بدعة أريوس ج2

18 يوليو 2024
Large image

مجمع نيقية
سنة 325 التأم في نيقية حوالى 300 أسقف، وحكموا على آريوس وأعلنوا تعاليمه مناقضة للإيمان القويم، وأوجزوا إيمانهم في القسمين الأول والثاني من قانون الإيمان الذي لا نزال نتلوه اليوم، أي من أوّله حتى عبارة "وبالروح القدس" ونلاحظ في معظم التعابير المتعلقة بيسوع المسيح دحضاً لتعاليم آريوس فيسوع هو "ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور"وبينما كان يقول آريوس ان الكلمة قد خلقه الله من العدم، يعلن المجمع أنه "مولود غير مخلوق"والفرق كبير بين الخلق والولادة فالخلق يعني اختلافاً في الجوهر والطبيعة، أمّا الولادة فتعني أن ابن الله هو من ذات جوهر الله لذلك يضيف قانون الإيمان أن يسوع المسيح هو "مساوٍ للآب في الجوهر"، أو، ترجمة أدقّ، "واحد مع الآب في الجوهر"والجوهر هنا هو جوهر الألوهة أو الطبيعة الإلهية فكما أن الآب إله، هكذا الابن أيضاً إله، والآب والابن لهمَا جوهر واحد، أي طبيعة إلهية واحدة فالابن واحد مع الآب في الجوهر، إلاّ أنه متميّز عنه في الأقنوم.
والأقنوم كلمة سريانية ترجم بها الآباء كلمة اليونانية، وتعني الشخص، أي الكائن الذي يقوم به الجوهر فالجوهر لا يمكن أن يقوم دون كائن فرد يحمله فالطبيعة الإنسانية مثلاً لا يمكن أن توجد دون إنسان فرد، دون شخص بشري يحملها، فتقوم به إلى الوجود كذلك جوهر الله هو واحد، والطبيعة الإلهية هي واحدة إلاّ أنّ تلك الطبيعة تقوم في ثلاثة أشخاص ندعوهم أقانيم، لأنه بهم يقوم جوهر الله أو الطبيعة الإلهية الواحدة أقنوم الآب، وأقنوم الابن، وأقنوم الروح القدس وأقنوم الابن هو الذي تجسّد في شخص يسوع المسيح إن الفرق في النظرة الى يسوع المسيح بين آريوس وآباء نيقيةأن آريوس يعتبر المسيح خليقة، فينكر الوهيته وينكر معاً الثالوث الأقدس وتجسّد الله فالذي تجسّد وصار إنساناً، في رأي آريوس، ليس الله، بل كائن وسط بين الله والإنسان، وفي الواقع كائن أقرب إلى الإنسان منه إلى الله، لأنه مخلوق من الله.
أما آباء نيقية
فقد أعلنوا أن الذي ظهر لنا في يسوع المسيح ليس كائناً وسطاً بين الله والإنسان، بل الله نفسه في شخص كلمة الآب الأزلي وابنه الوحيد، الواحد معه في الجوهروهذا ما يجب أن نركّز عليه اليوم، عندما نتكلّم عن ألوهية المسيح إيماننا بألوهية المسيح ليس اعتقاداً أسطورياً بكائن وسط بين الله والإنسان، نزل في أحد الأيام من أعالي السماء ودخل في إنسان أن مثل هذا الاعتقاد نجده في بعض الديانات القديمة، وهو لا يمتّ إلى المسيحية بشيء إيماننا المسيحي هو الإيمان بأن الله نفسه، في كيانه وشخصه، قد حضر إلينا في شخص يسوع المسيح فمَن رأى يسوع رأى الله،ومَن اتحد بيسوع اتحد بالله، ومَن اعتمد باسم يسوع اعتمد باسم الله ولأن الله نفسه قد حضر إلينا في شخص يسوع، فيسوع يستطيع أن يؤلّهناهذا هو البرهان الذي ردّده مراراً آباء الكنيسة فلو اعتبرنا يسوع مجرّد إنسان لاستحال عليه أن يوصلنا إلى الله ولكن، بما أن يسوع إله، فهو يستطيع أن يوصلنا إلى الله هذا هو المعنى العميق للعقيدة المسيحية القائلة ان يسوع نفسه الكلمة المتجسّد، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، وانه إله حق وإنسان حق، وانه شخص واحد في طبيعتين، طبيعة إلهية وطبيعة إنسانية كيف يجب أن نفهم العلاقة بين الطبيعتين في شخص يسوع الواحد؟ هذا ما تطرّقت إليه المجامع المسكونية التي تلت مجمع نيقية.
من هو أريوس؟
كان آريوس (256-336م) مواطن من ليبيا التابعة لكنيسة الأسكندرية والأقباط لهذا يطلق عليهم أقباط ليبيا، وقد أستطاع آريوس صاحب أكبر هرطقة فى التاريخ فى القرن الرابع الميلادى أن يقسم العالم المسيحى. وتلقى تعليمه اللاهوتى فى أنطاكية فى مدرسة لوقيانوس, وعندما ذهب إلى الأسكندرية وخدم فيها سامه البابا بطرس بابا الأسكندرية شماساً ودرس بمدرسة لوكيانوس بأنطاكية حيث كان زميل دراسة لبعض الأشخاص الذين أرتقوا فيما بعد إلى درجات الرئاسة الكهنوتية. وهم الذين عضدوه ودفعوا به للمضى فى طريق الكفاح لأجل نشر أفكاره. وكل هؤلاء الزملاء الذين درسوا فى مدرسة لوكيانوس صاروا يلقبون بأسم "اللوكيانيين" أو "الاتحاد اللوكيانى" وهذا لا يمنع أن آريوس درس أيضاً فى مدرسة الاسكندرية اللاهوتية قبل دراسته بأنطاكية وقد شايع ملاتيوس لدى خروجه على البابا بطرس ثم تراجع فسيم شماساً ثم انتقد رئيسه في أمر توبة الجاحدين فقطع فالتجأ على أخيلاس فسامه كاهناً ثم وثق فيه الكسندروس فجعله خادم كنيسة بفالكس وكان آريوس فيما يظهر عالماً زاهداً متقشفاً يجيد الوعظ والإرشاد فالتف حوله عدد كبير من المؤمنين ولا سيما عذارى الإسكندرية اللواتي نذرن أنفسهن للعمل الصالح، فأصبحن فخر كنيسة مصر وانضم إلى هؤلاء عدد كبير من رجال الاكليروس الذين وجدوا في وعظه غذاء للنفوس فآثروا الاصغاء إليه على الرغم من التخالف في التعليم بينه وبين الأسقف رئيس الكنيسة ووافق آريوس لوقيانوس المعلم الأنطاكي وأخذ عنه ولعله درس عليه، ولا نعلم بالضبط وتمام الوضوح ما علّمه لوقيانوس كما أنه لم يبقَ من تعاليم آريوس إلا مقتطفات يسيرة جاءت في بعض "الردود" عليه! ولا سيما ما كتبه القديس اثناثيوس الكبير وما أورده القديس امبروسيوس وما يجوز قوله عن مذهب آريوس أنه كان محاولة جديدة لتأكيد وحدانية الآب وتخفيض منزلة الابن Subordinationisme والروح القدس فالآب وحده في نظر آريوس استحق لقب الإله. أما الابن فإنه لم يكن سوى إله ثانوي مخلوق من العدم بإرادة الآب بيد أنه تميز عن سائر المخلوقات في أنه كان صورة الآب في الجوهر Ousia وإرادته وقدرته ومجده والثالوث في نظر آريوس ثلاثة في الأقنوم ولكنهم ليسوا واحداً إلا باتفاق المشيئات ومما أخذه سوزومينس المؤرخ على آريوس أنه كان لسانياً منطقياً متطرفاً، جرّه تطرفه هذا إلى الوقوع في الخطأ ويمكن أن يقال أن آريوس جمع فى تعليمه بين إتجاهين مختلفين لمدرستى أنطاكية والاسكندرية. وفيما بعد أخذ المنتمون لمدرسة أنطاكية يهاجمونه ويتهمونه بأنه سكندرى، فى حين أن المنتمين إلى مدرسة الأسكندرية كانوا يحاربونه متهمينه بأنه أنطاكى أستوطن أريوس فى الاسكندرية حيث رسمه الأسقف بطرس كاهنا.. وأظهر فى أول حياته ميولاً متعصبة متمردة لأنه قبل رسامته وبعدها كان منضماً للأسقف المنشق ميليتوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط) ولهذا السبب جرد من رتبته الكهنوتية، إلا أنه فيما بعد أعيد مرة أخرى إلى رتبته على يد الأسقف أخيلاس خليفة الأسقف بطرس. وما لبث أن عمل على تأييد إنتخاب الكسندروس أسقفاً للاسكندرية خلفاً لأخيلاس. وإن كان أريوس نفسه قد أستطاع بتأثير ثقافته وصفاته الشخصية أن يصير ذو شأن كبير فى المدينة وفى عام 285 م عندما أصبح الأنبا بطرس السابع عشر وقد اصدر البطريرك قراراً بان جميع الذين اجبروا لكى يدعوا للأوثان وكانوا ضعفوا وأفقدهم العذاب الشديد شعورهم وإحساسهم وأنكروا السيد المسيح. واصدر أمراً بقبولهم رعايا فى الكنيسة مرة أخرى بدون فحص أو قصاص أو عقاب بدنى أو روحى وبناء على قرار البطريرك بقبول التائبين ومن المعتقد أن آريوس بخر للأوثان فذهب آريوس إلى البطريرك واعلن خضوعه وندمه فقبله ورسمه شماساً ورقى لوظيفة واعظ لفصاحتة وقدرته على الخطابة وكان آريوس يمزج اقوالة باقوال الفلاسفة ولكن لم يكن هذا هو الخط الكنسى البسيط التى أتبعته كنيسة الأسكندرية فى تعليمها، وكان آريوس بدا فى بدعة جديدة فى المسيحية فجردة البطريرك من وظيفته وأصدر قرار بحرمانه من الوعظ وحرمه البابا بطرس ومما يذكره المؤرخون أنه عندما جاء وقت إستشهاده أرسل آريوس وجهاء مدينة الأسكندرية للبابا بطرس فى السجن ليحله ولكنه أعلن أنه رأى رؤيا أن آريوس مزق ثوب الرب (أى كنيسته) وزاده فى الحرم ولكن للأسف عندما جاء البابا أرشيلاوس حله وسامه كاهناً وسلمه كنيسة بوكاليا، وهى كنيسة الإسكندرية الرئيسية فى ذلك الوقت، ممأ أعطاه شهرة وجمع الأتباع خاصة لأنه عنده موهبة الوعظ والخطابة وكان مزهوا بنفسه متفاخراً بقدراته الأنسانية ولم يطوعها فى وداعة القديسيين فغلب تكير عقله الإيمان وعندما أراد أن يبشر الوثنيين سقط فى هرطقته، وجاء لاهوته حصيلة فكرفلسفى لاهوتى عقلانى
(حوالى عام 318م) اصطدم مع الكسندروس بسبب الإختلاف حول تفسير نص فى الكتاب المقدس خاص بشخص ابن الله. وكان الكسندروس قد أعطاه – كما أعتاد الأسقف أن يفعل مع الكهنة – موضوعاً ليبحثه. وفى الشرح الذى قدمه أريوس حاول أن يعبر عن ابن الله بمفاهيم مخالفة للإيمان المستقيم رأى الكسندروس فى تقرير آريوس محاولة للتقليل من شأن ابن الله وتحقيره… وأثبتت الاتصالات بين الرجلين على أن آريوس أصر على رأيه وأعتبر أفكار الكسندروس أنها تتبع فكر بدعة سابيلوس وبالرغم من هذا فإن الأسقف لم يتعجل فى اتخاذ أى اجراء ضد كاهنه. إلا أنه فيما بعد أضطر الأسقف أن يتخذ قراراً من مجمع قسوس الكنيسة، أدان فيه أريوس بسبب بدعته وقطعه من شركة الكنيسة رحل أريوس الى فلسطين ثم اتجه إلى سوريا قاسياً الصغرى. وتمكن من أن يجمع حوله عدد من الأساقفة وأفقوه على آرائه، وكان من بين هؤلاء "أوسابيوس أسقف فيقوميديا" اللوكيانى، "وأوسانيوس أسقف قيصرية" الأوريجانى. وان الأساقفة الذين تجمعوا حوله قد أيدوه وبرأوه فى مجمع عقدوه. وطالبوا بأن يعود مرة أخرى الى الكنيسة.. وسرعان من كتب أريوس أقراراً وافقوا عليه فى مجمع عقدوه فى نيقوميديا، وأرسله كرسالة إلى أسقف الاسكندرية الذى رفضه. ودعا بالطبع إلى مجمع بالاسكندرية سنة 318م اعتمد ادانة أريوس وبعد ذلك بقليل، بسبب الاضطرابات التى نشأت نتيجة للمصادمات التى وقعت بين قسطنطين الكبير وليكينيوس، تمكن آريوس من العودة مرة أخرى إلى الاسكندرية. حيث أخذ بعمل بحماس شديد وبأساليب مبتكرة لأجل ترويج أرائه ونشرها بين الجماهير عن طريق الأحاديث والأشعار… وقد ساعد على نشر أريوسيته ما كان يظهر به أريوس من مظاهر الورع والتقوى إلى جانب ما يتصف به من الكبرياء والتباهى وحبه للنضال.. وكان يجرى مباحثاته اللاهوتية مع الشعب. فأنتهز الوثنيون تلك الفرصة وأخذوا يسخرون من المسيحية فى مسارحهم بسبب تلك المناقشات وهكذا أثار هذا الموقف قلق قادة الكنيسة. كما أزعج الامبراطور أيضاً، الذى رأى أن هذه المشاكل ستكون خطراً على السلام الذى حققه بجهود مضنية وكفاح مرير ولكنه لم يتوقع أن تكون خطراً على السلام على المدى البعيد. لذلك فهو إذ رأى أن هذه المعركة تبدو أمراً تافهاً لا يستحق أن يصدر له نطقاً سامياً، فأكتفى بأن أرسل "هوسيوس" أسقف قرطبة بأسبانيا إلى الاسكندرية بخطاب إلى رؤساء الأطراف المتنازعة. ولكن هذه المحاولة لم تأت بأية نتيجة. عندئذ دعا الأمبراطور إلى مجمع عام يعقد فى نيقية عام 325 والذى أشتهر بأسم، "المجمع المسكونى الأول" وقد أدان هذا المجمع تعاليم أريوس وحرم أسقف نيقوميدية مع ثلاثة أساقفة أخرين لتأييدهم لتعاليم أريوس. أما أريوس فأنه فى البدء أُرسل إلى نيقوميديا مكبلاً بالقيود، ثم نفى بعد ذلك إلى الليريا… ألا أنه على الرغم من هذه التدابير فإن هذه المحاولة للتهدئة لم تنجح، لأن أصدقاء أريوس أستمروا فى نشر مبادئه وتعاليمه… ولذا أقتنع قسطنطين – بواسطة العناصر المهادنة للأريوسية والمحبة لها، وتأثر بهم. مما جعله يستدعى أريوس من منفاه عام 327. وبعد تحريض من أسقف نيقوميديا عرضوا صيغة إعتراف إيمان على الأمبراطور أخفوا عنه فيها. حقيقة عقيدة أريوس، وكانت كنيسة نيقوميديا قد وافقت على هذه الصيغة فى المجمع الذى عقد بها. إلا أن الأرثوذكسيين لم يجبروا على منح أريوس العفو. حتى أن الكسندروس أسقف الأسكندرية وأثناسيوس الذى خلفه لم يقبلاه فى الاسكندرية ولم يرغب قسطنطين حينئذ أن يؤزم المسائل أكثر بأن يفرض على أسقف الاسكندرية – بأن يقل أريوس. بل أنه فى الواقع عندما طلب أنصار أريوس من الأمبراطور – برسالة محررة بلهجة شديدة – أن يتدخل لأجل تأمين عودة أريوس إلى الاسكندرية، غضب قسطنطين وأعاد أدانتهم بمرسوم آخر أسماهم فيه "بالبورفوريين" أى أنهم مشايعون لتعليم "بورفيريوس" وبعد وساطات متعددة غيروا مرة أخرى من مشاعر قسطنطين ورحل أريوس إلى القسطنطينية حيث أعترف بالإيمان الأرثوذكسى أمام الأمبراطور وتمسك بأن يصير مقبولاً بطريقة رسمية على نطاق أوسع بالكنيسة. إلا أن الأمر بتحديد موعد بقبوله فى كنيسة القسطنطينية قد تلاشى نهائياً، إذ أن أريوس سقط ومات فى مرحاض عام فجأة ليلة الموعد المحدد لقبوله.
مؤلفات أريوس:
أستحوذ أريوس على مركز هام فى التاريخ الكنسى، لكنه لم يترك أثاراً كثيرة. فقد كتب أعمالاً قليلة نسبياً وصلنا منها النذر اليسير. وهذه الكتابات التى وصلتنا عبارة عن رسائل خارجية. إلا أنها فى واقع الأمر تحوى إعترافاته وهى:
(أ) رسالة إلى أسقف نيقوميدية:
وقد حفظها لنا إبيفانيوس فى كتابه "باناريون". وكذلك ثيئودوريتس فى كتابه "التاريخ الكنسى". وفى هذه الرسالى يحتج على تحامل الكسندروس ضده وضد أتباعه ويعرض أراءه وتعاليمه فى صراحة تامة. ويقول أن الابن إله لكنه "ليس غير مولود Agenntos" "ولا جزء من غير المولود" وفى النهاية يستنجد باوسابيوس أسقف نيقوميديا مسميا إياه أنه من "الاتحاد اللوكيانى".
(ب) رسالة إلى الكسندروس أسقف الاسكندرية:
حفظت هذه الرسالة فى أعمال "أثناسيوس عن المجامع". وفى كتاب "باناريون" لابيفانيوس. كما حفظت باللغة اللاتينية فى كتاب "الثالوث لايلارى". وهى الاعتراف الإجمالى الى كان قد قدمه لمجمع نيقوميديا الأول والذى عقده الأريوسيون المنفيون. وفى هذه الرسالة تحاشى التعبيرات المثيرة وأعتبر أن "الأبن قد ولد قبل كل الدهور". إلا أنه لم يكن موجوداً من قبل أن يولد.
(ج) إعتراف الإيمان:
حفظت هذه الرسالة فى التاريخ الكنسى لسقراط والتاريخ الكنسى لسوزومينوس). وفى هذه الرسالة حجب عقيدته الحقيقية وقال بأن الإبن قد ولد قبل كل الدهور (لأنه لو كتبت كلمة gegennimenos المولود" بحذف حرف n منها أى gegenimenos لتغير معناها وأصبحت تعنى المخلوق وليس المولود.
(د) "ثاليا":
حفظ أثناسيوس فى كتاباته بعض نصوص هذا الكتاب. وكلمة "ثالثا" معناها مأدبة أدبية. وقد دبجها كلها تقريباً بأبيات منظومة وبلحن نسائى. وفى إفتتاحيتها نجده يظهر نفسه أنه مملوء بالعقيدة والعواطف الشجية عندما يتعرض للحديث عن الله..
"بحسب إيمان مختارى الله… عارفى الله…أبناء قديسين. ذوى التعاليم الشرعية الثابتة.. حاصلين على روح الله القدس…أنا نفسى تعلمت هذا.. من حكمة المشاركين.. السابقين.. عارفى الله..حسب كل أقوال الحكماء.. أتيت أنا مقتفياً أثر كل هؤلاء..وأنا ذو السمعة الحميدة.. متمش بنفس العقيدة..ومتحمل كثيراً من أجل مجد الله.. بنفس حكمة الله..وفيما عدا هذا، يبدو أنه كان لأريوس مجموعة أخرى من الأشعار لكل مناسبة من مناسبات الحياة. (كما أشار بذلك أثناسيوس) فى المجموعة التى تسمى "البحرية"، "الرحى" "الرحلة".. الخ.ووفقاً لما يقوله أثناسيوس فإن كل هذه القصائد قد دبجت بلهجة ونغمة داعرة مثل التى كان يكتب بها سوتيادوس أشعاره القومية.. كانوا يتغنون بها فى مأدبهم بضجيج ضخب وعبث..
فكر آريوس
كان آريوس ذو موهبة فى الخطابة فصيحاً بليغا قادر على توصيل أفكارة بسلاسه بين العامة والمفكرين ونشر آريوس افكاره عن المسيح مستغلاً مركزه كشماس وواعظ فى الأسكندرية، ولم تكن فكرته عن المسيح من بنات أفكاره ولكنها كانت فى الأصل نقلها من يهودى متنصر أسمه فيلون اليهودى فى نظريته عن اللوغس (الكلمة) Logos وكانت فكرتة تتلخص فى: أن الكلمة كائن متوسط يعبر الهوة التى لا تعبر بين ايلوهيم والعالم.. خلق ايلوهيم الكلمة ليخلق به العالم والمادة وإيلوهيم الإله الحقيقى فى نظر فيلون عال عن المادة ولا يمكن أن يتصل بها مياشرة من غير وسيط.. هذا الوسيط هو المسيح الكلمة ولم يكن فيلون هو فقط الذى تأثر به آريوس ولكنه تأثر أيضاً ب أفلوطين فى نظريته فى النوس Nous ومركز الكلمة المتوسط بين الإله أو " الواحد" وبين العالم وفى الحقيقة أن آريوس لم يأتى بفكراً جديداً ولكن أستهوته الفكر الفلسفى اليهودى الأصل الناتج من فكر فيلون اليهودى عن اللوغس، والفكر الوثنى القادم من أفلوطين فى "النوس" ومزج هاتين النظريتين وألبسهما لباساً مسيحياً بإستغلال آيات من الإنجيل لتأييد فكره بنصوص من الكتاب المقدس وأعتقد أنه ساندت رأيه وكان تعليق البابا أثناسيوس عن آراء آريوس " أنها آراء وثنية " ولما أنحرف آريوس عن الفكر المسيحى المستقيم بالتأويل، أعتبرت المسيحية الأرثوذكسية تفكيره كفراً وزندقة وأشتعلت نار الخلاف وتأججت نار الفرقة عندما قال آريوس عن المسيح كلمة الإله: " أنه خالق ومخلوق.. خالق الكون، ومخلوق من الإله "
وقالت الكنيسة: " أن المسيح مولود.. غير مخلوق، وهو كان بأقنومه الأزلى قبل أن يولد من العذراء مريم بل قبل الدهور،, ومنذ الأزل، وهو من ذات جوهر الآب، ومن طبعه، وأنه لم تمر لحظة من الزمان من الزمن كان الآب موجودا من دون اللوغوس (الكلمة)، وهو المسيح قبل التجسد " كان آريوس يقول بأنّ الكلمة ليس بإله، بل بما أنه "مولود" من الله الآب فهو لا يُشاركه طبيعتهِ، بل تقوم بينهما علاقة "تبنّي"، فالكلمة إذاً ليس بأزليّ بل هو مجرد خليقة ثانويّة أو خاضعة حُرِمَ آريوس وأنصاره في المجمع المسكونّي النيقاويّ الأوّل عام 325 وعلى إثره نُفيَ. لكن هذا لم يمنع هذه البدعة من التوسع جغرافياً ومن استخدام أصحابَها لأغراضٍ سياسيّة وتعليم آريوس نادى بإمكانية التغيير الأخلاقى عند المسيح، وأنه لهذا كان الكلمة قابل للنمو أو التطور الخلقى، وأنه عندما كان يفعل الخير طان يصنعة بإرادة حرة كان يمكنها أيضاً أن تختار فعل الشر، وعلى ذلك يكون الخلاص الذى صنعة المسيح عملاً قام به كائن محدود، أقام ذاته مخلصاً بفعل إرادته الحرة، ومن ثم فلا تكون كفارته خلاصاً للجنس البشرى كله إلا من قبيل إظهار أمكانية كسب الخلاص، وليست هناك نفس بشرية واحدة يمكن أن تكون بريئة كل البراءة من وصمة الضعف البشرى.ولقد علم آريوس بأنه كان فى المسيح امكانية لأختيار الخير أو الشر، وحرية الأختيار تقوم فى العقل أو الروح أو النفس الأنسانية الناطقة العاقلة، النفس الأنسانية الناطقة العاقلة هى العنصر الهام المسيطر على الطبيعة البشرية المفروض فيها بالضرورة القدرة على عمل الشر وبفضلها يكون النمو فى الخير أو الشر ممكناً وزيادة على ذلك فإن هذه النفس هى التى بها يتميز شخص عن غيره، فهى مقر أو مركز قوة تقرير المصير وهى القوة التى تتميز بها الشخصية الحقيقية لكل أنسان والتى تتكون بها شخصيته المستقلة عن كل أنسان آخر في عام 334 أعادَ الأمبراطور قسطنطين آريوس من منفاهُ وبسبب نفوذ بعض الشخصيات المهمة كأسقف القسطنطينية أوسابيوس النيقوميديّ والأمبراطور كوستانتيوس الثاني أصبحت هذه البدعة حتى عام 359 ديناً رسمياً للأمبرطورية الرومانية.
رد فعل الآريوسيين حول قرارات المجمع النيقاوى
أنقسمت فيما بعد الآريوسية عدة طوائف لنفس البدعة وهم:
الطائفة الأولى: فكان البعض يعتقد بصحة قانون الإيمان النيقاوي رغم تشكيكهم بمساواة الابن للآب في الجوهر هؤلاء دُعيوا بأشباه الآريوسيين.
الطائفة الثانية: كان يطعن في صحة قانون الإيمان النيقاوي معتبراً أن طبيعة الابن هي مختلفة تماماً عن طبيعة الآب.
الطائفة الثالثة: ظهرت أيضاً جماعة ثالثة تعتقد بأن الروح القدس هو أيضاً خليقة ثانوية.
مع صعود فالنتِس عام 361 إلى العرش بدأت الأمور تعود إلى مجراها الطبيعي أي لما جاءَ في مجمع نيقية المسكوني. فينا بعد أُعلن الإيمان النيقاوي عام 379 إيماناً قويماً وديناً رسميّاً للإمبراطورية بفضل الإمبراطور ثيودوسيوس. تثبَّت هذا الإيمان بواسطة المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية عام 381 بالرغم من هذا فقد استمرت الآريوسية لقرنين من الزمن وخصوصاً بين الشعوب الجرمانية التي كانت قد بُشِّرَت عن يد مُرسَلين آريوسيين.
الفكر الأريوسى
حاول أريوس تفسير الإيمان المسيحى بطريقة يمكن لمن لهم الفكر الوثنى وخاصة الفلاسفة منهم أن يفهم ألإيمان المسيحى فمزج بين الإله المسيحى وآلهة الوثن حتى يتقبلوه، فسقط فى هوه الهرطقة وبعد عن المسيحية تماماً، وجاء تفسيره خالياً من المفاهيم المسيحية الأساسية ومن الحكم السليم والنظرة الصائبة (30) وعقيدة تدور حول النقاط التالية:
1 - الوحدانية: كان إهتمامه أنحصر فى تأكيد الوحدانية، والأساس الأول هو فى بساطة " الفردية " الذى هو الإله الذى يعتقد فيه، وهو فى نظره الواحد، المطلق، الغامض، البعيد، غير المعروف، الذى لا يدرك، ولا يمكن الإلتقاء به، نخفى فى سر أزلى، منفصل عن البشر بهوة غير محدودة (31) هكذا فهم الوحدانية بطريقة عددية، غير قادر على إدراك " وحدة " الثالوث القدوس فى الجوهر.
2 - لكى يخلق الإله المسكونة، أوجد اللوغوس قبل الزمن (32) من العدم، كأداه للخلقة، لهذا فهو ليس بالحق الإله بالطبيعة، إنما هو أبن الإله بمعنى أخلاقى، إنه كائن وسيط بين ألإله والعالم.
3 - صار اللوغوس جسداً بمعنى أنه قام بعمل النفس فى يسوع المسيح.
4 - الروح القدس هو أول خلائق اللوغوس، فهو إله أقل من اللوغوس.
بهذا الفكر عزل آريوس الإله عن البشرية، وقدم إلهه إلى البشرية كأنه كائناً جامداً، فألغى أنشودة الحب الإلهى والتضحية والفداء فى المسيحية وأفسد سر الخلاص، متجاهلاً النبوات ومنكراً تجديد طبيعتنا خلال التبنى والأتحاد مع الإله الآب فى أبنه.
وللحديث بقية

عدد الزيارات 406

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل