تقوية الارادة

Large image

من رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل رومية بركاته على جميعنا آمين ” فإني أعلم أنه ليس ساكن فيَّ أي في جسدي شيء صالح .. لأن الإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحُسنى فلستُ أجد .. لأني لستُ أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لستُ أريده فإياه أفعل “ ( رو 7 : 18 – 19) الإرادة هي طاقة قدرة الفعل .. هي طاقة داخلية أعطاها لنا الله لنأخذ بها قرار .. هي المُحرك لأخذ القرار كثيراً ما نشكو أنفسنا لأننا نشتاق أن نكون ملتزمين ومرضيين لله .. نريد أن نحيا بحسب الوصية .. لا يوجد شخص يفعل الخطية وهو مُستريح .. كيف نكون مرضيين لله .. الإرادة تحتاج تقوية .. كيف ؟
يتحكم في إرادة الإنسان شيئان :-
1. الإحتياج .
2. الميل .
الصراع بين الإحتياج والميل هو الإرادة .. مثلاً هناك أمور نحتاجها لا نميل لها وأمور نميل لها لا نحتاج لها .. وأمور نميل لها ونحتاج لها .. أكثر شئ يجعل الإرادة قوية أن يتفق الإحتياج والميل معاً .. بينما في الإرادة الروحية نحتاج ولا نميل فمن يُنكر أن الإنسان يحتاج للعمل لكن لا يميل له !! إذاً فليكن ما يريد ويرفض العمل وبالتالي لن يأكل .. إذاً يضطر للعمل كي يأكل .. من منا ذهب لطبيب الأسنان بإرادته ؟ بالطبع يذهب للإحتياج وليس للميل .. هذا يجعلني أقوم بعمل أنا محتاج .. إذاً أبدأ مع الله بالإحتياج حتى وإن كنت لا أميل .. أعمل حتى بدون ميل لتقوية إرادتي .. يقول الآباء ” إن أردت أن تصلي عندما تميل للصلاة ربما لا تُصلي أبداً “ .. أصلي أم أنام ؟ أصوم بانقطاع أم آكل ؟ جسدنا يميل للراحة والنوم وليس للتعب والصلاة والصوم لذلك إرادتنا متوترة لأنها مغلوبة بالضعف .. متى تتقوى إرادتنا ؟ عندما تتخذ قرار القوة حتى وإن لم يكن لك ميل .. أفعل الخطأ وأنا عالم إنه خطأ وأستمر فيه .. وأحتاج للصلاح ولا أميل له هذا الأمر يجعل إرادتي تتآكل .. قد تكون أمور نميل لها لكن لا نحتاجها لأن الخطية هي ميل دون احتياج .. الإنسان يميل لإشباع غرائزه حتى وإن كان احتياجه أقل من الميل .. يميل للطعام حتى وإن كان احتياجه أقل لذلك كيف أضبط ميولي حسب احتياجاتي ؟ هذا يُنشئ إرادة منضبطة .. كيف أضبط إرادتي في المال والمظهر وحسب احتياجاتي ؟ عوِّد نفسك أن تأكل ما تحتاجه وليس ما تشتهيه .. أن تقتني ما تحتاجه وليس ما تشتهيه عندما نميل لما نحتاج نفعل الأمر بارتياح .. متى تصل مع الله إلى الميل له والإحتياج أيضاً ؟! أحتاج للصوم وأميل له .. أحتاج للصلاة وأميل لها كيف تكون لي إرادة روحية ؟

مراحل تقوية الإرادة :-
1. إقتنع .
2. إمتنع .
3. إجتهد .
4. إستمر .
1. إقتنع :-
أمور كثيرة محتاج أن أقتنع بها .. وهي أن بُعدي عن الله موت وفقر وفُقدان سلام وفُقدان هدف وضياع .. وأن حياتي معه حياة لأنه رئيس الحياة .. الحياة مع الله هي كل شئ وبدونه الحياة لا شئ .. محتاج أن أقتنع أن الإنسان مخلوق للأبدية .. مخلوق إلهي وتطلعاته تطلعات سماوية .. محتاج أن أقتنع أن يكون لي احتياج وقناعة وليس شره للإقتناء .. عقلي يقتنع بأساسيات هامة وهي أن الإنسان عندما يبتعد عن الله يفقد معنى وجوده ومحبته لله ولأقاربه حتى لنفسه .. كثيرون لا يقتنعون أن الخطية خاطئة جداً .. زد درجة القناعة لأن القناعة أكثر شئ تجعلك تفعل الأمر بارتياح أكثر كما يقول بولس الرسول ” لأنني عالم بمن آمنت ومُوقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم “ ( 2تي 1 : 12) يقولون للأنبا أنطونيوس هل جننت أن تترك كل هذه الأملاك لتعيش في صحراء ؟!! .. أنت خاسر لكل مقتنياتك .. يُجيب أنا أعرف ماذا كسبت وماذا أفعل .. هكذا الذي يسامح يقولون له أنت خاسر لكرامتك لكنه عارف ماذا يفعل مهما كان رأي الناس ومهما كانت حروب عدو الخير في داخل النفس عليك أن تقتنع أولاً بالأمر كي تفعله بارتياح وغَلْبَة .
2. إمتنع :-
كثيرون مقتنعون لكنهم لا يمتنعون .. المُدخن مقتنع أن التدخين ضار بالجسد كله لكنه لا يمتنع لأنه غير قادر .. مقتنع أن الخطية هلاك ودمار وموت وأن الأنانية تمتلكه وأن الغضب يجعله يخسر أحبائه .. هو مقتنع بخطأ الغضب لكنه لا يمتنع .. إذاً لا يكفي الإقتناع فقط بل لابد من الإمتناع .. قال أحد الآباء ” لا أظن أن العدو أطغاني في خطية مرتين “ الإمتناع يحتاج قوة خاصة إننا في عصر فيه الخطية سهلة وسريعة .. الإمتناع يحتاج صلاة ورفع يدين .. كل شخص يعرف من أين تدخل له الخطية سواء كان فكره أم أصحابه أم ذاته أم يعرف أن الكسل آفة تأكل كل خير داخلي .. من ضمن صفات جيلنا أنه كسول يأكل كثيراً وينام كثيراً ويترفه كثيراً .. أما الجدية فلا يقترب لها يريد عمل مريح براتب عالي .. مُحب للمظاهر لأنها في نظره أهم من داخله .. هذه معادلة تحتاج إصلاح .. إقتنع وامتنع عن أمور مهمة واوقفها .
3. إجتهد :-
أريد أن تتقوى إرادتي .. أُجيبك اخضع نفسك لتداريب تقوية الإرادة .. ومنها :-
الصوم :- أفضل تدريب يقوي الإرادة الصوم .. والكنيسة القبطية أكثر كنيسة تضع أصوام لأولادها لأنها تريدهم أن يضبطوا أجسادهم وإرادتهم .. لابد أن نضبط احتياجات أجسادنا .. والترفيه الزائد علامة خطرة على الإرادة الروحية .. هو علامة شخص مُنهار أمام جسده لأن الجسد الغير مُروض لن يصلي ولن يصوم لأنه جسد متسلط قوي .. أكثروا من الإنقطاع عن الأطعمة المحبوبة والإنقطاع لفترات طويلة .
الصلاة :- لنرى الذين يقفون في القداس بتكاسل لأنهم لم يعتادوا الصلاة .. تستطيع أن تعرف الشخص العابد من وقفته في الصلاة لأنه مُدرب على خضوع الجسد .. جسد قوي وإرادة مهزومة تجعل الإرادة الروحية ضعيفة لأن الجسد لا يكتفي مهما تعطيه .. أحد الآباء كان يقول لجسده ” ليس لك أن تأكل طعام البشر مادمت مُصِر على أفعال البهائم “ .. يروض جسده وعندما يوقِظه في منتصف الليل يُطيع درب إرادتك لتقوى برفع اليدين في الصلاة ووقفة منتصبة .. عندما يريد الجسد طعام آخَّر ميعاده .. وإن كان يأكل كمية كبيرة قلل له الأطعمة .. كلما أخضعت الجسد كلما تقوت الإرادة وكما يقول الآباء ” إعطِ دماً لكيما تأخذ روحاً “ .. أي جهاد يُزرع في الجسد يثبُت في الروح .. لا تُخضع الجسد للكسل والنوم والشهوة القديس أبو مقار قال لتلميذه أنا لي سنوات أشكو من حروب عدو الخير لكن لي أربعون سنة لم أتبع جسدي يوم واحد في أكل أو شرب أو نوم أو راحة .. للأسف نحن نعطي الأولوية العظمى للجسد ولا نستطيع أن نقول له لا .. لا قوِّي إرادتك واضعِف جسدك واصلبه .. لذلك هناك ثلاثة كلمات مهمة( 3 ت ) :-
أ/ تغصَّب .
ب/ تعوَّد .
ج/ تمتَّع .
أ/ تغصَّب :-
أي فِعل روحي لا يبدأ إلا بالتغصب .. قد تسأل هل الله يقبل ذلك ؟ نعم يقبل لأنه بذلك يقدم ذبيحة مقبولة لله وهو يقبلها .. شخص غصب نفسه أن يُقدم شئ .. التغصب بداية كل فضيلة .. تسأل نفسك هل أسامح أم لا ؟ أقول لك اغصب نفسك على التسامح وعلى الإنجيل والصلاة و..... وعندما يراك الله تقدم شئ ولو بتغصب ينظر لها على إنها ذبيحة .. تعود مُتعب من عملك لكن صلي حتى وإن كنت لا تعي ما تقوله لكن بالتغصب تتعود وتبدأ تعي ما تقوله وتُحب الصلاة .
ب/ تعوَّد :-
غصبت نفسك على عمل روحي إبدأ الآن التعود عليه .. كما قضينا حياتنا كلها في الخطأ عوِّد نفسك الآن على الأمور الصحيحة واختبر نفسك .. التعود خطوة للتمتع .. لو أرادت أم أن ترسل طفلها للحضانة لكي يتعلم شئ مهم وليعرف أنه ليس وحده في العالم .. نعم البيت هو مملكته الخاصة لكن لابد أن يعرف أن ليس كل شئ مِلكه بل ليعرف كيف يتعامل مع الآخر .. في البداية يصرخ ويبكي ثم بعد فترة يعتاد الذهاب للحضانة .
ج/ تمتَّع :-
بالتدريج يتحول التغصب إلى تعوُّد وتجده يستيقظ مبكراً لأنه هناك يجد له أصحاب وألعاب مُفضلة وحفلات ويصل إلى درجة التمتع ويُصبح كيانه كله في الحضانة حتى وإن كان مريض يريد الذهاب .. إثبت في التعود حتى تصل إلى التمتع .. القديسين لم يصلوا لدرجة التمتع بسرعة بل مروا بفترات تغصب وتعوُّد وثبات وجهاد ورفع يدين .. أرجوك لا تأخذ الأمور من آخرها .. إبدأ الرحلة من بدايتها حتى تصل إلى النهاية .. إجتهد واثبت في الجهاد لتقوى إرادتك .
4. إستمر :-
كثيراً ما نبدأ ولا نستمر .. نتخذ القرار ولا نراعيه .. لا أرجوك استمر .. يقول سفر الرؤيا ” هنا صبر القديسين “ ( رؤ 13 : 10) .. اصبر واثبت .. الإنسان يحتاج لفترة يقرأ فيها الإنجيل قد تقول إني أنسى ما أقرأه .. نعم لكن اثبت حتى لو لم تشعر بنتيجة .. عرفت شاب يعمل في شركة تنقيب عن الذهب وقال لي أن لهم عشرون عاماً يُنقبون والآن لهم اسبوع فقط قد وجدوا جبل ذهب .. صبر .. نحن نبحث عن ما هو أغلى من الذهب نبحث عن خلاص نفوسنا .. إستمر ولا تتراجع من الأمور التي تقوي إرادتك أن لا تتوتر إرادتك عندما تتأخر النتيجة .. لا أنت غير مسئول عن النتائج بل مسئول عن الجهاد والأمانة .. إستمر ولا تنظر إلى الوراء .. ” ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلُح لملكوت الله “ ( لو 9 : 62 ) .. اصبر وثابِر واعلم أن الشمس خلف الغيمة والفجر سيأتي مهما طال الظلام .. لابد أن يُشرق فجر والنصرة بعد الهزيمة والنجاح بعد الفشل .. لذلك جيد أن تثبُت هذا يقوي إرادتك .. لا تتزعزع إن هُزمِت في جولة .. الله يرى في النهاية ما يريد القلب ولماذا يتعب الإنسان ولأجل ماذا متى نصل إلى أخر درجة التي هي أن تكون ميولنا روحية ؟ موسى النبي رأى العليقة قال ” أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم “ ( خر 3 : 3 ) .. متى أميل للقداس وأطلب أن أراك وأقابلك يا إلهي ؟ بدأت أميل للقداس وبدأت أميل للصلاة لأني أقف أمامه .. ” باسمك أرفع يديَّ “ ( مز 63 : 4 ) .. بدأت أميل .. وإن لم أصلي أحزن .. ألم تختبر أنك إن لم تحضر قداس لفترة طويلة تحزن ؟ وإن لم تصلي تشعر أن هناك شئ هام ينقُصك ؟ هذا يعلن أن ميولك صارت روحية وأن فرحك وسلامك فيه فتأخذ روح تضرع وخشوع ونعمة ونُصرة وغلبة على أهواءك وضعفاتك إقنع نفسك بذلك وثق أنك تريد الله وتُحبه .. ” أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت “ ( مز 40 : 8 ) .. يسوع يقول لك أنت تريد وأنا أيضاً أريد .. وهنا تلتقي الإرادتان .. ” الذي يريد أن جميع الناس يخلُصون وإلى معرفة الحق يُقبلون “ ( 1تي 2 : 4 ) .. هنا يحدث تقوية للميل .
بعض التداريب العملية لتقوية الإرادة :-
قف منتصب للصلاة .. إرفع يديك .. إنقطع في الصوم .. إغلب الكسل .. إقتني ما تحتاجه فقط .. درب جسدك على طاعة روحك وروحك على طاعة الله .. الجسد متوحش يريد طعام ويبتلع كيان الإنسان والآباء يشرحون قصة شمشون عندما خرج عليه أسد لكن شمشون بقوة الله شق الأسد إلى نصفين وفي طريق عودته وجد خلية نحل في فم الأسد فأخذ من العسل وأكل .. يقول الآباء أن الجسد هو الأسد يريد أن يفترسك لكن إن غلبته يعطيك حياة وعسل ولذة .. والجسد والعقل هما ساحتي الحرب مع عدو الخير الشرس وعدو الخير صنع لنفسه حصون داخل الجسد والعقل ليحرك الإنسان كما يريد .. فمتى هُزم الإنسان في عقله وهُزم في جسده هُزم في إرادته .. ومتى غلب في عقله وجسده غلب في إرادته .. ” الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله “ ( رو 8 : 14) .. ” أخذتم روح التبني “ ( رو 8 : 15 ) ” إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح “ ( رو 8 : 1) الله يعطينا أن نميل للسلوك بالروح ولا نميل للجسد ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين

عدد الزيارات 2170

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل