تعاليم أريوس

25 يوليو 2024
Large image

لا يتضح من تعاليم أريوس تناسقاً فى كل ما وصلنا من نصوصه حيث أن بعضها كانت تخفى وراءها واقع الأمر وحقيقته. إذ كانت تعاليمه مضللة.. ويبدو هذا جلياً فى رسالته إلى أسقف نيقوميدية، وفى باقته الشعرية "ثالثا". ولم تقتصر تعاليمه هذه على مدرسة واحدة، كما قال كثيرون – أى أنها لم تنطلق لا عن وحدانية الله الكتابية التى أعتنقها الأنطاكيون المتطرفون الذين أعتقدوا بأن الابن تهذب وتشكل بهبوط قوة إلهية مجردة على يسوع..، كما أنها لم تنطلق عن فكرة الوحدانية التى أعتنقها السكندريون المتطرفون الذين أعتقدوا بأن هذه الوحدانية الإلهية اتسعت لتحوى كل الموجودات الإلهية، بل هى نشأت عن فلسفة الوحدانية. وحيث أن أريوس كان موحداً متطرفاً فإنه أراد أن يؤكد أن الله كان واحداً وأنه فى نفس الوقت متحول. أن حل وحدانية الله إنما سيعنى تمييزالله إلى أب وابن. أما حل التحول إنما سيكون بواسطة خليقة هذا العالم. وهو أمر سئ فى كل الأحوال وبحسب هذه الأفكار، فإن الله واحد، غير مولود وحده، سرمدى وحده، ليس له بداية وحده. الحقيقى وحده، الذى له الخلود وحده. وبجانب الله، لا يوجد كائن آخر.. ولكن عن طريقه توجد قوة عامة (لا شخصية) هى "الحكمة والكلمة".. وهذه التعاليم مأخوذة عن "الوحدانية المقتدرة" التى لبولس الساموساطى. ولكن فكره اللاهوتى يوضح إعتماداً أكثر على "المدافعين". وتأثيرات "الغنوسيين". فيما أن الله كان واحداً فهو لم يكن أباً "الله لم يكن دائماً أباً. أما فيما بعد فقد صار أباً"ولقد صار الله أباً عندما أراد أن يخلق العالم. عندئذ خلق كائناً واحداً. هذا الكائن أسماه الابن، ويسمى استعاريا الكلمة أو الحكمة إذن فحسب تعاليم أريوس توجد حكمتان:
1- قوة الله الواحدة العامة.
2- وكائن إلهى ذاتى واحد. وهذا الكائن هو الحكمة الثانية الذى جاء إلى الوجود من العدم. ومن ثم فهو مخلوق. إذ يقول "كلمة الله ذاته خلق من العدم.. وكان هناك وقت ما حينما لم يكن موجوداً. وقبل أن يصير لم يكن موجوداً.. بل أنه هو نفسه أول الخليقة لأنه صار" ويقول أيضاً "الله وحده كان وحده دون أن يكون هناك الكلمة والحكمة.. ومن بعد ذلك عندما أراد أن يخلقنا عندئذ بالضبط خلق شخصاً وهو الذى دعاه الكلمة والابن، وذلك كى يخلقنا بواسطته". ولكى يؤيد تعاليمه استخدم نصاً خاصاً اقتبسه من سفر الأمثال: "الرب أقامنى أول طرقه.." (أم22: 8)، وكان أوريجانوس من قبل قد تحدث عن "خضوع الابن"، كما تحدث عن "ميلاد الكلمة الأزلى" وهنا أخذ أريوس الجزء الأول فقط من تعايم أوريجانوس، وذلك عندما أضطر فيما بعد أن يقر "بالميلاد قبل الدهور" مفسراً ذلك بأنه يعنى فقط الزمن الذى سبق خلقه العالم فعند أريوس. يبدأ هذا العالم بخلق الابن، عندما بدأ الزمن أيضاً أن يوجد.. والابن هو المولود الأول ومهندس الخليقة.. ومن المستحيل عنده أن يعتبر الابن إله كامل. ويعتبر أن معرفته محدودة لأ،ه لا يرى الآب ولا يعرفه.. والأمر الأكثر أهمية أنه يمكن أن يتحول ويتغير كما يتحول ويتغير البشر.. "وبحسب الطبيعة فإنه مثل جميع الكائنات، هكذا أيضاً الكلمة ذاته قابل للتغيير والتحويل ولكن بنفس أرادته المطلقة، طالما أنه يرغب فى أن يبقى صالحاً.. حينئذ عندما يريد فإنه فى استطاعته هو أيضاً أن يتحول مثلنا، حيث أن طبيعته قابلة للتغير" أن بولس الساموساطى استعمل اصطلاح "القدرة على الاكتمال الذى أتخذ منه أريوس كل تعبيراته.. وفقاً لتعليمه وهو أن المسيح هو ظهور بسيط للكلمة فى إنسان. ومن ناحية أخرى فهو يعتبر إنسان كامل فقط وليس إله كامل.. وبالتالى فإن الأبن يمكن أن يدعى الله إستعارياً فقط. وهو نفس الأسم الذى يمكن أن يدعى به البسطاء من الناس أيضاً حينما يصلون إلى درجة كاملة من الروحانية والأخلاق.. وهنا يتضح كل تعليم هرطقة "التبنى Adoptionism" عن المسيح.


النتيجة الأولى لهذا التعليم:
هو أن الإيمان بالثالوث يتلاشى ويذوب.. بالطبع تحدث أريوس أيضاً عن الثالوث إلا أنه اعتبره أنه قد صدر متأخراً ولم يكن أصلياً وأزلياً. لأنه وفقاص لتعليمه فإن الآب وحده كان إلهاً أزلياً.
أما النتيجة الثانية:
فهى أن الحياة الجديدة للإنسان التى صيغت كنتيجة لتأنس الكلمة، لا تتكون نتيجة تأليه بل بواسطة سمو روحى وأخلاقى.. وبهذا يتمكن أى شخص أن يقول أن هذا الموقف قد اقتبسه أريوس من المدافعين الذين وفقاً للتقاليد نشأوا من مدارس فلسفية. وكانوا قد أتخذوا موقفاً مماثلاً عن الحياة الجديدة.. إلا أن موقف "المدافعين" يجد له مبرراً بسبب العصر الذى عاشوا فيه والعالم الذى كانوا يتوجهون إليه بالحديث. أما فيما يتعلق بأريوس فإن الموقف يظهر ركود أفكاره التى ولو أنها كانت حادة. إلا أنها خالية من الحركة والعمق ونتيجة لتعاليم أريوس بقوله أن كلمة الله مخلوق وقوله عن المسيح أنه انسان مؤله (بضم الميم وفتح الواو). بسسبب كمال روحى وخلقى. هذه التعاليم نجم عنها نزاع شديد زعزع أركان الكنيسة والدولة الرومانية.. أن البدعة الأريوسية لم يتم تنظيمها بطريقة سرية مثل غيرها من البدع والهرطقات. بل دخل فى صفوفها رجال رسميين فى الكنيسة وفى الدولة. وهددت بالاستيلاء على التنظيم الكنسى بأكمله.. وقد أستمرت المصالحة السياسية التى تبعت ذلك حتى موت أريوس وقسطنطين بدون أن تكون على حساب قرارات مجمع نيقية – وذلك عن طريق تفسيرهم المتباين والمؤول بطريقة يشوبها الالتباس.. إلا أن تعاليمهم لم تأت بنتائج. وذلك لأن زعماء الأرثوذكسية لم يقبلوا أريوس فى الكنيسة وذلك بسبب إعترافاته المشتبه فيها.. حقاً إنه أثناء هذه الفترة لوحظ تقدم ملحوظ فى الحركة التى قادت أيضاً إلى تفوق طفيف للأريوسية. وفى الواقع أن الأريوسيين – بواسطة سلسلة المجامع التى أشرفوا عليها بأنفسهم – نجحوا فى تنحية وأبعاد الرؤساء من خصومهم بإتهامات باطلة واهية. وهؤلاء الرؤساء هم أوستاتيوس الأنطاكى عام 330م. وأثناسيوس الاسكندرى عام 335م، وماركيلوس الانقيرى عام 336م ساءت الأحوال بعد وفاة قسطنطين الكبير، لأن حاكم الشرق قسطنديوس، فرض الأريوسية على المناطق التى كان يحكمها.. أما بعد وفاة أخيه قسطنس عام 350م، فقد فرضها على جميع أنحاء الامبراطورية.. وسحق هذا الحاكم نشاط معارضيه ومقاوميه الأرثوذكسيين وانشغل بإحلال أساقفة أريوسيين بدلاً من الأساقفة الشرعيين فى أهم مراكز الشرق وبعض جهات الغرب وبعد وفاة قسطنديوس أنهار فجأة بناء الأريوسيين الشامخ. لأن يوليانوس الذى كان يدين بالعقيدة الوثنية عامل جميع المذاهب المسيحية معاملة متساوية. وعندئذ عاد المنفيون إلى أماكنهم. وبدأت الأرثوذكسية فى أعادة تنظيم شملها. مما جعلها تسود وتنتصر. وقد وصلت إلى أكبر درجة من السيادة أثناء حكم الامبراطور الأرثوذكسى يوفيانوس.
الفرق الأريوسية:
كان البناء الأريوسى فى عهد قسطنديوس على الأقل، يبدو عظيماً فى الظاهر.. إلا أنه كان من البدء عملاً مزعزعاً. وذلك ليس فقط لأنه حصل على قوته من عناصر كنسية منشقة، ولكن أيضاً لأن إتجاهه اللاهوتى لم يكن متحداً.. فإن جميع الأريوسيين رفضوا اصطلاحات مجمع نيقية.. ولكن ليس لأجل الاسباب دائماً.. لذا فإن الخلافات فيما بينهم انكشفت وتحددت عند كثيرين منهم عن طريق موقفهم من اصطلاحات هذا المجمع ولقد استخدم أباء مجمع نيقية فى قانون الإيمان إصطلاح؟ هومو أوسيوس" أى "الواحد فى الجوهر مع.. أو المساوى فى الجوهر ل..". وأرادوا أن يثبتوا بهذا الاصطلاح أن الابن مع الآب هما واحد. وأن هذا الجوهر هو كيان أساسى واحد.. وأضاف نفس الآباء بعد قانون الإيمان – بسبب المحرومين – نصاً قالوا فيه بأن الابن "ليس من هيبوستاسيس آخر" أى " ليس من جوهر أخر".. وهكذا فقد أغضب الاصطلاح الاول الأريوسيين المتشددين، أما الإصطلاح الثانى فقد أغضب الأريوسيين المعتدلين.. (أو أنصاف الأريوسيين Semi – arians) ويبدو أن القانون دبجه لاهوتى غربى من المحتمل أن يكون "هوسيوس" أسقف قرطبة. وكلمة Hypostasis "هيبوستاسيس" فيه هى ترجمة للكلمة اللاتينية" Substantia" إلا أنه فى الغرب – نظراً لعجز اللغة اللاتينية حيث كانت كلمة Substantia تعنى كلاً من "أوسيا" Oucia أى الجوهر أو الكيان. وكلمة "هيبوستاسيس" Hypostasis أى القوام أو الأقنوم.
وتعنى كلمة "هيبوستاسيس Hyposasis" اليونانية تعنى القوام، أو الأساس – أو ما يقف عليه الشئ – "الدعامة" أو طبيعة الشئ، أو الشخص، أو أقنوم (المعرب).
لذا أوضح أباء نيقية وحدة تشابه هذين الاصطلاحين لأنهم كانوا يخشون لوأنهم اعترفوا باثنين هيبوستاسيس (أى قوامين) – أن يتهموا بأنهم يقبلون الاعتراف بجوهرين أى يكونوا مثل الأريوسيين.
1- الأريوسيون المعتدلون:
كان الأريوسيون المعتدلون (Semi – Arians) أوريجانيين قدامى وكان يتزعمهم أسقف قيصرية أوسابيوس، وهم الذين قبلوا بتعاطف عن رضى تعليماً واحداً يرتكز على النظرية الأوريجانية الخاصة بخضوع الابن، هؤلاء أصروا على التمييز المشدد بين الآب والابن.. ورفضوا أيضاً اصطلاحى مجمع نيقية واعتبروهما سابيليان. ولأنهما لم يردا بين نصوص الانجيل.. إلا أنهم كانوا على استعداد لقبول معنى "التساوى فى الجوهر Omooucios" لكن بتعبير مخالف.. لهذا تمسكوا بالتعبير "مماثل للآب فى كل شئ" وبعد موت أوسابيوس قام باسيليوس أسقف أنقيرا وجورجيوس اللاوديكى بتنظيمهم. وتميزوا بوضوح أكثر من الأريوسيين الآخرين. وذلك فى مجمع ميديولانوس عام 355م. حيث أنهم قبلوا "تماثل الجوهر" أو التشابه فى الجوهر "هوميوأوسيوس" الأمر الذى من أجله أطلق عليهم اسم "هوميوأوسيين" وكانوا يختلفون عن القائلين "بالتساوى فى الجوهر" أى "الهوموأوسيين" قليلاً، ولذلك أطلق على النزاع بينهم أنه نزاع على لا شئ.
2- الأريوسيون المتشددون:
هؤلاء كانوا على عكس المعتدلين. وهؤلاء المتشددون كانوا قد نشأوا عن اللوكيانيين الذين قبلوا تعليم "بدعة التبنى".. وكان يرأسهم فى البدء أوسابيوس النيقوميدى. وفيما بعد أوسابيوس القسطنطينى. وهذا الفريق تشدد فى الفصل بين الآب والابن بدرجة أكبر.. وان كانوا أحياناً يخفون أراءهم لاسباب تنظيمية. إلا أنهم كانوا متشددين.. وبعد موت أوسابيوس هذا فى عام 341. برز بين صفوفهم "ايتيوس" الانطاكى الذى اندفع إلى تعليم أريوس الأشد تطرفاً من أجل تكوين فريق أريوسى جديد. وهذا الفريق الجديد تشكل بطريقة أكثر تنسيقاً على يد تلميذه "يونوميوس". أن المنتمين إلى هذا الفريق وضعوا مناهج وأساليب متكاملة.. وتدخلوا بفكرهم ليفحصوا جوهر كل الكائنات. بما فيها الله أيضاً.. وزعموا أن جوهر الله هو فى عدم الولادة. أما جوهر الابن فهو فى كونه مولود.. ومن ثم فإن جوهرى الآب والابن ليسا فقط لم يكونا شبيهين بل نقيضين تماماً.. ولكى يؤكدوا تمييزهم لله الآب بفرادة خاصة وحده. أعتادوا أن يمارسوا المعمودية بغطسة واحدة فقط بدلاً من ثلاثة غطسات بسبب التباين بينهم، تشكل فريق ثالث بإيحاء من الامبراطور قسطنديوس. هو فريق "الاوميويين" أى (الشبيهيين) وهؤلاء استخدموا الإصطلاح "أوميوس OMIOS" (أى شبيه أو مثيل)، ألا أنهم لم يكن لاهوتهم الخاص.. بل – بحسب الظروف – كانوا ينحازون لفريق أو لأخر. وقد أدى ذلك إلى إضفاء تفسيرين على كلمة "أوميوس OMIOS" فصار من الممكن أن تعنى أما "تشابه الجوهر" أو تشابه المشيئة.. وأتخذ مشايعو هذا الفريق لزعامتهم أساقفة الحدود الشمالية أمثال أورساكيوس السنجدونى، وأولتتاس المورصى… وكذلك أكاكيوس القيصرى، وهؤلاء فرضوا وجهات نظرهم فى المجمع الذى أنعقد فى سرميوس عام 359م.
مواجهة الأريوسية:
هز الأريوسيون أرجاء الكنيسة بسبب الطريقة التى ظهروا بها، حيث أنهم – على وجه الخصوص – نشروا وفرضوا أفكارهم بكل ضرب من ضروب البدع الغريبة على ذلك العصر. فهم لم يستعينوا فقط بالأحاديث الدينية، وتحرير الرسائل اللاهوتية ونشر عقائدهم على هيئة أفكار منتظمة قانونية، كما تأمر بذلك "أحكام الرسل" بل كما سبق أن قيل أيضاً، فإنهم استخدموا كذلك اشعارهم الغنائية التى كانوا يتغنون بها فى كل مناسبة.. أما سلاحهم الأكثر مضاء وصلابة، فكان استغلالهم للقوى السياسية التى أقحموها للتدخل – لأول مرة – فى شئون الكنيسة الداخلية، وهكذا أبعدوا خصومهم بوسائل عنيفة.. وأرغموا أثناسيوس على أن يبارح كرسيه خمس مرات.. وفى مرتين منها أقاموا أساقفتهم على هذا الكرسى.. وكان تفوقهم الساحق أكثر ثباتاً واستقروا فى أنطاكيا، بعد عزل الأسقف أوستاتيوس عام 330م.. وفى عام 360 أقاموا هناك صديقهم ميليتيوس الذى ما لبث أن أعرب فى الحال عن اتجاهه إلى قانون إيمان نيقية أما فى أسيا فكان نفوذهم أقل، ولو أن موقفهم هناك كان أكثر هدوءا، الأمر الذى لأجله كان موقف الأرثوذكسيين مرناً وفى القسطنطينية – على مدى أربعين سنة – خلف أربعة أساقفة أريوسيين الواحد الآخر.. وهكذا عندما صار غريغوريوس الثيئولوغوس أسقفاً للقسطنطينية أستقر فى بيت صغير للصلاة (Chapel)، لأن الأريوسيين كانوا قد أستولوا على جميع الكنائس، ولكن غريغوريوس خلص القسطنطينية منهم.. وفى الغرب حصلوا على نجاح محدود حيث أستولوا فقط على بعض مراكز هامة قليلة مثل المديولانيين وذلك لعدة سنوات قليلة فقط.. إلا أنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى كرسى أسقفية روما وكانت حالة المسيحية فى ذلك العصر تثير الحزن والأسى. فبينما أعطيت لها الفرصة لأول مرة لكى تمد كرازتها فى كل مكان، اضطر قادتها أن يهملوا ذلك قهرا. واضطروا للإنشغال بأمور عقائدية دقيقة كانت شوارع الاسكندرية تعج بإستمرار للاشتراك بالاساقفة الذين، أما كانوا يفدون نحو منفاهم وأما كانوا يتوجهون للاشتراك فى المجامع غير المكتملة. وفى وسط هذه المحازفات والمخاطر أظهرت قيادة الأرثوذكسية شجاعة مقترنة بدبلوماسية تجاه مضطهديهم، كما أظهرت تمسكاً شديداً بالتقليد والإيمان المسلم.. فكانوا أما ينادون بعقائدهم وينفون بسببها واما كانوا يحافظون على هذه العقائد ويمكثون فى أماكنهم كى يصونوا الإيمان الأرثوذكسى الذى لا يطفأ، ومن حول هؤلاء كانت خلايا المؤيدين المخلصين تصارع وتتصادم من أجل عقيدة مجمع نيقية ان مسئولية الدفاع عن هذه العقيدة كان لها أولاً: مجموعة القادة الأول: الكسندروس السكندرى. وأوستاتيوس الأنطاكى، وهوسيوس القرطبى.
ثم بعد ذلك بقليل وقع عبء الدفاع عن عقيدة نيقية على اكتاف القديس أثناسيوس الكبير الذى أدار النضال طيلة خمسين عاماً تقريباً.. معضداً أيضاً من الأباء الآخرين أمثال كيرلس الأورشليمى وسرابيون أسقف تيميس، وديديموس الضرير، وهيلاريوس البكتافى وأخيراً الآباء الكبادوكيين العظام: باسيليوس أسقف قيصرية وغريغوريوس الثيئولوغوس وغريغوريس النيصصى، أن هؤلاء اللاهوتيين – باستنادهم على حجج وبراهين من الكتاب المقدس والتقاليد الشرعية الصحيحة – قاموا بتجريد لاهوت أريوس من غطائه المتستر بالكتاب المقدس. وكشفوا أن الآريوسية إنما هى دراسة فلسفية جافة وعميقة تظهر الله بدون حياة أو حركة..
كشف أثناسيوس الكبير أن تعاليم أريوس أدت إلى أمرين غير لائقين:
1- أذاب التعليم بالثالوث القدوس ولاشاه، وفتح الطريق أمام الاعتقاد بتعدد الآلهة، إذ أنه سمح بعبادة المخلوق.
2- قلب "بناء الخلاص" كلية. فإن المخلص الذى أخذ على عاتقه خلاص البشرية يلزم أن يكون هو نفسه حاصلاً على ملء اللاهوت، ما دام قد أخذ على عاتقه أن يؤله الإنسان. فكيف يكون من الممكن أن الكلمة الذى يقوم بعمل التأليه لا يكون واحداً فى الجوهر مع الله؟ إن قمة براهين أثناسيوس هى أن المسيح لم يصر أبناً لله كجزاء لكماله الأدبى بل على العكس فإنه هو الذى إلهنا (بتشديد اللام) (أى جعلنا الها). فيقول أثناسيوس "لذلك إذن فالمسيح لم يكن انساناً وفيما بعد صار إلهاً، بل أنه كان إلها ثم صار إنساناً لكى يؤلهنا" (المقالة الأولى ضد الأريوسيين فقرة 39) وعلى الرغم من صرامته وحزمه لم يكن أثناسيوس متصلباً بل كان يعرف كيف يتدبر الأمر بتفهم وتسامح.. وعندما تخلص من الضغط السياسى الخطير عرض المشكلة بحذر ويقظة أكثر. ووضع موقف الأرثوذكسيين تحت الفحص. وعندئذ تحقق من قصور وعجز حججهم وسعى لكى يجد لها علاجاً.. فإن المطابقة المشار إليها سابقاً بين الاصطلاحين "اوسيا" (أى الجوهر). و"هيبوستاسيس" (أى القوام) صارت مقبولة فى الغرب بدون اعتراض. ولكن فى الشرق رأى كثير من اللاهوتيين أن فيها خطر البدعة "السابيلية". وأدرك أثناسيوس هذه الحيرة وقام بحركة توفيق فعالة أثناء مجمع الاسكندرية عام 362م حيث أقر بأن كل من لا يرغب فى الإعتراف بصيغة "الاوموأوسيوس" (أى المساواة أو الوحدة فى الجوهر)، ولكنه يقبل فى نفس الوقت بوحدة "الآب والابن فإنه يوجد على الطريق المستقيم. وقام بخطوة عوطة التسليم بالمبدأ الشرقى للثالوث مع التفريق بين معنى الاصطلاحين "أوسيا"، و"هيبوستاسيس" مع إضافة معنى "طريقة الوجود الخاص بالكيان" إلى "الهيبوستاسيس".. وهكذا فإن الله يكون من جوهر واحد ولكنه يوجد فى ثلاث أقانيم (هيبوستاسيس) أو أشخاص (بروسوبا)، وهذه الصيغة توسع فيها أكثر الأباء الكبادوكيوسن بعد ذلك.. ومن ذلك الوقت فتح الباب أمام جماعة "الهوميواوسيين". وأن غالبية الذين رجعوا وانضموا إلى أتباع مجمع نيقية الأرثوذكسيين، وصلوا أيضاً بعد ذلك إلى قبول مبدأ "الهوموأوسيوس" (التساوى أو الوحدة فى الجوهر) ولكن البعض من هؤلاء لم يكونوا على استعداد لقبول الاعتقاد بمساواة الروح فى الجوهر أيضاً (أى مع الآب والابن).. ولهذا السبب ضمن مجمع نيقية ضمن قانون الإيمان. مجرد عبارة "وبالروح القدس" بدون أية خاصية أو صفة أخرى، وكان هؤلاء يعتقدون بثنائى فقط فى الله بدلاً من الثالوث. ولهذا أطلق عليهم أسم "أعداء الروح" ولآنه كان يتزعمهم "مقدونيوس". الذى جرده "الأوميوون" من رتبته. لهذا أطلق عليهم أيضاً أسم "المقدونيون". وهؤلاء حكم عليهم بواسطة مجمع أنطاكية سنة 379م. والمجمع المسكونى الثانى بالقسطنطينية سنة 381م. ولكى يتجنب الاباء أى مخاطرات جديدة أو أى إساءة فهم للأمور. فانهم لم يستخدموا فى هذا المجمع الآخير أى اصطلاحات مثيرة، مثل "الهومواوسيوس" بل استخدموا عبارات متباينة وهى عبارات توضح "المساواة فى الكرامة". وهم فى هذا قد أتبعوا السياسة الحكيمة التى كان يسير عليها باسيليوس الكبير. ثم أصدر الامبراطور ثيئودوسيوس قراراً بوضع حد لهذا الصراع داخل امبراطوريته، فكانت النهاية الحاسمة، مما أدى إلى الاعتراف بشكل دينى واحد وهو المسيحية الأرثوذكسية التى أقرها "داماسوس" أسقف روما. "وبطرس" أسقف الاسكندرية. وبالتالى أنضم غالبية الآريوسيين إلى الكنيسة، أما البقية الذين تخلفوا فقد أنضموا على التوالى إلى بدع وهرطقات أخرى، وخاصة أنضموا إلى النسطورية وهى البدعة التى حاولت أن تنقص من ألوهية المسيح بطريقة أخرى.
ما بين بدعة آريوس ومجمع نيقية
تداعيات بدعة آريوس: علم الكسندروس بما علّم به آريوس وسمع اعتراض بعض المؤمنين على هذه التعاليم الجديدة. فدعا الطرفين مناقشة علنية بحضوره. فأوضح آريوس رأيه في الآب والابن والروح القدس. واستمسك خصومه بولادة الابن من الآب قبل كل الدهور وبمساواة الابن والآب في الجوهر. وأصغى الكسندروس إلى كل ما قاله الطرفان واثنى على جميع الخطباء ولكنه قال بولادة الابن قبل كل الدهور وبمساواته للآب في الجوهر وأمر آريوس أن يقول قوله ومنعه عمّا كان يعلّم به واعتز آريوس بمعلمه وبالأساقفة خارج مصر الذين أخذوا عن لوقيانوس وقالوا أقوالاً مماثلة. وبين هؤلاء افسابيوس اسقف نيقوميذية واسقف قيصرية فلسطين افسابيوس، وأسقف بيسان باتروفيلوس، وآيتيوس أسقف اللد وبافيلنوس أسقف صور وغريغوريوس أسقف بيروت وتثودوتوس أسقف اللاذقية واثناثيوس أسقف عين زربة في قيلقية. فرفض أمر سيده وامتنع عن الطاعة وعلم الكسندروس أن أساقفة مصر يقولون قوله فدعاهم إلى مجمع في الإسكندرية وأطلعهم على بدعة آريوس. وكانوا مئة فشجب ثمانية وتسعون قول آريوس وامتنع عن الشجب اثنان فقط. فقطع المجمع آريوس وهذين الأسقفين وستة قساوسة وستة شمامسة.
آريوس في فلسطين: وقصد آريوس أسقف قيصرية فلسطين أفسابيوس المؤرخ. وكان الأخير سيداً منظوراً وعالماً كبيراً، له نفس أفكار آريوس لكنه لا يجاهر بها. وقد يكون لم يتخذ موقفاً محدداً من عقيدة الثالوث الأقدس. فكتب إلى الكسندروس يلومه على تحريف أقوال آريوس، وأشار على آريوس بالكتابة إلى أسقف نيقوميذية لتبيان موقفه. فكتب آريوس إليه وحصر شكواه في أنه قُطع لأنه لم يقل أن الابن غير مخلوق. وافسابيوس أسقف نيقوميذية رُسم أولاً أسقفاً على بيروت ثم أصبح أسقف نيقوميذية. واتصل بقسطندية أخت قسطنطين وزوجة ليكينيوس ونال ثقتها فشفعت له عند أخاها قتقرّب من الامبراطور فخَّف لحاجاته واهتم بشؤونه.
آريوس في نيقوميذية: ثم أَمَّ آريوس نيقوميذية وعَمَدَ إلى أسقفها واستحمله أموره فنزل على افسابيوس مُقترح آريوس ولم يدخر عنه وسعاً وحرر إلى جميع الجهات وخصّ الأساقفة على تأييد آريوس. وجاء في نصه عبارات تشجيع على الجهر. ويقول سوزمينس المؤرخ أن افسابيوس أسقف نيقوميذية دعا إلى عقد مجمع محلي للنظر في قضية آريوس، واتخذ قراراً بوجوب قبول آريوس في الشركة ووجوب الكتابة إلى الكسندروس ليرفع الحرم. ورأي افسابيوس أن يكتب آريوس نفسه مبيناً عقيدته. فكتب كتابة لبقة جاء فيها أنه لم يعلم غير ما علمه الكسندروس وأنه حرم كل من حرمه سيده ورئيسه. وصنف في هذا الوقت نفسه رسالة دعاها "الثالية" وضمنها آراءه في الثالوث وبدأها بمدح نفسه فلاقت رواجاً في بعض الأوساط.
نشاط الكسندروس: هبّ الكسندروس للدفاع عن الإيمان القويم. فكتب إلى عدد كبير من الأساقفة خارج مصر، معلناً وحدة الكنيسة ووجوب تبادل الرأي بين الأساقفة، مبيناً موقفه وموقف المجمع المصري المحلي. وقد قام بإرسال هذا الكتاب إلى ما يقارب السبعين أسقفاً منهم أسقف أنطاكية، وأسقف حلب.
وتجاوزت البدعة إلى جميع الأوساط المسيحية في الشرق. وتراشق الخصمان القطع والحرمان. كثرت النشرات الآريوسية والردود عليها. ومشى استيريوس السفسطي المغالط من قبدوقية إلى جميع أنحاء الشرق يدعو إلى بدعة آريوس ويدافع عنها بالسفسطة. وكان قد ضحى للآلهة الوثنية في أثناء الاضطهاد العظيم وتاب وأحب الالتحاق بالاكليروس فمُنع فازداد سخطاً ومعارضة وكان المجمع المحلي الذي عُقد في نيقوميذية قد كتب إلى الكسندروس ليرفع الحرم عن آريوس وأتباعه. فامتنع عن ذلك. فاجتمع الاساقفة الأنطاكيين أمثال أفسابيوس القيصري وبافلينوس الصوري وترفيلوس البيساني وغيرهم في قيصرية فلسطين ومنحوا آريوس وجماعته حق الرجوع إلى ممارسة الأسرار. فتسلح آريوس بهذا القرار وعاد وجماعته إلى الإسكندرية ونظم الأغاني والأهازيج وعممها فحفظها أناس من جميع الطبقات وتغنوا بها. وسرت العدوى إلى السفلة فاندفعوا يرددون هذه العبارات في الاسواق والشوارع.
موقف الأمبراطور قسطنطين: لما علم بالخلاف، تألم وغضب واستشار في هذا الأمر صديقه القديم الشيخ التقي هوسيوس أسقف قرطبة. ولم يدرك أهمية النزاع العقائدي وصلته بألوهية السيد المخلص. وقرر الصديقين أن يرسلا كتاباً إلى الكسندروس وآريوس وعلى قيام هوسيوس بنفسه بالذهاب إلى الإسكندرية للتحقيق في القضية وإدلاء النصح للطرفين ووصل هوسيوس إلى الإسكندرية فوجد الأساقفة مجتمعين للنظر في بعض الأمور المحلية، ولا بد وأن قضية آريوس كانت مطروحة للنقاش، حيث أننا لا نعلم الكثير عن هذا المجمع. واتصل هوسيوس بالطرفين وعاد إلى نيقوميذية فتبعه كلاً من الأسقف الكسندروس وآريوس.
مجمع أنطاكية: (324-325) توفي فيتالوس أسقف أنطاكية في سنة 319 وخلفه فيلوغونيوس، بعد وفاة زوجته. وانصرف إلى خدمة الكنيسة بخوف الله وعاد بعدد وافر من الجاحدين إلى حظيرة الخلاص. وقاوم اضطهاد ليكينيوس وتحمل الشدة واُعتبر معترفاً. وأحزنه أمر آريوس فبذل وسعه في محاربة هذه البدعة وراسل الكسندروس مثبتاً. ثم رقد بالرب في الرابع والعشرين من سنة 324فخلا مكانه، وهرع الأساقفة إلى أنطاكية للتشاور في أمر الخلافة الرسولية. فاجتمع في عاصمة المسيحيين ستة وخمسون أسقفاً. فتشاوروا قي أمر آريوس وبدعته وسلّموا عكاز الرعاية إلى افستاثيوس أسقف حلب الذي اشتهر بصحة عقيدته وتأييده لألكسندروس. واتخذوا لمناسبة البحث بدعة آريوس قراراً جاء فيه أنهم يقولون بإله فائق القدرة أزلي لا يتغير خالق السماء والأرض وكل ما يوجد فيه وبربٍّ واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور واعترض على هذا القول ثلاثة أساقفة وهم أفسابيوس أسقف قيصرية فلسطين وثيودوتوس أسقف اللاذقية ونرقيس أسقف بانياس. فقطعهم المجمع لمدة معينة. ثم أقر نص الرسالة السلامية ووجهها إلى اسقف رومة وغيره من رؤوساء الكنائس وإلى عدد كبير من الأساقفة ويرى بعض رجال الاختصاص أن أنطاكية سبقت غيرها إلى فكرة المجامع المسكونية وأن هذا المجمع نفسه اقترح دعوة أساقفة الشرق وآسية الصغرى ومصر والغرب إلى مجمع مسكوني في أنقيرة للبت في قضية آريوس. ويستند هؤلاء إلى نص العبارات التي قُطع بها الأساقفة الثلاثة. وجاء في بعض المراجع أن لالكسندروس تعود فكرة المجامع المسكونية. وهناك أقوال ولكنها ضعيفة في أن لقسطنطين الكبير تعود فكرة المجامع المسكونية.

عدد الزيارات 487

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل