السماء ج 1

Large image

مُهِم جِدّاً تعلُّم إِقتناء الحياة الأبديّة ، فمثلاً إِنجيل العشيّة عَنْ الرجُل وكيل الظُلم الّذى لمّا وجد أنّهُ مُمكِن يُطرد مِنْ عملهُ فأراد أنْ يُؤّمِنْ مُستقبلهُ فنجِدهُ بدل ما يجِد إِنسان مديُون لهُ بِعشرة فيقُول لهُ إِجعلهُمْ خمسة ، وَالّذى عليه 100 يجعلهُمْ 80 ، حتَّى إِذا طُرِد مِنْ عملهُ يقبلهُ هؤلاء ، السيِّد المسيح يمدح هذا العمل لأنّهُ رجُل نظر للأمام وَ لَمْ ينظُر لِلحظتِهِ فقط ، أىّ عمل للحياة الآتية هكذا حياتنا بِدُون التفكير فِى السَّماء تتعِبنا لأنّ السَّماء هى الأمل الّذى نحيا بِسببهِ ،ما سبب جعلِنا نتقّبل قمع الجسد وَأىّ تعب وَ ألم ؟ لِماذا نقبل أىّ لُون مِنْ ألوان الحرمان ؟ نحنُ نحيا قابِلين أىّ ضغط وَ حرمان مِنْ أجل السَّماء ، وَ إِذا لَمْ تُوجد سماء فلِماذا نقبل كُلّ هذا ؟ لِذلِك مِنْ أجمل تعاليم الكنيسة التعليم عَنْ السَّماء وَالسَّماويات ، وَالأخرى وَالأخراويّات ، حتَّى أنّ آباء الكنيسة جعلوهُ عِلم واسِع وَأسموه " عِلم الأسخاتُولُوجِى " ، أىّ عِلم الأخراويّات ، لأنّهُ ليس مِنْ المعقُول أنْ نُجاهِد هذا الزمن وَنحنُ لاَ نعلِم إِلَى أين نذهب ، ليس مِنْ المعقُول أنْ يُسافِر إِنسان لِمسافة طويلة وَيتحّمل فِى هذا السفر مشقّات كثيرة وَيسألوه أين أنت ذاهِب ؟ يقُول لاَ أعلم ، لِماذا تتحّمل المشقّات ؟ يقُول لاَ أعرِف ، هل المكان الّذى أنت ذاهِب إِليه فِيهِ لذّة وَ مُفرِح ؟ يقُول لاَ أعلم مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول [00 نحنُ واثِقُون كُلَّ حِينٍ وَعالِمُونَ أنَّنا وَنحنُ مُستوطِنُون فِى الجسد فنحنُ مُتغرِّبُون عَنْ الرّبّ ] ( 2 كو 5 : 6 ) ، مادُمنا فِى الجسد نكُون مُتغرِّبين عَنْ الرّبّ ، نحنُ نئِن مُشتاقين أنْ نخلع هذا الجسد لِكى نستوطِن عِند الرّبّ ، وَ مادُمنا مُستوطنين فِى الجسد لاَ نستطيع أنْ نستوعِب السَّماء ، الّذى يمنعنا عَنْ معرِفة الحياة الأبديّة هُوَ الجسد ، نحنُ مُشتاقين لِخلع الجسد معرِفة السَّماء تُرِيح الإِنسان وَترفعهُ فوق الهّم وَالضيق ، معرِفة السَّماء تجعل رجاء الإِنسان يزيد وَيقبل الألم ، وَمادام الإِنسان يجهل السَّماء يخُور فِى الطريق لِذلِك السَّماء وجدت نصيب كبير فِى تعاليم المسيح وَالإِنجيل ، حتَّى أنّ مُعظم أمثلته يقُول فِيها " يُشبِه ملكُوت السَّموات عشر عذارى 00" ، يتكلّم عَنْ الحقيقة الجميلة ، الّذى يحتاج أنّ أولاده يتأثّرُون بِها حقيقة الملكُوت لِذلِك يقُول مُعلّمِنا بولس الرسُول[ فنثِقُ وَ نُسرُّ بِالأولى أنْ نتغرَّبَ عَنِ الجسدِ وَنستوطِنَ عِندَ الرَّبِّ ] ( 2 كو 5 : 8 ) ، نُريد أنْ نتغرّب عَنْ الجسد لِكى نسكُن مَعَْ الله ، أىّ يكُون وطننا عِندهُ ، مُستقرّنا عِندهُ ، لِذلِك وعدنا السيِّد المسيح وَقال [ فِى العالم سيكُونُ لكُمْ ضِيقٌ0وَلكِنْ ثِقُوا0أنا قَدْ غلبتُ العالمَ ]( يو 16 : 33 ) ، سيكُون لنا فِى العالم ضيق لكِنْ ثِقتنا أنّ لنا السَّماء بعد العالم تجعلنا نتحّمل الأتعاب ، وَتهُون علينا المشقّات وَكما يقُول أحد الآباء القديسين أنّ كُلّ أتعاب وَ كُلّ ضيقات العالم الحاضِر ستُنسينا إِيَّاها لحظة واحِدة مِنْ الأبديّة ، لحظة واحِدة مِنْ الأبديّة ستُنسينا كُلّ أتعاب الأرض ، وَ يقُول أيضاً العكس كُلّ مجد العالم وَملذّات الأرض لحظة واحِدة مِنْ الجحيم تُنسينا إِيَّاها ، أكيد الإِنسان الّذى فِكره أنّ ملذّات العالم تُشبِع لحظة واحِدة مِنْ الجحيم تُنسيه أين كان وَمَنْ هُوَ ، وَأيضاً لحظة واحِدة مِنْ المجد تُنسينا كُلّ أتعابنا ، لِذلِك يقُول القديسُون[ طوبى للّذين يعملُون الآن بِكُلِّ قوّتهُمْ فإِنّ لحظة واحِدة فِى هذا المجد تُنسيهُمْ كُلّ أتعابهُمْ ] لِذلِك عِندما لاَ نتعرّف على السَّماء نُشبِه إِنسان لاَ يعرِف أين يذهب وَ ما هُوَ هدفه ، وَإِذا واجهتهُ ضِيقات لاَ يعرِف كيف يُواجِهها ، لِذلِك لابُد أنْ نتعرّف على السَّماء لأنّها معرِفة مُعزّية ، مُفرِحة ، تنقِلنا مِنْ حياة التعب لِحياة الفرح لِكى تجعل إِنسان يقبل أىّ ضيق كلّمه عَنْ المُكافأة ، نحنُ نتكلّم عَنْ الأتعاب وَ الجِهادات وَ لَمْ ننظُر إِلَى المُكافأة ، لِذلِك الجِهاد ثقيل لأنّنا لاَ نعرِف أين نذهب ، جهدِنا شحيح ، لكِنْ إِذا نظرنا لِلمُكافأة نتعب وَنشقى مِنْ أجلها ، كما قال مُعلّمِنا داوُد النبِى [عطّفت قلبِى لأصنع برَّك مِنْ أجل المُكافأة ] ( مز 119 ) ، أنا عطّفت قلبِى لأصنع برَّك أىّ جعلت قلبِى يميل ناحية البِر مِنْ أجل المُكافأة أحِب أنْ أتكلّم معكُمْ فِى نُقطتين :-

1/ مفهُوم كلِمة السَّماء 2/ كيف نسلُك على الأرض كغُرباء ؟
أولاً : مفهُوم كلِمة السَّماء:-
لِكى نفهم مفهُوم السَّماء ، فِى اللُغة العربيّة هى كُلّ ما سمى وَإِرتقى ، أىّ السَّماء هى السمو وَالعلو ، إِرتقاء ، لكِنْ فِى الكِتاب المُقدّس وُرِد كلِمات كثيرة عَنْ السَّماء ، فمثلاً هُناك فِى الكِتاب المُقدّس أربعة أنواع مِنْ السَّماء هُمْ :-
السَّماء الأولى سماء الغُلاف الجّوِى ، أُنظُرُوا إِلَى طُيور السَّماء أىّ طُيُور الجو ، يقُولُون حتَّى مسافِة 20 ميل مِنْ الأرض يُسّمى الغُلاف الجّوِى ، هى سماء الطُيُور التَّى مُمكِن ينزِل مِنها البرد وَالصقيع وَ بِها رِياح وَمطر ، لِذلِك المسيح فِى العهد القديم قال أنّ المن جاء مِنْ السَّماء ، أىّ جاء مِنْ الغُلاف الجّوِى ، عِندما أنزل الله نار وَ كبريِت على سدُوم وَ عمُورة أنزلهُمْ مِنْ السَّماء ، أىّ الغُلاف الجّوِى 0
السَّماء الثانيةهى الفلك ، بعدما تخطِّى الغُلاف الجّوِى نجِد سماء الفلك التَّى بِها الأجرام السَّماويَّة وَ بِها مجموعات شمسيَّة ، نجِدها بعدما نتخطّى العشرين مِيل الخاصّيِن بِسماء الطُيور ، [ السَّمواتُ تُحدِّثُ بِمجدِ الله ، وَ الفلكُ يُخبِرُ بِعمل يديهِ ] ( مز 19 : 1 ) ، وَ فِى سِفر التكويِن تكلّم عنها فِى بِدايِة الخليقة ، وَ أيضاً فِى سِفر أيُوب الّذى هُوَ السِفر الوحيد الّذى تكلّم عَنْ أسماء المجموعات الشّمسيّة 0
السَّماء الثالِثة هى الفردُوس التَّى تكلّم عنها مُعلّمِنا بولس الرسُول وَ قال أنّهُ أُختُطِف لها وَوجد المجد السَّماوِى ، عِندما قال ربّ المجد لِلص اليمين اليوم تكُونُ معِى فِى الفردُوس كان يقصِد السَّماء الثالِثة ، نستطيع أنْ نقُول عنها أنّ الفردُوس هُوَ موضِع إِستقرار الأبرار وَإِنتظارهُمْ لِيوم الدينونة ، تكلّم عنها فِى مَثَلَ الغنِى وَ لِعازر ، لِعازر كان جالِس فِى السَّماء الثالِثة أىّ الفردُوس ، وَ هذِهِ أيضاً ليست موضُوعنا الآن 0
السَّماء الرابِعةهى مكان حلُول الله وَ سُكناه وَعرشه ، هى المكان المُمجّد الّذى يهمِنا ، سُليمان الحكيم عِندما بنى البيت قال[000 هُوذا السَّمواتُ وَ سماءُ السَّمواتِ لاَ تسعُك فَكَمْ بِالأقلِّ هذا البيتُ الّذى بنيتُ ]( 2 أخ 6 : 18 ) ، وَقال لهُ سأعمل لك مكان تسكُنْ فِيهِ ، وَ هذِهِ هى السَّماء موضِع حديثنا0
مُمكِنْ إِنسان يقُول لك لِماذا هذِهِ السَّماء هى مكان حلُول الله ، الله مالىء كُلّ مكان فِى السَّماء وَ على الأرض ، لِماذا السَّماء الرابِعة بِالذات ؟ نقُول لهُ لأنّ هذا المكان هُوَ الوحيد الّذى فِيهِ الله مُمجّد وَمشيئتهُ قائِمة فِيهِ وَالنَّاس تعرِف فِيهِ قيمتهُ ،هل النَّاس على الأرض يُمجّدوه ؟ إِنّهُ كُلّ يوم يُشرِق شمسه فِى نَفْسَ الميعاد وَرغم ذلِك يجحدوه ، هى السَّماء التَّى نقرأ عنها أنّ بِها تسبِحة الثلاث تقديسات ، كُلّ فِترة يخُرّون وَيسجُدوُن أمام الحىّ إِلَى أبد الآبدين وَ يخلعُون التيجان عَنْ رؤوسهُمْ مَنَ هُمْ هؤلاء ؟ هُمْ الشيُوخ ألـ 24 قسيس يخُرّوُن ، وَالملائِكة تُسّبِح ، وَرؤساء الملائِكة تُسّبِح وَ يحمِلُون عرش الله ، تسابيح جديدة ، مكان مجد الله ، مشيئتهُ نافِذة فِيهِ ،لِذلِك نقُول [ كما فِى السَّماء كذلِك على الأرض ] ( الصلاة الرّبانيّة ) ، أىّ مشيئتهُ تتِم علينا فِى الأرض ، كُلّ أُمنيِة السيِّد المسيح لهُ المجد بِالنسبة لنا أنْ نُحّوِل الأرض إِلَى سماء لِكى عِندما نصعد لِلسَّماء لاَ تكُون غريبة علينا بل نكُون مُتدرِبين عليها فِى الأرض ، لِذلِك يقُول[ الملائِكة الصانعين أمره عِند سماع صوت كلامه ] الملائِكة تصنع أمره ، فِى السَّماء لو ربِنا قال أىّ أمر يُنّفذ ، لو قال لهُمْ إِحرقوا هذِهِ المدينة يحرقُوها ، وَ لو قال إِنزلوا الآن إِحملوا أرواح قديسين ، فيحملوها ، لو قال لِقديس إِنزل ساعِد فُلان فِى تجرِبته ينزِل بِدُون مُناقشة ، الله مشيئتهُ نافِذة ، نعم نؤمِن أنّ الله فِى كُلّ مكان ، لكِنّهُ فِى السَّماء الرابِعة بِالذات موجُود ، لِذلِك نُصلِّى [ أبانا الّذى فِى السَّموات ] إِشعياء النبِى يقُول [ تطّلع مِنْ السَّمواتِ وَأنظُر مِنْ مسكنِ قُدسِكَ وَ مجدِكَ000 ] ( أش 63 : 15 ) ، إِحساسنا اليقين أنّهُ ينظُر لنا مِنْ سماه مِنْ فوق ، إِحساسنا اليقين أنّ الله ساكِن فِى السَّماء مُمجّد ، إِستفانُوس وَ هُوَ يُرجم رأى السَّماء مفتوحة وَإِبن الإِنسان جالِس عَنْ يمين العظمة لأنّها موضِع حلوله وَسُكناه [ 00ها أنا أنظُرُ السَّمواتِ مفتُوحةً وَإِبنَ الإِنسانِ قائِماً عَنْ يمينِ اللهِ ] ( أع 7 : 56 ) لِذلِك عِندما نتكلّم عَنْ السَّماء نشعُر أنّنا نتكلّم عَنْ الله ، وَ عِندما نتكلّم عَنْ الله نشعُر أنّنا نتكلّم عَنْ السَّماء ، فنجِد فِى قصّة رجُوع الإِبن الضال أنّهُ يقُول[000 أخطأت إِلَى السَّماء وَ قُدَّامك وَ لستُ مُستحِقّاً بعدُ أنْ أُدعى لك إِبناً ]( لو 15 : 21 ) ، أخطأ فِى حق السَّماء ، عنده إِحساس إِنْ خطأه مُوّجه لله لكِنْ بِالذات مُوّجه لِلسَّماء ، الّذى يُخطِىء يُخطِىء فِى حق السَّماء لأنّها الموضِع الّذى ينتظِرنا ، موضِع حُب الآب لنا لِكى نكُون أمامه قديسين بِلاَ عيب ، لِذلِك لمّا تفكّر فِى السَّماء تجِدها موضِع سُكنانا وَإِستقرارنا ، لِذا يليق بِنا أنْ ننشغِل بِها دائِماً فِى تأسيس سِر الشُكر يُقال عَنْ السيِّد المسيح[ وَ نظر إِلَى فوق نحو السَّماء إِليك يا الله 00] ، أىّ الإِبن يسُوعَ عِندما أراد أنْ يُؤسِس سِر الشُكر كلّم الآب فِى السَّماء ، يُعلّمنا أنّنا عِندما نبحث عَنْ الآب نبحث عنهُ فوق فِى السَّماء ، لِذلِك إِيمانُنا أنّ السيِّد المسيح جاء لنا مِنْ السَّماء لِيأخُذنا لِلسَّماء ، [ نزل مِنْ السَّماء ]( قانُون الإِيمان ) ، لِيفتقِد الإِنسان فِى شرّه وَزيغانه وَيأسه وَجُحوده لِيرفعهُ لِلسَّماء معهُ [ الإِنسان الغير مُستحِق لِسُكنى الأرض إِبنْ الله أتى لِكى يصير مِنْ مواطِنِى السَّماء ] ، هكذا يقُول القديس يُوحنا ذهبىّ الفم ، السيِّد المسيح بِالتجسُّد أتى لِيجعلنِى أنا المرفُوض مِنْ الأرض وَ الغير مُستحِق لِسُكنى الأرض وَ بِعرق جبينِى آكُل خُبزِى أصبح لِى إِستحقاق سُكنى السَّماء كيف يكُون كُلّ هذا يُعِدّه لِى السيِّد المسيح وَأنا لاَ أُفكِّر فِى السَّماء ؟ كيف تكُون هذِهِ مُكافأتِى وَ أنا لاَ أعرِف كيف أتكيّف معها ؟ لِذلِك يجِب أنْ تُفكِّر فِى السَّماء وَ نشتاق لها ، يجِب أنّ قلبِى الّذى يتحرّك فِى إِتجاه رغبات عديدة يرتفِع ناحية السَّماء ، لِذلِك الكنيسة فِى تعاليمها تقُول [ إِهدينا يارب إِلَى ملكوتك ] ، تخرُج مِنّا الكلِمة بأنين مُشتاقين لِلسَّماء الّذى يضع السَّماء هدف لهُ فِى رِحلة حياته نجِده إِنسان مُرتفِع عَنْ كُلّ أمور العالم ، نجِده يعرِف كيف يشغِل نَفْسَه بِأفكار أبديّة ، لِذلِك سمح الله أنْ يكُون فِى الإِنجيل سِفر خاص عَنْ السَّماء وَ هُوَ سِفر الرؤيا ، يُكلّمنا فِيهِ عَنْ تفاصيل دقيقة عَنْ السَّماء لِيزداد إِشتياقنا ، رُبّما يكُون قَدْ كُتِب الكِتاب كُلّه وَكمُل ، لكِنْ عِندما أراد أنْ يختِم الإِنجيل بِشيء مُهِمْ تجذِب الإِنسان مِنْ بِدايِة سِفر التكوين وَ حتَّى أخِر الإِنجيل ، جعلهُ رأس القِطار وَ هُوَ سِفر الرؤيا الّذى يجذِبنا بِكُلّ رُوح النُبّوات وَأحداثه لِنسكُن فِى السَّماء لِذلِك الرُسُل وَ الأنبياء كتبوا الكِتاب كُلّه وَأنتهوا مِنهُ وَ بعد 25 سنة كُتِب سِفر الرؤيا ، الله ختم بِهِ الإِنجيل لِيرفع رُوح أولاده لِلسَّماء ، وَ قال لاَ أستطيع أنْ أختِم الإِنجيل دُون أنْ أتكلّم عَنْ السَّماء وَإِلاّ سأكُون كمن يُكلّمهُمْ عَنْ تعاليم نظريّة ، لكنِّى أُريدكُمْ أنْ تذُوقوا السَّماء ، فجعلت إِنسان يرى وَ يكتُب لكُمْ ما رأهُ وَمِنْ هُنا كُتِب سِفر الرؤيا الّذى شرح لنا تفاصيل السَّماء ، وَ ماذا يفعل النَّاس فِيها ؟وَ ما هى صِفات عرش الله ؟ لِذلِك قال السيِّد المسيح [000 أنا أمضِي لأُِعِدَّ لكُمْ مكاناً ]( يو 14 : 2 ) ، لاَ يُمكِن أنْ أسير معكُمْ الطريق لِمُنتصفه وَ أترُككُمْ ، لابُد أنْ أُعِد لكُمْ مكان نقرأ فِى إِنجيل يُوحنا 17 عِندما كان السيِّد المسيح لهُ المجد يُصلِّى فِى البُستان[ أيُّها الآبُ أُريد أنّ هؤلاء الّذين أعطيتنِى يكُونُونَ معِ حيثُ أكُونُ أنا لِينظُرُوا مجدِي الّذى أعطيتنِي000] ( يو 17 : 24 ) ، أُريدهُمْ معِى فِى مجدِى ، الله رتّب لنا كُلّ هذا وَ نحنُ لاَ نُريد دخُول السَّماء ؟! وَ على الأقل وَ نحنُ على الأرض لاَ نُفكِّر فِى السَّماء !!هذِهِ هى موطنِنا الأصلِى وَ الأساسِى ، هى المكان الّذى نضع فِيهِ أملنا ، وَ كُلّ الأتعاب تهُون لأنّنا نُريد أنْ نتمتّع بِالسَّماء مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول [ فإِنَّ سِيرتنا نحنُ هي فِى السَّمواتِ ] ( فى 3 : 20 ) ، هل تُريد أنْ تعرِف سيرتِى ، قصتِى الحقيقيّة ؟ تراها فِى السّماء ، لِذلِك يقُول مُعلّمِنا بولس فِى رِسالتهُ إِلَى كُورنثوس [ إِذاً نسعى كسُفراء عَنِ المسيح000 ] ( 2 كو 5 : 20 ) ، نحنُ سُفراء عَنْ السَّماء ، أىّ السفير لهُ نَفْسَ جنسيِة بلده وَطِباعها وَلُغِتها ،نحنُ نحيا على الأرض لكِنّنا سُفراء عَنْ المسيح ، لِذلِك لابُد أنْ يكُون لنا ولاء لِلسَّماء ، وَولاء لِلمجد الأبدِى وَ قانُون السَّماء ، وَ نحنُ نحيا على الأرض يزداد إِشتياقنا لِلسَّماء 0
ثانياً : نسلُك كغُرباء على الأرض :-
سفيِر إِنجلترا غريب عَنْ مصر ، عاداته ، تقاليده ، ملامحه ، وَشكله ، كُلّه غريب عَنْ مصر ، وَ هُوَ يعلم أنّهُ مهما طال الوقت لكِنّه بِالتأكيد سيعُود إِلَى أرضه ، هكذا نحنُ سُفراء على الأرض ، غُرباء عليها ، طالت أوْ قصرت نحنُ غُرباء إِذا كان داوُد النبِى رغم المُلك وَالجاه وَالمظهر وَالمال وَ كُلّ حقُوق الأرض التَّى كان يملُكها قال وَ هُوَ يئِن [ ويل لِى فإِنّ غُربتِى قَدْ طالت علىّ 000] ( مز 120 : 5 ، 6 ) ،أنا حزين لأنّ غُربتِى طالت على الأرض ، لِماذا يا داوُد ؟ يُجِيب أنا أُريد أنْ أكُون فِى السَّماء ، وَ يقُول أيضاً [ غريب أنا على الأرض فَلاَ تُخفِ عنِّى وصاياك ] عِندما وقف يعقُوب مَعَْ إِبنِهِ يوسِف أمام فرعُون ملِك مصر ، عرّف يوسِف فرعُون بأبيهِ يعقُوب ، فسألهُ فرعُون ما عُمرك ؟ أجابهُ أبينا يعقُوب الّذى كان قَدْ شاخ وَ رأى مرارِة مَعَْ عيسو أخِيهِ وَ مَعَْ أولاده وَ مَعَْ لابان وَ 00[000 أيَّامُ سِنى غُربتِى مِئةٌ وَثلثُونَ سنةً0 قليلةً وَ رديَّةً000 ] ( تك 47 : 9 ) ، لَمْ يقُل عُمرِى 130 سنة بل أيَّام غُربتِى ، نعم غُربة ، فِى بعض الترجمات تُقال [ وَأكثرها تعب وَ بليّة ] ، سنين غُربة كُلّها تعب وَ بليّة ، رديئة ، لو فقدنا إِحساس الغُربة لحظة واحدة سيضيع حقِنا فِى السَّماء ، أنا غريب ، أنا أحمِل سِمات بلد أُخرى ، أنا سِماتِى مُختلفة ، إِتجاهاتِى مُختلِفة ، وَ إِنْ كُنت عايش على الأرض لكنِّى لاَ أعيش للأرض فِى أحد المرّات كتب إِنسان رِسالة عَنْ المسيحيين أعطاها لِمُضطهديهُمْ ، فقال لهُمْ هؤلاء يعيشُون على الأرض كغُرباء ، فَلاَ تتخيّل أنّك إِذا آذيتهُمْ سيحزنُون ، أوْ إِذا أخذت مُمتلكاتهُمْ سيحزنُون ، فكتب [ كُلّ أرض غريبة وطن لهُمْ وَ كُلّ وطن أرض غريبة بِالنسبة لهُمْ ] أىّ لاَ فرق عِندهُمْ ، أىّ مكان يسكُنون فِيهِ يعتبِرونهُ وطنهُمْ ، وَوطنهُمْ أرض غريبة ،الّذى يتعلّق بِالسَّماء يعيش فِى أىّ مكان وَ يشعُر أنّه غريب ليس لهُ إِستقرار أوْ طموح أوْ آمال سِوى أنْ يُرضِى سيّدهُ ، لِذلِك دائِماً تعاليم الكِتاب تُرّكِز على حقيقة الغُربة فِى كِتاب للقديس يُوحنا الدرجِى يتكّون مِنْ 33 مقالة ، يقُول فِيهِ أنّ الإِنسان لابُد فِى حياته على الأرض أنْ يمُر بـ 33 درجة مِنْ حياة الفضيلة ، كعُمر السيِّد المسيح على الأرض ، قُلنا أنّهُ كِتاب جميل يجعلنا نأخُذ خطوة فِى حياتنا ، فوجدنا أنّ أول مقالة يتكلّم فِيها عَنْ الغُربة هل تُريد أنْ تعيش مَعَْ الله ؟ لابُد أنْ تشعُر أنّك فِى غُربة على الأرض ، وَ ليس لك وجُود على الأرض ، وَ أنّ وطنك السَّماء ، مِنْ البِداية يقُول لابُد أنْ نتفِق لأنّ أىّ خطوة بعد ذلِك مُترتِبه على الأُولى ، فعِندما يُكلّمك على الإِتضاع لاَ تقُل أىّ إِتضاع ؟ لأنّك غريب على الأرض ، وَ عِندما يُكلّمك عَنْ النُسك وَ الترك وَ الصُوم وَ الزُهد ستتقبّل كُلّ هذا لأنّك أصلاً تحيا غريب ، لِذلِك يقُول مُعلّمِنا بُطرُس الرسُول [000 أطلُب إِليكُمْ كغُرباء وَ نُزلاء000 ]( 1 بط 2 : 11 ) ، نحنُ غُرباء وَ نُزلاء يقُول أحد الآباء لِنفرِض أنّنا سافرنا لِبلدٍ لِحضُور مؤتمر ، وَ أراد كُلّ واحِد مِنّا أنْ يبيِت ليلتهُ بِطريقتهِ الخاصّة ، واحِد مِنّا ذهب لأقربائه ، وَ آخر بات فِى فُندُق ، وَ آخر، وَ فِى الصباح تقابلنا معاً فِى المؤتمر وَ نحنُ لاَ نعلم كيف قضى كُلّ واحِد فِينا ليلتهُ ، هكذا كُلُّنا سنتقابل فِى السَّماء ، ليس مِنْ المُهِم كيف عشنا على الأرض مُستريحين أم فِى شقاء ؟ بل قَدْ يكُون مَنَ شقى على الأرض لهُ مجد أفضل فِى السَّماء ، نحيا على الأرض كنُزلاء ، " نزِيل " أىّ " ضيف مُقيِم فِى مكانٍ بِطريقة عابِرة " ، عابِر طريق لابُد أنْ يتأصّل فِينا هذا الإِحساس ، حتّى أنّ مُعلّمِنا بولس الرسُول فِى عبرانيين 11 يقُول عَنْ أبطال الإِيمان باراق وَيِفتاح وَ00[ فِى الإِيمان مات هؤلاء أجمعُونَ000 ]( عب 11 : 13 ) ، أقرَّ أنّهُمْ جميعاً غُرباء وَ نُزلاء ، كُلّ هؤلاء أقرّوا أنّهُمْ غُرباء ، لِذلِك قال [ لأنّنا نعلمُ أنّهُ إِنْ نُقِضَ بيتُ خيمتِنا الأرضِيُّ فلنا فِي السَّمواتِ بِناءٌ مِنَ اللهِ بيتٌ غيرُ مصنُوعٍ بِيدٍ أبدِىٌّ ] ( 2 كو 5 : 1 ) ، الخيمة ليست ثابِتة ، تنتقِل مِنْ مكان لآخر حتَّى أنّ القديسين إِعتبرُوا الخيمة هى الجسد ، خيمة فِيها عدم إِستقرار ، هكذا نحنُ نحيا فِى خيمة 0 لابُد أنْ نُعّمِق إِحساسنا بِالغُربة حتَّى يهُون علينا جِهادنا الرُّوحِى ، لمّا يعرف الإِنسان أنّ غُربتهُ ستُوصِلهُ لِلسَّماء يسعد بِها لِذلِك بنِى إِسرائيل طوال رحلتهُمْ فِى البرّية أعطاهُمْ الله إِحساس الغُربة وَ أتاههُمْ حتَّى لاَ يستقِرّوا فِى مكانٍ ما ، حتَّى وصلوا كنعان ، هكذا نحنُ لابُد أنْ نشعُر بِغُربة لِنسلُك دائِماً بِمخافة وَ حرص لو إِنسان ليس لهُ حقُوق الإِقامة فِى مكانٍ يخاف أنْ يُخالِف قانونه ، كُلّ واحِد فِينا مدهُون بِزيت ميرُون الّذى هُوَ الأطياب التَّى وُضِعت على جسد يسُوعَ ، نحنُ مختُومون بِها ،[ وَ أمّا أنتُمْ فلكُمْ مسحةٌ مِنَ القُدُّوس وَ تعلمُونَ كُلَّ شيءٍ ] ( 1 يو 2 : 20 ) ، نحنُ لسنا مِنْ هُنا ، نحنُ أتباع الله الحىّ ، نحنُ مِنْ السَّماء وَ سنعُود لِلسَّماء مروراً بِالأرض ، وَ مادُمنا غُرباءلاَ نطلُب أنْ نبقى للأبد على الأرض ، مسكين مَنْ لاَ يتطلّع لِلسَّماء فِى أحد المرّات سألوا أحد المسئولين لِماذا تُريدُون تطبيق الشريعة ؟ أجاب لأنّ المسيحيّة ليس لها شريعة أرضيّة ، إِذا نظرنا فِى شريعتهُمْ ، لاَ نجِد قانُون أرضِى ، بِالفعل فِى الكِتاب المُقدّس لاَ يوجد قانُون يفُض مُنازعات النَّاس ، أوْ قانُون تقسيِم ميراث ، لأنّهُ يتعامل معنا على أنّنا مُواطِنُون سمائيُون السيِّد المسيح بِذاته قال [00 مملكتِى ليست مِنْ هذا العالم00 ] ( يو 18 : 36 ) ، لِذلِك عِندما أجاب المسئول هذِهِ الإِجابة لَمْ نتعّجب لأنّهُ بِالفِعل مسيحيتنا آمّنت لنا حياتنا على السَّماء وَ ليس الأرض ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فِينا بِنعمِته وَ لإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين

عدد الزيارات 3154

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل