الاتضاع ج2

Large image

كُنّا تكّلمنا فِى مرّة سابِقة عن الإِتضاع وقُلنا أنّ [ الإِتضاع خلّص كثيرين بِلا تعب ، وتعب كثير بِدون إِتضاع لا ينفع شىء ، والإِتضاع هو أرض حاملة الأثمار كُلّها ] ومَنْ إِقتنى الإِتضاع إِقتنى بعدهُ كُلّ الفضائل ، فأى فضيلة تهرُب لو وجدت فِى القلب كبرياء ، فستظل الفضيلة غريبة عنّا إِلى أن ننحنىِ لها حتى تسكُن بِغِنى فِى قلوبنا ، كالشجرة التّى تنحنىِ عِندما تكثُر فيها الثِمار فنحنُ حينما نقول [ أمامك يارب خاضِعين وساجِدين ] ، ننحنىِ أمام الرّبّ وتتضِع قلوبنا ، فنقول مع بولس الرسول [ أنا ما أنا بل كلِمة الله العامِلة فىّ ] ، ويقول أيضاً[ ثُمّ ظهر لىِ أنا السقط " الغير محسوب " ] ، هذا بولس الرسول كارِز الأُمِم يُقرّ بأنّهُ ضعيف قيل مرّة أنّ الشيطان خاطب الله قائِلاً [ أُترُك لىِ الأقوياء فأنا كفيل بِهُم أمّا الضُعفاء حينما يشعُرون بِضعفِهِم يحتمون بك حينئِذٍ لا أقوى عليّهِم ] ، إِذاً الإِتضاع يؤّمِن النِفَس مِنْ حروب الشيطان يقول القديس يوحنا الدرجىِ فِى كِتابه ( سُلّم السماء )[أنّهُ ليتوب الإِنسان لابُد أن يتضِع أولاً ] كانوا قديماً يُجبِروا الرُهبان التائبين أن يعيشوا فِى أماكِن مُنعزِلة عن الديرويُسمّونها( مدينة التائبين ) فيها يقضون أوقاتِهِم فِى صلوات مُجهِدين أنفُسهُم فِى ميطانيات ، لِدرجة عِند مُقابلتهُم لأى إِنسان يصنعون لهُ ميطانية ويقول واحِد منهُم [ إِغفر لىِ أنا المغلوب مِنْ خطاياى ] ، فيقضون معيشتهُم فِى بُكاء ودموع حارّة شاعِرين بضمير الخاطىء أنّهُ مُخطىء وعليهِ يُنفّذ الحُكم ، فيكون لهُ قلب العشّار الّذى لمْ يشأ أن يرفع وجههُ بل قال[ الّلهُم إِغفِر لىِ فإِنّىِ خاطىء ] ، هذا القلب هو الّذى خرج مُبرّراً000ما أحوجنا لِهذا القلب بدل أنّ الله يجِد فينا هذا القلب يجِد قلب الفرّيسىِ الّذى يدين غيّره دائِماً ، ولكِن المزمور يقول [ القلب المُنكسِروالمُتولضِع لا يُرذِلهُ الله ] ، هذا ما يحيوه فِى مدينة التائبين ولهُم طلِبة جميلة إِذ يقولوا [ إِفتح لنا يا سيّد ذلك الباب الّذى أغلقناه بإِرادتِنا ]هذا بِجانِب أوضاع جسديّة توحىِ لهُم بحياة التوبة ، يقِف الراهِب ويديهِ الإِثنان للخلف وكأنّهُ لِص محكوم عليهِ بِحُكم منتظِره أو يقعُِد راكِع وناظِر للأرض ويدهُ للخلف أيضاً ويقول عِبارة [ إِفتح لىِ يا سيّد الباب الّذى أغلقتهُ بيدى أنا المُتهاوِن المُهين لإِسمِك القُدّوس فِى كُلّ ساعة ] ومجموعة منهُم يُحاربوا باليأس ويُفكّروا " هل الله يتعامل مع الإِنسان بالجسد ؟ " ، فعِندما لجأوا للأب الروحىِ فقال لهُم ماذا تقولون ؟ 00فردّ عليّهُم : أنا أُريد أن تُضيفواعِبارة وهى " إِن فتحت لنا فهذا حق وإِن لمْ تفتح حق أيضاً 00فإِذا فتحت فهذا مِنْ جزيل رأفاتك وإِذا لمْ تفتح فمُبارك ذلك الّذى أغلق علينا بِعدل " ، فهُم لمْ يأمُروا الرّبّ إِلههُم بِذلك بل خاضِعين لإِرادتهِ 0فنحنُ نثِق فِى تدابير الله [ لِتكُن يدك لِخلاصىِ ] ( مز 119 : 173 ) الإِنسان المُتضِع يعرِف كيف يُصلّىِ ، كيف يخدِم ، كيف يطلُب ، كيف يتصرف بِحكمة ، ففِى سير القديسين الرُهبان نجِد أنّهُم لمّا كان حد فيهُم يغلِط علشان يوجّهوه يخترعوا طُرق عجيبة ، ففِى قصة الأنبا أرسانيوس عِندما ضرب الرئيس أحد الرُهبان الآخرين على وجههُ توجّه الأنبا أرسانيوس باللوم على نِفَسهِ قائِلاً " هذا القلم لك يا أرسانىِ " ، هذهِ رِقّة إِن دلّت على شىء فهى تدُلّ على قلبٍ مُتضِع قصة أُخرى عن إِثنان مِنْ الرُهبان كانوا فِى الريف ليقضوا عملٍ ما فأخطىء أحدهُم وقرّر عدم العودة للدير ، ولكِن أخيهِ قال لهُ " إِن كُنت أنت أخطأت فأنا أيضاً أخطأت ولكنّىِ سأعود إِلى ديرىِ وأقبل التأديب " ، فرجِع الراهبان إِلى ديرهُما ووقع عليّهُم قانون التوبة ، كان الآخر مُذنِب معهُ مع كونهِ برىء نحنُ أحياناً نكون بالفِعل مُخطئين ولا نتحمِلّ التوبيخ ولا نقبل التأديب ، لكِن الإِنسان المُتضِع يقبل كُلّ شىء ( الطاعة ، التأديب ، الخِدمة ، التوبيخ ،00) يُحكى عن القديس يوحنا الدرجىِ أنّهُ جاء لِيتعلّم فِى مِصر مبادىء الرهبنة فلجأ إِلى رئيس دير للرُهبان لينقِل التعليم إِلى سوريا وعِندما ألحّ على الرئيس إِصطحبهُ الرئيس وقال لهُ سوف أُريك قطعة مِنْ السماء ، سأُريك بساطة الأطفال فِى شخص شيخ ، ثُمّ نادى الرئيس أحد الشيوخ الرُهبان وكان مُسِن وكانت ذقنهُ إِلى تحت بطنهِ وكانت بيضاء كالثلج ، فعِندما دخل صنع ميطانية للرئيس ( الأصغر منهُ ) وللقديس يوحنا ميطانية وهو أصغر مِنْ الإِثنان ، ثُمّ تركهُ واقِفاً أمامهُ ، وحاول يوحنا أن يلفِت نظر الرئيس لِهذا الشيخ الواقِف ، ثُمّ حان وقت الغِذاء وإُعِدّت المائدة وجاءوا الرُهبان وأنتهوا منهُ تقريباً بعد ساعة ونصِف أو ساعتين ، وحاول يوحنا أن يلفِت نظرهُ للشيخ ولمْ يُبالىِ ، وأخيراً بعد إِنصراف الجميع إِلتفت الرئيس للشيخ وإِنتهرهُ قائِلاً " لِماذا أنت واقِف هُنا ؟ أُخرُج خارِجاً " ، ثُمّ عمل الشيخ ميطانية للإِثنان وطلب منهُما الحِل والصلاة وإِنصرف ، فألتفت يوحنا للرئيس قائِلاً " ما هذا الّذى فعلتهُ ؟ أنا لا أحتمِل منظرهُ مُنذُ مجيئه ، فأجابهُ الرئيس " ألِمْ تأتىِ إِلى هُنا لِكى ترى الرهبنة عِندنا ؟ إذاً فلا تتعجِب مِنْ الّذى يحدُث ، نحنُ هُنا نُمارِس الفضيلة هكذا بل بالعكس أنا فعلت فيهِ معروف نحنُ هُنا مِثل الأطفال المُتصارِعين على قِطع الحلوى ، فأنا أعطيتهُ قِطعة حلوى ، أعطيتهُ فُرصة لِمُمارسة الفضيلة ثُمّ عالجت كذا شىء :-

(1) أولاً : فُرصة لِمُمارسة الفضيلة 0
(2) ثانياً : أعطيت درس للأحداث 0
(3) ثالِثاً : منعت الشيطان مِنْ مُحاربتهُ 0
أمّا يوحنا لمْ يكتفى بِذلك بل ذهب مُسرِعاً لِذلك الشيخ الوقور وكان حينذاك فِى تدريب صمت ، فجلس يتحدّث معهُ ولمْ يجُِبهُ ، ثُمّ كتب لهُ ويلِح عليه أن يُجاوبهُ فلمْ يرُدّ عليه ، وبعد إِلحاح شديد وأعلمه أنّهُ سيُعلّم فِى بلاد كثيرة بأكملها وافق أخيراً أن يكتُب لهُ :-
فسألهُ يوحنا : ما مشاعِرك تِجاه ما فعلهُ بك رئيسك ؟
أجابهُ الشيخ : مُنذُ دخولىِ كُنت أُردّد مزاميرىِ وصلواتىِ ولمْ أشعُر بالوقت 0
يوحنا : وحينما إِنتهرك ؟
الشيخ : لمْ أشعُر بِها إِطلاقاً 0
يوحنا : إِذن بِما كُنت شاعِر حينذاك ؟
الشيخ : كُنت أشعُر أنّنىِ واقِف أمام مذبح الله 0
فإِنحنى يوحنا للأب الورِع وقال " بارِك علىّ يا أبىِ القديس وصلّىِ لأجلىِ " ، فالإِتضاع يا أحبائى لازم وواجِب للخلاص والتوبة وبدونه تنقُص التوبة وتصير معيوبة ، فالإِنسان المُتضِع يُظهِر خطاياه بِسرور لأنّها تُظهِر إِتضاعه ، لا يُبرّر ذاته ، لا يُهين أحد ، ولا يُدين غيّره ، بل يشعُر أنّهُ ليس لهُ حق أن يقول كلِمة فِى حق أحد ، الإِنسان المُتضِع يشعُر أنّ توبتهُ أهم شىء كيف تكون مقبولة لدى الله لا مِنْ الناس القديس مارِأفرآم السُريانىِ ( قيثارة الروح القُدس ) كان يكتُب إِعترافاته جهراً وكما كان يُرسلها لأب إِعترافه كان يُرسلها لِتلاميذه ، فيقول لهُم فيها :0
+ أنا أُكلّمِكُم عن الطهارة وفِكر الدنس لا يبرُح ذهنىِ 0
+ ويل لى فإِنّ الخطيّة لمْ تترُك فىّ عضواً سليماً ولا حاسّة بِلا فسادٍ 0
+ إِنّىِ سالِك فِى السيرة الملائكيّة بالشكل فقط 0
+ أتكلّمْ عن الطاعة وألزِم الجميع بإِطاعتىِ 0
هذا الكلام مِنْ فم القديس العظيم قيثارة الروح مارِأفرآم السُريانىِ 0
لمْ يجرؤ أحد منّا أن يبوح بِهذهِ الخطايا بل تمنعهُ ذاته وكبريائه ، فنحنُ كثير مِنْ الأحيان نُعبرّ عن خطايانا بتعابير تُشير لها مِنْ بعيد جِداً الإِنسان المُتكبِّر يُحِب الرياء كما قال المُعلّم عن الفريسيين يأكُلون مال اليتيم ولِعلةٍ يُطيلون فِى الصلاة ، ففِى ( مت 23 : 14 ) [ 00تَأْكُلُونَ بُيوتَ الأْرَامِلِ ، وَلِعِلّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ 00] فالّذين إِختبروا الإِتضاع فرِحوا بهِ بل وتلذّذوا بهِ أيضاً كما فِى قصة القديسة الهبيلة أنا سيمون التّى تركت قصر مُلكها مُتجِهّة لدير راهِبات مدّعيّة العبط متصرّفة بِسلوكيات تؤكّد بها لهُم أنّها هبيلة ، فوجدت مَنْ ينتهرها ومَنْ يغضب عليّها ومَنْ يتطاول عليّها بالضرب ، فقد تقبّلِت إِهانات لا حصر لها إِلى أن أعلن الله قداستِها للأب دانيال الّذى أتى للدير زائِراً فخافت الرئيسة عرض هذهِ القديسة الهبيلة لهُ بل قدّمت لهُ بقيّة الراهِبات ليُسلّم عليّهُم ما عدا أنا سيمون ولكِن ليلاً دُعى الأب دانيال أن يُصلّىِ فقاموا للصلاة وكشف لهُم الله حقيقة هذهِ الهبيلة التّى لا يعلمها أحد غير الله والقديس دانيال فوقفوا مبهوتين مِنْ المناظِر الروحيّة العالية المُحيطة بالقديسة وهى واقِفة تُصلّىِ فقال الأب دانيال للرئيسة : مَنْ هذهِ؟ فسكتت الرئيسة ، فجاوب الأب دانيال : إِنّها الهبيلة وأخشى أن تكون هى العاقِلة الوحيدة عِندِك والعجيب أنّهُ بعد إِنكشاف سرّها وجدت أنّ الفضيلة ستُسرق منها فلمْ تنتظِر بالدير مُستقبِلة الكرامة والمديح بل إِنطلقت فِى الصباح الباكر للصحراء ، بل وتركت لهُم رِسالة رائِعة تحمِل معانىِ عالية وسامية فِى قلبها تقول فيها [ مُباركة هى تِلك الساعة التّى كُنت أسمع فيها كلِمة يا هبيلة ، إِنّ إِهانتكُم لىِ كانت رِبحاً وكان يزداد يوماً فيوماً ولكِن ماذا أفعل لِمُقاومة المُعانِد ( الشيطان ) ، وتستكمِل قائلةً : ليس فيكُم مُستهزِأت 00ليست فيكُم مُتكبّرة 00كُلُّكُمْ عفيفات 00كُلُّكُمْ نقيّات00كُلُّكُمْ قديسات00، وتستطرِد : أنا سأُجيب عنكُمْ أمام المنبِر الرهيب لأنّىِ أنا أجبرتكُم على ذلك ] يالهذهِ الرِقّة التّى تدُل على قلبٍ مُنكسِر ومُتواضِع الّذى لا نخاف عليه مِنْ السقوط لأنّهُ وضع نفسهُ أولاً لأسفِل ، على عكس الّذى فِى العُلو والأدوار السامِية كُلّما كان التكبُّر عظيم كان السقوط أعظم يُقال عن الأب المُتنيّح الأنبا بيمن عِندما كان يُشرِف على بيت الخلوة فِى دير الأنبا بيشوى فكان يفتح القلالىِ للنازِلين فِى خلوات روحيّة ويسكُب المياه ويأمرهُم بالتنظيف مع العلم أنّهُ قبلها بِساعات قليلة كان المكان نظيف ولكنّهُ يهدِف بهذا إِلى ضرورة العمل البسيط الوضيع لِكى يعود بأحسن إِستفادة لِعامليه كما حدث لأحد الرُهبان فِى الدير وكان مُثقّف وناداهُ رئيسهُ لِكى يزرع كُرنبة ، فإِعترض قائِلاً الوقت الحالىِ لا تصلُح زِراعة الكُرنب ، فلّما وجدهُ يتكبّر قال لهُ :" الأرض عِندنا فِى الدير تُزرع بالعكس ( بالمقلوب ) ، فردّ عليه التلميذ كيف يا أبانا ؟ فردّ عليهِ الرئيس هو كِده ، فلّما أتى ليزرعها فكّر أنّهُ يزرعها صحيحة ويسقيها فكبرت ، فلّما أتى بِها للرئيس فقال لهُ الرئيس : " ليس كذلك أنّنا نُريد أن نزرعها بالعكس " ، فقال لهُ الرئيس" يا إِبنىِ نحنُ لا نزرع كُرنب ( إِحنا مش بتوع كُرنب إِحنا بتوع إِتضاع وطاعة وخضوع مش كرُنب 00) " ، فالإِنسان المُتضِع بالحقيقة خاضِع يُحكى عن أحد البطاركة كانت تراودهُ أفكار شهوانيّة فأشار عليهِ مُعلّمهُ أن يذهِب للدير ، فأخذ يعمل الأعمال الوضيعة فِى دورات المياه لِمُدّة طويلة إِلى أن رُفِعت عنهُ الحرب وعاد شاكِراً إِلهه ، لِذلك يقول الكِتاب [ قَبْلَ أَنْ أُذَلّلَ أَنَا تَكَاسَلَتَ ]( مز 119 : 67 ) المرأة الخاطِئة لمْ تُبالىِ بالناس ولمْ تذهِب خِفية بل فِى وليمة وجلست عِند قدمى المُعلّم وعبّرت عن مشاعِر عالية وقويّة جِداً نالت بِها التوبة والمديح مِنْ الله أكثر مِنْ صاحِب الوليمة نفسهُ ، فلّما قارن بينها وبين سمعان ، فِى الشكل طلّعه ولا حاجة فِى حين يسوع جاى عِندى البيت ، تعالوا عِندى عشان يسوع جاى عِندى ، نرى أنّ الشكل سمعان الفرّيسىِ أقرب ليسوع لكِن الجوهر قال [ حيثُما يُكرز بِهذا الإِنجيل فِى كُلّ العالم يُخبّر أيضاً بِما فعلتهُ هذهِ تذكاراً لها ] ( مت 26 : 13 ) ، سمعان أراد الزيادة فِى المديح لكِن الخاطِئة جلست تحت قدمىّ المُخلّص ، ونحنُ كُلّنا نعلِم أنّ شعر المرأة هو بهائِها وتاجها هو مجدها وجمالها ، وكأنّها تقول للرّبّ ها جمالىِ وهذا مجدى ها كرامتى مكانها تحت قدميك الإِنسان المُتضِع يضمِن لهُ الله طريق الخلاص ، أمّا المُتكبِّر فيقول لهُ الرّبّ لا أعرِفك ، بِمُناسبة هذا الكلام هُناك قصة يُحكى فيها أن كان راهِب يُمارِس الفضيلة ليتلذّذ بها لِحساب ذاته ( ليكون رجُل صلاة ، رجُل صوم ، 00 ) ، فتحنّن عليه الرّبّ وأراه رؤية أن أخذهُ ملاك وطلع إِلى الفردوس فكان سعيد لأنّهُ صاعِد للفردوس مُتكِلاً على برّه الذاتى وجاءت ساعتة ليأخُذ إِكليله ، فقبل أن يدخُل أوقفه ملاك لِكى يستأذِن أولاً فرجع الملاك قائِلاً " إِنّ الرّبّ يقول أنّهُ لا يعرِفك " ، ولكِن الراهِب تعجّب وأكّد لهُ أن يذهب ثانيةً ليؤكّد على شخصيته لكنّهُ عاد مرّة أُخرى قائِلاً " إِنّهُ يقول لا يعرِفك " ، فقال لهُ إِذهب وقُل لهُ إُذكُر تعبى وجهادى ، فذهب ورجع بِنفس الإِجابة ، وأخيراً إِتجه الراهِب إِلى مكان الظُلمة وبدأ يصرُخ قائِلاً " إِذهِب وقُل لهُ إِرحمنى " ، ومِنْ تلك الكلِمة سمِع صوت يدعوه للدخول حتى دخل برحمة الله وليس على برّهُ الذاتى 0، كما قال الكِتاب [ لا بأعمال بِر عملناها بل بِمُقتضى رحمتهِ ]( تى 3 : 5 ) كان السيّد المسيح يتعامل مع الكُلّ بإِتضاع ووداعة [ لا يصيح ولا يُسمع أحد فِى الشوارع صوته ] ، يقول أحد الأباء القديسين [ الّذى ينظُر خطاياه أفضل مِنْ الّذى ينظُر ملائكة ] ، [ الّذى يعرِف خطاياه أعظِم مِنْ الّذى يُقيم موتى ] ، لأنّ المُعجِزة الكُبرى هى التوبة فهى أبهى فِى عين الله مِنْ إِقامة ميّت بالجسِد ، لأنّهُ رُبّما يموت ثانيةً ويهلك ولكِن التوبة تنال مدح الله القديس مارِأفرآم السُريانى يقول وسط إِعترافاته [ المجد لك يا مَنْ تحتملنىِ ] ، لِذلك الكبرياء يُعيق حركة النِعمة داخِل النِفَس ويبنىِ سور بين النعمة والنِفَس ولا يُهدِم إِلاّ بالإِتضاع ، ولِذلك نقول لله" إذ نتقدّم إِلى حضرتِك قارعين باب تعطُفِك واثقين فِى رحمتِك " ، المُتضِع دائِماً يشعُر أنّ الله قريب لقلبهِ جِداً ، نحنُ نُصلّى لربنا فِى صلاة قبل التناول قائلين " 00لمْ تمنع الخاطِئة مِنْ تقبيل قدميك فلا تحرمنىِ مِنْ الدنو منك 00" قيل عن المُتنيّح الأنبا ثاؤفيلِس ( رئيس دير السُريان ) أنّهُ لمّا كان يأتىِ أحد طالِب رهبنة فكان يختبرهُ فِى الإِتضاع فإِذا نجح فيهِ يُدخِلهُ الدير مُباشرةً
فيسألهُ : إِنت شهادتك إِيه ؟
الإِبن : إِبنك دكتور يا سيّدِنا 0
الرئيس : ييه00عِندنا كتير يابنى000إِحنا هنا عايزين زراعة ( مثلاً ) 0فلو إِنسان
مُتضِع يصبِر ويسألهُ مرّة ثانية 0
ولو شافه مرّة ثانية فِى الدير بعد شهر مثلاً يقول لهُ 00يابنى إِنت لسّه هنا ! يابنى أنا قُلت لك روّح00إِنت ما تنفعش فكان الإِنسان المُتضِع يقبل ويحتمِل مِثل هذهِ الملحوظات ويطلُب حِل وصلوات يجى واحِد تانى يقوله يابنى إِنت إِيه الّلى جابك عِندنا ؟
يقول لهُ : ياسيّدنا جاى أخُد بركتك وجاى أتوب فِى وسطكُمْ 0
يقول لهُ الرئيس : يابنى إِحنا ناقصين بلاوى 0
فيرُدّ الإِبن : أنا جيت هنا عشان باحِب السِت العدرا 0
يرُدّ الرئيس : طب ما عندك العدرا فِى البراموس والمحرّق وأنا مُستعِد أخدك مِنْ إِيدك لهناك 0
فلو إِتضح إِنّهُ حسّاس يترُك الدير ويعود لأهله 0
 قصة أُخرى عن أحد الرُهبان ( أصبح رئيس دير حالياً ) وكان فِى العالمْ أُستاذ مُساعِد فِى الكُليّة وسِنّه يُقارِب الأربعين ولهُ مكانة رفيعة فِى المُجتمع وإِتجه للدير وهذا الحديث كان بينه وبين الرئيس :-
الرئيس : إِنت منين يالَهْ ( ولد )
الإِبن : ياسيّدنا إِبنك مِنْ أرمنت 0
الرئيس : إِيه البلاوى الّلى بتتحدِفّ علينا دى ؟
الإِبن : إِبنك مِنْ أرمنت ، البلد الّلى بيجى منها الكلاب ياسيّدنا ، نيافتك
ماسمعتش عن الكلاب الأرمنتى 0فكان الرد يدُل على نِفَس مُتضِعة جداً جداً 0
الرئيس : طب إِحنا هنا مش عايزين حد ، زور الدير وروّح 0
الإِبن : أنا عايز أتعلّم تحت رجليكُمْ يا سيّدنا 0
ولمْ يأتى أهل هذا الإِبن إِلاّ ويشتكى منهُ شكوى مُرّة ويترجاهُم أن يعودوا بهِ قائِلاً " بالعربى00بالأنجليزى00بالطليانى00خدوه معاكُمْ ده ما ينفعش " ، ويتعجِب أهل الإِبن قائلين " يابنى إِنت إِيه الّلى مصبّرك على كده ؟ إِحنا توقعنا إِنّه حا يشكِّر فيك مِن الجدير بالذِكر عن الأنبا باخوميوس مُطران البحيرة حالياً أنّهُ كان عِندما يزوره أهله فِى الدير كان يأمره الرئيس أن يسلّك بلاّعات الدير أمام أهله 0
قصة قيلت عن أحد طالبى الرهبنة بدير السُريان وكان هذا الإِبن مِنْ أُسرة مُترّفِهة وميسورة الحال وكان إِبن وحيد بين ثلاث بنات وكان إِبن كاهِن معروف ، فجاءوا الأهل لِزيارِة إِبنهُم وكانوا متوقعين مِنْ الرئيس كلام فِى السما عن إِبنهُم 0
فسأل أهلهُ : إِزى إِبننا ياسيّدنا ؟
الرئيس : معقول0000يعنى 0
الأهل : خير ياسيّدنا 0
الرئيس : مافيش داعى خلّيها مستورة 0
الأهل : إِنت كده قلقِتنا ياسيّدنا 0
الرئيس : بلاش أتكلّم 00أقول لكُمْ خدوه وخلاص000أنا شُفت رُهبان أشكال وألوان لكِن إِبنكُمْ ده بيعمِل الّلى ماحدش بيعمله أبداً ، بيجيب سلكه وبالليل يحُط السلكة فِى الصناديق فِى الكنيسة وياخُد فلوس 0
الأهل ( مُندهشين ) : معقول ياسيّدنا00إِبننا عُمره ما بيعمِل كده خالِص ، وبكت الأُم والأخوات وجلس الكاهِن ومُحرج غير مستوعِب الموقف 0
الرئيس: تجيب سلكة يا حرامى00ده مال صدقة يا حرامى000إِحنا لاقيين ناكُل يا حرامى 000حصل وإِلاّ ما حصلش يا حرامى ؟ ورد الإِبن بِكُلّ تواضُع أخطيت ياسيّدنا إِذاً هذا الرد لا يدُل على شىء إِلاّ على قلب خاضِع مُتضِع يقبل التوبيخ والتأديب ربنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بنعمته ولإِلهنا المجد دائماً أبدياً آمين

عدد الزيارات 1476

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل