِنْ المُتَوَقَعْ أنْ يَفْرَح إِبْرَاهِيم لأِنَّ لُوطٌ طَمَّاع وَاخْتَار لِنَفْسُه الطَّرِيق أوْ مُجَرَّدْ أنْ يَتَعَاطَفْ مَعَ لُوطٌ وَالتَّوَقُعْ الأخِير أنْ يُحَاوِل إِبْرَاهِيم أنْ يَرُدْ لُوطٌ وَيُنْقِذُه .. فَهِيَ مَوَاقِفْ وُضِعَ فِيهَا إِبْرَاهِيم تَكْشِفْ مَا بِدَاخِلُه مِنْ مَشَاعِر وَذَهَبَ لِيُخَلِّص لُوطٌ ( تك 14 : 16) .. { فَأَتَى مَنْ نَجَا وَأَخْبَرَ أَبْرَامَ الْعِبْرَانِيَّ . وَكَانَ سَاكِناً عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا الأَمُورِيِّ أَخِي أَشْكُولَ وَأَخِي عَانِرَ . وَكَانُوا أَصْحَابَ عَهْدٍ مَعْ أَبْرَامَ . فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ أَنَّ أَخَاهُ سُبِيَ جَرَّ غِلْمَانَهُ الْمُتَمَرِّنِينَ وِلْدَانَ بَيْتِهِ ثَلثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَتَبِعَهُمْ إِلَى دَانَ } ( تك 14 : 13 – 14) .
جَمِيلٌ أنْ تَكُون هُنَاكَ مَحَبَّة وَلكِنْ يَجِبْ أنْ تَكُون إِيجَابِيَّة .. فَأبُونَا إِبْرَاهِيم لَدَيْهِ مَحَبَّة لَيْسَتْ بِالكَلاَم وَلاَ بِاللِّسَان بَلْ بِالعَمَلْ وَالحَقَّ ( 1يو 3 : 18) .. فَلَمَّا عَرَف أنَّ لُوطٌ فِي شِدَّة جَرَّ غِلْمَانُة لِيَنْقِذَهُ فَلَقَدْ ذَهَبَ لِيُخَلِّص لُوطٌ رَغْم أنَّهُ إِنْعَزَلَ عَنْهُ وَأنَّهُ كَانَ طَمَّاع وَيُعْتَبَر أنَّهُ تَخَلَّى عَنْهُ وَلكِنْ أبُونَا إِبْرَاهِيم لَمْ يَتَخَلَّى عَنْهُ .. فَرَبِّنَا يِعْمِلْ لِلإِنْسَان إِمْتِحَانَات وَهذِهِ الإِمْتِحَانَات هِيَ الَّتِي تُبَيِّنْ مَا فِي دَاخِلْ القَلْب وَالأعْمَاق .. هَلْ هِيَ مَحَبَّة صَادِقَة .. غَاشَّة .. بِرِيَاء .. مَحَبِّة مَصْلَحَة .. أبُونَا إِبْرَاهِيم لَيْسَتْ لَدَيْهِ مَحَبِّة مَصْلَحَة فَهُوَ رَأى أنَّ لُوطٌ فِي شِدَّة فَذَهَبَ لِيُنْقِذُه .
الأبَاء فِي الكِنِيسَة يَرُوا أنَّ إِبْرَاهِيم أخَذَ مَعَهُ 318 غُلاَم وَهذَا الرَقَمْ رَقَمْ عَجِيب يُذْكَر بِمَجْمَعْ نِيقِيَة .. كَدَرْلَعَوْمَر كَأنَّهُ أرْيُوس وَأرْيُوس أخَذَ الكِنِيسَة كُلَّهَا وَسَابِيهَا بِفِكْرُه ( لُوطٌ ) .. أبُونَا إِبْرَاهِيم يُشِير إِلَى الرَّبَّ يَسُوع وَغِلْمَانُه بِـ 318 .. هُنَاكَ قِصَّة فِي مَجْمَعْ نِيقْيَة .. يِعَدُّوا الأبَاء يَجِدُوهُمْ 319 يَاخْدُوا أسْمَائْهُمْ يَجِدُوهُمْ 318 .. يِرْجَعُوا يِعِدُّوهُمْ تَانِي يَجِدُوهُمْ 319 يَاخْدُوا أسْمَائْهُمْ يَجِدُوهُمْ 318 وَالحِكَايَة أنَّ الرَّبَّ يَسُوع كَانَ فِي وَسَطِهِمْ .. فَالرَّبَّ يَسُوع أخَذَ 318 مِنْ غِلْمَانُه – رِجَالُه – كَمَا أخَذَ إِبْرَاهِيم 318 مِنْ رِجَالُه لِيُنْقِذْ الكَنِيسَة ( لُوطٌ ) مِنْ كَدَرْلَعَوْمَر الَّذِي هُوَ أرْيُوس ..
وَهذَا التَّشْبِيه .. أبُونَا إِبْرَاهِيم أخَذَ 318 غُلاَم لِيُنْقِذْ لُوطٌ مِنْ سَبْي كَدَرْلَعَوْمَر فَالرَّبَّ يَسُوع نَزَلَ إِلَى الجَحِيمْ وَأخَذَ مَعَهُ الأبْرَار المَسْبِيِّينْ وَأنْقَذَهُمْ مِنْ يَدْ العَدُو إِبْلِيس وَأنْقَذَ الكَنِيسَة مِنْ سَبْي وَقَبْضِة الشَّيْطَان فَهُوَ خَلَّصَنَا مِنْ المَوْت .. وَبَعْد أنْ أنْقَذَهُ صَعَدَ إِلَى الشَّمَال .. مِنْ قُوِّة أبُونَا إِبْرَاهِيم وَالرِّجَال الَّذِينَ مَعَهُ خَافَ الجَيْش وَطَرَدَهُمْ وَهَرَبُوا فَهُوَ طَرَدَهُمْ مِنْ أوِّل المَمْلَكَة مِنْ دَان مِنْ أقْصَى الشَّمَال إِلَى بِئْر سَبْع أقْصَى الجَنُوب .. طَارَدْهُمْ إِلَى النِّهَايَة وَأخَذَ الرِّجَال المَسْبِيِّين وَلُوطٌ وَالمُقْتَنَيَات . هذِهِ هِيَ نُصْرِة أبُونَا إِبْرَاهِيم مِثْل نُصْرِة الْمَسِيح لِلمَسْبِيِّين فِي الجَحِيم المَقْبُوض عَلَيْهُمْ فِي ظَلاَم المَوْت .
{ فَخَرَجَ مَلِكُ سَدُومَ لاِسْتِقْبَالِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ كَسْرَةِ كَدَرْلَعَوْمَرَ وَالْمُلُوكِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى عَُمْقِ شَوَى الَّذِي هُوَ عَُمْقُ الْمَلِكِ . وَمَلْكِي صَادِقُ مَلِكُ شَالِيمَ أَخْرَجَ خُبْزاً وَخَمْراً . وَكَانَ كَاهِناً للهِ الْعَلِيِّ وَبَارَكَهُ وَقَالَ مُبَارَكٌ أَبْرَامُ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ وَمُبَارَكٌ اللهُ الْعَلِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ أَعْدَاءَكَ فِي يَدِكَ . فَأَعْطَاهُ عُشْراً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } ( تك 14 : 17 – 20 ) .. عَجِيبْ هذَا المَلِك .. أوَّلاً مَلِك .. ثَانِياً كَاهِن الله العَلِيَّ .. مَنْ فِي ذلِك العَصْر يَكُون مَلِك وَكَاهِن ؟ مَعْرُوف تَمَاماً أنَّ المَلِك مَلِك وَالكَّاهِن كَاهِن وَهُنَاك مَلِك إِشْتَهَى أنْ يَقُوم بِدُور الكَهَنُوت ضُرِبَ بِالبَرَص .. لَيْسَ هُنَاك مَلِك وَكَاهِن فِي العَهْد القَدِيم فَهُنَاك نُوْع مِنْ التَّجَاوُز وَلكِنَّهُ كَانَ نَبِي وَكَاهِن هُوَ صَمُوئِيل النَّبِي الَّذِي يَمْسَح المُلُوك .. فَهذِهِ الرَّمْزِيَّة كَانَتْ مَنْسُوبَة لِلرَّبَّ يَسُوع وَلكِنَّهَا ظَهَرَت فِي العَهْد القَدِيم لِمَلْكِي صَادِق فَهُوَ وَاقِفْ يَسْتَقْبِل الرَّاجِعِينَ مِنْ النُّصْرَة مِنْهُمْ أبُونَا إِبْرَاهِيم فَأخَرَجَ خُبْزاً وَخَمْراً .. فَإِنَّ خُبْز وَخَمْر فِي العَهْد القَدِيم حَاجَة غَرِيبَة جِدّاً فَالذَّبَائِح كَانِتْ كُلَّهَا دَمَوِيَّة .. مَنْ هُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ ذَبِيحِة خُبْز وَخَمْر ؟ فَكَانَ هُنَاك عَادَة مُتَعَارَف عَلَيْهَا بِأنَّ مُلُوك المُدُن تَسْتَقْبِل الجَيْش المُنْتَصِر بِالهَدَايَا لِلجُنُود وَأفْضَل هِدِيَّة تِكُون لِقَائِدْ الحَرْب .. فَالمُلُوك إِنْتَظَرُوا العَمَلْ المَعْرُوف الكِبِير فَاسْتَقْبِلُوا إِبْرَاهِيم بِحَفَاوَة مِنْهُمْ مَلْكِي صَادِق .
فَمَلْكِي صَادِق هُوَ مَلِك وَكَاهِنْ وَقَدَّم ذَبِيحَة خُبْز وَخَمْر وَبَارَكَهُ الله وَلكِنْ مُلُوك الأرْض كُلُّهُمْ أوْثَان فِي ذلِك الوَقْت فَأنْتَ يَا مَلْكِي صَادِق تِتْكَلِّمْ عَنْ الله هُوَ إِنْتَ تِعْرَف رَبِّنَا ؟!!!! فَإِنْتَ تِعْرَف رَبِّنَا لِدَرَجِة إِنَّك تُبَارِك أبُونَا إِبْرَاهِيم ؟!!! فَهُوَ الَّذِي يُبَارِك فَأبُونَا إِبْرَاهِيم يُبَارِك وَلاَ يَتَبَارَك وَلَوْ حَبْ يِتْبَارِك يِتْبَارِك مِنْ الله لأِنَّهُ هُوَ مَصْدَر البَرَكَة .. نُلاَحِظْ أنَّ سَيِّدْنَا الأُسْقُفْ أوْ البَطْرَك لَوْ كَانْ حَاضِر لاَ يَقُول الكَّاهِن البَرَكَة وَالسَّلاَم لأِنَّ إِعْطَاء البَرَكَة تَكُون لِلأَكْبَر .. فَأبُونَا إِبْرَاهِيم هُوَ أكْبَر رُتْبَة أمَام الله فَوَاضِح أنَّ هذَا المَلِك رُتْبِتُه أكْبَر مِنْ أبُونَا إِبْرَاهِيم فَهُوَ كَاهِن وَمَلِك وَقَدَّم خُبْز وَخَمْر وَبَارَك إِبْرَاهِيم وَيُقَدِّم لَهُ العُشُور .. فَلأِنَّهُ كَاهِن أبُونَا إِبْرَاهِيم يُقَدِّم لَهُ العُشُور .
{ بِلاَ أَبٍ بِلاَ أُمٍ بِلاَ نَسَبٍ . لاَ بَدَاءَةَ أَيَّامٍ لَهُ وَلاَ نِهَايِةَ حَيوةٍ بَلْ هُوَ مُشَبَّهٌ بِابْنِ اللهِ هذَا يَبْقَى كَاهِناً إِلَى الأَبَدِ } ( عب 7 : 3 ) .. فَهُوَ بَارَك ذَاكَ الَّذِي لَهُ المَوَاعِيدْ أبُونَا إِبْرَاهِيم فَهُوَ إِشَارَة وَاضِحَة لِلْمَسِيح لأِنَّهُ كَانَ أعْظَمْ مِنْ إِبْرَاهِيم .. كَهَنُوت لاَوِي كَانَ فِي صُلْب إِبْرَاهِيم .. بْرَاهِيم إِبْنُه إِسْحَق وَإِسْحَق إِبْنُه يَعْقُوب وَيَعْقُوب مِنْ أبْنَائُه لاَوِي فَكَانَ لاَوِي فِي إِبْرَاهِيم .. إِبْرَاهِيم يُقَدِّم لِمَلْكِي صَادِق العُشُور فَلاَوِي يُقَدِّم لِمَلْكِي صَادِق كَأنَّ كَهَنُوت العَهْد القَدِيم يَخْضَعْ لِمَلْكِي صَادِق وَكَهَنُوت العَهْد الجَدِيد يَخْضَعْ لِلْمَسِيح فَكَأنَّ كَهَنُوت العَهْد القَدِيم يَخْضَعْ لِلْمَسِيح فِي كَهَنُوت العَهْد الجَدِيد .
فِي ( عب 7 ) مُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول يُؤَكِّدْ أنَّ الْمَسِيح هُوَ رَئِيس كَهَنِتْنَا الأعْظَم وَقَدَّم لَهُ العُشُور الَّذِي هُوَ عَلَى رُتْبَة مَلْكِي صَادِق الَّذِي خَضَعَ لَهُ كَهَنُوت العَهْد القَدِيم وَقَدَّم لَهُ العُشُور الَّذِي مَلْكِي صَادِق بَارَكَهُ لِذلِك كَانَ هُوَ الأعْظَمْ وَظَهَرَ لَهُ فَجْأة .. لاَ نَعْرِف لَهُ لاَ بِدَايَة وَلاَ نِهَايَة . رَبَّنَا يَسُوع جَاءَ فِي مِلْء الزَّمَان ( غل 4 : 4 ) رَغْم أنَّهُ ظَهَرَ فَجْأة إِلاَّ أنَّ العَهْد القَدِيم كُلُّه مُمَثَّل فِي أبُونَا إِبْرَاهِيم خَضَعَ لَهُ .. وَأبُونَا إِبْرَاهِيم قَدَّم لَهُ العُشُور لِذلِك الَّذِي لَيْسَتْ مَعَهُ ذَبِيحَة حَيَوَانِيَّة وَلكِنْ ذَبِيحَة خُبْز وَخَمْر فَكَانَ مَعَهُ كَهَنُوت أعْظَمْ مِنْ كَهَنُوت العَهْد القَدِيم .. المَفْرُوض مَنْ يُبَارِك الآخَر ؟ الكَبِير يُبَارِك الصَّغِير .. فَمَلْكِي صَادِق أكْبَر مِنْ إِبْرَاهِيم ( الْمَسِيح ) فَهُوَ مَرْكَز البَرَكَة فِي العَهْدَيْنِ .
بَعْد دُخُول أبُونَا إِبْرَاهِيم الحَرْب أكِيدْ فَكَّر وَقَالْ أنَّ الخَمْس مُلُوك أقْوِيَاء حَيَتْرُكُونِي .. هَلْ جَلَسَ لِيُفَكِّر أنَّهُ عَرَّض نَفْسُه لِلخَطَر ؟ هَلْ إِنْدَفَعْت .. هَلْ أنَا غِلِطْت ؟ فَالإِنْسَان نَفْسُه بِتِضْعَفْ فَيَقُول الرَّبَّ لاَ تَخَفْ أنَا تُرْسٌ لَك أجْرَك كَثِيرٌ جِدّاً ( تك 15 : 1) .. مُمْكِنْ أنْ نَقُول أنَّ أبُونَا إِبْرَاهِيم مَرْ بِهذِهِ المَرْحَلَة فَهُوَ أظْهَر جَرْح مُعَيَّنْ .. فَالرَّبَّ يَقُول لإِبْرَاهِيم أجْرَك كَثِير جِدّاً .. { فَقَالَ أَبْرَامُ أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ مَاذَا تُعْطِينِي وَأَنَا مَاضٍ عَقِيماً وَمَالِكُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ الدِّمِشْقِيُّ . وَقَالَ أَبْرَامُ أَيْضاً إِنَّكَ لَمْ تُعْطِينِي نَسْلاً وَهُوَذَا ابْنُ بَيْتِي وَارِثٌ لِي } ( تك 15 : 2 – 3 ) .. فَهُوَ مَا صَدَّق إِنْ رَبِّنَا يِفْتَح الكَلاَم مَعَاه .. فَأحْيَاناً الإِنْسَان نَفْسُه بِتِصْغَر وَهُمُومُه بِتَكْثُر عَلِيه وَأكِيدْ أبُونَا إِبْرَاهِيم يِقُول لِنَفْسُه " إِنْت لِوَحْدَك وَرَبِّنَا بِيُعْطِيك وُعُود وَهِيَّ لاَ تُنَفَذْ .. نَسْلَك وَبَرَكَة وَهِيَّ لاَ تُنَفَذْ .. وَأنَا مَاضٍ عَقِيمْ وَالَّذِي سَيَوْرِثْنِي الخَادِم أَلِيعَازَرُ الدِّمِشْقِيُّ ..فَهُوَ مُجَرَّدْ رَجُلْ غَرِيب تَمَاماً .. فَمَا هِيَ البَرَكَة الَّتِي تَقُولَهَا لِي ؟ فَمَالِك بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ الدِّمِشْقِيُّ أي خَادِمُه .. أي مِثْل رَجُل غَنِي جِدّاً وَحَيِوْرِثُه الفَرَّاش .
أبُونَا إِبْرَاهِيم قَالَ لِلرَّبَّ أنْتَ لَمْ تُعْطِينِي نَسْلاً .. فَإِذَا كَلاَم الرَّبَّ إِلِيه قَائِلاً لاَ يَرِثَك هذَا بَلْ الَّذِي يَخْرُج مِنْ أحْشَائَك هُوَ يَرِثَك .. { ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجٍ وَقَالَ انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ وَعُدَّ النُّجُومَ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعُدَّهَا . وَقَالَ لَهُ هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ . فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسَبَهُ لَهُ بِرّاً } ( تك 15 : 5 – 6 ).. عَظِيمْ هُوَ إِيمَان أبُونَا إِبْرَاهِيم فَلَمَّا النَّفْس تِصْغَر رَبِّنَا يَأتِي إِلَيْنَا وَيُكَلِّمْنَا فَكُلَّ المَاضِي هُوَ جَهْل .. فَإِنَّنَا نَأسَفْ عَلَى كُلَّ المَاضِي فَمُجَرَّدْ الإِيمَان فَقَطْ فَهذَا بِر .. إِنْ أمَنَّا فَقَطْ بِالمَوَاعِيدْ فَهذَا بِر .. فَمَنْ يُؤمِنْ بِالأبَدِيَّة فَهذَا بِر .. فَمَنْ يُؤمِنْ بِمُكَافَأة الأبْرَار فَهذَا بِر .. فَمَنْ يُؤمِنْ بِمُجَازَاة الأشَّرَار فَهذَا بِر ..مَنْ يُؤمِنْ بِأنَّهُ يُعْطِي لِرَبِّنَا شِئ وَأنَّهُ سَيَعُود عَلِيه بِالبَرَكَة فَهذَا بِر .. مَنْ يُؤمِنْ بِأنَّهُ يُسَامِح وَيُكْمِل الوَصِيَّة وَيُطَبِّقْهَا فَهذَا بِر .
{ وَقَالَ مَلِكُ سَدُومَ لأَِبْرَامَ أَعْطِنِي النُّفُوسَ وَأَمَّا الأَمْلاَكُ فَخُذْهَا لِنَفْسِكَ . فَقَالَ أَبْرَامُ لِمَلِكِ سَدُومَ رَفَعْتُ يَدِي إِلَى الرَّبِّ الإِلهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ آخُذَنَّ لاَ خَيْطاً وَلاَ شِرَاكَ نَعْلٍ وَلاَ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ لَكَ . فَلاَ تَقُولُ أَنَا أَغْنَيْتُ أَبْرَامَ . لَيْسَ لِي غَيْرَ الَّذِي أَكَلَهُ الْغِلْمَانُ . وَأَمَّا نَصِيبُ الرِّجَالِ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعِي عَانِرَ وَأَشْكُولَ وَمَمْرَا فَهُمْ يَأْخُذُونَ نَصِيبَهُمْ } ( تك 14 : 21 – 24 ) .. أنَا لاَ أقْبَل غِنَى العَالَم .. رَفَضْ أنْ يَأخُذْ أي شَيْء كَأُجْرَة لِلحَرْب الَّتِي دَخَلَهَا فَهُوَ رَجُلْ لَمَّا يُحِبْ أنْ يَأخُذْ يَأخُذْ مِنْ يَدْ رَبِّنَا لِكَيْ لاَ تَقُول إِنِّي أنَا أغْنَيْتَ أبْرَام ( تك 14 : 23 ) .. فَعَلَيْنَا أنْ نَتَعَوَّدْ أنْ نَكُون مُكْتَفِينْ بِمَا نَحْنُ فِيه وَنَعِيش فِي زَهْد .. فَالنَّفْس الشَّبْعَانَة تَدُوس مُقْتَنَيَات العَالَمْ فَهُوَ لَمْ يَأخُذْ خَيْط أوْ شِرَاكَ نَعْلٍ أي الخِيط الَّذِي يِخَيَّطْ بِهِ الحِذَاء .
في الكِتَاب المُقَدَّس لاَ يُذْكَر أنَّ لُوطٌ شَكَرْ إِبْرَاهِيم سَوَاء كَانَ بِقَصْد أوْ بِغَيْرِ قَصْد فَلَمْ يَقُول لَهُ " مُتَأسِفْ أوْ نِدِمْت عَلَى القَرَار " .. فَإِنَّنَا أحْيَاناً لاَ نَسْتَفَاد مِنْ الدِّرُوس الَّتِي يَكُون فِيهَا رَبِّنَا مَعَانَا فِي حَيَاتْنَا وَمَعَ ذلِك نَرَى أنَّ إِبْرَاهِيم لَمْ يَذِل لُوطٌ وَكَذلِك لُوطٌ لَمْ يَعْتَذِر لأِبُونَا إِبْرَاهِيم .. جَمِيلٌ أنْ يَعْمَل الإِنْسَان البِّر مِنْ أجْل الله وَلَيْسَ مِنْ أجْل النَّاس فَمَنْ يَعْمَلْ البِّر يَعْمَلْ البِّر مِنْ أجْل البِّر .. فَبُولِس الرَّسُول يَقُول { لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ } ( أف 6 : 6 ) .. فَخِدْمِة العِين هِيَ خِدْمِة الأُمُور الظَّاهِرَة بَلْ تَكُون الخِدْمَة لِرَبِّنَا وَلَيْسَ لِلنَّاس .
{ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى أَبْرَامَ فِي الرُّؤْيَا قَائِلاً . لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ . أنَا تُرْسٌ لَكَ . أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدّاً } ( تك 15 : 1) .. بَعْد كُلَّ إِخْتِبَار نِعْمَة .. فَلُوطٌ رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَاخْتَارَ أمَّا إِبْرَاهِيم فَجَاءَ لَهُ الرَّبَّ وَقَالَ لَهُ إِرْفَعْ عَيْنَيْكَ وَأنَا سَأُكْثِّر نَسْلَك .. بَعْد مَا دَخَلْ الحَرْب وَكَسَبْ وَرَفَضْ أخْذٌ الغَنَائِمْ قَالَ لَهُ أجْرَك عِنْدِي أنَا .. فَهُنَاك نِعْمَة تَنْتَظِرْنَا بَعْدَ كُلَّ جِهَاد .. فَيَالَيْتَ نَصْبُر فِي التَّجَارُب وَنَثْبُتْ فِيهَا فَأصْعَبْ شِئ لَمَّا يِبْعَتْ لِينَا رَبِّنَا التَّجْرُبَة وَنَحْنُ نَرْفُض وَنَزْجُر وَنِتْعَبْ وَنِشْتِكِي وَهُوَ يِقُول لَنَا فِي خِير بَعْدَهَا .. فِي مُكَافَأة .. أجْرَك كَثِير جِدّاً .. أنَا تُرْسٌ لَك .. أُصْبُر .. إِثْبَتْ فَنَحْنُ نُضَيِّعْ البَرَكَة الَّتِي تَنْتَظِرْنَا .. المُشْكِلَة أنَّنَا لاَ نُؤمِنْ فَلاَ يُحْسَبْ لَنَا بِرّاً .. آمِنْ فَيُحْسَبْ لَكَ بِرّاً .
{ وَقَالَ لَهُ أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيُعْطِيكَ هذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا } ( تك 15 : 7 ) .. فَأنْتَ هُوَ إِبْرَاهِيم حَبِيبِي فَأنَا أعْمِلْ لَك إِمْتِحَان وَتِنْجَح فِيه .. فَأنْتَ أعْطِيت دَرْس لِلأَجْيَال كُلَّهَا بِأقْصَى دَرَجَات الإِيمَان فَقَدْ كَانَ هُنَاك خُوف وَشَك وَقَلَق وَأتْعَاب وَأفْكَار فِي إِبْرَاهِيم .. فَأحْيَاناً يَكُون لَدَيْنَا كُلَّ ذلِك وَيَقُول لَنَا الرَّبَّ " أنَا تُرْسٌ لَكَ " عَجِيب رَبِّنَا يُعْطِي الوَعْد لأِبُونَا إِبْرَاهِيم وَلاَ يَتَحَقَّق إِلاَّ بَعْد سَنَوَات .. فَهذَا الكَلاَم قَالَهُ الرَّبَّ لأِبُونَا إِبْرَاهِيم كَثِيراً فَكَانَ الفَرْق بَيْنَ كُلَّ مَرَّة حَوَالِي عَشْر سَنَوَات .. عَشْر سَنَوَات يُعْطِي الرَّبَّ الكَلِمَة وَيِرْجَعْ يِعِيدْهَا مَرَّة أُخْرَى بَعْد عَشَر سَنَوَات فَهُنَاك حِكْمَة عِنْدَ الله وَلكِنْ رَبِّنَا هُوَ الَّذِي يِفَكَّرُه فَهُوَ الَّذِي أخْرَج إِبْرَاهِيم مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ – وَتَابِعْ القِصَّة – فَإِيدُه مَعَاه دَائِماً .
{ فَقَالَ أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ بِمَاذَا أَعْلَمُ أَنِّي أَرِثُهَا } ( تك 15 : 8 ) .. فَرَبِّنَا قَالَ لَهُ تَعَالَ كَانَ هُنَاك عَهْد قَدِيم بَيْنَ النَّاس يُعْقَدْ لِعَقْد إِتِفَاقِيَات مِثْل عَهْد سَلاَمٌ بَيْنَهُمْ وَإِذَا جَاءَ أعْدَاء عَلَى أحَدٌ مِنْهُمْ يِتْحَالْفُوا مَعاً لِيِهْزِمُوا العَدُو وَلِهذِهِ المُعَاهَدَة شُرُوط فَقَدْ كَانُوا يَأتُوا بِالذَّبَائِح الخَرُوف يِشُقُّوه مِنْ النُص ( النِصْف اليِمِينْ وَالنِصْف الشِّمَالْ ) وَيِمْسِكُوا أيْدِي بَعْضِهِمْ وَيِمُرُّوا مِنْ النِصْف .. وَلَوْ إِنْتَ نَقَضْتَ عَهْدَك رَبِّنَا يِشُقَّك وَلَوْ الآخَر نَقَضْ عَهْدُه رَبِّنَا يِشُقُّه .. فَقَالَ لَهُ رَبِّنَا أنَا حَاعْمِلْ مَعَاك عَهْد بِنَفْس الطَّرِيقَة .. { فَقَالَ لَهُ خُذْ عِجْلَةً ثُلثِيَّةً وَعَنْزَةً ثُلثِيَّةً وَكَبْشاً ثُلْثِيّاً وَيَمَامَةً وَحَمَامَةً . فَأخَذَ هذِهِ كُلَّهَا وَشَقَّهَا مِنَ الْوَسَطِ وَجَعَلَ شِقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مُقَابِلَ صَاحِبِهِ . وَأَمَّا الطَّيْرُ فَلَمْ يَشُقُّهُ . فَنَزَلَتِ الْجَوَارِحُ عَلَى الْجُثَثِ وَكَانَ أَبْرَامُ يَزْجُرُهَا } ( تك 15 : 9 – 11) .. فَعِنْدَمَا شَقَّ أبْرَام الحَيَوَانَات وَاشْتَّمْت الجَوَارِح رَائِحَة الدَّم فَجَاءَت الجَوَارِح تَأكُلْ الذَّبَائِح فَأبُونَا إِبْرَاهِيم كَانَ يَزْجُرْهَا .. رَبِّنَا يِصْنَعْ مَعَ أبُونَا إِبْرَاهِيم أهَمْ عَهْد وَإِنْ كَانَ الله تَأخَّر عَنْ أبُونَا إِبْرَاهِيم .. فَإِبْتَدَأَ يَقُول لَهُ شُقٌ الذَّبَائِح وَأنَا حَصْنَعْ مَعَك عَهْد فَهُوَ ظَلَّ يَزْجُر الجَوَارِح حَتَّى المَغِيب .
{ وَلَمَّا صَارَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ وَقَعَ عَلَى أَبْرَامَ سُبَاتٌ } ( تك 15 : 12) – أي لِحَدٌ مَا تِعِبْ – الجَوَارِح هِيَ الأفْكَار الشِّرِّيرَة وَالتَّجَارُب الشَّيْطَانِيَّة الَّتِي لِعَدُو الخِير الَّذِي يَسُوقَهَا إِلَيْنَا لِيُفْسِدْ عَهْد السَّلاَمَة مَعَ الله وَعَلَى أبُونَا إِبْرَاهِيم أنْ يَزْجُرْهَا .. فَالإِنْسَان عِنْدَمَا يَأتِي إِلِيه عَدُو الخِير بِجَوَارِح يُرِيدْ بِهَا أنْ يُفْسِدْ الطَّهَارَة بِأفْكَار شِرِّيرَة وَيُفْسِدْ البِّر بِكَلاَم دَنِس فَهذِهِ جَوَارِح .. فَأبُونَا إِبْرَاهِيم كَانَ يَزْجُرْهَا وَعَدُو الخِير يُرِيدْ أنْ يُفْسِدْ ذَبِيحِة مَحَبِّتْنَا لِرَبِّنَا سَوَاء كَانَتْ خِدْمِتْنَا .. مَحَبِّتْنَا .. عِبَادِتْنَا فَيَأتِي إِلَيْنَا بِالجَوَارِح لِكَيْ تَأكُلْ الذَّبَائِح كُلَّهَا .
فَأبُونَا أبْرَام كَانَ يَزْجُرْهَا وَفِي المَغِيب نَام وَرَأى رُؤيَة مُرْعِبَة جِدّاً .. { وَإِذَا رُعْبَةٌ مُظْلِمَةٌ عَظِيمَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ } ( تك 15 : 12) .. فَقَدْ رَأى المُسْتَقْبَل مُسْتَقْبَل بَنِي إِسْرَائِيل لَمَّا يَكْثُر عَدَدْهُمْ وَيَتْرُكُوا أرْض كَنْعَان وَيَذْهَبُوا لِمِصْر مَعَ يُوسِفْ وَيِكْثَرُوا هُنَاك وَتِحْصَلْ لُهُمْ مَشَقَّة وَمَذَلَّة وَضِيقَة كَثِيرَة وَحَيِخْرُجُوا مِنْ مَصْر بَعْد ضِيقَة عَظِيمَة فَهُوَ رَأى عَشِيرْتُه فِي المُسْتَقْبَل .. { وَإِذَا رُعْبَةٌ مُظْلِمَةٌ عَظِيمَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ . فَقَالَ لأَِبْرَامَ اعْلَمْ يَقِيناً أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيباً فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ . فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ } ( تك 15 : 12 – 13) .. أحْيَاناً يُخَبِّأ رَبِّنَا المُسْتَقْبَل عَلَى الإِنْسَان لأِنَّهُ مُرْعِبْ فَالإِنْسَان يَطْلُبْ أنْ يَرَى الغَد وَلكِنَّهُ لَوْ عَرَفَ الغَد حَيِقْلَق فَيَكْفِي اليَوْم شَرُّه ( مت 6 : 34 ) .. رَبِّنَا يِقُول أنَا أمْس كُنْتُ مَعَك وَاليَوْم كُنْتُ مَعَك وَغَداً سَأظَلُ مَعَك .. رَبِّنَا بِيِوْعِدْ إِنُّه حَيْكُون مَعَانَا وَيِسْنِدْنَا وَنَحْنُ نَطْلُبْ أنْ نَعْرِف المُسْتَقْبَل وَلكِنْ الكِفَايَة تَكُون فِي التَّمَتُّعْ بِهِ .
رَبِّنَا يَسُوع لَمَّا دَخَلْ أُورُشَلِيم بَكَى عَلَيْهَا لأِنَّهُ رَأى خَرَاب أُورُشَلِيم بَعْد سَبْعِينَ سَنَة ( لو 19 : 41 ) .. فَرَبِّنَا عَايِزْ يُعْطِي لأِبُونَا أبْرَام نِعْمَة وَمَعُونَة فِي حِكْمَة فَرَأى مَذَلِّة الشَّعْب { فَقَالَ لأَِبْرَامَ اعْلَمْ يَقِيناً أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيباً فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ . فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ . ثُمَّ الأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا . وَبَعْدَ ذلِكَ يَخْرُجُونَ بِأَمْلاَكٍ جَزِيلَةٍ . وَأَمَّا أَنْتَ فَتَمْضِي إِلَى آبَائِكَ بِسَلاَمٍ وَتُدْفَنُ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ } ( تك 15 : 13 – 15) .. رَبِّنَا أرَادَ أنْ يَعْمَلْ مَعَ أبْرَام عَهْد فَلَقَدْ عَزَّاه وَأرَاه المُسْتَقْبَل فَيَقُول لَهُ رَبِّنَا " أنَا تُرْسٌ لَكَ " .. أنَا سَلاَمَك .. أنَا حَعْمِلْ مَعَك عَهْد وَأكُون مَعَك خَطْوَة خَطْوَة .
{ ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ فَصَارَتِ الْعَتْمَةُ . وَإِذَا تَنُّورُ دُخَانٍ وَمِصْبَاحُ نَارٍ يَجُوزُ بَيْنَ تِلْكَ الْقِطَعِ } ( تك 15 : 17) .. هُنَا الله يَجُوز .. هُوَ كَانْ لاَزِم الَّذِي فَات هُنَا يَا رَبِّنَا ؟!! نَعَمْ لِيَشْعُر أبْرَام بِحُلُول الله .. رَبِّنَا مَرْ وَسَطْ القَطِيعْ .. النَّاس يِمْسِكُوا أيْدِي بَعْض وَعَبَرُوا أمَّا هُنَا فَالله هُوَ الَّذِي مَرَّ .. هُوَ الَّذِي حَضَرْ وَحَلْ فَالله هُنَا لَمْ يَعْمَلْ مِثْل النَّاس .. فَالعَهْد القَدِيم بَيْنَنَا وَبَيْنَ الله هُوَ عَهْد يَقُوم عَلَى رَبِّنَا وَلَيْسَ عَلَيْنَا فَنَحْنُ لَيْسَ لَدَيْنَا المِصْدَاقِيَّة فِي العَهْد وَلَيْسَ لَدَيْنَا الرَّصِيدْ الَّذِي نَقِفْ فِيهِ أمَام الله وَنَقُول لَهُ إِنَّنَا نُعَاهِدَك فَهُوَ يَقُول لَنَا " لاَ تَقُول أنَّكَ سَتُعَاهِدْنِي بَلْ أنَا الَّذِي سَيُعَاهِدَك " .. فَالله مَرَّ وَسَطْ القَطِيعْ فَالوَعْد هُوَ مِنْ الله وَلَيْسَ مِنْ الإِنْسَان فَلاَ تَطْلُبْ أنْ تِوَاعِدْ رَبِّنَا .. فَالجَمِيلٌ أنْ لاَ نَطْلُبْ أنْ نِوَاعِدْ رَبِّنَا وَلكِنْ رَبِّنَا هُوَ الَّذِي يِوَاعِدْنَا .. { فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعْ أَبْرَامَ مِيثَاقاً قَائِلاً . لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ } ( تك 15 : 18) .. وَفِي ذلِك اليَوْم أُعْطِي بَرَكَة وَابْتَدَأَ يُعْطِي البَرَكَة وَيَأخُذْهَا بَعْدمَا ضِعِفْ وَطَلَبْ عَلاَمَة .. فَمُمْكِنْ إِيمَانَنَا يِضْعَفْ فِي مَسِيرِة حَيَاتْنَا وَلكِنَّنَا نَعْلَمْ أنَّ هُنَاكَ بَرَكَة تَنْتَظِرْنَا وَهُنَاكَ سَنَدٌ مَعَنَا .
رَبِّنَا يِكَمِّلْ نَقَائِصْنَا وَيِسْنِدْ كُلَّ ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه لَهُ المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين