
ﻓﻲ اﻟﺘاريخ الإنسانى تعتبر اﻟﻨار أحد مكونات نظرية العناﺻﺮ الأربعة وﻫﻲ:
اﻟﻤاء– اﻟﻬواء– اﻟﻨار– التراب ولیس المقصود في ھذا المقال "النار المادیة" التي تدمر وتحرق وتترك كل شيء رمادًا كما في الحرائق التي تحدث لأسباب مادیة أو بیئیة، مثل حرائق الغابات والتي تأكل ملایین الأشجار بسبب تغیرات المناخ، أو ثورة البراكین والحمم المحرقة التي تفیض منھا وتدمر كل شيء إنما المقصود من ھذا المقال النار المعنویة التي یشعلھا اللسان الذي كتب عنه یعقوب الرسول في رسالته قائلاً: "فَاللِّسَانُ نَارٌ عَالَمُ الإِثْمِ" (یعقوب ۳: 6) وقدیمًا قال سفر الأمثال ( ۱۸: 21) "اَلْمَوْتُ وَالْحَیَاةُ فِي یَدِ اللِّسَانِ" إن الإنسان كائن ناطق یتواصل من خلال الكلام والاستماع والقراءة والكتابة، وھذا ھو سر حضارة
الإنسان، لأننا في المقابل مع سائر الكائنات الحیة الأخرى من نباتات وحیوانات والتي لیس لدیھا لسان الكلام وبالتالي لیس لدیھا أي حضارة على مستوى تاریخ الوجود البشري وتكمن أھمیة اللسان بأھمیة النار في التأثیر والحضور والبناء والھدم وبه نبارك الله وبه نلعن الناس المخلوقین على صورة الله (یعقوب ۳: 12)
وﻳﺨصص القديس يعقوب الرسول أصحاحًا ﻛﺎملاً عن اللسان ويصفه بصفات عديدة مثل
عضو صغير يفتخر متعظمًا– ﻋﺎلم الإثم– يدنس اﻟﺠسم ﻛﻠه – يضرم (يشعل) دائرة ا لكون يضرﺮم من جهنم – هو ﺷﺮ لا يضبط – ﻣﻤلوء سُمًا ﻣﻤيتًا - ... إلخ.ولكن یتربع على ھذه الصفات كلھا أنه "نار" فعلیة تستطیع أن تشعل النفوس والقلوب والعقول وتحرق وتبید وتدمر وھكذا یكون الاستخدام السئ للسان فاللسان البذيء یصدر الكذب والغش والریاء والاغتیاب والنمیمة، كما أنھ أفعى (مز۱٤۰: 4) وھو موسى مسنونة (مزمور ٥۲ :2) ، وسیف حاد (مز ٥۷ :5) ، وسھم قاتل (إرمیاء ۹ : 7, 18:18)وصارت أكاذیب اللسان في كل العصور سھام شریرة توقد نارًا بین الأفراد والجماعات والشعوب والأمم حتى حذَّر منھا السفر الأخیر في الكتاب المقدس حین وصف الفئات الثمانیة التي لا تدخل إلى حضرة الله: "وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَیْرُ الْمُؤْمِنِینَ
وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِیعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِیبُھُمْ فِي الْبُحَیْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ
وَكِبْرِیتٍ، الَّذِي ھُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي" (رؤیا۲۱ : ۸) ثم یؤكد في الأصحاح الأخیر من نفس السفر على ذلك بقوله "لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالقْتَلَةَ وَعَبدَة الأوَثاَنِ، وَكلُ مَنْ یحُبِّ وَیصَنعَ كَذِباً"(رؤیا ۲۲ :15)
وبسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات العدیدة على شبكة الإنترنت وانتشار أجھزة التلیفون المحمول (الموبایل) والتي تعد بالملیارات في أیدي الصغار والكبار صار الكذب بكل صوره وأشكاله وأحداثه ھو الطاغي في عالم الیوم بین الناس، ووجد "اللسان البشري"وسیلته البارعة في نقل ونشر الكذب على كل
المستویات بدءً من الأخبار الدولیة والمحلیة وانتھاءً بعملیات النصب والسرقة بین الأفراد والعصابات ونسمع عن الأمن السیبراني الذي یھدف إلى حفظ البیانات بدلاً من تزویرھا واستخدامھا بصورة سلبیة في شتى المجالات.
في بدایة الكنیسة المسیحیة وبعد یوم الخمسین سجل الكتاب المقدس قصة حنانیا وسفیرة زوجته كمثال صارخ عن حالة الكذب وإخفاء الحقیقة طمعًا في المال والكرامة والشھرة. ولكن كان العقاب قاسیًا إذ ماتا بسبب كذبھما (أعمال٥ :1-11) وعالم الیوم صار فیه الكذب شائعًا بصورة مرعبة بین الأخبار والرسومات والتسجیلات والفیدیوھات وغیرھا، ودخل الذكاء الاصطناعي في ھذا المیدان مما صعب حالة الضلال وعدم
التمییز بین ما ھو صادق وما ھو كاذب وصارت الكذبة الأولى في أي موضوع تؤدي إلى الثانیة ثم الثالثة وھكذا حتى صار "الكذب السلس" ھو الذي ینزع وخز الضمیر شیئًا فشیئًا حتى یصیر الإنسان بلا ضمیر ویصیر عالمه والھواء الذي یستنشقه ھو الكذب والغش والضلال ومن صور نار اللسان ما تصفه كتابات بعض المواقع ووصف شخص بأنه "ھرطوقي"، والكلمة اتھام قاسي یصف الشخص الذي یبتدع في الإیمان
والعقیدة بأقوال غیر صادقة وكاذبة بل ومنحرفة ولكن ھذا الاتھام الذي یخص سلامة الإیمان لیس من حق أي إنسان أن یصدره، تمامًا مثل القاضي فقط ھو الذي یصدر حكمًا ما في حق إنسان متھم أمامه أما إطلاق ھذا الوصف على إنسان ما فھو یشیع ویشعل نارًا حوله سرعان ما تنتشر دون تحقیق أو تدقیق إن الجھة الوحیدة التي لھا حق إطلاق ھذا الوصف "ھرطوقي" على شخص ما ھو المجمع المقدس في الكنیسة وبإجماع أعضائه وبعد تحقیقات عدیدة یتاح فیھا الفرصة للشخص بالدفاع عن نفسه أما الكتابات والمواقع التي بسبب ألسنة أصحابھا تطلق ھذا الوصف أو غیره عن أي إنسان فھي تشعل أخطر نار مدمرة ومحطمة لحیاة إنسان وأسرته وعائلته.
يا صديقى لسانك نار إن استخدمته كذبًا وضلالاً ضد آخر،واعلم أنه بكلامك تتبرر وبكلامك تدان، فاحذر هذه اﻟﻨار التى لا ﺗﺨمد ﺳريعًا بل تمتد من زمن إﻟﻰ زمن،ولا تشترك ﻓﻲ مثل هذه الأﻛﺎذيب التى إن صنعتها فقدت نصيبك السماوي ومن ﻟﻪ أذنان للسمع فليسمع وﻳﺤذر
قداسة البابا تواضروس الثاني