
تتضمن مدح أهل مصر ورهباتها مرتبة على قول الملاك ليوسف في الحلم بفصل اليوم قم وخذ الصبى وأمه وأهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك ( مت ٢ : ۱۳-۲۳ )
يا أحبائي إن مصر لما قبلت سيدنا يسوع المسيح سائرا إليها أولا فقد أصبح ملك المسيح فيها مشرقا وتعليمه بها لامعا وذلك السحر الذي كان ثابتا فيها وصادرا عنها مبطلا وتهاونت بحكمائها الأولين وبكتبهم وطلاسمهم وسارت تتشرف بالخيمي والعشار والصيادين وتتلوا نهارا وليلا رسائلهم وبشائرهم ويصدروا في كل جهاتها صليب سيدهم وهذا لم يوجد في مدنها وقرأها فقط بل وفي براريها وجبالها بالأكثر فأنه قد صار براريها ربوات ملائكة في أشكال إنسانية وجيش مسيحي وقطيع ملكوتي ومذهب القوات العلوية وهذا موجود في بلاد مصر ليس من الرجال فقط بل من النساء أيضا فليست السماء بهية بنجومها وافلاكها مثل بهاء برية مصر برهبانها ومساكنهم فى جميع جهاتها وبهذا يعرف قوة الشريعة المسيحية كلا من كان قد عرف حال مصر قديما بل أن أثار كفرها وجنونها تدل على ما بطل منها من ذلك كما أن أجتهادهم الآن في عيشتهم الروحانية وفلسفتهم فى سيرتهم السمائية تدل على ايمانهم القوى واملهم العلوى لأنهم تجردوا من قناياهم كلها وصلبوا انفسهم عن العالم كله وكدوا في أعمال الجسد لتكون لهم كفاية للقيام بطعام المحتاجين وعندما صاموا نهارهم وسهروا ليلهم يطلبوا البطالة بل قطعوا لياليهم بالتسبيح وصرفوا كل ايامهم في الصلوات وفي عمل أيديهم متشبهين في ذلك ببولس الرسول أفما نخجل نحن يا أحبائى الموسرين منا والمفترين من كون أولئك الزاهدين لما لم يمتلكوا شيئا سوى أعضاء بدنهم أجتهدوا أن يجدوا من هى الجهة عونا للمحتاجين ونحن لا نسعف المتضايقين ولو بفضلة مما هو مخزون في منازلنا لقد كان اولئك المصريون أسرع مبادرة من غيرهم إلى غيظهم وأشد الناس كلهم مثابرة على لذة جسمهم وهذه لما أعتادها اليهود عندهم صاروا يتذكرونها ويطلبونها حين مفارقتهم وارتحالهم عنهم إلا انهم لم تسلموا نار المسيح باشارهم صاروا في الامور الروحانية كما كانوا في الأمور الجسدانية وانتقلوا من الأرض إلى السماء وتركوا السيرة البهيمية الشيطانية وتشبهوا بالسير الملائكية ومن ذهب إلى مصر يعرف بالمشاهدة صحة ما قلناه ومن لم يمضى فليتفطن في حال السعيد انطونيوس الذي فرعته مصر بعد الرسل الباقى إلى ألان في أفواه المؤمنين كلهم الذي لم يندر من كونه في البلد الذى كان فيه فرعون لكنه اصبح اهلا للمناظر الإلهية وأظهر المذهب الذى تقصده شريعة المسيح والكتاب المدونة فيه سيرته يوضح ذلك ويتضمن ما ينبئ به من المضرة الكائنة من سقم أريوس فهذا الفاضل ( القديس انطونيوس )وأمثاله برهبان يشهد لنا بفضل شريعتنا. إذ لا يوجد أحد من الخارجين عن ديننا بهذه الصفات وأنا اسالكم أن تتصفحوا كتاب هذا القديس لتتعلموا فلسفته وان تجتهدوا بأن تماثلوه في اجتهاده. فقد علمتم أنه لا جودة البلد ولا فضل الأباء ولا رداعته وخستهم يمنعنا إذا شئنا التفلسف أو يوجبه علينا فأبراهيم كان ابوه كافراً ولم ! ولم يوجب له هذا تجاوز الشريعة. والثلاثة فتية كانوا في بابل. وكان طعام ملكها بقدم لهم. ولم يمنعهم هذا من تمسكهم بفلسفتهم وأظهارهم لها. ويوسف كان في وسط مصر في زمن جنونها لكنه تكلل بعفته. وقد تربى موسى أيضاً فى مصر حين تمردها. وبولس ورسل ربنا بشروا المسكونة وما حصل لواحد منهم تأخير في سعي فضيلته فسبيلنا يا أحبائى أن ندافع المدافعات ونمارس المجاهدات لنتمتع بالنعم الدهرية بمعونة ربنا والهنا يسوع المسيح الذى له التسبيح والقدرة والجبروت والمجد دائماً أبدياً أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية