
.تتضمن تبكيت النساء على التزين بحلى الذهب والاعراض عن التجمل بالأعمال الصالحة مرتبة على فصل الخاطئة ( لو ۷ : ٣٧-٥٠ )
إلا تنظرين ايتها المرأة إلى سيرة النساء اللواتي كن في القديم وكيف اجتهدن في تحصيل زينة النفوس الناطقة لا الأجسام البالية حتى استحقت بعضهن بذلك أن تمسك قدمى سيدنا له المجد لكنى أقول لكن أيتها الحاضرات إن أنتن فعلتن جميع ما ينبغى بحب ونشاط نلتن أعظم مما نالته غيركن لأنكن إذا أخذتن من السرائر المقدسة باستحقاق فقد وصلتن إلى أعظم المواقف السماوية وليس هذا فقط بل وستنظرن المخلص أتيا بذلك المجد الذى لا يوصف وتسمعن صوته الفرح القائل: "تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" فالأليق بك أيتها اللابسة حلى الذهب أن تضمى قونك وتتزيني بحلى أولئك إذا لا منفعة لك في أن تلبسي ثيابا فاخرة وتعلقى في عنقك الجواهر النفيسة وتتخذى الأساور ليديك والأقراط الذهب لأذنيك. وأشياء اخر كثيرة تتحلين بها مما لا تدعو الضرورة. فإن قلت أن النفس تسر بذلك وتطرب قلت إني لا أسأل عما يسر النفس الحيوانية ويطربها بل عن الضرر الحاصل بسبب لك الزينة اللحمية لأنه لا شئ في العالم أشد على النفس العاقلة من التشاغل بالأمور الفانية والاغتباط بها والتمسك بشدة عليها لأن السرور بالزائلات هو تعبد لها وإذا كنا إلى الآن تؤثر الفانيات على الباقيات فمن نوجد رافضين لها وضاحكين على المتهاتفين عليها ؟ لأن المقيمين في السجون إذا وجدوا متلذذين بحالهم تلك فكيف يكرهون المقام فيها ؟ ويتحايلون على الخروج منها وهل يطلب البقاء بها إلا الاراذل من الناس والاشقياء الذين لا بيوت لهم ولا مستقر ولكن الذين يعلمون أن لهم بيوتا مشيدة مزينة ويرون أنفسهم في السجون فإنهم يبذلون أموالهم ويصانعون الولادة والحكام ليبرروا خروجهم من هناك. يأمروا برجوعهم إلى منازلهم. وقد علمت أن الدنيا هي سجن المؤمن فكيف يجوز للعقلاء الالتذاد بالسجون إلا إذا أهملوا ذواتهم وأخربوا المنازل التي كانت لهم هناك مهيأة. فأخبريني الآن أيتها المرأة ما هي فائدة اتخاذك الحلى هنا ونحن مقيمون في السجون؟ فإن قلت أفعل هذا لكي أفوز وأظفر بالكرامة من الناظرين لي قلت وهذه علة لفساد آخر فضلا عن التشامخ والتفاخر والاعجاب وانكسار قلوب المقلين. لان الأصحاب والأقارب من النساء يتشوقن إلى مثل ذلك. فيحزن ويندبن ويشوشن بيوتهم ويرتكبن شرورا كثيرة لا نهاية لها. ويكلفن رجالهن جميع الاموال من غير وجوهها. ويحملنهم على السرقة والظلم وسائر الشرور الردية. فها قد سألتك عن المنفعة الصالحة فأجبتنى بمضرة تستلزم شرورا كثيرة تنتج من ذلك. ولقد خرجت من حين الانسانية وصرت كالنسور الطائرة نحو السماء. أو مثل الكلاب والخنازير الذين يبحثون في الأرض. ويتهافتون على الأوساخ ورمم الأموات وعظامهم. فإن قلت إنني عند المضى إلى الكنيسة أجوز بالطرق فأريد أن أكون عند الناس بزى الوقار . قلت وهذه أعظم الحالات شرا. ولهذا السبب بعينه ما كان ينبغي لك أن تلبسى ذهبا ولا حريرا لتميلي إليك أبصار الفاسقين. وتسرع اليك نواظر الزناة والاشقياء والمتنعمين فتصيرين مشهدا وملعبا . بل وتفتحين أفواه الكثيرين من الناس باللعن والسب على الأهل والأقرباء. وبناء على ذلك قد حصلت عوضا على العز على الهوان والخسران وحينئذ تدخلين الكنيسة وتخرجين بأوزار لا يحصى عددها. وتكسبين أعظم خسرات اسمعى قول الله على لسان أشعياء النبي: "من أجل أن بنات صهيون يتشامخن ويمشين ممدودات الاعناق وغامزات بعيونهم وخاطرات في و غازات مشيهن ويشخشخن بأرجلهن يصلع السيد هامة بنات صهيون ويعرى الرب عورتهن ينزع السيد في ذلك اليوم الخلاخيل والضفائر والأهلة. والحلق والأساور والبراقع والعصائب والسلاسل والمناطق. وحناجر الشمامات والأحراز. والخواتم وخزائم الأنف. والثياب المزخرفة والعطف والأردية والأكياس. فيكون عوض الطيب عفونة وعوض المنطقة حبل وأرجوهن جميعا أن يسمعن قول بولس الرسول الموجــه لهن وهو : كذلك أن النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل. لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن. بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة فلا يجوز استعمال حلى الذهب والفضة مطلقا في بيت الله ومجامع المؤمنين. لأنه ينسب لصاحبها الجفاء وقلة الانسانية. إذ أنه يكسر قلوب البائسين والملقين وأمثالهم. ويورث صلف النفس وعلوها. ويجلب الفساد والهلاك. فانظرى يا هذه كم كنت تشبعين بهذا المنظر الكاذب من بطون الجياع؟ كم كنت تسترين من أجسام العراة؟ كم كنت تطلقين من المأسورين والمعتقلين؟ كم كنت تفرحين به عن المتضايقين؟ لأنه أفضل لك كثيرا أن تنظرى في مصالح البائسين من أن تتقبى الآذان وتعلقى عدة من الأقراط مما لا يحتاج اليها. فإن كنت إنما تتخذين ذلك للمدح والشرف فانزعيها الآن واصرفيها فى مصالح المحتاجين. وانظرى كم من المديح تتقبلين من الله والناس. وكيف يتناقل شكرك بالأخبار والسير وتتشرفين وتزيدين علوا. ولو قارنوك إذ ذاك بمن لبس كثيرا من حلى الملوك لكان جمالك عند الحاضرين أكثر. لكنك والحالة هذه أنت مهيأة لكل هجو. وقد صرت سبيا لأحزان كثيرين لأنه لو سقطت لؤلؤة من عقدك على الأرض أو بين الجموع كيف كنت تشوشين بيعة الله؟ وكم يلحق الآخرين من الحزن والكآبة؟ وكم من الرجال يتعبون؟ وكم من النساء يتهمون بسببك؟ وحينذاك تكثر الضجات والمخاصمات والمحاكمات واللعنات التي لا يحصى عددها. وياليتك يا هذه لا تقولين إنك جئت لتقتربى إلى المسيح وأنت متزينة بما يأباه ويبغضه. معرضة عما يرضيه ويسره لانه لا يقدر اللابسون مثل هذه أن يدنوا عن علو مجده لأن أصل الذهب وما يتبعه إنما هو التراب وهو عائد اليه بطبعه فلا يجوز والحالة هذه الافتخار بالأرضيات. لكن إن أردت الدخول إلى الكنيسة المقدسة والاقتراب من السيد القوى. فألبسى حلل أولئك النساء الطاهرات أعنى الرحمة والمحبة والاتضاع وخشية الله والعفاف والطهارة وأمثال هذه. ولست أقول هذا لتسمع النساء فقط. بـــــل وليسمع أزواجهن أيضا ويخاطبوهن كما ينبغى. وإذا كان الافتخار بالزينة العالمية
غير لائق بالنساء. فبالأحرى أن يكون بالرجال عارا وخزيا. فسبيلنا أذن أن نبتعد عن الزينة الفانية ونحافظ على التجمل بالباقيات لنفوز بملكوت ربنا يسوع المسيح الذى له المجد دائما. آمين
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية