انجيل قداس الأحد الثالث من شهر طوبة

26 يناير 2025
Large image

تتضمن ذم رذيلة الحسد مرتبة على قول تلاميذ يوحنا المعمدان له بفصل انجيل اليوم "يا معلم هوذا الذى كان معك في معبر الأردن الذى أنت قد شهدت له هو يعمد والجميع يأتون إليه فقال لهم أنتم أنفسكم تشهدون لى أنى قلت لست أنا المسيح بل اني مرسل امامه ينبغى أن ذلك يزيدةوأنى أنا أنقص " ( يو ٣ : ٢٢ - ٣٦ )
إن تلاميذ يوحنا لما رأوا أقبال الناس على المسيح لنوال معموديتة. تباحثوا مع بعض اليهود المتتلمذين للمسيح قائلين " هل معمودية المسيح أفضل من معمودية يوحنا أو بالعكس وأيهما أوفر قداسة وتطهيرا ؟ وذلك لخوفهم على مركز معلمهم ولحرصهم على شرفه وغيرة منهم جاءوا إليه وقالوا له " يا معلم هوذا الذي كان معك في عبر الأردن الذى أنت قد شهدت له هو يعمد والجميع يأتون اليه " أملين أنه يمنعه من أن يعمد فأجابهم يوحنا مذللا عجرفتهم ومؤيدا ما كان قد قاله قبلا " لا يقدر انسان أن يأخذ شيئا إن لم يكن قد أعطى من السماء " أي أن يسوع قد أعطى ذلك من الله وأنا يكفيني أن الله أعطاني أن اكون سابقا له ومعدا طريقه وأني اسر واريد أن أحيا وأموت كذلك فلا تظنوا أنى أحسده ألا تعلمون هذا وأنتم أنفسكم تشهدون لى أني قلت لكم أنى لست أنا المسيح بل أني مرسل أمامه لأعـــــد الناس لسماع إنذاره وأعلمهم الاعتقاد به و" ينبغى أن ذلك يزيد وأني أنا انقص " أي يجب أن يعظم قدر المسيح بتقاطر الناس إليه وبشهرته وتعليمه وسلطته وكثرة عجائبه وعلو مجده ليعلم العالم أنه المسيح فيحبه ويتبعه ويعبده أما أنا فينبغي لــــي أن أنقص إذ يعرف العالم أنى خادم وسابق له كنجمة الصبح التي يأخذ ضوءها بالانتقاص كلما زاد بزوغ الشمس فإن قلت وما الذى دفع تلاميذ يوحنا لأن يقولوا له " هوذا الذي كان معك يعمد والجميع يأتون اليه " أجبتك إنما هو الغيرة أو هو الحسد إذن لا توجد خطية تفرق الإنسان من الله والناس مثل خطية الحسد لأن هذا المرض هو أشد خبثا من محبة الفضة لكون محب الفضة يفرح متى ربح شيئاً أما الحسود فيفرح متى خسر أحد شيئا أو ضاع تعبه سدى ويحسب عسر الغير وخسرانهم ربحا له فهل يوجد أشر من هذا؟
انظر كيف أن الحسود يهمل شروره وببحث عن شرور الآخرين ؟ولا يحصل له من ذلك غير التحرق والاضطراب ويحرم ذاته من ذاك التعيم الشهى في الفردوس و مالي أقول الفردوس فإنه في هذا العالم أيضاً لا يحصل له خير ولا نعيم وكما أن الأرضه تأكل الخشب والعث يفسد الصوف هكذا الحسد فإنه يذيب عظام الحسودين ونفوسهم ويفنيها معاً أولئك الذين هم أشر من الوحوش وأخبث من الأبالسة لأن غضب الوحوش يكون إما من احتياجهم للغذاء أو من اضطرابهم وقلقهم منا لكن الحسودين إن أحسن اليهم أحد يكون كأنه ظلمهم أما الأبالسة فإنهم يكونون أعداء ألداء شديدي الخضومة نحو أبناء البشر ولكنهم مع امثالهم وشركائهم لهم محبة مفرطة وذلك بخلاف الحسودين فإنهم يهربون من مكالمة أهل طبيعتهم وبالأكثر انهم لا يحبون خلاصهم فلهذا وغيره أقول لكم إنه ولو كان أحدنا يصنع الآيات والعجائب أو يكون حافظاً للبتولية أو كثير الصوم او يكون باسطاً كفيه بالرحمة، أو ينام على الحضيض أو غير ذلك مما يوصله إلى فضيلة الملائكة وكانت فيه ألام الحسد فهذا لا محالة يكون أشر جميع الخطاة لأننا إذا كنا نحب من يحبنا وليس لنا أجر أكثر من الأمم فكيف إذن يكون حال من يبغض الذى يحبه ويحسده؟ وأين يكون مستقره ؟. غير ممكن أن تتواتر الأخبار عن أحد يأنه شرير ما لم يسبب هو بذاته تلك الاسباب لأن كثيرين من هؤلاء يسقطون فى اليأس فنمتلئ نفوسهم اكتئابا وتمزقهم أسواط غيظهم وألمهم وكلما محسودهم زادت غصتهم ونسوا ماهم فيه من النعمة واسباب الهناء وتشاغلوا في ذكر ألاء محسودهم ثم عادوا يستكبرونها ويتألمون منها كانها نصال حادة تجرح فؤادهم فيبيتون والأرق مصاحبهم ويصبحون والأسى ملازمهم كل ذلك والحسود في دعة من العيش لا يشعر بشئ من هذه الألام فما أعدل الحسد لأنه يقتل الحسود قبل أن يصل إلى المحسود فاستيقظ أذن أيها الحسود من نومك وانتبه إلى ما صرت اليه فإن الحسد قد جعلك تسر بضرر أخيك بالطبيعة وتحزن لحصوله على الخير بهذا قد جردت نفسك من الانسانية وصرت شبيها بالخنافس التي تضرها رياح الورد وتنعشها روائح المزابل وإلا فقل لى إذا كنت قد ظلمت من أولئك فلماذا تظلم أنت نفسك أيضا! اما تعلم أن من جازى شرا بشر ففى ذاته يجوز السيف فإن أثرت انتفاع نفسك والإحسان إلى ذاتك فقل للذي ظلمك إنك وإن تكلمت على شرا فانا لا اعتقد أنك عدو لي ولا تتكلم على أحد بالردى أبدا لئلا تدنس ذاتك وتهلك نفسك إن الحسد أرسل هابيل سريعا من غير اختياره ليمثل بين يدي الله عندما

قتله قايين أخوه ما الذى أضر بيعقوب حينما حسده أخوه عيسو لقد كان يعقوب ممتلئا من الخيرات أما عيسو فقد كان مطرودا من وطنه يجول البلاد الغريبة ولم يصحبه سوى الحسد وما الذي استطاع أن يفعله أولاد يعقوب بيوسف المحسود منهم وقد وصلوا إلى سفك الدم أليس أنهم كادوا يموتون جوعا وقد أصابتهم كل مصيبة أما يوسف فقد صار ملكا متسلطا على مصر وكل تخومها؟ إلا تعلم أيها الحسود انك بمقدار ما تحسد أخاك الانسان تسبب له خيرات جزيلة وتعد لنفسك عقابا مؤلما مع الشيطان مدبرك لأن الله فاحص القلوب والكلى ينظر أفعالنا جميعا سواء كانت شريرة أم صالحة فإذا رأى المظلوم صابرا شاكرا ضاعف له الاحسان أكثر من الأخرين وعاقب الظالمين بزيادة وإذا كان عقابه يعم البخلاء والقساة فكم بالحرى يكون عقابة للحسودين؟
وإن كنت تحب من يحبك فأى فضل لك؟ إذ ان العشارين والخطاة يصنعون مثل ذلك وإن أبغضت من يحبك فأى عفو أو غفران يحصل لك؟ لا عفو ولا غفران لك لأنك تحزن لأجل الخير الواصل لأخيك وقد كان يجب عليك أن
تحزن على الذين يصيبهم شر لا على الذين يحصل لهم الخير فيا للعجب !!! لإن الزاني يتورط فى الخطا طمعا في لذة جزئية والسارق يستند على الحاجة والفقر فأى عذر لك تقدمه أيها الحسود؟ لا شئ بل إنما هو
مضرة وشر عظيم إن الشيطان لا يحسد الشيطان بل يحسد الناس فقط أمام الانسان فأنه يحسد الانسان فالحسد إذن خطية عظيمة وهو يؤول غالبا لخير المحسود ولنور لكم ما يثبت ذلك:- ١- خبر قتل قايين لهابيل أخيه الوارد ذكره في الاصحاح الرابع من سفر التكوين. ٢- خبر يوسف الذى كان أبوه يعقوب يحبه أكثر من جميع أخوته ولذلك حسدوه وأبغضوه حتى أنهم ما كانوا يكلمونه ولا بكلمة السلام ثم طرحوه في بئر لا ماء فيها فأخذته قافلة الاسماعيليين وباعته لخصى فرعون فنال حظوة فى عينى سيده وبالاجمال اتصل خبره بفرعون فجعله سيدا على كل أرض مصر وجاء أخوته وسجدوا له وهم لا يعرفون. ٣- خبر شاول الذى لما سمع بنات اسرائيل يغنين لداود لدى رجوعه من قتل جليات الجبار قائلا: " قتل شاول ألوفه وداود الربوات " غضب وأضمر له شرا من ذلك الحين ولكنه لم يصبه بشر لأن الله كان معه وأخيرا مات شاول وجلس داود على أريكة الملك عوضا عنه.وغير هذا كثير من الحوادث التي تنبئنا بأن الحسود لا يسود أبدا ولا ينال من حسده لغيره سوى الاضطراب الدائم والحزن الشديد ثم الموت مغبوطا عليه في الدنيا والآخرة فسبيلنا أيها الاحباء أن نقاتل هذه الرذيلة بالتواضع ومحبة القريب والابتهال اليه تعالى بتواتر أن يقلع جذور خطية الحسد من قلوبنا حتى تنجو نفوسنا من شرها له المجد إلى أخر الدهور كلها أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية

عدد الزيارات 115

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل