مفهوم الصداقة

Large image

نوِد أنْ نتحدّث اليوم فِى موضوع هام يؤّثِر على حياتنا وَعلى نموِنا الرّوحِى بِطريقة غير مُباشرة وَهُوَ الصداقة ، ففِى كثير مِنْ الأحيان يُمكِن أنْ تنمو حياة الإِنسان جِداً وَترتفِع بالله عَنَ طريق الصداقة ، وَالعكس صحيح فمِنْ المُمكِن أنْ تنقلِب حياته وَتزداد خِبراته السلبيّة وَيمُر بِسلسِلة مِنْ المتاعِب بِسبب هذِهِ الصداقة فقد نتعامل مَعَ صديق يُتعِب وَيُخرِب النَفْسَ ، وَعلى العكس فهُناك صديق يرفع وَيُنمِّى النَفْسَ ، [ المُسايِر الحُكماء يصير حكيماً وَرفيق الجُهّال يُضَرُّ ] ( أم 13 : 20 ) [ مَنْ يتقِى الرّبّ يحصُل على صداقة صالِحة لأنّ صديقهُ يكون نظيره ] ( بن سيراخ 6 : 17 ) ، وَهذِهِ الآية مِنْ سِفر حِكمة بن سيراخ وَتعنِى أنّك عِندما تتقِى الرّبّ تحصُل على صداقة حُلوة ، لأنّك غالِباً سوف تبحث عَنَ صديق يكون نظيرك ، وَأنت تُحِب الله وَتخافه وَبالتالِى سوف تُحاوِل أنْ يكون صديقك نظيرك ،[ الصديق الأمين دواء الحياة وَالّذين يتّقون الرّبّ يجِدونهُ ] ( بن سيراخ 6 : 16 ) ، فالّذى يتقِى الرّبّ سوف يجِد الصديق الجيِّد وَلقد ثبت لنا ياأحبائِى أنّ تأثير الصداقة على الفرد أكبر بِكثير مِنْ تأثير البيت ، وَمِنْ تأثير الكاهِن ، وَمِنْ تأثير الدراسة ، فهو أثر خطير جِداً ، لِدرجِة أنّك تسمع المثل المعروف وَالّذى يقول ( الطيور على أشكالِها تقع ) ، حيثُ أنّ صديقك يُعبِّر عَنَ شخصيتك ، وَهُناك مثل آخر يقول ( قُل لِى صاحبك مَنَ أقول لك مَنَ أنت ) ، فلنفرِض أنّ هُناك شخص يُعرِّفك بِنَفْسَه وَأنت لاَ تعرِفه ، فسوف تسأله عَنَ أصحابه ، وَمِنْ خِلال نوعيّات أصحابه سوف تكتشِف شخصيتهُ فليس مِنْ المعقول أنْ تكون إِنسان مُتفّوِق دِراسياً ، وَأخلاقك مُرتفِعة ، وَإِنسان مُحِب للنمو ، وَناضِج فِكريّاً ، وَأنْ تُعاشِر شخص فاشِل دِراسيّاً ، وَأخلاقه ليست جيِّدة ، وَتصرُّفاته رديئة ، وَلِسانه سىّء ،فهذا غير مُمكِن لأنّك تُحِب أنْ يكون هُناك سِمات مُشتركة بينك وَبين صديقك وَفِى الحقيقة فإِنّ الصداقة مُهِمّة جِداً ، حيثُ أنّ الإِنسان مخلوق إِجتماعِى لاَ يستطيع أنْ يعيش بِمُفردهُ ، فهو يُحِب أنْ يعيش مَعَ الآخرين ، وَأنْ تكون عواطِفهُ مُشبّعة ، وَأنْ يكون لهُ رفيق فرّبّ المجد مُنذُ بدء الخليقة عِندما خلق آدم قال [ وَقال الرّبُّ الإِله ليس جيِّداً أنْ يكون آدم وحدهُ 0 فأصنع لهُ مُعيناً نظيرهُ ] ( تك 2 : 18 ) ، فالله لاَ يُريد أنْ تكون بِمُفردك ، وَأنْ تُواجِه مشاكِلك بِمُفردك ، وَ لاَ أنْ تتضايق وَتفرح بِمُفردك ، فيجِب أنْ يكون هُناك مَنْ يُشارِكك مشاعِرك مِنْ خِلال شخص قريب مِنك ، وَليس المقصود بِكلِمة [ مُعين نظيره ] أنْ تكون المرأة فقط ، بل تعنِى أنْ يكون هُناك شخص نظير لك يُعينك ، فليس مِنْ الضرورِى أنْ تكون إِمرأة ، فأنت فِى حاجة لِمُعين نظيرك يُعينك وَلننظُر لِرّب المجد يسوع عِندما عيّن التلاميذ ، حيثُ جعلهُم مجموعة ، وَقسّم هذِهِ المجموعة لِمجموعات ، وَكُلّ مجموعة كانت تنقسِم لِمجموعتين ، فَلَمْ يكُن يُرسِل شخص بِمُفرده ، وَكان يقول[ إِثنان خير مِنْ واحِد لأنّهُ إِنْ وقع أحدهُما يُقيمهُ رفيقهُ ] ( جا 4 : 9 – 10 ) وَلِذلِك فالصداقة مُهِمّة جِداً ، فأنت فِى حاجة لِمُعين نظيرك ، وَهكذا فِى حياتك ، فالطبيب يكون فِى حاجة لِمُعين نظيره ، طبيب مِثله يكون قريب مِنهُ فِى الفِكر ، وَفِى الظروف ، بل حتّى فِى المُجتمع الدينِى ، فالشخص الّذى أعطاهُ الله إِتجاه نحو التكريس يجِب أنْ يجِد شخص مُعين نظيره ، يكون مُكرّس مِثله ، وَكذلِك الراهِب يحتاج لِمُعين نظيره ، راهِب مِثله ، وَكذلِك بالنسبة للكاهِن ، فهذا المُعين يكون قريب لِظروفِى وَمشاكِلِى فعِندما تتكلّم مَعَ كاهِن عَنَ مشاكِلك سوف يفهمك أكثر ، كذلِك عِندما تتحدّث مَعَ صاحبك عَنَ مشاكِلك سوف يفهمك جيِّداً ، فكُلّ شخص مِنّا فِى حاجة لِمُعين نظيره ، فالصداقة ليست عيباً ، وَليست مرض ، وَ لاَ خطر أبداً ، وَلكِنّها ضروريّة ، لكِن الخطورة تكمُن فِى مَعَ مَنَ تكون الصداقة ؟ حيثُ أنّ الوسط الّذى تعيش فيهِ وَتختاره يُحتِّم عليك سلوكيات كثيرة ، وَمِنْ المُمكِن أنْ يدفعك لأعلى ، أو يجعلك تهبُط لأسفل ، وَلنتخيّل مُعلّمِنا بُطرُس الرسول وسط إِخوتِهِ التلاميذ عِندما وقف ربّ المجد يسوع وَقال لهُم [ وَلمّا جاء يسوع سأل تلاميذه قائِلاً مَنْ يقول النّاس إِنِّى أنا إِبن الإِنسان ] ( مت 16 : 13 ) & ( مر 8 : 27 ) ، وَهُنا نجِد بُطرُس يُصرّح بأجمل تصريح وَيقول [ أنت هُوَ المسيح إِبن الله الحىّ ] ، [ فأجاب يسوع وَقال لهُ طوبى لك يا سمعان بن يونا إِنّ لحماً وَدماً لَمْ يُعلِن لك لكِن أبِى الّذى فِى السموات ] ( مت 16 : 17 ) ، فِى حين نرى بُطرُس فِى أثناء المُحاكمة ، عِندما كان يجلِس بين أُناس أصابت قلوبهُم البرودة تِجاه ربنا يسوع ، وَتِجاه معرفتِهِ ، وَتِجاه محبّتِهِ ، إِنتقلت إِلَى بُطرُس الرسول برودتهُم حتّى أنّهُ أنكرهُ كذلِك الإِنسان يستدفىء فِى وسط جو حار بينما إِذا وُجِد فِى جو بارِد تنتقِل إِليهِ البرودة ، وَلِذلِك يجِب أنْ تختار لك جواً حاراً ، فأنت إِذا أحضرت قِطعة مِنَ الفحم وَوضعتها بِداخِل شورية مُشتعِلة فإِنّ قِطعة الفحم غير المُشتعِلة ستجعل الشورية تُضىء ، فالحرارة تنتقِل إِليك مِنَ الوسط الّذى تعيش فيهِ وَلنأخُذ مِثالاً آخر أبونا لوط البار ، عِندما كان يحيا مَعَ أبونا إِبراهيم لَمْ نسمع عنهُ مُشكِلة ، وَلكِن عِندما تركهُ وَذهب إِلَى سدوم وَعمورة سمعنا بالمشاكِل ، وَأنّهُ كاد يهلك هُوَ وَأُسرتهُ ، لأنّهُ وضع نَفْسَه فِى وسط جُهنّم لِذلِك نجِد الفلاسِفة وَالعُلماء يقولون أنّ أطول رِحلة فِى حياة الإِنسان هى رِحلة البحث عَنَ صديق ، فأنت مِنْ المُمكِن أنْ تخرُج بِصديق واحِد مِنْ مراحِل عُمرك السابِقة ، تنمو بِهِ ،وَ تُحِب بِهِ الله ، وَتنمو بِهِ إِجتماعيّاً وَروحيّاً وَثقافيّاً ، وَعلى هذا فإِنّ الوسط الّذى تعيش فيهِ مُهِم جِداً وَلننظُر لأبونا نوح البار وَإِمرأته وَأولاده الثلاثة وَثلاثة مِنْ زوجات أولاده الّذين حفظهُم الله مِنْ الهلاك على الرغم مِنْ إِمكانيّة هلاك إِحدى زوجات أولاده إِذا وُجِدت فِى وسط آخر ، حيثُ هلك جميع أهل بيتِها مِنْ أُمها وَأبيها وَإِخوتها ، إِلاّ أنّ الّذى ضمن لهُم النجاة وَالخلاص الثمانية أنفُس الّذين يقول عنهُم مُعلّمِنا بُطرُس الرسول [ أنّ العالم تجدّد بِهُم ] ، لقد كانوا فِى وِحدة واحِدة معاً ، فإِذا إِنحرف فِكر إِحدى هذِهِ الزوجات إِلَى الشرّ ، فعِندما ترى نوح أثناء الصلاة ، ففِكرها يترد مرّة أُخرى لأنّها رأت نوح يرفع قلبهُ إِلَى الله بالصلاة ، فتقول لِنَفْسَها أنا شكلِى مرتِكبه شىء خطأ وَحضيع ، أنا يجِب أنْ ألحق نَفْسَى ، وَمِنْ المُمكِن أنّ أحد أولاد نوح يأتِى لهُ غرور العالم ، وَيشِدّه العالم ، لكِن عِندما يرى أهله مجموعة مُتماسِكة ، وَيرى نوح يتعب فِى بُناء السفينة ، فيقول يجِب أنْ أعتدِل وَأتعقّل ، لأنّ[ المُساير الحُكماء يصير حكيماً وَرفيق الجُهّال يُضَرُّ ] ( أم 13 : 20 ) ، فإِنّ الوسط الّذى يعيش الإِنسان فيهِ يؤّثِر عليه فإِنّ أبونا إِبراهيم نَفْسَه أبو الآباء عِندما وُضِع فِى وسط بِهِ فتور وَذهب أرض مِصر فكذِب ، فإِنّ أبونا إِبراهيم أبو الآباء وَأبو الإِيمان فهو مضرب المثل فِى الإِيمان كُلّه ، فعِندما كذب وَقال أنّ سارة أُخته وَليست زوجتة ، فإِنّهُ خاف لأنّهُ وقع فِى وسط شعب لاَ يخافوا ربِنا ، فكذِب فإِنّ الوسط الّذى يُحيط بالإِنسان يؤّثِر عليهِ جِداً ، فإِنّ الإِنسان فِى يدِهِ أنْ يختار الوسط الّذى يعيش فيهِ ، فهُناك أُمور لاَ تكون بيد الإِنسان ، وَلكِن ليست كُلّها ، فهُناك أُمور بيد الإِنسان ، لِذلِك أنّ إِختيار الإِنسان لِصديقه هُو أمر بيدِهِ ، لكِن الوسط الّذى حول الإِنسان يجِب أنْ يُقدِّسه ، وَيتمسّك بِربِنا ، فَلاَ يكون هُناك عيب عِندما يقوم الإِنسان بأختيار أصدقائه فرّبّ المجد يسوع المسيح قام بإِختيار تلاميذه الأثنى عشر ، وَالسبعين رسول ، وَأنّ ربّ المجد بِنَفْسِهِ كان لهُ ثلاث أشخاص مِنْ تلاميذه مُقرّبين لهُ جِداً ( بُطرُس وَيعقوب وَيوحنا ) ، وَكان لهُ واحِد أكثر إِقتراباً مِنْ الثلاثة وَهُوَ يوحنا ، فكان يُقال على يوحنا[ فألتفت بُطرُس وَنظر التلميذ الّذى كان يسوع يُحِبّهُ يتبعهُ ] ( يو 19 : 26 )( يو 21 : 20 ) ، وَلَمْ يُقال أنّ يوحنا هُوَ الّذى كان يُحِب يسوع ، فكُلّ النّاس كانت تُحِب يسوع ، لكِن يوحنا كان مُميّز بالنسبة لِيسوع ، فكان يسوع يُحِبه ، فَلاَ يكون مِنَ العيب أنْ يكون لِكُلّ شخص ناس كثيرة يعرفهُم ، وَلكِن هُوَ لهُ فرد مُقرّب إِلَى قلبِهِ لِذلِك يُقال فِى سِفر الحِكمة[ ليكُن المُسالِمون لك كثيرين ، أصحاب سرّك مِنْ الألف واحِد ] ( بن سيراخ 6:6 ) ،ولاَ يكون أىّ واحِد تتأّثِر بِهِ ، وَتسير معهُ ، وَتستجيب لِكلامه ، فإِنّ الصداقة هى شىء غالِى وَسامِى ، فيقول الكِتاب المُقدّس [ 00وَلكِن يوجد مُحِب ألزق مِنْ الأخ ] ( أم 18 : 24 ) ، فِعلاً يوجد أشخاص مُحبين ألصق مِنْ الأخ ، فإِنّ فِى الأسبوع الماضِى جاء شخص مِنْ الخارِج وَهُوَ مكث خمسة وَعشرون عاماً خارِج مصر ، فهذِهِ مُدّة طويلة جِداً ، وَأنّ كُلّ أعماله الخاصّة وَأسراره مَعَ صديق لهُ وَليس أخوه ، فإِنّهُ يعمل لهُ توكيل وَيبيع وَيشترِى وَلهُ حق التصرُّف ، فقام صديق هذا الشخص بِشراء عقار لهُ ، فذهبنا معاً لِنراه ، وَأنّ هذا الشخص الّذى جاء مِنْ السفر لَمْ يراه مِنْ قبل ، وَقال لِى أنّ صديقِى هذا إِشترى لِى مِنْ قبل عقار مِثل هذا وَلكِنّهُ قام ببيعه حتّى يُحقِّق رِبح لِى ، فإِنّ كُلّ أمواله تحت تصرُّف هذا الصديق وَهُوَ يستثمِرها ، فإِنّ هذا الصديق كما قال الكِتاب [ أنّهُ ألزق مِنْ الأخ ] فيجِب أنْ نسعى حتّى نجِد صداقة بِهذِهِ الشروط ، يجِب أنْ نسعى فِى البحث عَنَ صديق بِهِ شروط جميلة ، وَبِهِ يُقرِّبنا إِلَى ربِنا ، وَيُساعِد هذا الصديق صديقه فِى الإِشتعال بروح ربِنا ، وَنشعُر بعمل الله فِى حياتنا فيقول الكِتاب المُقدّس عَنَ لابان الّذى هُوَ خال يعقوب ، أنّهُ لَمْ يكُن يعرِف ربِنا ، فهو كان عابِد للوثن ،وَلكِن عِندما جاء يعقوب إِلَى لابان فأنّهُ تأثّر بِيعقوب جِداً وَقال لهُ[ فقال لهُ لابان ليتنِى أجِد نعمةً فِى عينيك 0 قَدْ تفاءلت فباركنِى الرّبُّ بِسببِك ]( تك 30 : 27 ) ، وَكان يُحِب أنْ يمكُث معهُ دائِماً ، وَكان لاَ يُريده أنْ يُسافِر وَيترُكهُ ، وَلكِن عِندما يعقوب ذهب لهُ كانت مُجرّد زِيارة مهما طالت وَسوف ينتهِى وقتها وَأيضاً فوطِيفار بيتهُ تبارك بِيوسِف ، فمِنَ المُمكِن أنْ تنتقِل إِليك بركِة ربِنا عَنَ طريق صديق ، وَمِنَ المُمكِن معرِفة ربِنا تدخُل إِلَى قلب الإِنسان وَمخافِة ربِنا عَنَ طريق الصديق ، وَيكون لها تأثير قوِى أكثر مِنَ العِظات ، وَأكثر مِنْ تأثير أبونا ، وَأكثر مِنْ تأثير البيت ، فإِنّ الصديق يكون لهُ تأثير شديد جِداً ، فإِنّهُ أثر رهيب لِذلِك تجِد مُعلّمِنا بولس الرسول يؤثّر فِى النّاس الّذين حولهُ وَيكونوا كُلّهُم أصحابه ، وَيتصادق معهُم ، وَلكِن إِحذر لأنّك لابُد أنْ تجتهِد وَأنْ تُدقِّق وَتتعب حتّى تجِد هذا الصديق ، فإِنّ [ المُكثِر الأصحاب يُخرِّب نَفْسَه ] ( أم 18 : 24 ) ، بِمعنى إِذا لَمْ يُدقِّق الإِنسان فِى إِختيار صدقاته وَيسير مَعَ أصدقاء كثيرين ، فإِذا كان أحد الأصدقاء يستمِع إِلَى أغانِى وَهذا الشخص يسير معهُ ، وَصديق آخر لِنَفْسَ الشخص يُريد أنْ يتفسّح وَهُوَ يسير معهُ أيضاً ، وَهكذا فإِنّ كُلّ مِنَ هب وَ دب مِنْ أصدقائه يفعل أىّ شىء وَهُوَ يسير معهُ ، مُنقاد معهُم ، فَلاَبُد أنْ تكون الصداقة لشخص يكون الإِنسان يشعُر فِعلاً أنّهُ مِنْ الله ، وَيُنمّيِه وَ يُثبِّت مخافِة الله داخِل قلبه فهُناك نموذج للصداقة فِى الكِتاب المُقدّس فِى سِفر صموئيل الأول 19 : 4 - 6 فهو نموذج قوِى جِداً عَنَ الصداقة ، وَهُوَ صداقِة داوُد مَعَ يوناثان ، فكان هُناك حُب رائِع يربُطهُم معاً ، لِدرجِة أنّ شاوُل الملِك أبو يوناثان كان مُتضايِق جِداً مِنَ هذِهِ الصداقة التّى بينهُم ، فكان شاوُل يقول لِيوناثان أنّ داوُد هذا المُنافِس لك على المملكة وَالحُكم ، يجِب أنْ تُراجِع نَفْسَكَ فِى هذِهِ الصداقة [ وَتكلّم يوناثان عَنْ داوُد حسناً مَعَ شاوُل أبيهِ وَقال لهُ لاَ يُخطِىء الملِك إِلَى عبدِهِ داوُد لأنّهُ لَمْ يُخطِىء إِليك وَلأنّ أعمالهُ حسنة لك جِدّاً 0فإِنّهُ وضع نَفْسَهُ بِيدِهِ وَقتل الفلسطينىَّ فصنع الرّبُّ خلاصاً عظيماً لِجميع إِسرائيل 0 أنت رأيت وَفَرِحْتَ 0 فلِماذا تُخطِىء إِلَى دمٍ برِىءٍ بِقتلِ داوُد بِلاَ سببٍ 0فسمِع شاوُل لِصوت يوناثان وَحلف شاوُل حىٌّ هُوَ الرّبُّ لاَ يُقتلُ] ( صموئيل الأول 19 : 4 – 6 ) فكان يوناثان يُدافِع عَنَ داوُد دائِماً أمام أبيهِ الملِك شاوُل الّذى كان يُريد أنْ يقتُلهُ ، وَلِدرجِة أنّ ذات مرّة دبرّ شاوُل مكيدة لِيقتُل فيها داوُد ، وَعِندما علِم يوناثان بِذلِك الأمر ، فذهب لِيُخبِر داوُد عَنَ هذِهِ المكيدة ، وَقال لهُ أنّ أبِى شاوُل يُريد أنْ يقتُلك ، إِهرب ، وَعِندما غضب شاوُل مِنْ يوناثان إِبنِهِ جِدّاً ، فقال شاوُل لإِبنِهِ [ فحمى غضب شاوُل على يوناثان وَقال لهُ ياإِبن المُتعوِّجةِ المُتمرِّدَةِ أما علِمت أنّك قَدِ إِخترت إِبن يسَّى لِخزيِكَ وَخِزىِ عورة أُمِّك ]( 1 صم 20 : 30 ) فإِنّ شاوُل قام بِشتم يوناثان ، فإِنّ يوناثان قام بِتفضيل داوُد وَصداقتِهِ عَنَ المملكة ، لأنّ الشعب كان يُحِب داوُد أكثر ، وَكانوا يُريدوا أنّ داوُد يكون ملِك عليهُم ، وَأمّا شاوُل كان يُريد أنْ يكون إِبنهُ هُوَ الملِك ، فكان داوُد هُوَ مُنافِس لِيوناثان على الحُكم ، وَشاوُل كان مُتأزِم مِنَ هذِهِ الصداقة ، لأنّهُ كان لاَ يُريد أنّ داوُد هُوَ الّذى يحكُم بل كان يُريد إِبنهُ فكان شاوُل يقول لِيوناثان [000 وَالآن أرسل وَأتِ بِهِ إِلىَّ لأنّهُ إِبنُ الموتِ هُوَ ]( 1 صم 20 : 31 ) ، [ فأجاب يوناثان شاوُل أباهُ وَقال لهُ لِماذا يُقتلُ 0ماذا عمِلَ ]( 1 صم 20 : 32 ) ، فغضِب شاوُل وَأمسك بِرُمح وَضربهُ بِهِ ، إِلاّ أنّهُ نجا مِنهُ ، فإِنّ شاوُل كان غيور على المملكة التّى ستضيع مِنَ إِبنِهِ بِسبب داوُد ، أمّا يوناثان فكان سعيد بِهذِهِ الصداقة حتّى إِذا ضحّى بالمملكة وَعِندما جاء خبر موت يوناثان لِداوُد ، فإِنّهُ حزِن جِداً ، وَقال داوُد[ قد تضايقتُ عليك يا أخِى يوناثان كُنتَ حُلواً لِى جِداً 0 محبَّتُكَ لِى أعجبُ مِنْ محبَّة النّساء] ( 2صم 1 : 26 ) ، [ كيف سقط الجبابِرة وَبادت آلات الحربِ ]( 2 صم 1 : 27 ) فإِنّ هذِهِ الصداقة كانت عميقة جِدّاً وَمليئة بالمحبّة مِنْ شروط الصداقة الأمينة أنْ تكون بعيدة عَنَ الأنانيّة ، بعيدة عَنَ الذاتيّة وَالنفعيّة ، وَلكِن مِثال الصداقة هذا بعيد جِداً عَنَ الأنانيّة ، فإِنّها عِلاقة وفيّة جِدّاً حتّى الموت ، فإِنّ كُلّ إِنسان يجِب أنْ يبحث عَنَ صداقة فِى هذا المُستوى ، فَلاَ يكون أىّ شخص يستحِق أنْ يكون صديق ، يجِب أنْ يكون هُناك تكافوء وَإِحترام وَمحبّة وَمُشاركة ، هذِهِ هى شروط الصداقة ، التكافوء ، فعِندما يقوم الشخص بإِختيار صديق يجِب أنْ يكون هُناك تكافوء فِى الفِكر وَالأخلاق وَالبيئة وَالثقافة وَالرّوحيات ، إِنْ كان هُناك فِى إِختلافات بين داوُد وَ يوناثان فِى الشكل ، أمّا الجوهر فهُم كانوا مُتكافِئين ، نَفْسَ القوّة وَالشجاعة وَالوفاء ، هذِهِ هى شروط الصداقة هذا هُوَ فِعلاً المُحِب الألصق مِنَ الأخ ، لِذلِك أمر مُهِم جِدّاً أنْ يبحث الإِنسان عنهُ ، أنْ يكون للإِنسان إِنفتاح على شخصيّة صديقه ، وَيكون يعرِفهُ جيِّداً ، وَيرتاح لك وَأنت ترتاح لهُ ، وَتتبادلوا الأسرار وِبِكُلّ إِطمئنان ، وَتقدِر أنْ تتكلّم معهُ عَنَ مشغولياتك وَأحزانك وَأفكارك فِى المُستقبل ، وَهُوَ يكشِف لك نَفْسَ الأُمور ، وَترتاحوا مَعَ بعضكُم لِبعض ، وَيكون الرباط الّذى بينكُم يكون رباط روحِى ، وَ لاَ تكون مُجرّد معرِفة سطحيّة وَمعرِفة نفعيّة الحقيقة غير ذلِك ، فأحياناً نُلاحِظ أنّ هُناك إِثنين مِنْ الأشخاص يسيروا مَعَ بعض ، وَنحنُ نقول عليهُم أصدِقاء ، لكِن الحقيقة فِى العِلاقة التّى بينهُم توجد غيرة بينهُم ، وَ مُجرّد أحدهُم يشترِى أىّ شىء الآخر يُقلِّدهُ مُباشرةً ، وَيشترِى نَفْسَ الشىء مِثلهُ ، وَيكون بينهُم صِراع ، فهذِهِ ليست محبّة حقيقيّة ، وَ لاَ تُسمّى بالصداقة أبداً القديس بولس الرسول كان لهُ صديق ، وَهذا الصديق نفعهُ جِداً وَهُو برنابا الرسول ، وَكان برنابا الرسول سِنّهُ كبير إِلَى حدٍّ ما وَأكبر سِنّاً مِنْ بولس الرسول ، وَبرنابا الرسول كان خال القديس مرقُس الرسول ، فمعنى ذلِك أنّهُ أكبر سِنّاً ، وَأطّلع برنابا على بولس وَصادقهُ وَعرِف ما يدور فِى ذهنِهِ وَأفكاره ، وَأطّلع على مراحِل تغييره وَعلى توبتِهِ ، وَوثِق فيِهِ ، أمّا بقيّة الرُسُل فكانوا يخافوا مِنْ بولس وَيرتابوا مِنهُ بِسبب ماضيه وَقلِقين مِنهُ وَمستغربين جِدّاً لهُ ، وَمستغربين لِتحّولِهِ ، وَلَمْ يرتاحوا لهُ أبداً ، وَلَمْ يقدِروا أنْ يُصدِّقوا التحوّل الّذى حدث لهُ ، وَلكِن الّذى توسّط لِشاوُل ( بولس ) للتلاميذ هُوَ برنابا وَقال لهُم أنّهُ تغيّر فِعلاً ، وَهُوَ وثق فِى بولس جِدّاً وَجلس مَعَ التلاميذ أولاً وَبدأ يتكلّم معهُم حتّى يطمئِنوا لِبولس قبل ما يدخُل بِبولس عليهُم ، وَعِندما دخل لهُم بولس وجدهُم مُرتابين ، وَبدأ هُوَ يتكلّم معهُم عَنَ عمل ربِنا معهُ ، وَيُعلِن لهُم أنّهُ تغيّر فِعلاً ، وَلكِن الّذى سهلّ هذا الموضوع بالنسبة لِبولس هُو برنابا وَصداقتهُ مَعَ برنابا الصداقة لابُد أنْ يكون فيها إِحساس روحِى مُتبادل ، وَكُلّ صديق يشعُر بأنين صديقه وَبإِحتياجاته ، وَتكون صداقة فيها مُشاركة وَإِرتقاء وَإِرتفاع ، فيشعُر أنّ حُزنِى حُزنه ، أحترمه وَأحترِم همومه ، وَيحترِم هُو الآخر هُمومِى ربّ المجد يسوع وجدناهُ صديقاً صدوقاً لِكُلّ أحد ، وجدناهُ يذهب لِيُشارِك النّاس فِى أفراحها ، وَليس مُجرّد حُضوره للعُرس ، وَلكِنّهُ يُشارِكهُم إِحتياجاتهُم فِى العُرس ، هُناك أشخاص يذهبون للأفراح فقط ، وَلكِن هُناك أشخاص يذهبوا للفرح وَيُشاركوا أهل الفرح فِى إِحتياجاتهُم ، فهُناك مُشاركة مِنْ ربّ المجد وَوصلت هذِهِ المُشاركة أنّهُ صعبِت عليهِ جِدّاً أرملة نايين التّى كانت تبكِى على وحيدها الّذى مات فصعب عليهِ جِدّاً هذا المشهد وَشاركها حُزنها ، وَوضع يدهُ على النعش وَأقام الصبِى الميِّت وَدفعهُ إِلَى أُمِهِ ، فإِنّهُ يصعب عليهِ جِدّاً أنْ يرى هذِهِ الأرملة حزينة لِوفاة إِبنها وحيدها فهو صديق يُشارِك النّاس أحزانها وَأفراحها بِوفاء وَحُب ، إِنّهُ صديق إِلَى درجة دفعتهُ أنْ يُشارِك الإِنسان فِى ألمه وَحُزنه وَفرحه ، لِدرجِة أنْ قيل على ربّ المجد أنّهُ بكى على قبر لِعازر ، فهو صديق مُشارِك إِيجابِى كان هُناك صداقة عميقة جِدّاً جِدّاً بين القديس أنطونيوس وَالقديس بولا ، وَعِندما كانوا يتكلّموا معاً كانوا يتحدّثوا فِى أحاديث ليست مِثل أحاديثنا العاديّة ، بل كانوا يتكلّموا عَنَ عظائِم الأُمور ، وَالعِلاقة التّى بين القديس أنطونيوس وَالقديس أثناسيوس ، الّذى جعل القديس أثناسيوس يُهدِى القديس أنطونيوس حُلّتهُ الكهنوتيّة الغالية عليه جِدّاً جِدّاً ، وَأنّ القديس أنطونيوس لاَ يُخبِر أحد عَنَ نياحتِهِ إِلاّ للقديس أثناسيوس ، فهى صداقة روحيّة عميقة وَلنتطرّق لِعلاقِة القديس أنطونيوس مَعَ القديس دِيديموس الضرير ، وَالّذى عِندما شعر بِهِ القديس أنطونيوس أنّهُ مُتضايِق وَحزين وَأستفسر عَنَ سبب حُزنِهِ وَتغيُّرِهِ ، نجِد أنّ القديس يقول له : إِنّهُ كان يتمنّى أنْ يراه وَهُوَ لأنّهُ ضرير لاَ يستطيع أنْ يراه ، فقال لهُ لاَ تحزن يا صديقِى دِيديموس لأنّك حُرِمت مِنْ نور البصر الّذى بِهِ نُعايِن الحشرات وَالحيوانات ، بل تهلّل لأنّ الله قَدْ منحك العين الباطِنيّة وَنور البصيرة التّى بِها تُشارِك الملائِكة فِى رؤيّة الله ، وَلقد كان القديس دِيديموس علاّمة مِنْ عُلماء اللاهوت ، وَ لازال فقد أسّس مدرسة لاهوتيّة فَلاَبُد أنّ كُلّ إِنسان يأخُذ باله جِدّاً مِنَ الصداقة ، ففِى سِفر العدد كان هُناك إِثنين أحّبوا أنْ يُمارِسوا الكهنوت دون أنْ يكونوا مِنَ سِبط لاوِى ، وَهُم قورح وَداثان ، فربِنا أهلكهُم وَأبادهُم ، فقال لهُم موسى النبِى [ فكلّم الجماعة قائِلاً إِعتزِلوا عَنْ خِيام هؤُلاء القوم البُغاة وَلاَ تمسُّوا شيئاً مِمّا لهُمْ لِئلاّ تهلكوا بِجميع خطاياهُمْ ] ( عد 16 : 26 ) ، فكان موسى يُحذّرهُم أنْ يبعِدوا عَنَ هؤلاء النّاس حتّى لاَ يهلكوا مِنْ خطاياهُم ، فيقول فِى رِسالة كورنثوس[ لِذلِك أُخرُجوا مِنَ وسطِهِم وَأعتزِلوا يقولُ الرّبُّ وَ لاَ تمسّوا نجِساً فأقبلكُمْ ]( 2 كو 6 : 17 ) ، فإِذا وُجِدت فِى وسط مُتعِب وَأنّ هُناك أُناس ليس فيهُم مخافِة الله فلتبتعِد ، وَفِى سِفر الرؤيا يتكلّم عَنَ مدينة بابِل الشرّيرة فيقول [ ثُمّ سمِعتُ صوتاً آخر مِنْ السماء قائِلاً أُخرُجوا مِنها يا شعبِى لِئلاّ تشترِكوا فِى خطاياها وَلِئلاّ تأخُذوا مِنْ ضرباتِها ] ( رؤ 18 : 4 )فلتكُن أنت أيضاً كذلِك ، فإِذا وجدت مجموعة ليس فيها مخافِة الله ، وَلديها ميول وَأفكار رديئة ، أُخرُج مِنها لئلاّ تأخُذ مِنْ ضرباتِها ، وَيُقال عَنَ خاطىء كورنثوس وَهذا كان إِنسان لهُ خطايا جسديّة وَكان شرّير ، وَلقد حكم عليهِ القديس بولس الرسول بالعزل وَالحرمان ، وَلكِنّهُ نصح الشعب قائِلاً [أنْ لاَ تُخالِطوا وَ لاَ تُؤاكِلوا مِثلَ هذا ] ( 1كو 5 : 11 ) ، أىّ لاَ تتكلّموا معهُ وَ لاَ تأكُلوا معهُ ، يجِب أنْ يتِم الإِبتعاد عَنَ هذا الشخص ، فهُناك خطورة شديدة فِى موضوع الصداقة وَسوف أُعطيك نموذج عَنَ أثر الصداقة فِى حياتنا ، فمِنَ أكثر الأُمور التّى كانت مُشجِّعة القديس أُوغسطينوس على الشرّ هُوَ أصدقائه ،وَمِنَ أكثر الأُمور التّى أخّرت توبتِهِ وَالتّى جعلتهُ يتمادى فِى الشّرور هى الصداقة ، فسوف نتعرّض لِجُزء مِنْ الإِعترافات التّى إِعترفها القديس أُوغسطينوس [ كان الخجل يعترينِى فيما لو قصّرت عَنَ رُفقائِى فِى إِتيان الفواحِش ] ، أىّ كان ينكسف مِنَ نَفْسَه إِذا إِرتكب شرّ أقل مِنَ أصدقائه [ كانت الفواحِش مبعث إِفتخارنا ] ، أىّ كانوا يتباهون أمام بعضهُم بالفواحِش ، وَكُلّ واحِد مِنهُم يُريد أنْ يتغلّب على الآخر فِى خطاياه [ أنا كُنت أتحاشى الذنب بإِرتكابِى الآثام وَحتّى لاَ تكون طهارتِى مجلبة لِعارِى ، هكذا كان العدو يرفُصنِى بِرجليه وَيدفعنِى إِلَى الهاوية ] فذات مرّة كان هُو وَأصدقائه مرّوا على حديقة بِها شجرِة كُمثرى ، فقال لهُم هيّا لِنسرِق ، فأُعجِبوا بالفِكرة ، أمّا أُوغسطينوس فكان والده غنِى ، وَكان لديهِ شجر أفضل مِنَ هذا مئة مرّة ، لكِنّهُ كان يسرِق شجر النّاس ، فيقول [ سرقت ما كُنت أملُك أفضل مِنهُ ] ، فهو كان يسرِق أشياء هُوَ كان يملُك أفضل مِنها ، لاَ طمعاً فِى المسروق عينِهِ بل حُبّاً فِى السرِقة وَالإثم ، لو كُنت وحدِى ما أقدمت على كُلّ ذلِك ، وَلكنِّى إِندفعت مرضاةً لِرفاق شاركتهُم فيها ، فلولاَ أصدقائه ما كان تجرّأ على فِعل كُلّ هذا فكانوا يسرِقوا الأشياء وَكان هُو لاَ يستخدِمها لأنّهُ لاَ يحتاج إِليها لأنّهُ غنِى ، فكانت الأشياء التّى يسرقها كان يُعطيها للكلاب وَالخنازير أو يرميها ، لِذلِك نُلاحِظ أنّ الشخص دائِماً يؤّثِر عليه المُحيط الّذى هُوَ فيه ، فكان القديس أُوغسطينوس طهارته مُجلِبة لِعاره فإِذا تصادق ولد مَعَ ولد آخر وَسألهُ هل تعرِف الأمر الفُلانِى ؟ فيكون الجواب بِكلِمة لأ ، فيتِم التريئة عليه وَيُقال لهُ إِنت منين ؟ وَمُمكِن تتِم التريئة عليه ، وَيُقال لهُ خلّيك جنب ماما وَيتغاظ وَيغضب هذا الولد لأنّهُ شاب فإِذا قال لهذا الشاب أحد أصدقائه هل شاهدت كذا ؟ فيسأل ما هُوَ كذا هذا ؟ فيقول لهُ لمّا تكبر ياشاطِر تعرِف إِيه هُوَ كذا ، فيغتاظ أكثر هذا الشاب ، فيكون شعور الشاب الداخِلِى أنّهُ يُريد أنْ يعرِف وَيُحِب أنْ يُشاهِد ، وَيكون فِى مُستوى معرِفة أصدقائه ، وَيُحِب أنْ يستمِع إِلَى كلامهُم لِيعرِف كُلّ هذِهِ الأُمور وَهُناك يكون فارِق بين شاب آخر يتصادق مَعَ شاب مِثلهُ ، وَيُحِب القُدّاس ، وَيُحِب التسبحة ، وَيُحِب الكِتاب المُقدّس ، وَعِندما يمشِى معهُ يكون الكلام بينهُم عَنَ البِر وَالتقوى ، وَيتكلّموا عَنَ عظائِم الأُمور وَالأحاديث التّى ترتفِع بِهُم إِلَى أعلى ، فهُناك فرق وَهذا هُوَ ما حدث بالضبط مَعَ القديس أُوغسطينوس ، وَلِذلِك نجِد أن القديس حدثت لهُ صدمة عِندما سمع بِوفاة أحد أصدقائه ، وَالّذى كان يظُن أنّ الدُنيا لاَ تقدِر عليهُم ، وَظلّ يُفكِّر عمّا سيكون نصيب مِثل هذا الشخص ، وَفكّر فِى أنّهُ أيضاً سوف يموت ، وَكره الموت جِداً وَخاف مِنهُ كثيراً ، وَعِندما بدأ ينتبِه وَبدأ فِى مُصاحبِة أشخاص تخاف الله وَرأى أشخاص مِنْ نَفْسَ سِنّه لديها إِشتياقات بتوليّة وَرهبنة ، وَبدأ فِى مُعاشرتهُم ، وَرأى فيهُم سلوكيات جديدة وَإِهتمامات جديدة ، لِذلِك يقول [ إِزددت حُبّاً جِداً لهُم ، وَبِقدر ما إِزددت حُبّاً لهُم إِزددت كُرهاً وَبُغضاً لِنَفْسِى وَلماضىّ وَأيقنت كم كُنت صغيراً عِندما سِرت مَعَ أُناس تخاف الله وَفيها معرِفة الله ] لِذلِك صارت حياته وَكِتاباته سنداً وَنوراً وَسِراجاً لِكُلّ تائِب ، وَلِكُلّ مُشتاق ، وَلِكُلّ نَفْسَ تُريد أنْ تحيا مَعَ الله فلتُراجِع نَفْسَكَ مَعَ أصحابك ، وَخيراً لك أنْ تكون بِمُفردك عَنَ أنْ يكون لك أصحاب مِثل أصحاب أُوغسطينوس ، لأنّنا نجِده قال[ إِذا كُنت وحدِى لَمْ أكُن لأُقدِم على فِعل أشياء مِثل هذِهِ ] فنادِراً ما نجِد شاب تورّط فِى أىّ خطيّة بِمُفرده ، فللأصدِقاء تأثير فِى ذلِك ، وَلقد قال الكِتاب المُقدّس [ لاَ تضِلّوا فإِنّ المُعاشرات الرديّة تُفسِد الأخلاق الجيّدة ] ( 1 كو 15 : 33 ) ، فحتّى إِذا كانت أخلاقك جيِّدة فلتُدقِّق جيِّداً فِى مُعاشراتك ، وَلتختار شخص أحسن مِنك لِتمشِى معهُ يرفعك وَيُنمّيك ، وَلتبحث عَنَ صديق يُنّمِى فيك الأُمور الناقِصة عِندك ، وَيجذِبك إِلَى أعلى ، وَلتجتهِد فِى ذلِك أمّا إِذا كُنت سعيد بأنّك تسير مَعَ مَنَ هُم أقل مِنك فإِنّك تؤّثِر على نَفْسَكَ بالسلب ،وَ تقضِى عُمرك وَسنينك تمُر مِنك فِى لاَ مُبالاه ، هذا بالإِضافة لتأثيرها السلبِى عليك وَالّذى يكون خطير جِداً أرجوك بنعمِة ربِنا أنْ تبحث لك عَنَ صداقة وَعَنَ وسط تعيش فيهِ ، يُنّمِيك وَيرفعك لِكى يكون مِنَ المُمكِن أنْ تُصبِح صداقاتك مُفتاح لإِنطلاق فِى حياة مَعَ الله ، فربِنا يسوع المسيح صديقنا وَمُخلِّصنا الّذى أتى إِلينا فِى شكلِنا وَفِى ذُلِّنا يُعرِّفنا كيف نختار صديق يسنِدنا فِى طريق جِهادنا ، وَيُعطينا نموذج حلو كى نرتفِع بِهِ وَنصِل بِهِ إِلَى أعماق الله ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين

عدد الزيارات 9649

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل