انجيل قداس أحد الرفاع الكبير

23 فبراير 2025
Large image

تتضمن الحث على الصوم واثباته من أقوال الله مرتبة على قوله تعلى بفصل الإنجيل"متى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين. فانهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا للناس صائمين ( مت ٦ : ١-١٨ )
نتعلم من فصل إنجيل اليوم أيها الأحباء أربع فضائل الأولى الصدقة. وقال فيها السيد له المجد " أحترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكى ينظروكم. وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم "الثانية الصلاة وقال فيها: " متـــــى صـليـــت كالمرائين فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس" الثالثة عدم الحقد وقال فيها: " إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً ابوكم السموى وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم والرابعة فضيلة الصوم وقال السيد له المجد فيها " متى صمتم فلا تكونوا كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا لللناس صائمين الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم وأما انت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذى يرى في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية هذه هي الأربع فضائل التي ورد ذكرها بفصل انجيل هذا اليوم. وبما اننا غداً نبتدئ صوم الأربعين المقدسة فوجب علينا أن نجعل فضيلة الصوم موضوعاً لعظتنا إن الله جل وعز خلق آدم وحواء ووضعهما في جنة عدن وأوصاهما أن يأكلا من جميع شجر الجنة ماعدا شجرة " معرفة الخير والشر " فلا يأكلان منها لأن يوم يأكلان منها موتا يموتان ولكن الشيطان دخل في الحية وخدع حــواء بقوله لها " أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة فقالت المرأة للحية من ثمر شجر الجنة نأكل وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا فقالت الحية للمرأة لن تموتا بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر فأخذت المرأة من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل هكذا تمكن الشيطان بواسطة الحية فأسقط الجدين الأولين آدم وحواء في الفساد وها هو ينصب شراكه للجنس البشرى كل يوم ليلبسه الخلاص الذي ناله بتجسد ابن الله وموته حتى يهوى به إلى مقر التعب والشقاء وها هو يغرى صدور الناس تارة بأن الصوم ليس وصية من الله وتارة أن يضر الصحة وتارة غير ذلك حتى قام البعض في هذه الأيام ينكر ويحتقر الصوم ويقول إنه لم يذكر ضمن الوصايا العشر ولا أوصى به السيد المسيح ولا الرسل القديسون وما هو إلا ترتيب بعض النساك والزهاد من الرهبان المقيمين فى الجبال والبراري وان من صام حسنا يفعل ومن لم يصم لا يخطئ فهم إذن لا يعترفون بأن الصوم لازم للخلاص ويجب علينا حتما أن نثبت لهم خطأهم فنقول:
أولا - من الطبيعة كما أن العود الطيب الرائحة لا تفوح رائحته إلا بالنار هكذا الإنسان لا تفوح منه روائح الفضائل إلا بكبحه بالصوم والبكاء والنوح وكما أن العود الرطب لا تؤثر فيه النار حتى تنزع منه الرطوبة هكذا الانسان الشبعان لا تؤثر فيه نار محبة الله حتى يجف بالصوم.
ثانيا من كتاب العهد القديم : إن الله أمر موسى النبي ان يقدس نفسه بالصوم ويقدس الشعب معه ايضا قبل ان يدنو جبل سينا لأخذ الوصايا ونقــــرأ فيه أن الصوم كان معمولا به فى اورشليم وغيرها في عهد إرميا النبي وإيليا النبي صام اربعين يوما واربعين ليلة ويهوديت كانت تصوم كل ايام حياتها ماعدا السبوت ورؤوس الشهور والأعياد وأهل نينوى صاموا وصام ايضا بنو اسرائیل وقت دفن شاول الملك وبنيه وقد أمر الله بالصوم على لسان يوئيل النبي بقوله: " قدسوا الصوم. نادوا بالاعتكاف ".
ثالثا - يثبت الصوم من العهد الجديد: إذ انه يخبرنا بصوم المسيح نفسه اربعين يوما واربعين ليلة ويقول: " ومتى صمتم فلا تكونوا كالمرائين ويقول إيضا: " إن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلوة والصوم " والقديس بولس الرسول يحرض المؤمنين على الصوم بقوله: فلنظهر انفسنا كخدام الله بالصبر والصوم
رابعا - يثبت الصوم من اعتباره سنة لازمة عند جميع طوائف البشر على اختلاف مذاهبهم ماخلا الذين قد جعلوا آلهتهم بطونهم أما وقد ثبت أن الصوم قديم جدا يتصل الامر به ببدء تكوين العالم و معمول به بموجب وصية الله جل وعز للأنسان الأول فى جميع أنحاء المعمورة رغم اختلاف طقوس وعوائد الناس ولكن مما يوجب الأسف والاستغراب معا أنك إذا سألت ذلك الذي يحتقر الصوم وينكر الوصية الالهية الصادرة به قائلا ما هي الوصية الأولى الالهية لآدم ؟ لأجابك حالا وبدون تردد بأنها وصية " الامساك عن الاكل " التي هي الصوم ولكنه يعود حالا فينكر ما قرره محتجا بعدم ذكر الصوم ضمن الوصايا العشر ولذا فهو لا يصوم ويجعل نفسه قدوة لغيره من البسطاء مهلا مهلا أيها المسيحي المعتمد بالماء والمتقدس بالروح القدس قل لي لماذا تنكر الصوم وتزدرى به وأنت عارف بأن مخالفة آدم وحواء لوصية الصوم إنما هي التي جرت على الجنس البشرى هذا الشقاء الذى يعقبه الموت لعلك تنكر وصية الختان أيضا المعمول بها لدى جميع البشر بموجب الوصية الإلهية القديمة الصادرة لإبراهيم أب الآباء وهى " هذا هو عهدى الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك يختن منكم كل ذكر ولعلك تحتج قائلا إنما لم تذكـــر ضمن الوصايا العشر أو لعلك تقول إنها وصية وقتية وانتهى أمرها بانتهاء زمانها فنقول لك أرجع بنا إلى قوله تعالى" فيكون عهدي في لحمكم عهدا أبديا " نعم أنه بختان المسيح قد بطل رسم الختان الحقيقي الذي كان الختان القديم رسما له ولكن هذا لا يدعو إلى القول بابطال الوصية كما أنه لا يصح أن يكون حجة للذين يعبدون بطونهم لان الانسان بجحده للشيطان وكل أعماله وقت العماد يختتن في غرلة الجسد أى تقطع عنه جميع الشهوات الجسدية وكل أباطيل العالم وبإعتماده بتغطيسه في الماء يدفن مع المسيح انسان الخطية القديم فيخرج المعتمد من جرن المعمودية مختتنا ختانا غير مصنوع بيد بشرية ومطهرا من كل خطية بنعمة المسيح إلهنا هذا هو الختان الحقيقى الذى كان الختان اليهودى رمزا له وهو ليس وقتيا كما يزعمون بل ثابتا إلى أخر الدهور كلها ها قد علمتم أن وصية الصوم كوصية الختان أما إذا كنت تريد معرفة السبب في عدم ذكر هاتين الوصيتين ضمن الوصايا العشر فإنما ذلك لأن هاتين الوصيتين كانتا قد تسلمتا قبل اعطاء الوصايا العشر أى أن الوصية الأولى الخاصة بالصوم أعطيت لآدم والثانية الخاصة بالختان أعطيت لإبراهيم وقــــد عمل بهاتين الوصيتين عند جميع طوائف الامم حتى الوثنين أيضا وليس اليهود وحدهم هم الذين كانوا يختتنون ويصومون كما يشهد بذلك صوم أهل نينوى وصوم كرنيليوس القائد الوثنى ولهذا السبب لم تذكر ضمن الوصايا العشر وجميع الانبياء تقريبا تكلموا على فضيلة الصوم وبالاخص زكريا النبي الذي أثبت أن الصوم كان في اوقات معينة ولم يكن موقتا كما يزعم البعض وهذا هو قول النبي " هكذا قال رب الجنود إن صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع وصوم العاشر يكون لبيت يهوذا ابتهاجا وفرحا وأعيادا طيبة " إن الصوم قديم جدا ومعمول به قبل المسيح بأجيال عديدة فإننا نرى في الكتاب المقدس أن موسى النبي صام اربعين يوما وأربعين ليلة والسيد المسيح لم ينقض الصوم بل ثبته بصومه هو نفسه أربعين يوما واربعين ليلة ثم وضع ترتيب الصوم موبخا المرائين اولئك الذين يتظاهرون أمام الناس بكثرة الصلوات والصوم كذبا والرسل ايضا كانوا يصومون كثيرا وفي أوقات محددة إذ يقول عنهم الكتاب: " لما مضى زمان طويل وصار السفر في البحر خطرا إذ كان الصوم أيضا قد مضى جعل بولس ينذرهم " وبولس نفسه يقول " أهـــــم خــــدام المسيح. اقول كمختلى العقل فأنا أفضل في الاتعاب أكثر في الضربات أوفر في السجون أكثر في جوع وعطش في أصوام مررا كثيرة " فلا عذر أذن للذين لا يصومون بل ويزدرون بالصوم قائلين إنه من اختراعات البشر لانه قد ثبت مما تقدم أن الأمر به يتصل عهده بيدء تكوين الأنسان وأما انت ايها الحبيب يامن تهرب من الصوم خوفا على صحتك فأرجوك ان لا تنظر إلى ما هو تحت بل إلى ما هو فوق لان الله خلقك مستقيما فأمن فقط إيمانا وثيقا بذلك الذى قوى موسى بعد أن صام اربعين يوما واربعين ليلة على النزول من أعلى الجبل وعلى سحقه العجل الذهبي وتذريته في الماء وكن واثقا بذلك القادر على كل شئ الذى جعل إيليا النبى يمشى اربعين يوما واربعين ليلة ولم يأكل في تلك المدة سوى أكلة واحدة بسيطة جدا لانها مركبة من خبز وماء فقط فإذا وثقت تمام الوثوق بقدرة الله على منحك الصحة والعافية وكل ما تريده فلا شك أنه يعطيك جميع ذلك ويساعدك في كل عمل صالح فآمن يا أخى وسلم الامر لله على الصوم طائعا مختارا فإن قوة الغذاء وكل قوات الطبيعة هي تحت سلطان الله ونواميسها في يده يفعل بها كيفما شاء إن الصوم يفيد الجسد والنفس يفيد الجسد لأن الصوم الاربعيني يأتينا دائما في الوقت الذي تكثر فيه الحميات والامراض الصعبة بسبب غليان الدم مع بقية الاخلاط التي يؤثر الصوم عليها أكثر من سواه فيخمدها. أما فائدة النفس من الصوم فهي مصالحتها مع الله وتقربها اليه وهاك الدليل أن موسى بعد صومه طلب من الله ان يريه وجهه بقوله " إن كنت وجدت نعمة فأرني مجدك " وأما آدم فلمـــــا خالف واكل اختفى ولم يقدر أن يرى الله فسبيلنا ايها الاحباء أن يكون صومنا نقيا لا ان نصوم عن أكل لحم الحيوان ونأكل لحم اخينا الإنسان ولا ان ننقطع عن بعض المأكولات ونضبط أوراق الظلم على القريب ولا أن تمون معدتنا فارغة من الطعام وقلبنا مملوءا من كل حقد وبغضة وخصام ولا أن نصوم عن الخمر والزيت ونهضم حق الأجير ونشرب دم الفقير بل ليكن صومنا نقيا مقبولا لدى الله حتى لا يوجه الينا قوله تعالى بلسان أشعياء النبي " لا اختار مثل هذا الصوم " وإننا نتوسل إليه تعالى أن يجعل هذا الصوم مباركا عليكم وعلى جميع المسيحيين الارثوذكسيين وان يتقبل اتعابكم واصوامكم وصلواتكم وصدقاتكم وقرابينكم ويبلغكم إلى يوم الفصح المجيد والقيامة المقدسة ويغفر لكم خطاياكم برحمته ورأفته ويحفظكم لمثل هذا العام وإلى أعوام عديدة بالسلام والعافية في اجسادكم وأرواحكم وينجيكم من فخاخ العدو المناسب ويبارك زراعاتكم ومتاجركم وكل تصرفاتكم وان ينيح نفوس أمواتنا جميعا الذين رقدوا على الايمان القويم وان يؤهلنا جميعا لسماع صوته الفرح القائل " تعالوا يا مباركى ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم. بشفاعة سيدتنا كلنا البتول الطاهرة مريم وجميــع مصاف الملائكة والشهداء والقديسين آمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية

عدد الزيارات 87

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل