شخصية هابيل الصديق ج1

Large image

هابيل الصديق ج1
كيف دخلت الخطية ؟ وكيف بدأت ، وكيف تطورت ؟ وماذا كانت نتائجها ؟
لقد ولد قايين ميلاداً حسنا ، سمى قايين لأن أمه أعتبرت أنها قد أقتنته من الرب ( تك 4 : 1) ، أى حصلت عليه من الرب وكان قايين عاملاً فى الأرض ، وكان أخوه هابيل راعياً للغنم وظل هذان الأخوان يعيشان معاً فى هدوء ، إلى أن دخل بينهما نوع من التنافس لقد قدم كل منهما قرباناً للرب فقبل الرب قربان هابيل ، ولم يقبل قربان قايين فغضب قايين على أخيه هابيل وقتله
مشكلة هابيل ، إنه إنسان مقبول من الرب !
قايين وجد أن قربانه غير مقبول كأخيه ، فدخله الحسد
" فإغتاظ قايين جداً ، وسقط وجهه " ( تك 4 : 5 ) 0
إذن قايين لم يكن يسعى إلى محبة الله ، وإلى إرضاء قلب الله ، إنما كان يبحث عن كرامته الشخصية ورضاه عن نفسه وعن مركزه
لو كان يبحث عن محبة الله ، لكان فى حالة رفض الله لقربانه ، يفتش كيف يرضى الرب ، و لا مانع من أن يغير قربانه ، ويقدم ذبيحة كهابيل ، ويحسن تصرفه ولعل هذا ما قصده الرب بقوله : " إن أحسنت ، أفلا رفع " ( ع 7 ) أى أفلا يرتفع وجهك ، إن أحسنت التصرف ، وإن أحسنت التقدمة ، وإن أحسنت التفكير والشعور
كانت أمامه فرصة لتحسين موقفه ، ولكنه لم يستغلها ، ولم يستفد من توجيه الرب ، الذى تنازل وكلمه
كان أمامه أن يتضع ، ويشعر أن قربانه " من ثمار الأرض " ليس هو حسب مشيئة الرب ، وإنما مشيئة الرب هى أن يقدم ذبيحة ، محرقة سرور للرب ، كما فعل أخوه البار هابيل ولكن قايين لم يشأ أن يعترف بينه وبين نفسه أنه مخطئ فى تقدمته ، وأنه يجب أن يسلك كأخيه إنما ركز على كرامته
كانت ذاته تتعبه وليته كان يحب ذاته محبة سليمة وهكذا كان قايين ، محبته لذاته ، حطمت هذه الذات محبة جاهلة ،
قايين أيضاً ركز كل تفكيره فى ذاته ، كيف يتفوق على أخوه ويخطى برضى الرب ؟! فرأى أن يتخلص من أخيه
يتخلص من هذا البار ، الذى كلما يراه تصغر نفسه و يشعر أنه أقل ورأى أنه إذا تخلص منه ، لا يبقى أمامه شخص أفضل ، يثير حسده
كانت كبرياء الذات ، أهم عنده من نقاء الذات
لقد نبهه الرب إلى أن هناك " خطية رابضة " وقال له بكل وضوح " وإن لم تحسن ، فعند الباب خطية رابضة ، وإليك إشتياقها ، أنت تسود عليها " مازال فى متناول يدك أن تتخلص منها إن الخطية مازالت على باب فكرك ، وعلى باب قلبك ، وعلى باب إرادتك ومازالت إرادتك فى يدك ، وأنت تسود عليها فإحذر لنفسك قبل أن تتورط
ما أعمق هذا الحنو ، فى معاملة الله للخطاة
إنه يظهر لقايين ، أول إنسان هلك على الأرض ويكلمه ، ويشرح له التجربة التى أمامه ، وينصحه ،بل ويناقشه أيضا : " لهذا سقط وجهك ؟ ليس السبب راجعاً إلى أخيك ، بل يرجع إليك أنت نفسك إنك لم تحسن التصرف وإن أحسنت سيرتفع وجهك علاج مشكلتك فى أن تغير مسلكك وتحسن التصرف ، وليس فى أن تستسلم للخطية إحترس لنفسك عند باب قلبك وفكرك توجد خطية رابض حاول أن تنتصر عليها فأنت مازلت تسود عليها
حنو من الله ، أن يظهر للخاطئ ، ويشرح له ، ويحذره قبل أن يسقط ، ويريه طريق التخلص من خطيته ، ويسنده بنصائحه فى وقت تجربته ومحاربة العدو له
قد يخطئ البعض ، ويظن أن الله لا يظهر إلا للقديسين !
إن ظهوره لقايين قبل سقوطه فى خطية القتل ، وتحذيره له ، إنما هو مثال عجيب لمحبة الله وطول أناته ، فى العهد القديم ، بل منذ بدء الخليقة
وكأنه يقول لقايين : تعال يا حبيبى ، لماذا أنت معتاظ ، ولماذا يسقط وجهك ؟ أنا أريد أن أخلصك من غمك ، وأعيد إليك سلامك إن الخطية هى التى أفقدتك سلامك تخلص منها ، يرجع إليك سلامك
لا تظن أن هابيل هو سبب متاعبك كلا ، إن متاعبك سببها الخطية الرابضة فإفحص نفسك جيداً
سبب متاعبك ، يكمن فى طريقة نظرتك إلى الأمور وفى ردود الفعل داخلك إزاء نجاح أخيك
لو كانت فى قلبك محبة ، لكنت تفرح وتسر ، إن رضى الرب على أخيك ، فلا تغتم ولا تغتاظ بالمحبة ، تفرح لفرح أخيك ، وتفرح لرضى الرب عليه
لكن قايين لم يفرح لفرح أخيه ، ولقبول قربانه
مثاله كان الإبن الأكبر
لماذا يكون نجاح أخيك، له رد فعل خاطئ فى قلبك ؟! " كان ينبغى أن تفرح وتسر " لأن الله قبل قربان هابيل كان ينبغى أن تفرح أيضاً لأن هابيل قد كشف لك الطريق الصالح الذى يرضى الرب ، حتى تسير فيه أنت أيضاً ، وتحصل على نفس الرضى والقبول
العجيب أن قايين ، بعد أن كلمه الله ، لم يستجب لكلمة الله ، ولم يفتح لها قلبه ، بل فتحه للخطية
بعد أن نصحه الرب ، لم يستفد من النصيحة ، إنما تورط فى الخطية ، وبالأكثر ، وقام على أخيه فقتله ! مثل يهوذا
وسائط النعمة يستفيد منها من يشاء ، ويرفضها من يشاء إنها لا ترغم الإنسان على عمل الخير
الشاب الغنى ، تقابل مع السيد الرب ، وسمع نصيحة نافعة من فمه الإلهى ، ولكنه بعد سماعها مضى حزيناً ، ولم يقل الكتاب إنه نفذ شيئاً من تلك النصيحة
أمر محزن ومخجل ، أن يسمع إنسان نصيحة من فم الرب نفسه ، ثم يمضى حزيناً ، و لا ينفذ هكذا قايين أيضاً
إذن ، فلا يجوز أن يحتج أحد ويقول " مشكلتى الوحيدة هى عدم وجود مرشدين روحيين ولو كان لى مرشد روحى حكيم ، لصرت قديساً " هوذا أمامنا أمثلة لأشخاص أرشدهم الرب نفسه و ولم يستفيدوا ، لأن القلب رافض أن يستجيب ، مثل الأرض التى القى عليها البذار الرب نفسه ، فأنتجت شوكاً أو سمحت للشوك أن يخنق زرعها ، وللطير أن يلتقط بذارها
لقد تقابل قايين مع الرب ، وللأسف لم يستفد سعى الرب إليه وأراه الطريق ، ولكنه رافض أن يسير فى طريق الرب ، ولم يستجب إلا لفكر قلبه الردئ
المشكلة تكمن فى عدم وجود إستعداد داخلى لم تكن له أذنان للسمع ،للسمع ليسمع
" وكلم قايين هابيل " ( تك 4 : 8 ) لم يكن هابيل ينتظر خياته من أخيه قايين إنه شقيقه ، ويمكن أن ينام إلى جواره ويغمض عينيه ، دون أن يخشى شراً ، فى ثقة بهذه الأخوة لو كان فى قلبه أذنى شك من جهته لإحتراس منه ولكن حينما يأتى الشر ممن هم فوق مستوى الشك ، حينئذ تكون المأساة أعمق وأكثر تأثيراً فى النفس
وقام قايين على هابيل أخيه وقتله " وهكذا تطورت به الخطية من سئ إلى أسوأ ، و هو مستسلم لها
تطور من غيره إلى حسد ، إلى غيظ ، إلى حقد ، إلى فكر الشر ، إلى تدبيره وتنفيذه ، إلى قتل أخيه وبعد أن كانت الخطية رابضة عند الباب ، دخلت إلى قلبه ، وسيطرت على فكره ومشاعره وأعصابه وإنفعالاته وبعد أن كان يسود عليها ، صارت تسود عليه
ودفعته الخطية فى طريقها ، فخضع لها ونفذهاوحينما نفذ إختفت من أمامه كل المثل : لا محبة ، و لا شفقة ، و لا إرضاء الله وربما ظن قايين ، أنه لا يوجد أحد يراه
وأنه سوف لا يعلم أحد بجريمته ، وانه قد تخلص من هذا المتفوق الذى تصغر نفسه أمامه ، إن صوت هابيل قد سكت إلى الأبد وهابيل البار ، لم يستطيع أن يدافع عن نفسه
وهكذا بدا أن الشر قد إنتصر على الخير
مع كل ذلك يجرؤ أن يستر فعلته بالأكاذيب ويقول فى جرأة حتى أمام الله " أحارس أنا لأخى " ؟!
نعم إن الشر قد ينتصر على الخير ولكن القصة لها تكملة وتكملتها إن الله موجود ، وإنه يحكم للمظلومين
ربما لم يحسب قايين حساباً لوجود الله ولتدخله ، وظن أن الموضوع بينه وبين هابيل فقط ، وليس من ثالث يتدخل بينهما ، لكى يكمل القصة ، ويقيم التوازن
هذا الثالث العادل ، تدخل بين الخير والشر
تدخل ليحاسب ويحاكم ، ويعاقب ، ويشرح للشر أن الأمر لم ينته بعد ، وأن هناك قوة أكبر و وأن هناك عيناً ترى ، وقضاء يحكم و لا ن الله لا يترك عصا الخطاة تستقر على نصيب الصديقين
وأثبت هذا الثالث ، أن إنتصارالشر هو إنتصار زائف ومؤقت ، و أن العبرة بالنهاية ، والنهاية هى إنهيار الشر
أذن ، لا تفقد الرجاء أبداً إن أصابك شر ، وحتى إن قوى الشر عليك ، و على ظهرك جلدك الخطاة وأطالوا إثمهم ، فلا يتزعزع قلبك ثق أن الله يرى ويسمع ، ويكتب أمامه سفر تذكرة ( مل 3 : 16 )وثق أن الرب صديق هو يقطع أعناق الخطاة (مز128)
لا تنظر إلى أوائل الأشرار ، وإنما إلى نهايتهم وأسأل نفسك : من الذى إنتصر : قايين أو هابيل ؟
هابيل كتب إسمه فى سفر الحياة وهو " وإن مات ، يتكلم بعد " ( عب 11 : 4 ) أما قايين فعاش على الأرض معذباً طول أيامه ، قلقاً ، خائفاً ، فاقداً سلامه وإنتظرته عذبات فى الأبدية أشد آلاماً
إن الشر قد يرتفع على الخير ، ولكنه يتبدد : كمثال النار والدخان يرتفع إلى فوق وفيما هو يرتفع ، تتسع رقعته ، وتقل حدته ، وينتشر فيندثر ويضعف ويختفى أما النار ، إن ظلت تحته ، إلا أنها تستمر بعده فى قوتها وفى نقاوتها إنها أقوى وأشد حرارة و لا تبالى بصعود الدخان إلى فوق ، فوقها
هابيل لم يدافع عن نفسه ، فدافع الله عنه
لم يرو لنا الكتاب أن هابيل دافع عن نفسه ، أو أنه قاوم الشر ، أو حتى أنه شكا أو إستنجد أو إستغاث لقد لاقى مصيره فى صمت ، ومات بيد أخيه
ولكن القصة لم تتم فصولا إذ إن الله واجه قايين وسأله " أين هابيل أخوك ؟ "
فأجاب " لا أعلم ، أحارس أنا لأخى ؟ ! "
وهكذا قادته خطية القتل إلى خطية الكذب ، فكذب على الله نفسه ، وقال له لا أعلم ، وهو أكثر الناس علماً بمصير أخيه أو كان الوحيد من البشر الذى يعلم بمصير أخيه !!
كان قايين كفأر فى مصيدة ، يحاول أن يفلت فلا يستطيع إنه يلتمس طريقاً للهروب من مسئولية جريمته يدعى عدم المعرفة يدعى أنه غير مسئول عن أخيه وعن حراسته !! لقد أمسكه العدل الإلهى فأخذ يكذب على فاحص القلوب والكلى ، والعارف بالخفيات والظاهرات ، على الله الذى أنذره من قبل ولم يسمع
حقاً ، إن الكذب هو الإبن البكر لكل خطية هو الغطاء الذى يحاول الخاطئ أن يغطى به على خطيئته فلا تظهرإن كذب قايين على الله ، يدل على بعده عن اإيمان إنه لا يعرف من هو الله ، وما هى قدرته ، وما هو عمله غير المحدود ‍
والعجيب أن الله هنا لم يجرح شعور قايين ، ولم يقل له إنه كذاب بل لم يجادله إطلاقاً فى كلامه إنما واجهه بالحقيقة التى تكشف كذبه ، فقال له " صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض " إن هابيل لم يتكلم ، ولكن دمه له صوت ، صارخ من الأرض
قد يصمت و المظلومون ولكن صمتهم له صوت صارخ إلى الله
والله يسمع هذا الصوت ، صوت صمتهم الصارخ إن يوسف الصديق قد ظلمه أخوته وظلمته إمرأة فوطيفار ، وصمت ولكن صمته كان يصرخ إلى الله ، وسمع الله ، وتدخل لينقذه من الظلم
والعمال الذين بخست أجورهم ، يقول الكتاب إن هذه الأجرة المبخوسة تصرخ ، والصراخ قد دخل
إلى أدنى الرب ( يع 5 : 4 )
إن الله يقاتل عنكم وأنت تصمتون ، لأنه يسمع صوت صمتكم
إذا ظلم إنسان وسكت ، فلا تظن أن الأمر قد إنتهى عند هذا الحد فإن صوت سكوته يرن فى أدنى الرب ، يقول الوحى الإلهى " من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين ، الآن أقوم يقول الرب – أصنع الخلاص علانية " ( مز 11 ) نعم قم أيها الرب الإله ، وليتبدد جميع أعدائك ، وليهرب من قدام وجهك كل مبغضى إسمك القدوس
" صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض فالآن ملعون أنت من الأرض التى فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك "
هنا بدأت العقوبة هنا يجد الشر من يقف فى طريقه ، ويقاومه " لى النقمة ، أنا أجازى يقول الرب " ( رو 12 : 19 )
إن لم يجد الشر رادعاً على الأرض ، فهناك رادع من السماء
ولأول مرة هنا يلعن الرب إنساناً عندما أخطأ آدم قال له ملعونة الأرض بسببك ، ولكن لم يلعنه شخصياً
لعنت الحية ، والأرض ، و لأول مرة هنا يلعن الإنسان
كان قايين قد فقد الصورة الإلهية نهائياً ، الصورة التى كانت للإنسان حينما خلق على شبه الله ومثال إن قايين لم تغره الحية كحواء ، ولكنه سقط من الداخل رداءة قلبه قد أسقطته
إين الحية فى سقطة قايين ؟
وبلعنته ، لعن كل نسله أيضاً ، وأصبحوا يدعون أولاد الناس ، بينما دعى أولاد شيث " ابناء الله "
( تك 6 : 2 ) وإستمرت هذه اللعنة ، حتى أفنى الله كل ابناء قايين بالطوفان
" ملعون أنت من الأرض ، التى فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك " هذه الأرض التى تنجست بجريمة القتل ، وقبلت الدم المسفوك :
" متى عملت الأرض ، لا تعود تعطيك قوتها " ( ع 12)
الأرض تتمرد عليك ، و لا تعطيك الخير الذى تقدر عليه بدلاً من أن تعطيك عشرين أردباً ، تعطيك إثنين أو ثلاثة لا تجد بركة فى عمل يديك ، و لا بركة من خير الأرض وثمارها بالنسبة إلى البار قال الرب " مبارك تكون ثمرة أرضك " ( تث 48 : 4 ) وبالنسبة إلى الخاطئ لعن الله ثمرة الأرض ( تث 28 : 18 ) فلا تعود تعطيك قوتها
إن ثمار الأرض فى يد الله ، يباركها حينما يشاء ، مثلما بارك غلة العام السادس ، فكان يكفى ثلاثة أعوام
أما إذا سلك الإنسان فى الخطية ، فقد يعاقبه الله بتمرد الأرض عليه ، فلا تعطيه قوتها ، لا تعطيه خيرها كما تمردت من قبل على آدم ، وصارت تنبت له شوكاً وحسكاً المسألة إذن لا تنحصر فقط فى خبرة الإنسان بالزراعة ، ومدى إتقانه لعمله فيها وخدمته لها ، إنما يحتاج أيضاً إلى بركة وتتبارك الأرض متى أرضى قلب الله ، وإلا فإنه متى عمل الأرض لا تعود تعطية قوتها لهذا نحن نصلى من أجل ثمار الأرض ، لكيما يصعدها الله كمقدارها ويفرح وجه الأرض ، فتكثر أثمارها
لقد لعن الرب قايين ، أمر الأرض أن تتمرد عليه ، وماذا أيضا عن باقى عقوباته ؟ قال له الرب : " تائها وهارباً تكون فى الأرض " تفقد سلامك الداخلى تحيا فى قلق وإضطراب وخوف تجرى وليس من مطارد تشعر أن كل من وجدك سيقتلك وهكذا بدأت الأمراض النفسية تعمق جذورها فى الإنسان
فى خطية آدم ، دخله الخوف ، الخوف من الله وعقوبته أما فى خطية قايين ، فقد دخله الخوف من الناس ، أو الرعب بمعنى أصح " يكون كل من وجدنى يقتلنى "( ع 14 )
لا سلام ، قال الرب ، للأشرار
الخاطئ يعيش منزعجاً بإستمرار يخاف أن تنكشف خطيئته ويعرفها الناس يخاف من الفضيحة والعار والسمعة السيئة يخاف من العقوبة ، سواء عقوبة القانون ، أو أنتقام من أساء إليه ويرتعب من نتائج أخرى كثيرة ستحدث وأعداء كثير ين يطاردونه
داخله يزعجه أكثر من أى أزعاج خارجى أيهما لاقى العذاب أكثر : قايين أم هابيل
هابيل قاسى الألم ربما لحظة أو لحظات ضربة قاتلة أصابته فمات أما قايين فإنه عاش العمر كله يتألم ويتعذب ويحطمة القلق والخوف والرعب والإضطراب هابيل تألم بالجسد قليلاً أما قايين فإن نفسه تعذبت من الداخل ، و لا شك أن عذاب نفسه كانت له نتائجه على الجسد أيضاً هذه إحدى عقوبات الخطية تطارد الإنسان" فقال قايين للرب : ذنبى أعظم من أن يحتمل أنك قد طردتنى اليوم عن وجه الأرض ، ومن وجهك أختفى وأكون تائهاً وهارباً فى الأرض ، فيكون كل من وجدنى نلاحظ هنا أن عبارة " ذنبى أعظم من أن يحتمل " لم تكن عبارة توبة ، إنما خوف من العقوبة
أى أن العقوبة أعظم من إحتماله ، عقوبة أن يكون تأئها وهارباً فى الأرض ، ومهدداً من كل أحد بالقتل لذلك فإن الله الرحوم ، الذى يشفق حتى على القلوب القاسية إذا ما تذللت أمامه ، طمأن قايين الخائف " وجعل له علامة لكى لا يقتله كل من وجده " ( ع 15 ) 0 بل قال له أيضا " كل من قتل قايين ، فسبعة أضعاف ينتقم منه "
ونلاحظ أن قايين لم يطلب مغفرة لخطيئته ، بل أنه لم يقل عبارة أخطأت كل ما أتعبه هو العقوبة وإذ جعل الرب علامة لكى لا تقتله كل من وجده ، " خرج قايين من لدن الرب ، وسكن فى أرض نود " وسكن معه الخوف و الرعب كل أيام حياته لقد قتل اخاه فى لحظات و لكن الخوف ظل يقتله كل يوم وكل ساعة وكل لحظة وظلت خطيئته أمامه كل حين ، لا تقوده إلى التوبة إنما تحطمه بالخوف فمن أخذ بالسيف يؤخذ
داود ،قد غفر له الله خطيئته ، ونقلها عنه ( 1 صم 12 ) وسامحة من جهة العقوبة الأبدية ولكن بشاعة الخطيئة ظلت أمامه فى كل حين ( مز 50) ، وبسببها كان يبلل فراشه بدموعه ( مز 60 ) ، ويمزج شرابه بالدموع
وظل قايين يطارده الخوف ، وترن فى أذنيه كلمات الرب " تأئهاً وهارباً تكون فى الأرض "
وأصعب من طرده من وجه الأرض ، أنه طرد من وجه الله ايضاً ، فمن وجه الله يختفى
فالخطية هى إنفصال عن الله والخاطئ ينفصل بخطيئيه عن الله يختفى الله من حياته ، ويختفى هو من أمام وجه الله يوجد حاجز كبير بينه وبين الله ويشعر بهذا الفاصل ، وبفقد الدالة ومشاعر الحب
ولا ينكسر هذا الحاجز إلا بالتوبة ، فيصرخ الإنسان قائلاً للرب : إلى متى تحجب وجهك عنى
ولكن الكتاب لم يقل إن قايين قد تاب ، ولم يقل إنه عاد فاصطلح مع الله و لم يقل إن اللعنة زالت عنه ، أو أن الرب عاد فرضى عليه لقد كان أول إبن لآدم وحواء بعد خطيئتهما ، وللأسف كان إبناً للهلاك كان أول قاتل ، وأول إنسان ملعون ، وأول إنسان إستحق العقوبة الأبدية ، إلى جوار عقوبته على الأرض إنه لم يقتل هابيل ، إنما فى الواقع قد قتل نفسه وهابيل لم يمت ، بينما قايين هو أول إنسان مات ، موتاً أبدياً هل تظنون أن هيرودس قد قتل يوحنا المعمدان ؟ أم الواقع أن هيرودس قد قتل نفسه قتل روحه وحياته وأبديته أما يوحنا فهو حى فى الفردوس يتنعم إن الإنسان الذى يخطئ إلى غيره ، إنما يخطئ إلى نفسه وما أقل الخطاة ، الذين يشعرون أنهم يحطمون أنفسهم
فليعطنا الرب بركة هابيل البار ، أول من ذكر له الكتاب أنه قدم محرقة الرب ، وذبيحة مقبولة ، نذكرها بإستمرار فى كل قداساتنا فنقول فى مقدمة أوشية بخور باكر "" يا الله ، الذى قبل إليه قرابين هابيل الصديق إقبل إليك هذا البخور من أيدينا نحن الخطاة "
وذبيحة هابيل الصديق تعطينا فكرة عن أهمية التقليد فى الكنيسة لأن هابيل فى تقدمته لم ينفذ وصية مكتوبة ، و لم تكن هناك شريعة مكتوبة فى أيامه ، و لا وصية مكتوبة تأمر بتقديم المحرقات إنما أخذها هابيل عن أبيه ، الذى أخذها من الله
لم تكن هناك وصايا مكتوبة أيام هابيل ولكن كان هناك التقليد أو التسليم وجيل يسلم جيلاً : " وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها " ( ع 4)
لقد قدم البار افضل ما عنده للرب بل أنه نفذ وصية البكور ، قبل أن يقول الرب على يد موسى النبى " قدس لى كل بكر ، كل فاتح رحم إنه لى " ( خر 13 : 2 )
أتراه قدم البكور ، بروح النبوة ، قبل الوصية المكتوبة ؟ أم تراه فعل ذلك عن طريق التقليد والتسليم أيضاً ؟ أم هو القلب البار الحساس الذى يدرك مشيئة الرب ورغبته ، دون أن يتلقنها من معلم ؟
إنه هابيل الذى شهد له أنه بار ، وشهد الله لقرابينه " وبه وإن مات يتكلم بعد " ( عب 11 : 4 ) ولقد ذكره بولس الرسول فى مقدمة رجال الإيمان : فقال " بالإيمان ، قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين " ( عب 11 : 4 ) إذن لم تكن هذه الذبيحة مجرد أمر تعوده هابيل ، أو تسلمه بلا فهم0 وإنما كان عملاً من أعمال الإيمان "" به شهد له أنه بار "
إن هابيل يمثل الإيمان وهو بكر ، فى بداية معرفته إنه أول إنسان فى العالم ، وصف بكلمة الإيمان
ترى ماذا كان الإيمان فى أيام هابيل ؟
إنه على أية الحالات كان بدابة لذلك المبدأ اللاهوتى القائل " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة
( عب 9 : 22 ) الخطية كشفت عرى الإنسان آدم ، والذبيحة عظته ، حينما صنع له الله أقمصه من الجلد ( تك 3 : 21 ) ، ورفض أن يغطى بورق التين ، وبشئ من ثمار الأرض
وعرف هابيل هذه الحقيقة : الله يريد الدم لا ثمار الأرض فقدم الدم من أبكار غنمه ومن سمانها بينما قدم قايين من ثمار الأرض وكأنه لا يؤمن بما حدث لأبويه
وكانت ذبيحة هابيل رمزاً لذبيحة السيد المسيح وكان هابيل فى ذبيحته كاهناً للرب ولم يكن قايين كذلكولم يذكر الكتاب خطية إرتكبها هابيل ، بل شهد له السيد المسيح نفسه أنه بار ( مت 23 : 35 ) 0 ويذكرنا بالبر الذى يناله كل من يقدم ذبيحة للرب أنستطيع أيضاً أن نقول إن هابيل كان أول شهيد : لقد قتل لأجل بره ، وبسبب ذبيحته التى قبلها الرب ، ورضى عنها إنه أول دم بشرى يتقبله الرب إنه باكورة الدماء الزكية المقدسة التى تقبلتها السماء ، عبر الاجيال الطويلةإنه الباكورة التى قدمت بكورها للرب وحسناً إنه إنتقل إلى السماء بعد تقديمه الذبيحة
إنتقل وهو فى حالة بر ، مقدس بالذبيحة التى قدمها وعزيز عند الرب موت أتقيائه
بين هابيل والمسيح
راعى غنم
حسده أخوه
سيق للذبح صامتاَ لم يفتح فاة
قتله فى الحقل
صوت دمه يصرخ

عدد الزيارات 2693

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل